الخروج من الأزمة والحفاظ على الوطن
مدخل :
"إن لم تكن تحمل هم الوطن فأنت هم على هذا الوطن"
يحاول كثير من المفكرين والوطنيين والسياسيين وأساتذة الجامعات من أبناء السودان الصالحين اقتراح حل للأزمة الكبرى التي تعيشها البلاد والتي تزداد تعقيداً يوما بعد يوم وتتوالد منها وعبرها محن وإحن خطيرة تؤذن بانهيار الدولة السودانية !!!
قامت حكومة الانقاذ منذ سطوها على السلطة في 1989م بمحاولات عديدة للتغلغل في الاقاليم وكسر ولاءات تلك المناطق للأحزاب الطائفية، فقامت بشراء الذمم لضعاف النفوس من زعماء بعض القبائل ووجهائها بالمال والسلطة فقاموا بمبايعتها وقبول سياستها!!!، وتطبيقاً لسياسة فرق تسد،عملت حكومة الانقاذ كذلك على إشعال الفتن بين بعض القبائل الأخرى من خلال نزع السلطة والأراضى من بعضها وإعطائها للبعض الاخر.
تلك السياسات الخاطئة أدت لازدياد الشعور بالكراهية بين مكونات المجتمع في تلك المناطق وعودة روح القبلية النتنة والولاءات العرقية، وإحياء أحقاد وثارات قبلية بل ثارات بين أفخاذ القبيلة الواحدة. بجانب الشعور بالظلم والتهميش الاقتصادي والاجتماعي من البعض الاخر . تداخل كل تلك العوامل أدى لتأجيج الصراع المسلح في دارفور واشتعال الحروب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، مما ينذر بانفجار المجتمع وبدايات حرب أهلية كبرى لن تبقي ولن تذر شئياً في السودان!!!. وهو وضع خطير لا ينكره إلّا أعمى بصيرة أو صاحب غرض!!!
يلاحظ كذلك ان الفجوة الاقتصادية والاجتماعية تتسع شيئا فشيئيا بين أبناء السودان، فما بين ظهور طبقة من الأثرياء الجدد من أصحاب المناصب الحكومية وأهاليهم "مجمع كافوري" و الأثرياء المتاجرين بقوت الشعب والذين يتسببون في إفقاره يوما بعد يوم ، و الاثرياء من تجار الحرب. وبين ظهور طبقة اخرى كبيرة من الالاف المحتاجين والمتسولين والفقراء يكبر الغبن الاجتماعي.
إذن ما عدا القلة الحاكمة أو المنتفعة من وجود نظام الانقاذ في الحكم، نجد أن غالب او كل الشعب السوداني قد فقد الأمل في "إنصلاح" الحال، وهم يحيون في ضنك من العيش وغلاء الأسعار وانقطاع التيار الكهربائي، صرح النائب البرلماني المستقل محمد طاهر عسيل في 06/06/2016م "الأسعار زائدة، كهرباء مافي وموية قاطعة...والمواطن يعاني"!!!. ومن ناحية أخرى يموت المواطن السوداني في اليوم ألف مرة خوفاً - كتلوك ولا جوك جوك- تحت الارهاب اليومي الذي تمارسه سلطات الامن والاستخبارات بالرقابة القبلية على الصحف ومصادرتها بعد الطبع وضرب الصحفيين واعتقال الناشطين السياسيين ; واعتقال الطلاب حتى من داخل مكاتب المحامين، بل واعتقال أي مواطن بدون أي مبرر سوى "عايزنك معانا"، والذهاب به الى أماكن غير معلومة، وتعذيبه وأحيانا التسبب في اختفائه النهائي، بل إن دخول قوات الدعم السريع امس الاول الى مدينة أم درمان ما هو إلا نوع من الإرهاب واستعراض العضلات لإسكات أي نية في نقد السلطة الحاكمة سراً أو علانيتاً!!!
مما لا شك فيه أن هناك تراجع في إيرادات الدولة وحتى تلك الدول المانحة للقروض بسخاء في الماضي اصبحت تتردد كثيرا في إعطاء القروض او المنح او الهبات لأنها أدركت أنها تذهب ادراج الرياح نحو الأرصدة وحسابات النافذين البنكية في حكومة الإنقاذ. مما سيقلل من حجم ميزانية الدولة "قطعة الجاتوه" التي يتداعى عليها النافذين والمنتفعين في حكومة الإنقاذ، وهو أمر سيؤدي لأمرين ضعف الولاء للنظام الحاكم وكذلك إطلاق يد المنتفعين ليعيسوا فسادا كما شاءوا بغرض الحصول على المال. وفي الحالتين سيقود ذلك لإضعاف الدولة وانفراط الامن بها!!! دون نسيان أن ترتيب رئيس نظام الإنقاذ البشير للمهارب و"مخارجة" النفس اذا اضطر لعدم دخول الانتخابات المقبلة، هو أمر سيقود لإنفجار الخصومات وتصفية الحسابات بين ورثته السياسيين والعسكريين وغيرهم!!!
