الدعم السريع كشوكة حوت!!
عبدالله مكاوي
15 April, 2023
15 April, 2023
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
اعاد تحريك الدعم السريع لعشرات العربات الحربية الي مدينة مروي بصورة مباغتة، خلط الاوراق من جديد، ونقل الصراع مرة اخري الي خانة المجابهة بين الدعم السريع والجيش. وهو ما يعني بدوره وضع البلاد علي طريق اخطر حرب اهلية. وهي مجابهة تظل قائمة علي الدوام، دون وضع معالجة لقضية القوي الحاملة للسلاح والطامعة في السلطة.
وبسبب متلازمة الفوضي التي حكمت البلاد منذ الاستقلال، بعد ان تصدر مشهدها الانقلابيون. اصبح ليس هناك منطق يحكم العمل السياسي او منهج يدير الدولة. وبعبارة اخري اصبحت السلطة الكل في الكل، وما دونها بما في ذلك انشطة الدولة واحوال المجتمع، مجرد رد فعل او ملحق بالسلطة.
وفي هكذا اوضاع خاضعة لسطوة ومصالح افراد يحتكمون علي المؤسسة العسكرية او علي السلاح او علي الاحزاب او العملية السياسية او الاندية الرياضية...الخ، لم يعد هنالك مرجعية للاخبار او موثوقية للتحليلات. الشئ الذي جعل فضاء المشافهة والتاويلات الجزافية او عدم التوافر علي قراءة موضوعية للاحداث هي الغالبة. او بصريح العبارة الاشكالية ليست في دقة التحليلات السياسية او عدمه، ولكن في ان من يتصدون للعمل السياسي لم يتم تكوينهم سياسيا (منظومة وضوابط واعداد ومعايير) ومن يتصدون للسلطة تتقاصر قامتهم عن السلطة كمسؤولية، وبالتعبير الديني امانة تنوء عن حملها الجبال. وبالتالي يصبح التعاطي مع الشأن السياسي والسلطوي وما يرشح عنه، اما محكوم بالاجتهادات الشخصية او بالتحيزات العقائدية او التوجهات المصلحية.
وبناء علي ما سبق، وفي ظل حالة الاستقطاب الحادة، وغياب المعلومات المؤكدة، يصعب معرفة السبب الذي دفع قوات الدعم السريع للاقدام علي هكذا خطوة تحاكي القفز في الظلام، او تعقد اوضاع لا ينقصها التعقيد، وتزيد المخاطر علي اوضاع اكثر هشاشة ولا تحتمل هكذا مجازفات. وهو ما يلقي بكثير من الغموض والوهن علي وهن الاتفاق الاطاري، كآخر امل لحل الخلافات والمخاطر المحدقة بالدولة بلغة سياسية.
وفي كل الاحوال من المؤكد ان منسوب الفوضي السياسية والاستبداد السلطوي فاض وغمر القري والحضر بانقلاب الانقاذ. وزاد الطين بلة ما افررزه حكم الانقاذ الشيطاني من تداعيات كارثية، كنتيجة للتعامل مع السلطة كفعلي تكتيكي. وعلي راس هذه التداعيات بروز مليشيا الدعم السريع كفاعل موازٍ للجيش في صراع السلطة والتغول علي الدولة. بل وصل الهوان والخطورة بصراع السلطة وحيازة الدولة، ان اصبح فاعليه هم بالاساس من ارتكب افظع جرائم الحرب في دارفور سواء من الجيش او قوات الدعم السريع او الحركات المسلحة. والاسوأ من ذلك ان حالة عدم الاستقرار التي حكمت اقليم دارفور سنيينا عددا ولاعتبارات عدة، بدأ وكانها هي ما تحكم صراع السلطة واحوال الدولة راهنا، وتاليا تنذر بعواقب وخيمة.
