الساقية لسه مدورة فهل تساهم في إيقافها

 


 

 

صرح الصادق عبدالله عبدالماجد المراقب العام لحركة الاخوان المسلمين الاسبق في السودان في 03/04/2016م، بأن " الحركة الإسلامية لم تحكم خلال 26 عاما"!!! أي أنه لا يعتبر حزبي المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي -المجموعة الحاكمة-   حركة إسلامية !!!

     إذن يمكن أن نستند على قوله كدليل على تلك العقلية القاصرة لدى النخب السودانية والتي تصر على رفض الأخر الذي لا يوافقها في هواها!!!. نعم لعل لب المشكلة السودانية منذ فجر التاريخ حتى يوم الناس هذا تتمثل في تفخيم الأنا -المجموعة، الحزب،القبيلة- واعتبارها صاحبة الرأي الأصوب وكل من يخالفها الرأي هو عدو لها يجب إقصائه بكل السبل. ابتدأ من إفحامه في النقاش وإسكاته بواسطة الفصل للصالح العام أو أيداعه المعتقلات والسجون وإنتهاء  بالتخلص منه نهائياً بحادث سيارة او حادث طائرة أو غيره.

    أحدث مثال لما ذهبنا إليه هو تصريح السيدة عفاف تاور القيادية بحزب المؤتمر الوطني الحاكم في 31/03/2016م ،التي صرحت بحديث لا لبس فيه ولا تورية بأنها تؤمن بالتطرف الذي تكون قمته تفجير النفس في عملية إنتحارية!!!  قائلة "لو كنت رجلا من النوبة  لنفذت عملية انتحارية في واحد من الثلاثي"، فى إشارة لعقار وعرمان والحلو- قادة قطاع الشمال- ”، وأضافت "لو لاقيت عرمان كنت عملتها لكن ألقى وين"!!!

    كنت قد أشرت في مقال لي سابق بتاريخ 15/10/2014م  بعنوان" حكومة البشير ونهج قطع الرقاب" الى تصريحات قادة النظام الحاكم أي البشير وعلي عثمان ود.نافع علي نافع  والفاتح عزالدين، ونائب والي الخرطوم الاسبق صديق محمد علي التي تدل على إيمانهم جميعا بالعنف الدموي واستعمالهم جميعا لمفردات قطع الرقاب او القطع بالسيف او القبر أو "قطع الرقبة من الأضان للاضان" كما قالت البروفسور سعاد الفاتح..

    تجدني اليوم أحاول من خلال هذا المقال سبر سر المشكل السوداني ومن ثم اقتراح بعض الحلول، لعلي أساهم مع الاخرين في تلمس مكان الداء وإيجاد "مرهم" مفيد  وعلاج لإسكات جرح الوطن النازف .

    لا يختلف اثنان بأن الوطن عاني ويعاني من خلافات انقلبت لأزمات طاحنة اختلفت وتعددت أسبابها الظاهرية و"الباطنية" ووصلت تلك الأزمات مرحلة الحروب والاقتتال وإزهاق الارواح و موت الالاف بل الملايين في حروب داخلية بين أبناء السودان قبل الانفصال الى دولتين في 2011م .  

    بعد الانفصال لم تتوقف الحروب الداخلية بين أبناء كل دولة من الدولتين، ومنه الاقتتال حول جبل مرة الاسبوع الماضي بين القوات الحكومية وقوات مناوي، او ما حدث أمس من إشتباكات مسلحة بين المعاليا والرزيقات، إي لا تزال الدماء تنهمر  والأرواح  تزهق في أنحاء عديدة من السودان مع مطلع كل فجر جديد.

    ثم أن هذه الارواح التي أزهقت والدماء التي أريقت لم تساهم في حل الإشكال بل أدت ألى تعقيده أكثر وأكثر وأصبح ذلك المغبون او المنهزم ينتظر ان ينتقم الله له من الاخر، و قد يتربص بالاخر للانتقام منه. كذلك أصبح صاحب السلطة في حالة توجس وخوف داخلي بأن الاخر المغبون يتآمر عليه عبر كل الوسائل، إبتدأً من الدعاء عليه بالشر،  أو الاشارة الى فساد السلطة الحاكمة خلال تجمع الناس  في المناسبات الاجتماعية ، وإعلان سخطه عبر وسائل الاتصال الاجتماعي مثل الواتس اب والفيس بوك وغيرها وفي الصحف الالكترونية وفي صحف المعارضة وفي محاولاته تأليب المنظمات الدولية على النظام  وغيرها.

    فسر البعض هذا التطرف في الخلاف او الاختلاف بأنه نوع من الحسد داخل الشخصية السودانية،وقال اخرون بأنه خلل في تربية الطفل السوداني لأنه لم يكن يسمع له رأياً بل  يلاحق في إستبدادية من الكبار بكلمة "أسكت ياولد" ، "أسكت ساكت" وأحيانا يشتم "ياحمار" بل قد يدعى عليه "قوم قامت قيامتك". وقد يضرب ضربا مبرحاً من الوالدين او من رفقائه في الحي او المدرسة. وأرجع البعض التطرف في الإختلاف الى الجفاف العاطفي في التعامل الأسري او إلى الحرمان المادي، ، وغيرها من أساليب تشويه النمو النفسي للطفل، ولذلك يشب الطفل وهو مليء بالتناقضات والتشوهات النفسية فيكون مواطنا غير صالحا يريد إثبات نجاحه أو تعويض حرمانه أو يريد الانتقام لماضيه  فيكون حاقداً على المجتمع دون أن يدري!!!

