الحمّام العربى … أم الحمّام الأفرنجى !!
الفاضل حسن عوض الله
5 May, 2012
5 May, 2012
عمود سطر جديد لعدد السبت 7 / 4 / 2012
يقال أن أحد الصحفيين سأل أحد الثوار الليبيين الشباب عن الفرق بين الرؤساء العرب والرؤساء الإفرنج فأجاب الشاب الليبى بعفوية وبساطة قائلاً : إنه نفس الفرق بين مقعد الحمام العربى ومقعد الحمام الأفرنجى ، فالمقعد الأفرنجى يمكن نزعه بفك مسمارين فقط أما المقعد العربى فلا يمكن نزعه إلا بتكسير الحمّام كله !!
هذه الطرفة الذكية المعبرة جاءتنى فى بريدى الإلكترونى من أحد الأصدقاء ، ولا أشك فى أنها أصبحت موضع تداول نشط فى الأروقة الإلكترونية بسبب دقة التشبيه ، فرياح الربيع العربى ما زالت تملأ الأشرعة بالشعارات والهتافات المسجوعة والنكات المتقنة ، كما أن تشبث من ينتظر من بقية الحكام حتماً سيرفد الشعوب بمزيد من المفردات التى تتحور وفقاً لتباين الثقافات ، فالبلطجية والبلاطجة والكتائب والشبيحة كلها تصب فى ذات المعنى . هذا التشبث الجنونى بمقاعد السلطة من قبل الحكام بات معدله فى إزدياد ، فأول المخلوعين الرئيس التونسى زين العابدين بن على كان خلعه هيناً وليناً نسبياً ... تماماً كخلع أنياب الأطفال ، وحسنى مبارك تطلب خلعه أياماً ودماً أقل ممن لحقه من المخلوعين من شاكلة القذافى واليمنى على عبد الله صالح ، أما السورى بشار فقد بات خلعه مثل خلع ضرس العقل بسبب ضراوة القمع والبطش والدماء التى أريقت والتى ستراق .
هؤلاء الطغاة الذين قضوا نحبهم والذين ينتظروا لم يوفروا القتل والتنكيل لشعوبهم ومعارضيهم فحسب بل فتكوا بأقرب الناس لهم ، فشهوة السلطة وطيب عيشها جعلتهم يفزعون ويتوجسون حتى من شركائهم ، فمعمر القذافى يقال أنه أشترى المعارض الليبى الرائد عمر المحيشى عضو مجلس قيادة الثورة الليبية السابق من أجهزة الإستخبارات فى المغرب حيث كان يقيم بمبلغ عشرين مليون دولار ، فتم إجبار الطائرة المدنية التى كان يستقلها من المغرب قاصداً السعودية على النزول فى مطار طرابلس بتنسيق أمنى وإستخبارى ليبى مغربى ، وتم إنزال عمر المحيشى منها ليجد أسفل السلم فى إستقباله معمر القذافى وعبد السلام جلود وهم حفاة يمسكون بأحذيتهم فى أيديهم ثم أوسعوه بها ضرباً قبل أن يذبحوه كما تذبح الخراف . وحافظ الأسد الرئيس السورى السابق ووالد بشار الحالى كان وزير الدفاع فى حكومة الرئيس السورى السابق نور الدين الأتاسى والتى كان يديرها فعلياً الرجل القوى اللواء صلاح جديد ( وهو من ذات الطائفة العلوية التى ينتمى لها حافظ الأسد ) . إنقلب حافظ الأسد على تلك الحكومة ووضع أركان الحكم السابق كلهم مثل نور الدين الأتاسى وصلاح جديد ويوسف زعين وإبراهيم ماخوس ، ووضعهم فى سجن المزة السورى لأكثر من ثلاثين عام الى أن ماتوا جميعاً ويقال أن صلاح جديد تم إقتلاع عينيه منذ اليوم الأول لدخوله ذاك السجن . وحتى الرئيس اليمنى على عبد الله صالح تآمر على أسلافه من رؤساء اليمن السابقين إذ يُتهم بالضلوع فى قتل الرئيسين السابقين الحمدى والغشمى حتى ينفتح الطريق أمامه نحو الرئاسة ، فالرئيس الأسبق الحمدى بعد قتله أُستجلبت بعض المؤمسات وتم قتلهن بجواره لتلطيخ سمعته بينما خلفه الرئيس الغشمى تم إغتياله بقنبلة إنفجرت فى وجهه وهو يهم بفتح حقيبة يحملها مبعوث من حكومة اليمن الجنوبى .
هكذا هم ... تاريخ دام وبشاعة وفتك بالشعوب والمعارضين والأقربين بينما ( المقعد الأفرنجى ) فى الحمّامات الغربية لا يمارس مثل هذا التشبث المريض ، فرئيس الوزراء البيرطانى ونستون تشرشل رغم كل المجد والبهاء الذى تحقق على يديه من هزيمة النازيين والفاشيين فى الحرب العالمية الثانية إلا أنه غادر المنصب بعد أن أسقطه الشعب فى الإنتخابات . وديجول الذى حرر فرنسا من الإحتلال النازى وبنى لها مكانة دولية مرموقة إستقال من المنصب بعد أن أسقط الشعب مشروع الإستفتاء الذى طرحه عقب ثورة الشباب فى فرنسا فى حقبة الستينات ، وآثر أن ينزوى فى قريته فى الريف الفرنسى الى أن مات . والرئيس الأمريكى الأسبق نيكسون أطاحت به مجرد محاولة للتلصص وزرع ميكرفونات فى مقر الحزب الديمقراطى ، ومن بعده بيل كلنتون كادت نزوة عاطفية عابرة أن تطيح به ، بينما الطغاة من رؤسائنا يستبيحون دماء وأعراض وغرف نوم المعارضين ... ونزواتهم وشهواتهم تزكم الأنوف .
ما أشقانا بالمقعد العربى فى حمّاماتنا ... وما أبدع المقعد الأفرنجى .
fadil awadala [fadilview@yahoo.com]