وكما هو معلوم، مجرد وجود مليشيا الدعم السريع ككيان غريب عن الدولة كمنظومة مؤسسات اعتبارية، هو دلالة ازمة وفشل ينذر بالخطر. وهو قبل كل شئ يحكي عن خلل في مؤسسة الجيش المسؤولة عن حماية الدولة. ويصح ان الجيش رفض انضمام مليشيا الدعم السريع عند بداية تكوينها لاداء المهام القذرة. وهو ما لم يلتزم به قادة الجيش طويلا، خاصة بعد الرعاية الخاصة التي اسبغها ولي نعمتها البشير عليها. ليدخل الجيش في تنسيق معها بل ومصالح مشتركة تربط كبار جنرالاته مثل البرهان وابنعوف مع قائد الدعم السريع حميدتي.
ومعلوم ان البشير وفي ظل صراع السلطة مع الاسلامويين، وكمحاولة لقطع الطريق علي الجيش الذي ادمن الانقلابات، عمل علي قيام كيانات موازية للجيش وتتمتع بنفوذ وامكانات اكبر من الجيش نفسه، كجهاز الامن ومن بعده مليشيا الدعم السريع. وهذا قد يفسر احد الجوانب التي جعلت هذه المليشيات تنمو بمتولية هندسية او علي طريقة الجينات المعدلة، خصوصا بعد ان اتقن قائدها حميدتي لعبة الابتزاز للقوات المسلحة بل والبشير شخصيا (منحها منجم جبل عامر وتسهيلات اقتصادية وعسكرية مهولة). والعامل الآخر الذي ساعد علي تعملقها في زمن وجيز، يتعلق بطبيعة مليشيا الدعم السريع كقوات تفتقر للعقيدة والمبادئ وتحركها المصالح فقط. وهو ما جعلها مؤهلة للقيام بكافة الاعمال وتنفيذ كل المهام، وهي غالبا اعمال ومهام، تأنف عنها القوات النظامية (ولو انه بعد الثورة ثبت ان لا فرق بين احمد وحاج احمد)! وهذا ما جعلها صيدا سهلا للقوي الخارجية، سواء لمستجد النعمة كدولة الامارات التي اصبحت تجيد الممارسات الاستخباراتية القذرة، لاجهاض ثورات الشعوب ونهب موارد دولها، او كذراع ومخلب قط للدولة الصهيونية، او كمدخل لروسيا البوتينية. وكل ذلك عاد عليها بالفوائد المادية وتمتين العلاقات الدولية، التي وجدت طريق لتحويلها في الداخل، لادوات ضغط عسكرية وطموحات سلطوية.
المهم، هذه المرونة في التعامل وعدم المبدئية في الدوافع، التي تتسم بها المليشيات، جعل من السهل عليها الدخول في تحالفات وفضها، بناء علي جدوي المصالح منها، ولذا انحاز حميدتي للثورة عندما علم بنهاية حقبة البشير، ومن بعدها تحالف مع البرهان/الجيش لتجيير الثورة لصالحهما، وفي كل ذلك لم يفتر حميدتي يوما، من منح عطاياه لشراء ولاء رجالات الادارة الاهلية والطرق الصوفية والانتهازية من كل شكل ولون. ولكن بعد الانقلاب وسعي البرهان حثيثا للاستفراد بالسلطة، والتنسيق مع الكيزان والمصريين وشراء ولاء قادة الحركات المسلحة وبقية قادة تحالف الموز، بدأ حميدتي يشعر بالتهميش والخداع. ومؤكد ان هنالك كثير من الخفايا والعلاقات المريبة التي تربط بين الجنرالين، ولا يُعلم عنها شيئا! ويصح ان هذه العلاقات تمتد بجذورها للتنسيق في حروبات دارفوار وارسال المرتزقة لليمن، ولكن كيفية صعود البرهان بعد ازاحة ابنعوف ودور حميدتي في ذلك ما زال مجهولا؟ وكذلك النفوذ الذي تمتع به حميدتي بعد الثورة، لدرجة كاد فيها ان يصبح الحاكم بامره، وبما في ذلك التغول علي مقرات للجيش وجهاز الامن والمؤتمر الوطني، وكذلك شغله كل فراغ في الدولة و استحواذه علىا كل ارض، وكل ذلك تحت رعاية وحماية البرهان؟! ليصبح حميدتي وقواته المستفيد الاول من الثورة، ليوسع نفوذه ويمكن قواته، ويتحول الي بعبع يهدد ليس الانتقال ولكن سلامة الدولة ومستقبلها.
