الداعية صاحب البيعة .. (كانْ غيرك أشطر)

 


 

 

 

    حاولت أكثر من مرّة إن أكفكف قلمي عن هذا الداعية الذي يحكم بردة الآخرين ويذهب إلى أهل السلطان الفسَقة بزعم انه يقوم بنصحهم (سراً) أمام صِحاف البطيخ..! إنه يحكم بردة الآخرين ثم ينكر ذلك بلا خجلة وهو يعلم أن الأقدمين يقولون إن "كذبة المنبر بلقاء" أي أنها مثل الغرّة البيضاء في الفرس الأسحم لا يمكن إخفاؤها.. وهو يتسلّم أموال من رئيس الجمهورية المخلوع "كتامي" لتمويل قناة مجهولة المصدر والهدف والوجهة.. قال أنها قناة لا يملكها أحد ولكنه رئيس مجلس إدارتها..! ثم عندما يقول رئيس الإنقاذ المخلوع إنه أعطاه أموال للقناة يقع الداعية في اللجاجة و"اللجلجة" ويقول إن الرئيس صدق في ما قاله (وهو كذوب).. ثم يقول لقد كذب (لكنه صدوق).. ثم يتمزق دفاعه بين مصير الأموال: هل هي لقناة " طيبة" أو لرسوم هيئة البث؟ أم هي لهيئة الاتصالات؟ أو الأقمار الصناعية؟ ومرة يذكر أنها لإصلاح ماكينات "مصحف إفريقيا"..! وهكذا تضيع الحقيقة بين لفائف الشال وطيّة العمامة..ثم يقوم هذا الداعية بتقبّل البيعة..البيعة على ماذا؟.. الله وحده يعلم على ماذا يبايعون هذا الرجل.. الذي يريد أن يتولى أمر الفتنة يحتاج إلى شكيمة.. حتى الفتنة تحتاج إلى من يقدر عليها.. فهل يستطيع الذين يرفلون في بطر النعمة الدنيوية والدولارات تحمّل تبعات المبايعة على الشر والفتنة.. اللهم إنها "مسألة صعبة"!!

    كان إحجامي عن الحديث عنه تقليلاً من شأنه وشأن ما يقول وما يفعل، فهو منكود ممرور مثله مثل جماعة الإنقاذ من مصابي (الغدد الصماء) وهو غاضب مهزوز لأنه فقد حظوة الحاكمين على حين غرّة بسبب ثورة باسلة أتت عليه وعليهم من حيث لا يحتسب ولا يحتسبون..فراحت عليهم وعليه أيام اليوروهات والأعطيات (الغمّاتي) والاستفراد بالمنابر و"الفتاوي المضروبة"... وقلت لنفسي إن بالدنيا وفي السودان ما يستحق التناول أكثر من ترّهات (دعاة آخر زمن) ومن حركات الإنقاذيين الغاضبين على أفول شمس دولة السرقة والنهب والظلام.. ولكن نقر في راسي تحذير من (علماء الميكروبات) يشير إلى خطورة إهمال ما تفعله المجنّحات الصغيرة التي يمكن أن تنقل بكتريا وفيروسات تهلك مدينة بكاملها..! 

   لم يتحدث هذا الداعية طوال عهد الإنقاذ عن القهر والفساد الذي عمّ القرى والحضر ووصل إلى "رأس السمكة"..لماذا يا ترى؟! لا بد أن يكون هناك "سبب وجيه" ولو كان يرى أن الإنقاذ فاسدة ومفسدة لما تسلّم أموال من رئيسها لتسيير قناة لم يعرف عنها الناس غير أنها "بؤرة ملونة لنشر الجهل" حتى يوافقوا بالصرف عليها من أموال الدولة.. وهو لا يتحدث عن الدماء التي سالت ظلماً أيام الإنقاذ السوداء ومذابحها الآثمة المروّعة.. وعندما طلبوا منه الصلاة على شهداء الثورة قال إن المساجد ليست مكاناً للسياسة؛ ومعنى ذلك أن صلاة الغائب أصبحت من البنود السياسية؛ ولماذا إذن كان التشمير للصلاة على "بن لادن والدواعش وأبو بكر البغدادي"..وهل الحديث الآن عن السياسة في منابر المساجد ومهاجمة الثورة وانتقاد الحكومة والوزراء والشباب والرياضة و(الفريق القومي).. هل هذا حديث عن فضائل الدين ومكارم الأخلاق والبعث والنشور..!

