الزيلعي و الصراع الفكري داخل الشيوعي
زين العابدين صالح عبد الرحمن
30 July, 2022
30 July, 2022
عندما بدأت الثورة في السودان أواخر عام 2018م، كان الأمل معقودا أن يلعب الحزب الشيوعي السوداني دورا كبير في عملية التحول الديمقراطي في السودان، من خلال تجربته النضالية منذ عام 1946م و التحول الذي حدث في المنظومة السياسية من الجبهة المعادية للاستعمار إلي الحزب الشيوعي، حيث مرت المرحلة نفسها بمخاض كبير، تباينت فيه الرؤى على مراحل مختلفة من الصراع الفكري السياسي، حيث أختلف سكرتير الحزب مع رؤيتي عبد الوهاب زين العابدين الذي كان يرى المرحلة لا تحتاج لتكوين حزب شيوعي، بل تحتاج إلي جبهة وطنية عريضة لقوى الوسط و الاستفادة من الزخم الجماهيري الذي تمتلكه الحركة الاتحادية، و ابعد عبد الوهاب زين العابدين باعتبار أنه يمثل تيارا انتهازيا يمينيا، و جيء بعوض عبد الرازق، الذي قدم ذات الفكرة في مرحلة ما بعد الاستقلال أن تقود القيادات اليسارية عملية الإنتاج الفكري الموجه لعملية البناء السياسي و التنظيمي و الفكري، و تستطيع أن تخلق كتلة كبيرة صلبة تحمى التحول الديمقراطي في البلاد. و أيضا أتهم بالتحريفية الانتهازية، و تم إبعاده من الحزب الشيوعي، و تولى عبد الخالق موقع السكرتير السياسي للحزب، عبد الخالق حاصر عملية حوار الأفكار داخل المنظومة لكي يصبح هو المفكر الوحيد، هذه الثقافة ظلت هي السائدة داخل الحزب الشيوعي.
هذه التحولات التي حدثت داخل المنظومة اليسارية كانت تنبيء، أن عملية الاجتهادات الفكرية داخل هذه المؤسسة عملية غير مطلوبة، إلا في حدود ارتباط الفكرة بالماركسية الارثوذكسية. قبل إعلان الحزب الشيوعي للتحالف الجذري، كانت القيادة السياسية قد عقدت مؤتمرا صحفيا بعد عودة سكرتير الحزب و الوفد الذي صاحبه لزيارة جوبا و كاودة، و الالتقاء برئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، و أيضا رئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو، و أعلن في المؤتمر الصحفي أن هذه المجموعة سوف تكون " تحالف الأقوياء" باعتبار أن التحالف سوف يضم الحزب الشيوعي و حركتين مسلحتين لهما قاعدة جماهيرية، لكن لم يظهر " تحالف الأقوياء" و الذي ظهر على السطح هو "تحالف التغيير الجذري" مما يؤكد أن الحركتين رفضتا التحالف، و السبب أن هناك فهم سائد عند قطاع عريض في الشارع السياسي، أن الحركتين لهما علاقة تنظيمية بالحزب الشيوعي، و إذا كانت الحركتان قد انضمت للحلف سوف تثبت في الذهان هذا الاعتقاد. و فضلت الحركتان بدلا عن التحالف الذي يعطي القيادة للحزب الشيوعي، أن يكون هناك تنسيقا بين القوى التي تسعى للتغيير من أجل الديمقراطية. لذلك ما كان في ظل المتغيرات في الساحة إلا أن يعلن الحزب الشيوعي تحالف يضم " الحزب الشيوعي و الوجهات التي يعمل بها وسط الجماهير إضافة لبعض من لجان المقاومة، التي لها علاقة تنظيمية بالحزب الشيوعي.