المهم، بعد التآمر علي الثورة، وانتهاء بانقلاب البرهان/حميدتي، اصبحت الكفة تميل لصالح البرهان علي حساب حميدتي، خصوصا علي مستوى اتخاذ القرار. وما اضر بحميدتي تقاربه مع روسيا في مرحلة تعادي فيها العالم، الشئ الذي اكسب حميدتي عداء المعسكر الغربي بقيادة امريكا. ومن هنا بدأت بوادر الشقاق والخلاف في النمو، وبرز صراع السلطة خارج اسوار القلوب والجدران. ليتخذ الصراع طابع السفور بعد استعانة البرهان باذرع الكيزان الامنية والشعبية وابواقهم الاعلامية ورموزهم في المؤسسات المالية والاقتصادية والقضائية والعدلية، والذين تتعارض مصالحهم مع تطلعات حميدتي. ويبدو ان ما اغضب حميدتي ان الاسلامويين الذين يبرعون في التآمر واثارة القلاقل والفتن والاصطياد في الماء العكر، قد استثمروا في زيادة شقة الخلاف بين الجنرالين، بعد ان اوعزوا للبرهان باجهاض الاتفاق الاطاري الذي يشرعن للدعم السريع كواقع لا يمكن القفز عليه. وهو ما يعني في الحساب النهائي بقاء البرهان في سدة السلطة والحفاظ علي مصالح الاسلامويين.
ولكن من شدة قصر نظر الاسلامويين وعدم مفارقتهم وعي الطفولة وسلوكيات المراهقة، وتغليب التكتيكي علي الاستراتيجي، والمصلحة الخاصة في احط انانيتها، علي المصلحة العامة التي يجهلونها كجهلهم قيم الدين الذي يتشدقون به. يظنون ان تحريض الجيش علي خوض الحرب ضد الدعم السريع، ينتج عنها حسم سريع للدعم السريع، ومن ثمَّ افساح المجال لعودتهم المظفرة للسيطرة علي السلطة. دون اتعاظ من سيرة الحروب التي اعتقلت هذه البلاد منذ الاستقلال في مربع الموت للابرياء والدمار للبنية التحتية، وتدهور الحياة بسبب اهدار جل موارد الدولة في شراء السلاح والتجهيزات والآليات العسكرية، وهذا غير عسكرة البيئة الداخلية مما يقطع الطريق علي اي حياة او دولة مدنية، وهذا ناهيك عن التدخلات الخارجية الخبيثة. وكل هذا كوم وتغيير معادلة الحرب، الي حرب بين جيشين داخل المدن ووسط المدنيين كوم آخر. اي ما يحدث في هكذا حرب عدمية اذا ما اتعسنا القدر بها، وبحساب رياضي، هي ضرب سائر مآسي الحروب التي شهدتها هذه البلاد وجعلتها في مؤخرة الامم، في عشرة او اكثر. فهل هنالك عاقل يراهن علي هكذا حرب، ظنا انها تمنحه مكاسب اي كان حجمها ونوعها، ولكنها غفلة الطامعين السذج!
