السباحة في مؤتمر “بحر إدريس” ..!
شهدت مؤتمرا صحفيا، أو بالأحرى لقاءا تفاكريا وتنويريا أقامته وزارة الصحة وتحدث فيه وأداره بإقتدار الوزير بحر إدريس أبو قردة، وبكل صراحة كنت بعيدا عن فهم الخلاف الدائر حول إتحادية وولائية مجلس الصيدلة والسموم، أو بالأصح إتحادية أو ولائية الجهات التنظيمية والرقابية على هذا القطاع الخطير والخطير جدا.
كنت بعيدا عن فهم التفاصيل في هذه القضية وفي قضايا أخرى شغلت الحيز الأكبر من اللقاء ولكنني دخلت بذات القناعة التي خرجت بها، وهو أنه من المستحيل أن تكون جهات رقابية متعددة على الدواء والعلاج. إذا كان تنظيم مهنة الصحافة إتحاديا وإذا كان الأمن قوميا ومركزيا وإتحاديا، لا عبرة بإستثناء الشرطة الذي نجح فيه المتعافي بعد تلك المعركة الشهيرة.
ولا عبرة أيضا بأن الدستور "حاليا" يقول كذا وكذا، فليتم تعديل الدستور بأعجل ما تيسر ودون تردد.
لقد كان أداء الوزيرجيدا ومنطقيا، ومداخلات أهل الشأن شغلت حيزا أكبر من مداخلات الصحفيين ولكنها كانت مفيدة للغاية.
في حقيقة الأمر كنت شارد الذهن عن هذه "المعركة الإنصرافية الصغيرة"، وكنت أفكر في تجارب خاصة مرت بي من قبل وكتبت على ضوءها عمودا بعنوان "السياحة العلاجية والدوائية في السودان". وفقا لتجاربي كنت أرى أن هذه المعارك كلها في غير معترك، والمطلوب من الدولة تحفيز الصناعة الدوائية الوطنية لأنها "منقذة لحياة الإقتصاد السوداني".
لا زلت أذكر الإتصال الهاتفي الذي تلقيته من البروف غندورا مهنئا ومقرظا لذلك العمود، كيف لا وهو الأدرى بالقطاع الطبي الذي قضى فيه عمره المهني كله:
(كنت في دولة إفريقية ... في أحد افخم أحيائها لم أجد في الصيدليات سوى نوع واحد من المضادات الحيوية، تذكرت أنه في السودان هنالك عشرات الأنواع تمنح على حسب نوع الإلتهاب لأن (الطب تطور) وصار فحص الدم يحدد نوع البكتريا ودرجة خطورتها وبناءا على ذلك يمنح المضاد الحيوي الفعال والمناسب ..!
إستغربت جدا وسألت الصيدلي عن بندول (إكسترا) ... لم يعرفه ... ظننت انه مساعد صيدلي فتحادثت معه بإنجليزية بسيطة فوجدته صيدلي خريج جديد على سن ورمح ولكن أرفف صيدليته فارغة ... سألته عن إحتمالية وجود الزوماكس و(إكسترا) أو البندول المخصص للنزلات، دلني على صيدلية افخم فلم أجد شيئا ولكن هنالك دلوني على أدوية تستخدم في هذه الحالات ... كانت أدوية هندية رخيصة ولكنني خفت منها ... لم اجد الإكسترا المتوفر الآن في (البقالات!) في السودان ... بل يصنع في السودان ضمن قائمة طويلة من الادوية المصنعة محليا ... صراحة قطاع التصنيع الدوائي في السودان متطور وسمعته مثل (جنيه الدهب) إلى حين إشعار آخر.
هذا القطر الأفريقي وغيره مستواه في (التطبيب) مثل السودان في الثمانينات وليس التسعينات. السودان يصلح للتسويق وجلب ملايين الدولارات لخزينة الدولة عبر السياحة العلاجية وإذا كان حلمنا هو توطين العلاج بالداخل فلنكن اكثر طموحا ولنفكر في جعل السودان الدولة الأولى في السياحة العلاجية في إقليم شرق ووسط أفريقيا (خطوة أولى) وذلك لعدم وجود منافس يذكر ولقرب المسافة التي تختصر تكلفة الطيران او السفر البري السياحي ... إذ توجد شريحة من المرضى لا تتأثر بالسفر البري ... من يريد أن يفتت حصوة في الكلى أوالمرارة ربما لا يحتاج للطائرة ... خاصة وأن البشارات تترى ...
الكادر الطبي السوداني شاطر وممتاز ومهذب وأمين ... رؤوس الأموال موجودة ... الأجهزة متوفرة في الأسواق المحلية والعالمية ... كل شيء موجود ... المسألة تحتاج إلى سياسات وفتح صفحة جديدة)
makkimag@gmail.com