في المقال السابق قلت ليس المهم من هم الخاسئون... وزراء كانوا أم صحفيين أم سفهاء... المهم أنهم مروّجو حرب ومثيرو كراهية. لا يعرف أحد من العالمين مصلحتهم في ترويج الحرب وإثارة الكراهية!! في كل منعطف تتوتر فيه الأجواء السياسية، تراهم استخرجوا فوفوزيلا الحرب ونفخوا فيها كأنهم بوم شؤم لا يعجبه إلا الخراب.
الأسبوع الماضي كان أسبوعاً للسلام بامتياز إذ سكتت فيه مدافع التصريحات الهوجاء، وبدأ رجال الدولة الحقيقيون يخرجون عن صمتهم ليهدّوا من روع الناس، لا بل يدعون لإحسان القول، والكف عن إثارة الزعازع. خرج علي عثمان في اجتماع مجلس ولاية الخرطوم يدعو لعدم إثارة الفتن، وكذلك فعل الأستاذ نافع في حوار بجريدة الرأي العام. بالطبع هذا يسعد. ولعلّ ما يسعد المرء أكثر أن تصريحات قادة الحركة الشعبية أصبحت أكثر اتزاناً، وخاصة في مسألة الحرب؛ فالأسبوع الماضي لم يصدروا أي تصريح يثير الفتن. ترتب على هذا الهدوء نتيجتان مهمتان: الأولى تتعلق بالاقتصاد، إذ شهد الدولار استقراراً نسبياً، ولم يواصل صعوده، كما كان متوقعاً، وهذا ما أشار له صابر محمد الحسن مدير البنك المركزي، مؤكداً أن أسباب تصاعد الدولار ليست اقتصادية، وهو ذات ما نبّه له الأستاذ علي عثمان، حينما أشار للضرر الذي تحدثه التصريحات الهوجاء في حياة الناس.
المناطق الحدودية التي أشرنا لها في السابق هي مساحات زراعية محدودة (كاكا - المقينص- جودة). وهي مناطق غالباً ما تشهد توترات بين المرزاعين بسبب الأراضي، ولكنها لم تكن يوماً سبباً لحرب بين الشمال والجنوب. هناك منطقتان أكثر توتراً هما: منطقتا كفا كنجي وأبيي. الأولى هي منطقة معادن أو يُعتقد أنها زاخرة بالمعادن. الجنوبيون يقولون إن المنطقة أصلاً تتبع لأعالي النيل، وضمّها عبود للشمال بقرار إداري، وأعادتها أديس أبابا للجنوب. على العموم هذه المنطقة على أهميتها ليست مرشحة لنزاع عسكري تحت أي ادّعاء، وهذا ما أفاد به أهل المنطقة في الاستطلاع الذي قام به الصحفي المميز دائماً بهرام عبد المنعم، ونُشر في عدد السبت في هذه الصحيفة.
تبقت هناك أبيي التي ترشحها غالب التوقعات أن تكون هي النقطة الساخنة بين الشمال والجنوب. أبيي بالفعل تشهد تعقيدات شتّى وهي تعقيدات تاريخية ليس ممكناً حلّها بين يوم وليلة. ولقد احتار حتى اليوم المفاوضون وأهل المنطقة والأمريكان في إيجاد مخرج لها. لكن الشاهد أن الجميع اتجهوا للتفكير خارج نصوص بروتكول أبيي ومحكمة لاهاي، وهذه خطوة جيدة في اتجاه إنتاج حلول خلاقة للمشكلة. أبيي التي قررت حدودها لاهاي ليس بها نفط يسوى أي شيء، فبها حقل وحيد هو حقل دفرة، وإنتاج هذا الحقل متناقص إلى أن وصل أدني انتاجية له 2000 برميل فقط في اليوم، وهو حقل ناضب. ما يخص الحقول الأخرى في منطقة هجليج، فمحكمة لاهاي أقرّت بتبعيتها للشمال، وهناك جدل حول تبعيتها لولاية الوحدة، ولكن
لم يثبت قط في أية وثيقة قُدمت في لاهاي التي شهدت وقائعها، أو غيرها، أن هذه المنطقة تتبع للجنوب. ما يبشر أيضاً أن الحركة اقتنعت باستحالة إجراء استفتاء في أبيي متزامن مع استفتاء الجنوب، وتم فك الارتباط بين استفتاء الجنوب وأبيي تماماً، وهذا ما أفاد به باقان أموم في تصريحاته الأخيرة. ولذا فإن احتمالات اندلاع حرب شاملة بسبب أبيي جد ضئيلة, قد ينشأ نزاع محدود في المنطقة في أعقاب الاستفتاء ولكنه لن يؤدي لحرب شاملة. والمتابعون للجدل في الصحف الجنوبية هذه الأيام يلحظون بوضوح أن الجنوبيين ليسوا على استعداد لدخول حرب مع الشمال بسبب أبيي التي ليست لها أي موارد تستحق أن تخاض حرب لأجلها. الغريب أن الإعلام العالمي يردد أن أبيي غنية بالنفط؟ أين هذا النفط؟ نفط أبيي كلها سينضب بعد ثلاث سنوات. وبالمناسبة نفط السودان، أو الحقول الحالية كلها ليست مشجعة، آخر دراسة لصندوق النقد الدولي أكدت ان انتاج بترول السودان لن يزيد عن 151 ألف برميل في اليوم في العام 2030م، إلا أن تحدث اكتشافات جديدة، وهذه معلومة كشف عنها الباحث حافظ إسماعيل في مركز السلام والعدالة. هناك معلومة حول الاحتياطي في أراضي السودان يقدر بسبعة بلايين برميل ولكنها ليست مؤكدة.