ولكل ما سلف وغيره مما لم يرد، تصبح مليشيا الدعم السريع، شوكة حوت في حلق الاسلامويين الذي يطمعون في العودة للسلطة واستغلالها لتمرير اجندتهم الخاصة. وكذلك شوكة حوت ضد المصريين الذين يتحالفون مع البرهان لرعاية مصالحهم. والاهم شوكة حوت ضد طموحات البرهان في الاستفراد بالسلطة. واذا كان هذه اشياء حسنة لتقاطعها مع المصلحة العامة، إلا ان الخبر السئ الذي يتعارض مع المصلحة العامة، انها كذلك شوكة حوت امام بناء الدولة المدنية والحياة الديمقراطية. اي مليشيا الدعم السريع كمولود غير شرعي ليس في وسعها الاستقامة والتوافق مع استحقاقات الدولة الحديثة. وعليه، اذا كان الجيش بانقلاباته اهدر ماضي البلاد واورثها الفشل وشعبها العناء، فان مليشيا الدعم السريع تصادر المستقبل وتهدد وجود الدولة وسلامة المجتمع.
والحال كذلك، يصبح ذهاب مليشيا الدعم السريع لمروي وبهذه الكيفية الارهابية، مرفوض جملة وتفصيلا، مهما كانت المبررات. ناهيك ان مبررات الدعم السريع مردود عليها، لانها ان تحدثت عن وجود القوات المصرية المتحالفة مع البرهان، فمليشيا الدعم السريع بدورها تخدم اجندة خارجية سبق ذكرها. كما ان هذه القوات كانت موجودة قبل خلافات الجنرالين، لماذا لما يتدخل عندها حميدتي؟ كما ان وجود الحامية في مروي سبب لاهل مروي الضيق من التعدي علي موارد المحلية وسبق ان ذكرنا وقفة اهل مروي امام المحلية للشكوي من تغول الفرقة علي امتداد اراضيهم. فما بالك ان تاتي قوات جديدة باهداف مريبة وهي اصلا سمعتها السيئة تسبقها، مما يهدد الامن بالمحلية، واحتمال التدخل في اختصاصات الاجهزة الامنية والعسكرية والشرطية مما يسبب احتكاكات وخلافات لا حصر لها، وتحفها المخاطر. وهذا ناهيك عن احتمالات افساح المجال امام هجرات داخلية لتغيير التركيبة الديمغرافية، وزيادة الصراعات الاجتماعية. وباختصار، مروي او غيرها من مدن السودان لا تحتاج لمعسكرات الجيش او الدعم السريع او وجود الحركات المسلحة، ولكن ما تحتاجه هي التنمية وتحسين الخدمات واحترام حقوق وكرامة المواطنين. وكل هذا يتعارض مع كثرة الجيوش والمليشيات والحركات المسلحة، والصرف البذخي عليها، كما ان كثرتها تزيد من التهديدات الامنية وليس العكس.
وعموما، ما يحدث في مروي او غيرها من تحركات الدعم السريع في العاصمة والمدن الاخري، يبدو ان له ارتباط بعقدة الاصلاح المدني والعسكري التي يتعنت فيها الجيش، لتتحول الي عقبة كأداء امام اكمال الاتفاق الاطاري، والاصح كوسيلة لاجهاضه. بمعني ما يحدث هو ارسال رسالة من حميدتي، ان كلفة اجهاض الاتفاق الاطاري لن تكون مجانا، وتاليا ليس هنالك من طريق للرجوع لمحطة الانقلاب وسيطرة البرهان علي السلطة منفردا. اي اما الاتفاق الاطاري او خراب مالطة. ولذا لن تكون مروي الا بداية لمخاطر كبيرة تحيط بالبلاد، ان لم تتعظ القوات المسلحة وتتخلص من قيادتها كالبرهان وكباشي وياسر عطا وابراهيم جابر وغيرها من الجنرالات الذين، اولا هم صنع كارثة الدعم السريع ورعاها مع البشير، وثانيا لانهم يخدمون اجندة الاسلامويين التآمرية، وثالثا لانهم يطمعون في السلطة باستغلال الجيش. ومن ثمَّ تنفتح علي حوار جاد مع الثوار والمدنيين وقوات الدعم السريع للوصول لتوليفة تجنب البلاد المهالك.
واخيرا
نسال الله ان يجنب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن. ودمتم في رعاية الله.