هذه الحالة من الضعف ستقود بصورة آلية الى تصاعد الاعمال الإجرامية المنظمة وإعمال النهب المسلح والتصفيات والانتقامات!!! وكذلك لانفجار الصراع المسلح في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق في صور جديدة تختلف عن الحرب التقليدية. مما يعني ايضا تفكك قوة السلطة المركزية وإضعاف الدولة وسقوطها. وهو أمر سيشجع الحركات المسلحة لإعادة تنظيم صفوفها وزيادة قوتها لفرض سيطرتها على أكبر مساحة ممكنة من الأرض أو اتخاذ أساليب أخرى في الحرب ضد الحكومة المركزية والمحلية، وتظل رحى الحرب والعنف تقتل مواطن الأقاليم النائية مباشرتا أمس في جبل مرة و اليوم في "هيبان" وغدا في منطقة اخرى، بلا توقف!!!
يبقى السؤال الأهم والذي طرحناه من قبل ونظل نطالب كل مواطن سوداني صادق أن يطرحه على نفسه وعلى السلطة الحاكمة وعلى الحركات المسلحة أيضا، ماذا كسب السودان من حالة الحرب الشبه مستمرة بلا انقطاع الّا سنوات قليلة منذ 1952م حتى تاريخ اليوم، غير موت ملايين المواطنين وسقوط الالاف من الجرحى ومعاقي الحرب بجانب الخراب والدمار والتخلف وإضاعة موارد البلاد ورغم كل ذلك الثمن الباهظ لم ينتصر ولن ينتصر أحد؟؟؟
ما نود أن نقوله من خلال هذا المقال انه لا حل الا الحل السياسي والّا فأن أول الخاسرين هم حكام اليوم، ورهانهم خاسر لانه ليس لهم ضمانات في مألات الامور إذا إنفجرت!!! أما الشعب السوداني فقد إعتاد أن يعيش في خوف وتقشف بل فقر خلال اكثر من ربع قرن من حكم حكومة الإنقاذ!!! ولعل ذلك الحل السياسي قد بدأ منذ إبعاد صقور الانقاذ أمثال د.نافع علي نافع وصلاح قوش وغيرهم وضعف قبضة وسياسة النائب الأول بكري حسن صالح، وإضعاف الجيش بإبعاد الفريق عبدالرحيم حسين الى ولاية الخرطوم.
ذلك الحل السياسي يحتاج لوساطة يقبلها الشعب السوداني ويقبلها نظام الإنقاذ تلك الوساطة التي يمكن أن تتدارك السودان قبل سقوط الدولة. تتكون تلك االجبهة الوطنية من أولئك الذين ذكرناهم في بداية المقال من الوطنيين والمفكرين والسياسيين وممثلي منظمات المجتمع المدني وأساتذة الجامعات بما فيهم بعض الاسلاميين مثل بروفسور الطيب زين العابدبن ود. غازي العتباني وغيرهم ، هذه الجبهة الوطنية هدفها "التحول الديمقراطي" و ضمان التبادل السلمي للسلطة عبر تكوين حكومة وطنية عريضة أعمدتها هم الاختصاصين "التكنوقراط" وكذلك ضمان عملية إحلال وإبدال و"تحلل" سياسي سلمي للنافذين في السلطة بحيث يتم الفصل بين الدولة وحزب المؤتمر الوطني، وتحول الحركات المسلحة إلى حركات سياسية أو اندماجها في أحزاب مدنية، ورفع شعار التصافي والتعافي وبذل كل الجهود الممكنة لإحلال السلام والحفاظ على الوطن.
أنشد الشاعر عبدالأله زمراوي :
"هذا زمانك يا تتار
شكرا لأعداء النهار
شكرا لمن باعوا لنا
الدين المغلف بالبهار!
شكرا لأعداء النهار
يا من سرقتم لوح جدي،
وأقتسمتم بينكم
صدف البحار!
ماذا أقول لجدتي:
يبست ضراعاتي،
وكفي ما يزال
على الجدار".
wadrawda@hotmail.com