الخاسئون -1-

 


 

عادل الباز
26 October, 2010

 


ليس المهم من هُم... وزراء كانوا أم صحفيين أم سفهاء... المهم أنهم  مروّجو حرب ومثيرو كراهية، لا يعرف أحد من العالمين مصلحتهم في ترويج الحرب وإثارة الكراهية!! في كل منعطف تتوتر فيه الأجواء السياسية، تراهم استخرجوا فوفوزيلا الحرب ونفخوا فيها كأنهم بوم شؤم لا يعجبه إلا الخراب.
حينما تأزمت الأوضاع بين الشريكين في أبيي العام 2005 بدو يقرعون طبول الحرب وأعلنوا التعبئة الشاملة وكأننا على مقربة من حرب جديدة، فخسئوا، وما لبثت أن انطفأت النار قبل أن ينفخوا في ريحها.. لا شيء كانوا سيحصدونه يومها سوى الرماد.
مرة أخرى تأزمت الأوضاع على أيام الانتخابات، فبدأت أبواقهم تطلق التصريحات والشائعات لتؤكد أن الانتخابات ستشهد حمامات دم، وأن البلاد لن تعبرها بأمان؛ مرةً أخرى خسئوا، ومرّت الانتخابات ولم تطلق في فضائها رصاصة واحدة، ولم يجرح فيها شخص.
الآن يشحذون ذخيرتهم.... فالاستفتاء على الأبواب وهو فرصتهم الأخيرة لصنع الخراب الذي يشتهون. الرياح تملأ أشرعتهم الآن تصريحات السياسيين الهوج من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وإعلام  بالغ السوء.. تقارير الاستخبارات... رعونة المجتمع الدولي... طرِب الخاسئون حين أطلق أوباما تصريحات حذّر فيها من ملايين القتلى بسبب الاستفتاء. ولكن للمرّة الأخيرة سيخسأون حين لن تدور رحى حرب ولا مبرّر لقيامها أصلاً، ولكن تلك أمانيّهم، وعجباً لقوم يسارعون في خراب أوطانهم كأنها ما آوتهم ولا استظلوا بسمائها ولا أرضعتهم من ثديها!!!
لماذا يخوض الشماليون والجنوبيون ضد بعضهما الآن؟ من المستفيد من تلك الحرب وما هي النتائج المنتظرة؟ لو أنهم سألوا أنفسهم مثل هذه الأسئلة لتوصلوا لإجابات صحيحة، ولغادروا محطة الترويج للحرب الى أفق أكثر رحمة بالوطن. لكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا لحاجة في أنفسهم الأمّارة بالسوء!!.
 ماهي القضايا التي يمكن أن تثير حرباً بين الشمال والجنوب الآن؟ يقولون النفط... أها وتاني... الحدود...  وأبيي.. وأخيراً الكراهية بين الشماليين والجنوبيين المقيمين في البلدين!! حسناً أهذا كل ما هنالك؟ لا أظن أن هناك موضوعاً آخر يستحق أن تثار الحرب لأجله إلا إذا فقد الناس عقولهم!!
لنأتي لقضية النفط أولاً. لحسن الحظ  النفط ليس موضعاً لنزاع من حيث الجغرافيا، فأغلب الحقول المنتجة مواقعها محددة بشكل دقيق شمالاً وجنوباً، وليس من اختلافات عميقة حولها، إلا تلك التي في أبيي، وحتى هذه حسمتها بشكل كبير محكمة لاهاي. لكن هب أن هناك خلافاً حول حقول محددة للنفط (سنعود لهذه النقطة تفصيلاً في مقال لاحق)، فهل الحرب حل لمثل تلك المعضلة، أم أن الحرب التي ستشتعل هناك، ستوقد حرائق يتضرّر منها كلا الطرفين.. وهذه الحرائق إنما هي نار وقودها الزيت المشتعل، يتبع ذلك إهدار مليارات الدولارات التي ستتبخر مع أول دانة تُطلق!! الطرفان يعرفان مصالحهما جيداً مهما احتدّت الصراعات بينهما، ولا يمكن أن يصلا لدرجة جنون بإهدار مواردهما الشحيحة في حرب لا طائل منها. سنرى مواقفهما لاحقاً بشكل أكثر وضوحاً.
قضية الحدود التي يزعم كثيرون أن من شأنها تفجير صراع حدودي؛ مجرد وهْم . لا أعرف كيف توصل العباقرة لهذه النتيجة وبناء ًعلى أي تقديرات؟ فقط يثيرون الزوابع دون أن ندري من أي جهة تهب!! الحدود التي يثيرون الغبار حولها هي ألف وستمائة كيلو متر، ومن جملة تلك الحدود ليس هنالك سوى خمس مناطق محددة جداً مختلف حولها الآن وهي نفسها ليس بذات خطر. مثلا هناك منطقتان زراعيتان في النيل الأبيض هما جودة والمقينص، هناك خلاف حدودي حول ترسيمها على الأرض؛ وهي مناطق تمازج ثقافي وعرقي لعقود من الزمن، هل سمعتم بحريق هائل شبّ في تلك المناطق من قبل أم كلها حوادث محدودة؟ بيننا وبين إثيوبيا يجري التفاوض حول أراضي الفشقة، وما يثار هناك بين المزارعين من نزاعات محددة لم تتطور يوماً لحرب شاملة بين السودان وإثيوبيا.. فما الذي يدعو لحرب شاملة بسبب أراضي جودة أو المقينص؟ حفرة النحاس ومنطقة كاكا وهجليج هي المناطق التي يشتد النزاع حولها الآن، ما بها من ثروات متوقعة لا يستحق أن تخاض لأجله أي نوع من الحروب كما سنرى.
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم

 

 

آراء