///////////////////////////
بسم الله الرحمن الرحيم
اعاد تحريك الدعم السريع لعشرات العربات الحربية الي مدينة مروي بصورة مباغتة، خلط الاوراق من جديد، ونقل الصراع مرة اخري الي خانة المجابهة بين الدعم السريع والجيش. وهو ما يعني بدوره وضع البلاد علي طريق اخطر حرب اهلية. وهي مجابهة تظل قائمة علي الدوام، دون وضع معالجة لقضية القوي الحاملة للسلاح والطامعة في السلطة.
وبسبب متلازمة الفوضي التي حكمت البلاد منذ الاستقلال، بعد ان تصدر مشهدها الانقلابيون. اصبح ليس هناك منطق يحكم العمل السياسي او منهج يدير الدولة. وبعبارة اخري اصبحت السلطة الكل في الكل، وما دونها بما في ذلك انشطة الدولة واحوال المجتمع، مجرد رد فعل او ملحق بالسلطة.
وفي هكذا اوضاع خاضعة لسطوة ومصالح افراد يحتكمون علي المؤسسة العسكرية او علي السلاح او علي الاحزاب او العملية السياسية او الاندية الرياضية...الخ، لم يعد هنالك مرجعية للاخبار او موثوقية للتحليلات. الشئ الذي جعل فضاء المشافهة والتاويلات الجزافية او عدم التوافر علي قراءة موضوعية للاحداث هي الغالبة. او بصريح العبارة الاشكالية ليست في دقة التحليلات السياسية او عدمه، ولكن في ان من يتصدون للعمل السياسي لم يتم تكوينهم سياسيا (منظومة وضوابط واعداد ومعايير) ومن يتصدون للسلطة تتقاصر قامتهم عن السلطة كمسؤولية، وبالتعبير الديني امانة تنوء عن حملها الجبال. وبالتالي يصبح التعاطي مع الشأن السياسي والسلطوي وما يرشح عنه، اما محكوم بالاجتهادات الشخصية او بالتحيزات العقائدية او التوجهات المصلحية.
وبناء علي ما سبق، وفي ظل حالة الاستقطاب الحادة، وغياب المعلومات المؤكدة، يصعب معرفة السبب الذي دفع قوات الدعم السريع للاقدام علي هكذا خطوة تحاكي القفز في الظلام، او تعقد اوضاع لا ينقصها التعقيد، وتزيد المخاطر علي اوضاع اكثر هشاشة ولا تحتمل هكذا مجازفات. وهو ما يلقي بكثير من الغموض والوهن علي وهن الاتفاق الاطاري، كآخر امل لحل الخلافات والمخاطر المحدقة بالدولة بلغة سياسية.
وفي كل الاحوال من المؤكد ان منسوب الفوضي السياسية والاستبداد السلطوي فاض وغمر القري والحضر بانقلاب الانقاذ. وزاد الطين بلة ما افررزه حكم الانقاذ الشيطاني من تداعيات كارثية، كنتيجة للتعامل مع السلطة كفعلي تكتيكي. وعلي راس هذه التداعيات بروز مليشيا الدعم السريع كفاعل موازٍ للجيش في صراع السلطة والتغول علي الدولة. بل وصل الهوان والخطورة بصراع السلطة وحيازة الدولة، ان اصبح فاعليه هم بالاساس من ارتكب افظع جرائم الحرب في دارفور سواء من الجيش او قوات الدعم السريع او الحركات المسلحة. والاسوأ من ذلك ان حالة عدم الاستقرار التي حكمت اقليم دارفور سنيينا عددا ولاعتبارات عدة، بدأ وكانها هي ما تحكم صراع السلطة واحوال الدولة راهنا، وتاليا تنذر بعواقب وخيمة.