    إذا نظرنا ألى كثير من تصريحات المسؤولين في الدولة السودانية نجدهم جميعا من أصحاب التشوهات النفسية السابقة ويبرز التشوه في اقوال من شاكلة "زمان الواحد كان عنده قميص واحد و الان الدولاب مليان قمصان"، او "إتحدى أي واحد يقول كان بعرف الهوت دوق قبل مجيء الانقاذ"، او "نحن جبناها رجالة"، او  "الحس كوعك"، ومنها أقوال وزير الخارجية الأسبق مصطفى عثمان " الما داير يدينا صوته، ما يمشي في ظلطنا، وما يولع كهربتنا، وما يشرب مويتنا" !!! ومنها كذلك قوله في اكتوبر 2014م "ان تكاليف التداعيات المصاحبة لاي محاولة لاسقاطنا مكلفة وباهظة الثمن، وان من يقدم عليها او يخرج في المظاهرات يدفع حياته ثمناً لذلك" !!!

    إذن عدم إفساح مجال من الحرية للتعبير للطفل السوداني وعدم سماع وجهة نظره، و "إنعدام" ثقافة الخلاف والاختلاف هو من بين أسباب العلة في الشخصية السودانية، ولعلنا اذا أدركنا جميعنا ذلك، يمكننا أن نفهم لماذا الاختلاف في الرأي يؤدي الى العنف بل الى سيلان الدماء في اركان النقاش بالجامعات، ويؤدي الى البطش والعنف في محاربة الرأي الاخر وقد يبرر بيوت الاشباح والمعتقلات والسجون الغير شرعية عند السلطة الحاكمة. لان الاخر المخالف في الرأي اصبح ينظر اليه بإعتباره خطر ومنافس بل عدو!!! حتى لو كان المخالف في الرأي من نفس الحزب والجماعة، والدليل ما يحكى من التصفية بالقتل لبعض الاسلاميين من قبل إخوتهم الاسلاميين، وهروب بعض الاسلاميين الى المنافي خوفا من رفقتهم الاسلاميين كخالد عبدالله "ابواحمد"!!!.

    ما يهمنا الان كيفية إفهام الجميع حكومتا ومعارضة مسلحة وجلادين ومغبونيين إن دائرة الشر تتسع  وتكبر ولن ينجو منها الا من رحم الله، أما الغالبية فهم موعودين بإنفجارات وإنتقامات كجزء من دائرة العنف الدموي التي قد تتحول الى "صوملة" وحرب أهلية، وقد لا تتوقف إلا بإحلال السلام والذي يبدأ بالحوار الجاد والصادق!!!

    إذن كما نادينا في مقالات سابقة كثيرة بضرورة التعافي والتصافي وأختيار التوافق المجتمعي الحقيقي، ننادي هنا بالأخلاص  في تفعيل مخرجات الحوار ومن ثم التوافق على تكوين حكومة قومية تعمل على وضع دستور دائم للبلاد وإعلان الايقاف الفوري للحرب. وفي خط مواز له يجب على كل مواطن سوداني ان يساهم في ان تعود حرية الراي وثقافة الاختلاف في ود وحبور إلى البيت والحي والمدرسة والمعمل والمصنع وغيرها. فيساهم في إيقاف ساقية العنف.

    كتب استاذنا بابكر عيسى وهو ايضا إبن عم فاروق عبدالرحمن وكيل وزارة الخارجية الاسبق ومؤلف كتاب "السودان وسنوات التيه، نصف قرن لم يكتمل"  ولعلها اسرة ورثت الحكمة لذلك نجده ينادي الجميع للتشبث بأخر طوق للنجاة أي الحكمة . فيقول  "إلى متى يمكن أن تستمر هذه الانهيارات في كل شيء وكل مجال..؟ وهل يجب أن تحترق السفينة لتحملها الرياح إلى أقرب شطّ يمكن أن نجد فيه الخلاص..؟ فاستمرار العذاب ليس قدراً مقدراً ولا بد من وجود منافذ للخروج من المحنة والخروج من هذه المحنة يحتاج إلى حكمة الجميع وليس فقط النخبة التي عجزت عن إدارة شؤون البلاد والعباد.. الشأن العام يهمّ الجميع وعلى الجميع أن يتداركوا الوضع قبل غرق السفينة وتوهانها في الظلمات حيث لا عودة في القريب".

    أنشد المرحوم الشاعر محمد الفيتوري.

    " الجوع في الأرض
    والقهر في الناس
    قد مرّ طاغيةُ من هُنا ذات ليل
    أَتى فوق دبّابةٍ
    وتسلَّق مجداً
    وحاصر شعباً
    غاص في جسمه
    ثم هام بعيداً
    ونصَّب من نفسه للفجيعة رَبَّا"

    wadrawda@hotmail.fr

 

آراء