الخديعة.!
الطيب الزين
4 January, 2023
4 January, 2023
القوى السياسية والمنظمات المدنية والحركات المسلحة والنقابات والإتحادات التي وقعت على الإتفاق الإطاري، عملياً هي تخلت عن مبادئي وشعارات الثورة وأهدافها في الحرية والعدالة والسلام وفكرة بناء الدولة المدنية.
وباعت ضمائرها ودفنت رؤوسها في رمال متحركة وسارت في طريق رسمت معالمه بعض القوى الخارجية
عبر سفرائها في السودان قائم على العصا والجذرة، أي ضغوط على الإنقلابيين وإغراءات للمدنيين بهدف حثهم وتشجيعهم للتوصل إلى إتفاق سياسي يقود إلى تشكيل حكومة مدنية، لا تخرج عن الإطار الذي رسمته الدول التي مارست الضغط على الإنقلابيين سواء لضمان مصالحهما أو تطمين مخاوفها.!
فقبول قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بهذه الإتفاق ومن ثم دعوة آخرين للتوقيع عليه، في تقديري يعبر عن حالة إضطراب وسوء تقدير للموقف نتيجة لغياب المنهج السياسي العلمي الذي من خلاله تستطيع قراءة المشهد بكل تجلياته الحالية ومالآته المستقبلية.
أكيد القارئي الحصيف للمشهد السياسي في المنطقة، لا يتوقع أن يكون مآل المشهد السوداني أفضل من مالآت المشهدين المصري والليبي، وذلك يرجع إلى أن الفاعلين المؤثرين الممسكين بخيوط اللعبة في هذه الدول وغيرها من الدول التي شهدت ثورات شعبية هدفهم الأساسي هو التحكم في مخرجات الثورات التي شهدتها هذه الدول.
هذا الأمر يتضح من خلال السيناريو المطروح الآن لتجاوز واقع الأزمة السودانية التي فاقمها إنقلاب 2021/10/25.
بالمناسبة الإنقلاب، على الحكومة الإنتقالية، كان الهدف من ورائه هو إحداث صدمة نفسية قوية في الرأي العام السوداني، هذا أولاً.
وثانياً هز القناعات وتشتيت الجهود، وتفتيت قوى الثورة من خلال تقديم بديل للإنقلاب في ظاهره يبدو مناقضاً للإنقلاب، لكن في جوهره هو مواصلة في ذات الإتجاه الذي أسس له الإنقلاب، إي ضرب الثورة في مقتل عبر إعاقة مسار التحول الديمقراطي وجعل الوصول إلى تحقيق أهداف الثورة الأساسية صعباً إن لم يكن مستحيلاً، وهذا هو جوهر المؤامرة على الثورة السودانية.
لذلك نعتبر من وقعوا على الإتفاق الإطاري، وقعوا في خديعة كبيرة تبدو في ظاهرها مكاسب للقوى المدنية لكن في جوهرها خسائر كبيرة لقوى الثورة الحقيقية المؤمنة بمشروع بناء سلطة الشعب الخالية من هيمنة العسكر ومن يدعمهم علنا أو من وراء الستار.
من هذا المنطلق نعتبر ما يجري هو تخدير للعقول ليس إلا، مشروع التسوية هو نسخة من نسخ تآمر تعرضت لها الثورات في المنطقة العربية.
حدث هذا الأمر في مصر، التي تعرضت فيها الثورة لذات السيناريو الذي أدى إلى عودة الإستبداد، بقيادة عبدالفتاح السيسي الذي كان يشغل منصب القائد العام للجيش المصري، بعد أن أزاح الشعب المصري نظام حسني مبارك عبر ثورة شعبية، لكن السيسي إستغل خلافات القوى السياسية المدنية المصرية وإنقسامها، بجانب معرفته عدم رغبة بعض الدول في المحيط الإقليمي والدولي في رؤية تحول ديمقراطي حقيقي في مصر ونفذ إنقلابه في 2013.
ذات الشيء حدث في ليبيا برغم توصل أطراف الصراع هناك إلى إتفاق الصخيرات في المغرب في 2015، الذي جاء نتيجة توافق القوى المحلية والإقليمية والدولية، وكان بمثابة خريطة طريق للخروج من الأزمة السياسية التي حالت دون تحقيق الإنتقال الديمقراطي، الذي تحول إلى إقتتال قبلي.!
ما يجري في السودان هو نسخة طبق الأصل للسيناريو المصري، والدليل على ذلك هو خلو نصوص الإتفاق من أي مادة تنص على ضرورة تنحي البرهان عن قيادة المؤسسة العسكرية.