وكما هو معلوم، مجرد وجود مليشيا الدعم السريع ككيان غريب عن الدولة كمنظومة مؤسسات اعتبارية، هو دلالة ازمة وفشل ينذر بالخطر. وهو قبل كل شئ يحكي عن خلل في مؤسسة الجيش المسؤولة عن حماية الدولة. ويصح ان الجيش رفض انضمام مليشيا الدعم السريع عند بداية تكوينها لاداء المهام القذرة. وهو ما لم يلتزم به قادة الجيش طويلا، خاصة بعد الرعاية الخاصة التي اسبغها ولي نعمتها البشير عليها. ليدخل الجيش في تنسيق معها بل ومصالح مشتركة تربط كبار جنرالاته مثل البرهان وابنعوف مع قائد الدعم السريع حميدتي.
ومعلوم ان البشير وفي ظل صراع السلطة مع الاسلامويين، وكمحاولة لقطع الطريق علي الجيش الذي ادمن الانقلابات، عمل علي قيام كيانات موازية للجيش وتتمتع بنفوذ وامكانات اكبر من الجيش نفسه، كجهاز الامن ومن بعده مليشيا الدعم السريع. وهذا قد يفسر احد الجوانب التي جعلت هذه المليشيات تنمو بمتولية هندسية او علي طريقة الجينات المعدلة، خصوصا بعد ان اتقن قائدها حميدتي لعبة الابتزاز للقوات المسلحة بل والبشير شخصيا (منحها منجم جبل عامر وتسهيلات اقتصادية وعسكرية مهولة). والعامل الآخر الذي ساعد علي تعملقها في زمن وجيز، يتعلق بطبيعة مليشيا الدعم السريع كقوات تفتقر للعقيدة والمبادئ وتحركها المصالح فقط. وهو ما جعلها مؤهلة للقيام بكافة الاعمال وتنفيذ كل المهام، وهي غالبا اعمال ومهام، تأنف عنها القوات النظامية (ولو انه بعد الثورة ثبت ان لا فرق بين احمد وحاج احمد)! وهذا ما جعلها صيدا سهلا للقوي الخارجية، سواء لمستجد النعمة كدولة الامارات التي اصبحت تجيد الممارسات الاستخباراتية القذرة، لاجهاض ثورات الشعوب ونهب موارد دولها، او كذراع ومخلب قط للدولة الصهيونية، او كمدخل لروسيا البوتينية. وكل ذلك عاد عليها بالفوائد المادية وتمتين العلاقات الدولية، التي وجدت طريق لتحويلها في الداخل، لادوات ضغط عسكرية وطموحات سلطوية.
المهم، هذه المرونة في التعامل وعدم المبدئية في الدوافع، التي تتسم بها المليشيات، جعل من السهل عليها الدخول في تحالفات وفضها، بناء علي جدوي المصالح منها، ولذا انحاز حميدتي للثورة عندما علم بنهاية حقبة البشير، ومن بعدها تحالف مع البرهان/الجيش لتجيير الثورة لصالحهما، وفي كل ذلك لم يفتر حميدتي يوما، من منح عطاياه لشراء ولاء رجالات الادارة الاهلية والطرق الصوفية والانتهازية من كل شكل ولون. ولكن بعد الانقلاب وسعي البرهان حثيثا للاستفراد بالسلطة، والتنسيق مع الكيزان والمصريين وشراء ولاء قادة الحركات المسلحة وبقية قادة تحالف الموز، بدأ حميدتي يشعر بالتهميش والخداع. ومؤكد ان هنالك كثير من الخفايا والعلاقات المريبة التي تربط بين الجنرالين، ولا يُعلم عنها شيئا! ويصح ان هذه العلاقات تمتد بجذورها للتنسيق في حروبات دارفوار وارسال المرتزقة لليمن، ولكن كيفية صعود البرهان بعد ازاحة ابنعوف ودور حميدتي في ذلك ما زال مجهولا؟ وكذلك النفوذ الذي تمتع به حميدتي بعد الثورة، لدرجة كاد فيها ان يصبح الحاكم بامره، وبما في ذلك التغول علي مقرات للجيش وجهاز الامن والمؤتمر الوطني، وكذلك شغله كل فراغ في الدولة و استحواذه علىا كل ارض، وكل ذلك تحت رعاية وحماية البرهان؟! ليصبح حميدتي وقواته المستفيد الاول من الثورة، ليوسع نفوذه ويمكن قواته، ويتحول الي بعبع يهدد ليس الانتقال ولكن سلامة الدولة ومستقبلها.
