الحوكمة والإصلاح الإداري

 


 

 

 

يندرج الإهتمام بمفاهيم الحوكمة في إطار البنية الأساسية للتنمية في البلدان النامية، كما تقع أيضا في إطار الحفاظ على نظام الحياة ككل في البلدان المتقدمة التي أرست قواعدها إبان مرحلة النمو والبناء للمجتمع عامة.
وتتعدد مفاهيم الحوكمة. إلا أن جميع تلك المفاهيم تتلخص في أنها تعد النظام الذي يسيِّر ويرعى أعمال المؤسسة والرقابة عليها، ولها أهميتها في تطوير البيئات التنظيمية (مؤسسات الدولة والشركات المختلفة) وذلك من خلال علاقتها بآليات وإجراءات الإصلاح الإداري الذي يعد أحد العناصر المهمة في نظام الحوكمة، والذي يساهم بدوره في ضبط العمل وتوجيه العمليات نحو النجاح والتطور المستمر عبر حزمة من القوانين والقواعد التي تقود إلى الشفافية وتطبيق القانون.
ويمكن أن يعرف الإصلاح الإداري بمعنى جزئي ضيق، أو بمعنى شامل وواسع الذي يذهب إلى المدخل الذي ينظر إلى الحكومة أو المجتمع بحسبانه نظاما يتكون من هياكل مختلفة تؤدي وظائف متنوعة، وأن هذه الهياكل مترابطة ومتناسقة فيما بينها. وبالتالي فان أي خلل في أحدها يقود إلى اختلال الهياكل الأخرى. هذا فضلاً عن التركيز على أهمية الموارد البشرية باعتبارها العنصر الحاسم في تنفيذ وإحداث التغيير المطلوب، شريطة أن تكون مخرجات الجهاز الإداري تتسم بالنوعية والجودة لتحقيق الإصلاح الإداري المنشود.
وتعتبر المحافظة على المال العام الهدف الأول من عملية الإصلاح الإداري. ومن أهم السبل الكفيلة بتحقيق ذلك هي إكمال المظلة القانونية والتشريعية له، وبما يتلائم مع البيئة الاقتصادية، حيث أن معايير الحوكمة تقوم على الشفافية والمسائلة والمحاسبة، لضمان حقوق المتعاملين مع مؤسسات الدولة المختلفة سواء أكانت سلعية أم خدمية. وتعد حوكمة مؤسسات الدولة من أهم مؤشرات مكافحة الفساد، ومن أهم محفزات البيئة الاستثمارية وجذب رؤوس الأموال أيضا. وتعمل تلك الحوكمة ضمن معايير وقوانين ثابتة مما يشيع روح الاطمئنان بالنسبة لكافة المتعاملين فيها أو معها.
ويعد عنصرا الإفصاح والشفافية من أهم المبادئ اللازمة لتحقيق و/ أو تطبيق نظام حوكمة مؤسسات الدولة من خلال ضرورة توفر جميع المعلومات بدقة ووضوح وعدم إخفاء أي معلومة وإظهارها للجمهور في الوقت المناسب، مع الإفصاح عن كافة البيانات المالية والمعلومات الأخرى. والغرض بالطبع من كل ذلك هو توفير الحماية اللازمة للملكية العامة مع مراعاة مصالح المتعاملين مع مؤسسات الدولة المختلفة، والحد من استغلال السلطة في تفضيل المصلحة العامة أحيانا، مع زيادة الثقة في إدارة الاقتصاد القومي بما يساهم في رفع معدلات الاستثمار وتحقيق معدلات نمو مرتفعة في الدخل القومي، مع عدم إهمال أدوار الإعلام والمجتمع المدني في الرقابة إذ أن الارتقاء بثقافة المجتمع هو من خير وسائل الرقابة على المال العام.
كذلك يهدف الإصلاح الإداري إلى استيعاب المتغيرات الحالية والمتوقعة في حجم الموارد البشرية على مستوى منظمات الجهاز الإداري من حيث الكم والنوع، وتنمية قدراتها والتوسع في مجالات التأهيل والتدريب والتطوير. كما يستلزم الإصلاح الإداري وضع برنامج وظيفي شامل يحقق الاستثمار الأفضل لقدرات ومجهودات الموارد البشرية مستندا على جملة من الدراسات العلمية الشاملة التي تشمل (ولا تقتصر) على دراسات تخطيط القوى العاملة، وصولا إلى الإرتقاء بمستوى الأداء الفردي والجماعي، وكل ذلك مقرونا بالاهتمام ببرامج تقويم الشفافية والنزاهة والمساءلة الإدارية ومكافحة الفساد الإداري لتعزيز انتماء الموظف لوظيفته والتزامه بأخلاقيات وقيم العمل التي تعكس مستوى عاليا من الإخلاص والتفاني في إداء الواجب المسند إليها / إليه.
كذلك لم تغفل حوكمة الإصلاح الإداري عن برامج تعزيز المسئولية الإجتماعية ، حيث أن التأثير المتبادل بين مؤسسات الدولة والبيئة التي تعمل ضمنها يستوجب الاهتمام والتركيز على الأبعاد الاجتماعية الناتجة عن عمل المنظمات داخل المجتمع بهدف تعظيم الفائدة المرجوة من عملها وتحقيق أهدافها و تقليل الآثار السلبية التي قد تنتج عن عملها إلى أدنى الحدود الممكنة وفق المعايير المعلنة.
أن لإعتماد برنامج الإصلاح الإداري في الدولة عدد كبير من الفوائد، لا تقتصرعلى الحد من ظواهر الفساد الإداري فحسب، إذ أن الإصلاح الإداري يهدف أيضا إلى مواكبة المستجدات العلمية المعتمدة في علم الإدارة المطبقة في مختلف دول العالم. كما أن الإصلاح الإداري مسؤولية الجميع وهدف للجميع، إضافة إلى أن التوعية بنشر الحوكمة يعد الآن من متطلبات الإعداد لعملية الإصلاح الإداري.
كما أن نظام الحوكمة بما يكفله من توفير معاملة متكافئة لجميع أفراد المجتمع دون استثناء يمثل في حقيقته اتجاها إصلاحيا من خلال تحديد الحقوق والواجبات، وتنمية الشعور الوطني والولاء عند عموم أفراد المجتمع. غير أن هذا الامر يتطلب إلزام كافة أجهزة الدولة بتحديد متطلبات الحوكمة والسعي لتطبيقها والعمل بموجبها، مثل توفر المستلزمات اللازمة لتطبيق المواصفات القياسية في الإنتاج والخدمات، وإجراء دراسة شاملة ومفصلة للهياكل الإدارية للمؤسسات التابعة للدولة في ضوء المهام والاختصاصات المنصوص عليها في القوانين النافذة، مع تحديد مواطن الضعف ونقاط الخلل في آليات عمل المؤسسات، ووضع وتحديد الخطط التي تركز على معالجة هذا الخلل وتطوير الأداء. وينبغي كذلك إلزام كافة أجهزة الدولة باتباع معايير الإفصاح والشفافية، وعرض مخرجات عملها على الجمهور دون حجر أو تضييق، باعتباره الهدف الأول الذي تسعى لخدمتها كافة تلك الأجهزة.
كذلك لابد من قيام الجمعيات المهنية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الأعلام بالتعريف بمبادئ الحوكمة ومدى تأثيرها في دعم البنى التحتية لمؤسسات الدولة المختلفة.

nazikelhashmi@hotmail.com

 

آراء