وبحسب نصوص الإتفاق الإطاري لا أحد ممن وقعوا على الوثيقة الإطارية سيكون قادراً على توجيه اللوم أو النقد للبرهان، ناهيك عن مطالبته بالإستقالة أو إقالته.
إذن ما هي مسؤوليات وصلاحيات الحكومة المدنية؟
وما هي فاعليتها ودورها في تفكيك بنية الفساد والإستبداد التي أوجدها الطاغية عمر البشير في داخل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية؟
لماذا لا تخضع هذه المؤسسات وقادتها الذين وظفهم النظام السابق كأدوات لتنفيذ تعليماته وأوامره لقهر الشعب السوداني وإنتهاك حقوقه ومصادرة حرياته طوال ثلاث عقود مظلمة لمسؤولية الحكومة المدنية المنتظر تشكيلها بموجب الإتفاق الإطاري؟
ولماذا لا يساءل البرهان وبقية الإنقلابيين عن جريمة إنقلاب 2021/10/25، على الحكومة الإنتقالية ومضاعفات ذلك على إستقرار الوطن وأمن المواطن وحياته ومعاشه وسقوط أكثر من مئة شهيد وشهيدة، وآلاف الجرحى والمصابين؟
هناك أسئلة كثيرة ستظل عالقة بلا أجوبة، نتيجة للدور الذي يضطلع به الإنقلابيين لتمرير مخططات القوى الخارجية .. بالأخص القوى الإقليمية التي تعادي الديمقراطية وتخشى من كلمة ثورة.
بناء على هذه الحقائق البرهان ومن معه لن يتخلوا عن السلطة، لأنهم ينفذون أجندة تتقاطع تماماً مع تطلعات الشعب السوداني.
لذلك من يقبل بمشاركتهم، أو وجودهم في قيادة المؤسسة العسكرية يكون عملياً قد شارك في المؤامرة التي تحاك ضد الثورة.
المؤامرة هدفها تفتيت قوى الثورة وتعقيد المشهد السياسي لإعاقة مشروع التحول الديمقراطي حتى يستسلم الشعب السوداني للإملاءات الخارجية ويتحول إلى قطيع يقبل بالعلف والعودة إلى حظيرة الإستبداد مرة أخرى، وبذلك يجد الطامعين في خيرات السودان وثرواته الكثيرة فرصتهم الذهبية عبر حكم العسكر وبعض الدمى، الذين يُمكن شراؤهم باالريال والدلاور حتى تظل الساقية مدورة وتسهل مهمة نهب مواردنا والتحكم في قرارنا الوطني.!
الطيب الزين
Eltayeb_Hamdan@hotmail.com
////////////////////////
وباعت ضمائرها ودفنت رؤوسها في رمال متحركة وسارت في طريق رسمت معالمه بعض القوى الخارجية
عبر سفرائها في السودان قائم على العصا والجذرة، أي ضغوط على الإنقلابيين وإغراءات للمدنيين بهدف حثهم وتشجيعهم للتوصل إلى إتفاق سياسي يقود إلى تشكيل حكومة مدنية، لا تخرج عن الإطار الذي رسمته الدول التي مارست الضغط على الإنقلابيين سواء لضمان مصالحهما أو تطمين مخاوفها.!
فقبول قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بهذه الإتفاق ومن ثم دعوة آخرين للتوقيع عليه، في تقديري يعبر عن حالة إضطراب وسوء تقدير للموقف نتيجة لغياب المنهج السياسي العلمي الذي من خلاله تستطيع قراءة المشهد بكل تجلياته الحالية ومالآته المستقبلية.
أكيد القارئي الحصيف للمشهد السياسي في المنطقة، لا يتوقع أن يكون مآل المشهد السوداني أفضل من مالآت المشهدين المصري والليبي، وذلك يرجع إلى أن الفاعلين المؤثرين الممسكين بخيوط اللعبة في هذه الدول وغيرها من الدول التي شهدت ثورات شعبية هدفهم الأساسي هو التحكم في مخرجات الثورات التي شهدتها هذه الدول.
هذا الأمر يتضح من خلال السيناريو المطروح الآن لتجاوز واقع الأزمة السودانية التي فاقمها إنقلاب 2021/10/25.
بالمناسبة الإنقلاب، على الحكومة الإنتقالية، كان الهدف من ورائه هو إحداث صدمة نفسية قوية في الرأي العام السوداني، هذا أولاً.
وثانياً هز القناعات وتشتيت الجهود، وتفتيت قوى الثورة من خلال تقديم بديل للإنقلاب في ظاهره يبدو مناقضاً للإنقلاب، لكن في جوهره هو مواصلة في ذات الإتجاه الذي أسس له الإنقلاب، إي ضرب الثورة في مقتل عبر إعاقة مسار التحول الديمقراطي وجعل الوصول إلى تحقيق أهداف الثورة الأساسية صعباً إن لم يكن مستحيلاً، وهذا هو جوهر المؤامرة على الثورة السودانية.
