"سَتَجيءُ سَبعٌ مُرَّةٌ فلتَخزِنوا من حِكمَة الوَجَعِ المُصابِر سُكَّرا .. سَبعٌ عِجافٌ فاضبِطُوا أنْفاسَكم .. من بَعدِها التَّاريخ يرجِعُ أخضرا" .. الشاعر محمد عبد الباري ..!
بيوت سودانية ليست بالقليلة – وليست بالكثيرة كما قالت السيدة وزيرة التعليم العالي –مغلقة على قلوب مفطورة على مصائر شباب مؤهلين أكاديمياً (وهذا غريب)، ميسورين مادياً (وهذا مدهش) التحقوا بتنظيم أصولي متطرف، يستخدم قوة العلم وأناقة التكنولوجيا .. ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر .. وهذا أجبر البرلمان على يعرب عن قلقه، وأن يقترح على مختلف الوزارات أن تتشارك برنامجاً لتعزيز مبدأ وسطية الإسلامونشر التوعية عبر وسائل الإعلام .. لكن المسألة بكل أسف – وكالمعتاد - أعمق من ذلك ..! "الدعشنة" – إن جاز لكم هذا التعبير! - عمل سرِّي جاء نتيجة راجحة لثقافة علنية، بشَّر بعضنا بها، وتغاضى عن مثالبها أو انتقدها على استحياء بعضنا الآخر، فنمو داعش في السودان شأن له دلالاته الرمزية وأبعاده الثقافية المترامية، وعليه فإن اقتصار الحديث على صدام الحضارات، والتطرف الديني التقليدي فيه تبسيط مخل إن لم يكن تضليلاً ..! قبل اجتراح الحلول ينبغي أن نتأمل في أوجه ذلك الصراع بين نمطين إجتماعيين: مسلمون أسوياء ينشدون العيش بكرامة وكفاية وسلام، ويتعاطون مع الدين والوطن باعتبارهم شركاء لا أعداء، وآخرون يتعاملون مع الهوية الدينية بكثير من الغلو والانغلاق، ويستخدمون جهازاً ثقافياً مكرساً للشحن والتعبئة .. إذاً لهوية الدينية في حالة داعش ليست مجرد احتجاج على حال الإسلام وظلم المسلمين، بل هي مؤسسة للإقصاء والإدانة والانتقام تُحمِّل المسلمين من غير الدواعش مسئولية كل محن الأرض وكوارث الكون ..! قبل اتحاذ التدابير لا بد أن تعي مؤسسات المجتمع - على تعددها واختلافها - أنها تواجه كياناً عقائدياً ذو بعد ثقافي وأذرع إعلانية أثبتت الظروف أنها شديدة الجاذبية.. والجديد مع داعش أنها كيان ديني ضد الدولة والمواطن في آن معاً، وهي ضد المؤسسات المدنية وضد المجتمع بمختلف طبقاته أيضاً .. وهي في البدء ظاهرة تتغذى في انتشارها على دعم البيئة الثقافية الدينية الرائجة بمرجعياتها رموزها وتطرُّف مواقفها بأفعال وأقوال كانت تجري تحت سمع وبصر الحكومة ومباركتها، في الجوامع .. والمدارس .. وعبر صوت الإذاعات .. وعلى شاشات الفضائيات ..! نحن اليوم أمام معتقد اصطفائي يتصور أصحابه أنهم خلفاء الله وسادة الخلق وحراس الدين، وهم وحدهم الذين يمتلكون الحقيقة، ويتوهمون تطابق المشكلات المعاصرة مع حلولهم القديمة ويغضون الطرف عن باب المصالح المرسلة الذي تركه الدين موارباً إلى يوم يبعثون .. فإما الوصائية على الناس وإما شن الحرب عليهم وإنابة عنهم ..! داعش سجن عقائدي خلف أسواره شباب يمتلكون عقولاً نيرة أطفأوا مصابيحها بكامل إرادتهم واختاروا أن يحتطبوا في ظلام الشعارات وأوهام الخلاص، لذلك أقول إننا قبل التدابير الأمنية نحتاج تأسيس حوار ثقافي له جذور وملامح وبرامج جاذبة .. نحتاج مناهج تربية وتعليم مواكبة متحفزَّة تتصدى لكل ماهو غريب .. متطرف .. غير أخلاقي .. وغير لائق ..! وقبل ذلك كله بوابة وطنية مفتوحة على مصراعيها للحوار.. وضمانات عفو تام - غير مشروط - للعائدين من الظلام ..! منى أبوزيد munaabuzaid2@gmail.com