في محاضرتين ذات اجتهادات فكرية كان قد قدمهما القيادي اليساري صديق الزيلعي في كل من " منبر السودانيين لدعم الثورة السودانية بمنطقة " ديلمارفا – ميريلاند – أمريكا" عبر خدمة Zoom " بعنوان " دعوة للتفكير خارج الصندوق حول وحدة قوى الثورة" و الأخرى في "غرفة Clubhoue لمركز أبحاث الديمقراطية و الدراسات الاستراتيجية باستراليا" تحدث الزيلهي فيهما بصورة موضوعية حول تحالف القوى الثورية، و ربط قضية التغيير الجذري باحتياجات عملية التحول الديمقراطي، و قد فرغها من الحولات الأيديولوجية التي شحنها بها الحزب الشيوعي، كما تحدث عن فتح حوار عميق بين قوى الثورة لإنتاج مبادرة وطنية تعزز عملية التحول الديمقراطي في البلاد. و قال يجب أن تخرج القطاعات المهنية من هيمنة الأحزاب السياسية لكي تصبح هي نفسها رمانة الميزان، لأنها تنظيمات بالضرورة تضم عضوية ذات انتماءات حزبية مختلفة،و قال يجب أن تقدم لجان المقاومة باعتبارها قوى جديدة قدمت تضحيات عظيمة تؤهلها أن تكون لها الريادة في عملية التحول السياسي في البلاد، و أيضا أكد أن قوى الريف يجب أن تحظى بأهتمام كبير باعتبارها قوى منتجة و ذات فاعلية كبيرة في العمل السياسي. أن طرح الزيلعي و تصوره للتغيير الجذري يختلف تماما عن التغيير الجذري الذي يدعو له الحزب الشيوعي ذو الحمولات الأيديولوجية الذي يجد معارضة سياسية من قبل قوى سياسية لها قاعدة اجتماعية عريضة في المجتمع. ويؤكد الدكتور عمار محمد الباقر القيادي في التحالف الجديد عن هذه الحمولات الأيديولوجية في الخبر الذي نشرته جريدة ا"لجريدة المقربة للحزب" يوم الجمعة 29 يوليو 2022م ، يقول عمار في الخبر ( أن مفهوم التغيير الجذري يعني تغييرا شاملا في طبيعة الدولة السودانية، و يعيد تعريف مضمون و محتوى العملية الاقتصادية و التوجه التنموي، أضافة لبعد اجتماعي يخدم مصالح الأغلبية المسحوقة و المحرومة، و وضع حد لاحتكار الثروة و السلطة في يد مجموعات محفوظة و لكنها ضيقة) هذا القول يعني القضية غير محصورة بالفترة الانتقالية، و تتعداها، و كان على الحزب الشيوعي أن يحصر قضية التغيير في الفترة الانتقالية، و يقدم الرؤية الأيديولوجية في برنامجه الانتخابي. لذلك نجد أن الزيلعي يربط تصوره بالفترة الانتقالية و متطلباتها. الأمر الذي يجعل رؤيته تقبل الحوار الفكري بين التيارات مختلفة.
السؤال: هل الزيلعي قدم هذه الرؤية لكي تكون مخرجا للحزب الشيوعي من الشرنقة التي وضع نفسه فيها؟
لا اعتقد أن رؤية الزيلعي مرتبطة بعملية تكتيكية متفق عليها مع القيادات الاستالينية في الحزب، بعد ما تشعر القيادات أن " تحالف التغيير الجذري" لم يستطيع أن يستقطب أي مكونات سياسية لها دورها السياسي و الاجتماعي في المجتمع، و أن التحالف ظل محصورا بين الحزب و واجهاته، و بالتالي يتبنى رؤية الزيلعي باعتبارها رؤية يمكن أن تخرجه من الحصار الذي فرضه على نفسه. و حتى إذا تبنى رؤية الزيلعي يجب على القيادات التاريخية أن تقدم استقالاتها لكي تفسح المجال لقيادات جديدة مايزال خيالها السياسي ذو فاعلية يستطيع أن يخرج الحزب من الخندقة التاريخية حيث عجزت القيادات الاستالينية القادمة من مرجعيات تنفيذية أن تحدث تغييرا في الأفكار التقليدية للكلاسيكية الماركسية.
قال الزيلعي في رده على سؤال كان قد طرحه أحد الحضور حول فك تجميده و الرجوع للعمل الحزبي هل يسمح له أن يقدم مثل هذه الرؤية؟. قال أن صراع الأفكار داخل أي منظومة سياسية مطلوب، لأنه يشكل قاعدة أساسية لتطوير المنظومة، و يحدث فيها نشاطا عقليا، الخلاف الفكري عندما يكون داخل المنظومة أفضل من أن يكون خارجها. هذه رؤية الزيلعي لكن التجارب تقول عكس ذلك. في أخر تسعينات القرن الماضي و في القاهرة كنت على صلة قوية مع الخاتم عدلان و الدكتور الشفيع خضر، و جمعتهما في حوار مفتوح في " منبر المركز السوداني للثقافة و الإعلام" و كانت الندوة حول الحوار الدائر داخل الحزب الشيوعي فبهدف مراجعات فكرية و تغيير أسم الحزب. كنت واثق تماما من خلال حوار الإثنين مع بعضهما البعض، ليس هناك خلافا بين الخاتم و الشفيع فكريا و مطلوباتهما، فقط الخاتم كان يعتقد أن القيادات التاريخية في الحزب الشيوعي و المركزية الديمقراطية لن تسمح بالحوار أن يأخذ بعده و يفضي إلي تلك المطلوبات، كان الشفيع يعتقد يجب أن يحدث الحوار داخل الحزب. و بالفعل استطاعت القيادات التاريخية أن تتهمه باتهامات لكي تبعده من حضور المؤتمر السادس للحزب و شكلت له محاكمة داخلية و برأته، و لكن أصرت القيادات أن تطرده من الحزب خوفا على مصالحها. أن القيادات التي لا تتحمل الصراع الفكري داخل مؤسستها لا تستطيع أن تقنع الناس أنها تعمل من أجل نجاح العملية الديمقراطية في البلاد. نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة. نواصل.الجزء الثاني الزيلعي التاريخ و الصراع داخل المنظومة الحزبية.