لذلك نعتبر من وقعوا على الإتفاق الإطاري، وقعوا في خديعة كبيرة تبدو في ظاهرها مكاسب للقوى المدنية لكن في جوهرها خسائر كبيرة لقوى الثورة الحقيقية المؤمنة بمشروع بناء سلطة الشعب الخالية من هيمنة العسكر ومن يدعمهم علنا أو من وراء الستار.
من هذا المنطلق نعتبر ما يجري هو تخدير للعقول ليس إلا، مشروع التسوية هو نسخة من نسخ تآمر تعرضت لها الثورات في المنطقة العربية.
حدث هذا الأمر في مصر، التي تعرضت فيها الثورة لذات السيناريو الذي أدى إلى عودة الإستبداد، بقيادة عبدالفتاح السيسي الذي كان يشغل منصب القائد العام للجيش المصري، بعد أن أزاح الشعب المصري نظام حسني مبارك عبر ثورة شعبية، لكن السيسي إستغل خلافات القوى السياسية المدنية المصرية وإنقسامها، بجانب معرفته عدم رغبة بعض الدول في المحيط الإقليمي والدولي في رؤية تحول ديمقراطي حقيقي في مصر ونفذ إنقلابه في 2013.
ذات الشيء حدث في ليبيا برغم توصل أطراف الصراع هناك إلى إتفاق الصخيرات في المغرب في 2015، الذي جاء نتيجة توافق القوى المحلية والإقليمية والدولية، وكان بمثابة خريطة طريق للخروج من الأزمة السياسية التي حالت دون تحقيق الإنتقال الديمقراطي، الذي تحول إلى إقتتال قبلي.!
ما يجري في السودان هو نسخة طبق الأصل للسيناريو المصري، والدليل على ذلك هو خلو نصوص الإتفاق من أي مادة تنص على ضرورة تنحي البرهان عن قيادة المؤسسة العسكرية.
وبحسب نصوص الإتفاق الإطاري لا أحد ممن وقعوا على الوثيقة الإطارية سيكون قادراً على توجيه اللوم أو النقد للبرهان، ناهيك عن مطالبته بالإستقالة أو إقالته.
إذن ما هي مسؤوليات وصلاحيات الحكومة المدنية؟
وما هي فاعليتها ودورها في تفكيك بنية الفساد والإستبداد التي أوجدها الطاغية عمر البشير في داخل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية؟
لماذا لا تخضع هذه المؤسسات وقادتها الذين وظفهم النظام السابق كأدوات لتنفيذ تعليماته وأوامره لقهر الشعب السوداني وإنتهاك حقوقه ومصادرة حرياته طوال ثلاث عقود مظلمة لمسؤولية الحكومة المدنية المنتظر تشكيلها بموجب الإتفاق الإطاري؟
ولماذا لا يساءل البرهان وبقية الإنقلابيين عن جريمة إنقلاب 2021/10/25، على الحكومة الإنتقالية ومضاعفات ذلك على إستقرار الوطن وأمن المواطن وحياته ومعاشه وسقوط أكثر من مئة شهيد وشهيدة، وآلاف الجرحى والمصابين؟
هناك أسئلة كثيرة ستظل عالقة بلا أجوبة، نتيجة للدور الذي يضطلع به الإنقلابيين لتمرير مخططات القوى الخارجية .. بالأخص القوى الإقليمية التي تعادي الديمقراطية وتخشى من كلمة ثورة.
بناء على هذه الحقائق البرهان ومن معه لن يتخلوا عن السلطة، لأنهم ينفذون أجندة تتقاطع تماماً مع تطلعات الشعب السوداني.
لذلك من يقبل بمشاركتهم، أو وجودهم في قيادة المؤسسة العسكرية يكون عملياً قد شارك في المؤامرة التي تحاك ضد الثورة.
المؤامرة هدفها تفتيت قوى الثورة وتعقيد المشهد السياسي لإعاقة مشروع التحول الديمقراطي حتى يستسلم الشعب السوداني للإملاءات الخارجية ويتحول إلى قطيع يقبل بالعلف والعودة إلى حظيرة الإستبداد مرة أخرى، وبذلك يجد الطامعين في خيرات السودان وثرواته الكثيرة فرصتهم الذهبية عبر حكم العسكر وبعض الدمى، الذين يُمكن شراؤهم باالريال والدلاور حتى تظل الساقية مدورة وتسهل مهمة نهب مواردنا والتحكم في قرارنا الوطني.!
الطيب الزين
Eltayeb_Hamdan@hotmail.com
////////////////////////