الدراما السودانية من التلفزيون الى اليوتيوب

 


 

 

*شكلت الدراما التلفزيونية فى السودان حدثا مهما منذ أول مسلسل عام 1968 الى اليوم حيث أنتج التلفزيون حينها أكثر من 15 عملاً أبرزها ،وادى ام سدر و سكة الخطر و"دكين وأقمار الضواحي والدهباية و الشاهد والضحية و بيوت من نار وظامي على شاطي النهر والسيف والنار واللواء الابيض ومازالت راسخة في ذاكرة الشعب السوداني.
*لذلك نجد التجربة الدرامية التلفزيونية فى السودان ترتكز على إرث تليد ومجدٍ زاهر ،بدات منذ الستينات يوم ان كان التلفزيون يبثها على الهواء مباشرة وهناك محاولات مميزة فى الثمانينات منها وادي ام سدر وازدهرت الدراما التلفازية فى منتصف التسعينات وبذلت الجماعات والفرق الدرامية جهدا واضحا فى سبيل نهضتها والارتقاء بها مثل فرقة الاصدقاء ونمارق بالاضافة للمحاولات الفردية فى كتابة السيناريو والاخراج كتجربة الراحل المقيم جعفر سعيد الريح ومصطفي احمد خليفة، وجمال حسن سعيد فى شبايك ومحاولات حسن كدسة وقسم الله الصلحي وقاسم ابو زيد فهذه الفرق والجماعات حفي بنا الاشادة بها والثناء على مبادراتها الدرامية لرفد المجتمع الثقافي والمؤسسات الاعلامية باعمال درامية جديرة بالمشاهدة والمتابعة والنقد والتحليل.
*المعلوم ان الدراما التلفزيونية تتطور عبر الممارسة والانتاج الدرامي المستمر وتعد مشروعا ثقافيا للدولة يتم تنفيذه من خلال مؤسساتها الثقافية والاعلامية ومؤسساتها التعليمية الثقافية(كلية الموسيقى الدراما) يصف الكاتب عادل الباز :(الدراما السودانية فى تسعينيات القرن الماضي كانت تعيش حالة موات و تسيدت الدراما المصرية شاشة القناة السودانية بل معظم القنوات العربية و لا أحد كان يجرؤ الرهان على جذب المشاهد إلى الدراما السودانية التي تعاني وقتها من فقر مدقع فى كتاب السيناريو على وجه الخصوص وكان كتاب الدراما التلفزيونية أقل من أصابع اليد الواحدة،التقط الطيب مصطفى الفكرة وعرف أين مقتل الدراما السودانية، فأوكل مهمة بناء تاريخ جديد للدراما التلفزيونية للأستاذ الناقد المثقف السر السيد وكان على قدر المهمة همة وتنظيرا وعملا وتطويرا.وبذلك أسهم الطيب مصطفي(عليه رحمة الله)فى تاسيس مشروع للدراما السودانية ابان ادارته للتلفزيون القومي من خلال تبنيه لانتاج أي فكرة صالحة مع تنظيم الورش لكتاب السيناريو ودعا كل من له علاقة بكتابة الدراما وبدأت ورش العمل حول كتابة السيناريو بقيادة سعد يوسف وعثمان جمال الدين وخطاب حسن احمد اتبعها ببعثات لكتاب السيناريو إلى سوريا بمعهد التدريب الإذاعي بدمشق يقول الباز:
(كنت من المحظوظين الذين تدربوا على أيدي الشاعر والكاتب الدرامي ممدوح عدوان ورياض عصمت ثم دفع بآخرين لتلقى كورسات مكثفة حول السيناريو في معهد السينما بالقاهرة تعلموا كتابة السيناريو على يدي أشهر أساتذةالمعهد منهم مصطفي الخليفة ومحمد نعيم سعد فى الإخراج).*'
لم يمض عام حتى كان لدينا فى السودان عدد من كتاب الدراما المجددين أبرزهم عادل إبراهيم محمد خير، مصطفى أحمد الخليفة، جعفر سعيد الريح،أنس عبد المحمود وشاكر عمر قبسة، عبد الناصر الطائف، واحمدون وناجي القطبي ومجدى النور والفاتح البدوي،د. قسم الله الصلحي و خليفة حسن بلة ،جمال حسن سعيد وانتج التلفزيون فى تلك الفترة من (96 إلى2001) 31 مسلسلا.
*أدت الظروف الاقتصادية الى تشتت اعضاء فرقة الاصدقاء بين المجموعات الاخري بحثا عن لقمة العيش الحلال فهذه صنعتهم ومعاشهم وبعضهم تحول للاعلانات ولا ننسى تجربة نمارق عبر سلسلة بالله شوف وتشتت أعضاء الفرقة لذات الاسباب و هناك شركات انتاج تحت مظلة التلفزيون مثل انهار والصواف كانت تنتج فى خط موازي لادارة الدراما وهناك شركة قاف لصاحبها اليسع حسن احمد الذي تصدى للانتاج الدرامي وانتج سلسلة من الاعمال الاجتماعية والتاريخية وشركة السعد لصاحبها جاد الله جبارة كل هذه جهود توقفت لارتفاع تكلفة الانتاج و لان الدولة رفعت يدها عن الدراما كمشروع ثقافي يعد من اولوياتها.
يشخص الناقد السر السيد فى حوار صحفى أزمة الدراما السودانية قائلا :(*لايوجد ذهن يدير الدراما مثلما كان متوفرا للتلفزيون سابقا ويفسر مايحدث من انتاج علي انه تنافس علي اكل العيش وكل من هب ودب يريد ان يكن ممثلا ومخرجا ومنتجا وهذه كارثه لن تعالج الا ان يرجع الدراميين الي ثكناتهم حتي ياتوا للدراما بشكل افضل واكبر اختبار لما يحدث عند زيارتك دار الاتحاد ستجد مجموعات تنتظر متعهد يدعوها لعمل سلسلة خمس دقائق وبالدين)*
*دراما اليوتيوب *:-
طبيعة الدراما التي تبث عبر منصة اليوتيوب تميل إلى الاقتضاب في الطرح،وسرد المواقف المضحكة المبكية والساخرة وساهم ذلك في تشكيل قاعدة عريضة من الجماهير لمتابعة هذا النوع الدرامي الذي يتزامن مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي ومعظمها ذات طبيعة اجتماعية تنتقد الواقع المعاش كما ترى الناقدة العمانية د.عزة القصابي .
فالدراما التى تنتج الان وتبث عبر منصة اليوتيوب اتفقنا معها او اختلفنا فهي فى صالح المشروع الكلي للدراما السودانية الذى رفعت الدولة يدها عنه ،فالسابق كانت الدراما تمر عبر لجان المراقبة والتدقيق لكن فى ظل الفضاء المفتوح وتوفر مواعين للبث دون ضوابط ورقابة الدولة، انتج مايسمى(بدراما اليوتيوب)وهى دراما تشكلت خارج رحم مؤسسات الدولة وتعمل بعيدا عنها لا تتقيد بشروطها وقوانينها،فلها قوانينها وعلاقتها وعلى اهل النقد الدرامي تشريح هذه التجربة الجديدة فى الانتاج بالنقد والتحليل.
فى تقديري أن الدراما التلفزيونية لم تعد مشروعاً ثقافيا فحسب بل مشروعاً وطنياً للاستقلال بالشاشة السودانية عن الدراما المتعددة التي غزتها فى غياب تام للدراما السودانية.
كاتب صحفي وأستاذ جامعي
khalidoof2010@yahoo.com

 

آراء