المهم، بعد التآمر علي الثورة، وانتهاء بانقلاب البرهان/حميدتي، اصبحت الكفة تميل لصالح البرهان علي حساب حميدتي، خصوصا علي مستوى اتخاذ القرار. وما اضر بحميدتي تقاربه مع روسيا في مرحلة تعادي فيها العالم، الشئ الذي اكسب حميدتي عداء المعسكر الغربي بقيادة امريكا. ومن هنا بدأت بوادر الشقاق والخلاف في النمو، وبرز صراع السلطة خارج اسوار القلوب والجدران. ليتخذ الصراع طابع السفور بعد استعانة البرهان باذرع الكيزان الامنية والشعبية وابواقهم الاعلامية ورموزهم في المؤسسات المالية والاقتصادية والقضائية والعدلية، والذين تتعارض مصالحهم مع تطلعات حميدتي. ويبدو ان ما اغضب حميدتي ان الاسلامويين الذين يبرعون في التآمر واثارة القلاقل والفتن والاصطياد في الماء العكر، قد استثمروا في زيادة شقة الخلاف بين الجنرالين، بعد ان اوعزوا للبرهان باجهاض الاتفاق الاطاري الذي يشرعن للدعم السريع كواقع لا يمكن القفز عليه. وهو ما يعني في الحساب النهائي بقاء البرهان في سدة السلطة والحفاظ علي مصالح الاسلامويين.
ولكن من شدة قصر نظر الاسلامويين وعدم مفارقتهم وعي الطفولة وسلوكيات المراهقة، وتغليب التكتيكي علي الاستراتيجي، والمصلحة الخاصة في احط انانيتها، علي المصلحة العامة التي يجهلونها كجهلهم قيم الدين الذي يتشدقون به. يظنون ان تحريض الجيش علي خوض الحرب ضد الدعم السريع، ينتج عنها حسم سريع للدعم السريع، ومن ثمَّ افساح المجال لعودتهم المظفرة للسيطرة علي السلطة. دون اتعاظ من سيرة الحروب التي اعتقلت هذه البلاد منذ الاستقلال في مربع الموت للابرياء والدمار للبنية التحتية، وتدهور الحياة بسبب اهدار جل موارد الدولة في شراء السلاح والتجهيزات والآليات العسكرية، وهذا غير عسكرة البيئة الداخلية مما يقطع الطريق علي اي حياة او دولة مدنية، وهذا ناهيك عن التدخلات الخارجية الخبيثة. وكل هذا كوم وتغيير معادلة الحرب، الي حرب بين جيشين داخل المدن ووسط المدنيين كوم آخر. اي ما يحدث في هكذا حرب عدمية اذا ما اتعسنا القدر بها، وبحساب رياضي، هي ضرب سائر مآسي الحروب التي شهدتها هذه البلاد وجعلتها في مؤخرة الامم، في عشرة او اكثر. فهل هنالك عاقل يراهن علي هكذا حرب، ظنا انها تمنحه مكاسب اي كان حجمها ونوعها، ولكنها غفلة الطامعين السذج!