zainsalih@hotmail.com
هذه التحولات التي حدثت داخل المنظومة اليسارية كانت تنبيء، أن عملية الاجتهادات الفكرية داخل هذه المؤسسة عملية غير مطلوبة، إلا في حدود ارتباط الفكرة بالماركسية الارثوذكسية. قبل إعلان الحزب الشيوعي للتحالف الجذري، كانت القيادة السياسية قد عقدت مؤتمرا صحفيا بعد عودة سكرتير الحزب و الوفد الذي صاحبه لزيارة جوبا و كاودة، و الالتقاء برئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، و أيضا رئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو، و أعلن في المؤتمر الصحفي أن هذه المجموعة سوف تكون " تحالف الأقوياء" باعتبار أن التحالف سوف يضم الحزب الشيوعي و حركتين مسلحتين لهما قاعدة جماهيرية، لكن لم يظهر " تحالف الأقوياء" و الذي ظهر على السطح هو "تحالف التغيير الجذري" مما يؤكد أن الحركتين رفضتا التحالف، و السبب أن هناك فهم سائد عند قطاع عريض في الشارع السياسي، أن الحركتين لهما علاقة تنظيمية بالحزب الشيوعي، و إذا كانت الحركتان قد انضمت للحلف سوف تثبت في الذهان هذا الاعتقاد. و فضلت الحركتان بدلا عن التحالف الذي يعطي القيادة للحزب الشيوعي، أن يكون هناك تنسيقا بين القوى التي تسعى للتغيير من أجل الديمقراطية. لذلك ما كان في ظل المتغيرات في الساحة إلا أن يعلن الحزب الشيوعي تحالف يضم " الحزب الشيوعي و الوجهات التي يعمل بها وسط الجماهير إضافة لبعض من لجان المقاومة، التي لها علاقة تنظيمية بالحزب الشيوعي.
في محاضرتين ذات اجتهادات فكرية كان قد قدمهما القيادي اليساري صديق الزيلعي في كل من " منبر السودانيين لدعم الثورة السودانية بمنطقة " ديلمارفا – ميريلاند – أمريكا" عبر خدمة Zoom " بعنوان " دعوة للتفكير خارج الصندوق حول وحدة قوى الثورة" و الأخرى في "غرفة Clubhoue لمركز أبحاث الديمقراطية و الدراسات الاستراتيجية باستراليا" تحدث الزيلهي فيهما بصورة موضوعية حول تحالف القوى الثورية، و ربط قضية التغيير الجذري باحتياجات عملية التحول الديمقراطي، و قد فرغها من الحولات الأيديولوجية التي شحنها بها الحزب الشيوعي، كما تحدث عن فتح حوار عميق بين قوى الثورة لإنتاج مبادرة وطنية تعزز عملية التحول الديمقراطي في البلاد. و قال يجب أن تخرج القطاعات المهنية من هيمنة الأحزاب السياسية لكي تصبح هي نفسها رمانة الميزان، لأنها تنظيمات بالضرورة تضم عضوية ذات انتماءات حزبية مختلفة،و قال يجب أن تقدم لجان المقاومة باعتبارها قوى جديدة قدمت تضحيات عظيمة تؤهلها أن تكون لها الريادة في عملية التحول السياسي في البلاد، و أيضا أكد أن قوى الريف يجب أن تحظى بأهتمام كبير باعتبارها قوى منتجة و ذات فاعلية كبيرة في العمل السياسي. أن طرح الزيلعي و تصوره للتغيير الجذري يختلف تماما عن التغيير الجذري الذي يدعو له الحزب الشيوعي ذو الحمولات الأيديولوجية الذي يجد معارضة سياسية من قبل قوى سياسية لها قاعدة اجتماعية عريضة في المجتمع. ويؤكد الدكتور عمار محمد الباقر القيادي في التحالف الجديد عن هذه الحمولات الأيديولوجية في الخبر الذي نشرته جريدة ا"لجريدة المقربة للحزب" يوم الجمعة 29 يوليو 2022م ، يقول عمار في الخبر ( أن مفهوم التغيير الجذري يعني تغييرا شاملا في طبيعة الدولة السودانية، و يعيد تعريف مضمون و محتوى العملية الاقتصادية و التوجه التنموي، أضافة لبعد اجتماعي يخدم مصالح الأغلبية المسحوقة و المحرومة، و وضع حد لاحتكار الثروة و السلطة في يد مجموعات محفوظة و لكنها ضيقة) هذا القول يعني القضية غير محصورة بالفترة الانتقالية، و تتعداها، و كان على الحزب الشيوعي أن يحصر قضية التغيير في الفترة الانتقالية، و يقدم الرؤية الأيديولوجية في برنامجه الانتخابي. لذلك نجد أن الزيلعي يربط تصوره بالفترة الانتقالية و متطلباتها. الأمر الذي يجعل رؤيته تقبل الحوار الفكري بين التيارات مختلفة.