   طبعاً الآثار الارتدادية للثورة العظيمة لا بد أن ينتج عنها مثل هذه الكركبة و(الجنكبة) و(الفرفرة) والمحاولات المستمرة لجمع كل ما يمكن جمعه من ركام الإنقاذ وبقاياها من بشر و(زلنطحية) وأموال ومؤامرات.. ولو ترك هذا (اللميم والرميم) الناس في حالهم وثورتهم لما (تشوّط الناس بهم) ولكنهم وهذه طبيعة متأصلة فيهم لا يحبون الخير للعباد ولا يرتاحون إلا حين (يتعكنن الناس) ولا ينعمون بالمال إلا عندما تيبس الحلوق.. إنهم مهزومون في قرارة أنفسهم ولكنهم يحاولون التطاول والسخرية من الثورة بمد ألسنتهم (المفلطحة) ومنهم خبراء إستراتيجيون وبروفيسورات كما يقولون عن أنفسهم.. بعضهم أكل (وش الكيكة) في جامعة إفريقيا العالمية وبعضهم لعق بقية (الحُترب) وبعضهم (سحت) نثريات اتفاقية الدوحة ومنهم من ظنّ أنه من أباطرة المنابر والصحف والسياسة ولم يزد إسهامه في السياسة غير تعهده بذبح ثور أبرق عند انفصال الجنوب، ومنهم قناة تنسب نفسهم للضياء والشروق وتنشر السموم، ومنهم رجل أقام أكاديمية بديباجة من جامعات أعالي البحار العريقة وعندما استفسروه عن مصادر تمويلها قال انه (باع حواشة أبوه)..أو رئيس الحزب الجديد الذي أراد أن يغسل جنازة المؤتمر الوطني بـ(الديتول) وغيره ممن اتبع هواه وكان أمره فُرطا..!

    أما الداعية صاحب القناة و"جليس البطيخ والتورتات" مع الحكّام فلا أحد طلب منه إقامة الدين أو هداية الأمة السودانية فهذا مهمة أكبر من مجرد نفخ (العبايات) وإطلاق اللحية وحف الشارب والصعود على المنابر.. فقد نشر رجل أكاديمي من أقطاب العلم في جامعة الخرطوم وغيرها كلاماً محدداً انطلاقاً من ضميره الأكاديمي ولم يكن في موضع خصومه سياسية مع الداعية ولكنه وفنّد شهادته العلمية التي يجترئ بها على على صعود المنابر والتدريس في الجامعات..وقال إن الشخص الذي منحه شهادة الدكتوراه يفتقر هو (في ذات نفسو) إليها.. ولا يمكن أن يمنح صاحب الشهادة الأدنى شهادة أعلى..! هل هذا الكلام صحيح أم هي تخرصات؟ إذا كانت تخرّصات فإمام الداعية المحاكم وعند "المخاضة يبين الكوك" وإذا كانت هناك أي دعوى قضائية على هذا الداعية فإن المحامين ربما يتساءلون عن النبأ العظيم وعن سيرة المتهم أو الشاكي وتأهيله ومصداقيته ولعل هذا ما يفسر (الخرخرة) التي صدرت من هذا الداعية عندما أفادت الوزيرة المشتكية أنها بصدد رفع دعوى على الرجل الذي يتهمها بالردة..فقال انه لم يحكم بردتها...(يا راجل).. قف دون رأيك في الحياة مجاهداً..!!

  ولكن هل حقيقة إن الرجل الداعية تسلم أموال من رئيس الجمهورية المخلوع يداً بيد؟ وأين أنفقها؟ وما هو حسابها الختامي وكم بقى من ميزانيتها؟ ولمن تتبع هذه القناة وما هو رئيس حساباتها وكم طبع من مصاحف؟ آم أن الأمر كذب وتدليس وبهتان من المخلوع أراد به تلطيخ جلابيب الدعاة (ذات البوبلين الناصع)؟!..

    لقد كان الرجل صادقاً عندما قال إن "الوزيرة الفلانية لا تؤمن بما نؤمن به"..(ومن أنتم يا شيخنا)؟ ..نحن فعلاً "والله" لا نؤمن بما يؤمن به هذا الداعية.. لأن غالبية السودانيين لا يؤمنون بالفتنة وتكفير الآخرين والسكوت عن الحق وعن سفك الدماء، ولا يؤمنون بالخزي والتقرّب للظالمين والهرولة إلى موائد الحكّام وأخذ أموال الدولة (من غير إيصالات) وصرفها (بعيداً عن العيون)..وإذا صحّ ما يتداوله الناس من قائمة الوظائف الشرفية (بل الهلامية) مدفوعة الأجر بلا مقابل التي يتقلدها هذا الداعية ومن على شاكلته "فيا فؤادي رحم الله الهوى"..!
 
أغرب من هذا الداعية أولئك الذين يدافعون عنه ويقولون إن التصدي له يعني إنكار حرية التعبير... حرية التعبير (التي حِلت لهم الآن) تعني الحق في قذف الناس بالردة  ومناصرة داعش وتهديد سلامة الدولة والتعدي على الحرمات وأخذ البيعة على مناهضة الدولة ونشر الكراهية..!! هؤلاء الذين يدافعون عن هذا الداعية هم أسوأ منه.. إذا جاز استخدام أفعال التفضيل (بين السجم والرماد)..!

murtadamore@gmail.com

 

آراء