ولكل ما سلف وغيره مما لم يرد، تصبح مليشيا الدعم السريع، شوكة حوت في حلق الاسلامويين الذي يطمعون في العودة للسلطة واستغلالها لتمرير اجندتهم الخاصة. وكذلك شوكة حوت ضد المصريين الذين يتحالفون مع البرهان لرعاية مصالحهم. والاهم شوكة حوت ضد طموحات البرهان في الاستفراد بالسلطة. واذا كان هذه اشياء حسنة لتقاطعها مع المصلحة العامة، إلا ان الخبر السئ الذي يتعارض مع المصلحة العامة، انها كذلك شوكة حوت امام بناء الدولة المدنية والحياة الديمقراطية. اي مليشيا الدعم السريع كمولود غير شرعي ليس في وسعها الاستقامة والتوافق مع استحقاقات الدولة الحديثة. وعليه، اذا كان الجيش بانقلاباته اهدر ماضي البلاد واورثها الفشل وشعبها العناء، فان مليشيا الدعم السريع تصادر المستقبل وتهدد وجود الدولة وسلامة المجتمع.
والحال كذلك، يصبح ذهاب مليشيا الدعم السريع لمروي وبهذه الكيفية الارهابية، مرفوض جملة وتفصيلا، مهما كانت المبررات. ناهيك ان مبررات الدعم السريع مردود عليها، لانها ان تحدثت عن وجود القوات المصرية المتحالفة مع البرهان، فمليشيا الدعم السريع بدورها تخدم اجندة خارجية سبق ذكرها. كما ان هذه القوات كانت موجودة قبل خلافات الجنرالين، لماذا لما يتدخل عندها حميدتي؟ كما ان وجود الحامية في مروي سبب لاهل مروي الضيق من التعدي علي موارد المحلية وسبق ان ذكرنا وقفة اهل مروي امام المحلية للشكوي من تغول الفرقة علي امتداد اراضيهم. فما بالك ان تاتي قوات جديدة باهداف مريبة وهي اصلا سمعتها السيئة تسبقها، مما يهدد الامن بالمحلية، واحتمال التدخل في اختصاصات الاجهزة الامنية والعسكرية والشرطية مما يسبب احتكاكات وخلافات لا حصر لها، وتحفها المخاطر. وهذا ناهيك عن احتمالات افساح المجال امام هجرات داخلية لتغيير التركيبة الديمغرافية، وزيادة الصراعات الاجتماعية. وباختصار، مروي او غيرها من مدن السودان لا تحتاج لمعسكرات الجيش او الدعم السريع او وجود الحركات المسلحة، ولكن ما تحتاجه هي التنمية وتحسين الخدمات واحترام حقوق وكرامة المواطنين. وكل هذا يتعارض مع كثرة الجيوش والمليشيات والحركات المسلحة، والصرف البذخي عليها، كما ان كثرتها تزيد من التهديدات الامنية وليس العكس.
وعموما، ما يحدث في مروي او غيرها من تحركات الدعم السريع في العاصمة والمدن الاخري، يبدو ان له ارتباط بعقدة الاصلاح المدني والعسكري التي يتعنت فيها الجيش، لتتحول الي عقبة كأداء امام اكمال الاتفاق الاطاري، والاصح كوسيلة لاجهاضه. بمعني ما يحدث هو ارسال رسالة من حميدتي، ان كلفة اجهاض الاتفاق الاطاري لن تكون مجانا، وتاليا ليس هنالك من طريق للرجوع لمحطة الانقلاب وسيطرة البرهان علي السلطة منفردا. اي اما الاتفاق الاطاري او خراب مالطة. ولذا لن تكون مروي الا بداية لمخاطر كبيرة تحيط بالبلاد، ان لم تتعظ القوات المسلحة وتتخلص من قيادتها كالبرهان وكباشي وياسر عطا وابراهيم جابر وغيرها من الجنرالات الذين، اولا هم صنع كارثة الدعم السريع ورعاها مع البشير، وثانيا لانهم يخدمون اجندة الاسلامويين التآمرية، وثالثا لانهم يطمعون في السلطة باستغلال الجيش. ومن ثمَّ تنفتح علي حوار جاد مع الثوار والمدنيين وقوات الدعم السريع للوصول لتوليفة تجنب البلاد المهالك.
واخيرا
نسال الله ان يجنب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن. ودمتم في رعاية الله.
///////////////////////////