السؤال: هل الزيلعي قدم هذه الرؤية لكي تكون مخرجا للحزب الشيوعي من الشرنقة التي وضع نفسه فيها؟
لا اعتقد أن رؤية الزيلعي مرتبطة بعملية تكتيكية متفق عليها مع القيادات الاستالينية في الحزب، بعد ما تشعر القيادات أن " تحالف التغيير الجذري" لم يستطيع أن يستقطب أي مكونات سياسية لها دورها السياسي و الاجتماعي في المجتمع، و أن التحالف ظل محصورا بين الحزب و واجهاته، و بالتالي يتبنى رؤية الزيلعي باعتبارها رؤية يمكن أن تخرجه من الحصار الذي فرضه على نفسه. و حتى إذا تبنى رؤية الزيلعي يجب على القيادات التاريخية أن تقدم استقالاتها لكي تفسح المجال لقيادات جديدة مايزال خيالها السياسي ذو فاعلية يستطيع أن يخرج الحزب من الخندقة التاريخية حيث عجزت القيادات الاستالينية القادمة من مرجعيات تنفيذية أن تحدث تغييرا في الأفكار التقليدية للكلاسيكية الماركسية.
قال الزيلعي في رده على سؤال كان قد طرحه أحد الحضور حول فك تجميده و الرجوع للعمل الحزبي هل يسمح له أن يقدم مثل هذه الرؤية؟. قال أن صراع الأفكار داخل أي منظومة سياسية مطلوب، لأنه يشكل قاعدة أساسية لتطوير المنظومة، و يحدث فيها نشاطا عقليا، الخلاف الفكري عندما يكون داخل المنظومة أفضل من أن يكون خارجها. هذه رؤية الزيلعي لكن التجارب تقول عكس ذلك. في أخر تسعينات القرن الماضي و في القاهرة كنت على صلة قوية مع الخاتم عدلان و الدكتور الشفيع خضر، و جمعتهما في حوار مفتوح في " منبر المركز السوداني للثقافة و الإعلام" و كانت الندوة حول الحوار الدائر داخل الحزب الشيوعي فبهدف مراجعات فكرية و تغيير أسم الحزب. كنت واثق تماما من خلال حوار الإثنين مع بعضهما البعض، ليس هناك خلافا بين الخاتم و الشفيع فكريا و مطلوباتهما، فقط الخاتم كان يعتقد أن القيادات التاريخية في الحزب الشيوعي و المركزية الديمقراطية لن تسمح بالحوار أن يأخذ بعده و يفضي إلي تلك المطلوبات، كان الشفيع يعتقد يجب أن يحدث الحوار داخل الحزب. و بالفعل استطاعت القيادات التاريخية أن تتهمه باتهامات لكي تبعده من حضور المؤتمر السادس للحزب و شكلت له محاكمة داخلية و برأته، و لكن أصرت القيادات أن تطرده من الحزب خوفا على مصالحها. أن القيادات التي لا تتحمل الصراع الفكري داخل مؤسستها لا تستطيع أن تقنع الناس أنها تعمل من أجل نجاح العملية الديمقراطية في البلاد. نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة. نواصل.الجزء الثاني الزيلعي التاريخ و الصراع داخل المنظومة الحزبية.
zainsalih@hotmail.com