*أساطير صغيرة
يحكى أن مقاطع الفيديو والصور المتتالية (البشعة) التي ينشرها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، يدفع المرء للتساؤل عن المغزى الحقيقي الذي يدفع هذه الذهنية الداعشية إلى ارتكاب مثل هذه الفظائع في حق الآخرين والتباهي بذلك أمام العالم، وفوق ذلك الادعاء أنها دوافع دينية إيمانية مقدسة، تبيح لهم بالتالي الحكم بقتل كل من يرون أنه مخالف لهم (في الدين)، كما تمنحهم – قبل ذلك – دافعية (عجائبية) للانتحار (الاستشهاد)؛ بتفجير أنفسهم وتفجير الآخرين أو الدخول في معارك محسومة سلفا بموت أكثرهم وكأن الحياة – هنا – تأخذ معناها من القتل – الموت فقط، قتل الذات أو قتل الآخر، كله سيان لدى الداعشيين الجدد أو منسوبي القاعدة والجهاديون بصورة عامة.. لكن للحياة معاني أخرى؛ أيضاً.
قال الراوي: للوهلة الأولى قد يعطي الخطاب الداعشي "القاعدي، الجهادي" صورة مضللة عن جماعة تتبنى فكرة إعادة تعمير الأرض وفقا لتصور ديني تطهري، يرتكز في موجهاته الدنيوية على تجربة الخلافة الإسلامية (الناصعة)، التي ملأت الأرض عدلا بعد الجور الذي حاق بالعباد، وهذه أولى عتبات التضليل؛ إذ يتم إحداث عملية إيهام تراكمي منتزع من سياق التاريخ يعبر عن هذا الحلم (دولة الخلافة العادلة) وإعادة زرعه في عقول المواطنين (الرعية) دون أن ينتبه أو يتساءل أحدهم عن حقيقة هذه الخلافة المحتذى بها ومتى وأين وكيف تحققت وأي تاريخ يحدثنا بها وهو ما لن يجد له الباحث أي أثر في التاريخ الإسلامي القديم أو حتى الحديث، فالحديث عن (خلافة يوتوبية) مستعادة حديث عن استعادة شيء لم يكن موجود أصلا وهو ما يستعاض عنه (تكنيكيا وتلبيسا) بالهجرة صوب ما هو أحق وأبقى – الآخرة!
قال الراوي: الحياة في ظل (الجهاد) بما يعنيه من مخاطر ومغامرة وخوض متكرر لتجربة الموت، قد تكون جاذبة ومغرية لكثير من الشباب، لاسيما إن ارتبطت بشيئين يبدوان ظاهريا متناقضين هما (الدين والمال)، مثلما هو متحقق الآن في الحالة الداعشية الماثلة برواتب (المجاهدين) الدولارية وأشواق الجنان ذات الحور التي تداعب مخيلة أكثريتهم، أما فيمَ تصرف الأموال فالإجابة تكمن في "المزيد من القتل، السلاح، المجندين وتخريب الأرض"، وكيف تتحقق الأشواق فالعبور صوب العالم الحقيقي (الآخروي) هي الإجابة.
ختم الراوي؛ قال: ليس من معنى للحياة لدى (الداعشيين) وأضرابهم سوى أنها (بورصة دموية) تحقق الانتقال.
استدرك الراوي؛ قال: لو فكر الداعشي أنه – ربما – يخطئ العبور، وأن مكانه قد يكون النار بدلا عن الجنة، فلربما اختلفت أشياء كثيرة.
*زاوية يومية بصحيفة (اليوم التالي)
منصور الصُويّم
mansourem@hotmail.com
////////