الستر في زمن الغدر

 


 

 

كلام الناس
*رسالة اليوم لا أدعي أنها أرسلت ل"كلام الناس" ،لأنها وصاتني في البريد الإلكتروني العام من رنا محمد التي كثيراً ما تتحفنا بالرسائل المشحونة بالمعاني الجميلة والقيم الإنسانية الرفيعة.
*رسالة اليوم كانت بعنوان "قصة جميلة من الواقع" تحكي عن واقعة حدثت في مكتب للاستشارة والمساندة القانونية المجانية -عندهم بالطبع - حيث زارتهم ذات يوم إمرأة دميمة الشكل، ترتدي عباءة سوداء، ضخمة الجسم، عريضة المنكبين، شكلها أقرب للرجال من النساء.
*(الراوية) احدى المحاميات بالمكتب،لاحظت أن زملاءها من المحامين بدأوا يتجنبونها، بعضهم غادر المكتب، ومنهم من تصنع الانشغال، لم يكن هناك مفر من أن تستقبلها، والاستماع الى قضيتها، تقول المحامية : لاأخفي أنني كنت قلقة وتجنبت النظر الى وجهها، وتجاهلت التعليقات الساخرة التي كانت تصدر من زملائي بالمكتب وأنا أكتم ضحكتي، حتى لايظهر "عملنا" بصورة غير لائقة.
*بدأت المرأة الدميمة تتحدث وهي ترسم ابتسامة على وجهها و تقول لي : لم أكن محظوظة في الزواج، كان الرجال ينفرون من شكلي، لم يطرق بابي أى رجل للزواج مني، كنت أحلم بالزواج وبإنجاب الاطفال الذين أحبهم جداً،لكن لم يتحقق حلمي.
*ذات يوم فاجأتني جارتي بقولها ان جارنا المقاول يطلب الزواج مني على ان تكون مهمتي فقط رعاية ابنائه الأربعة بعد أن توفيت امهم، بشرط ألا أطمع في العلاقة الشرعية للزوجة، أي أن أكون فقط خادمة للاولاد!!.
*وافقت على ذلك، ليس لأن هذه هي أول مرة يتقدم لي فيها رجل، وإنما لأنها فرصتي في أن أعتني بأولاده وكأنهم أولادي،بالفعل غمرتهم بحبي وحناني حتى أصبحت لهم أماً يحبونها ويقدرونها، في ذات الوقت فتح الله على(زوجي)أبواب الزرق ووسع عليه وبارك في أعماله، أصبح زوجي - مع وقف التنفيذ - يحبني كما أحبني أولاده.
*بدأ يعاملني كزوجة شرعية، لكن فرحتي لم تكتمل فبعد ان استقرت حياتي الزوجية لمدة عامين إنتقل زوجي الى رحاب الرحمن الرحيم، وترك لي ثروة كبيرة بعد أن كتب لي عدة عقارات من أملاكه التي تقدر بالملايين - ملايينهم وليس ملاييننا -،مضت المرأة الدميمة الشكل قائلة : أولاده لم يعترضوا على ذلك، لكني حضرت إليكم لكي تعملوا على نقل ملكية العقارات لهم.
*تقول المحامية :سألتها بعد أن بدأت التعاطف معها، ألا تريدين الاحتفاظ بشئ من هذه العقارات، ولو بعقار واحد ينفعك إذا قسى الاولاد عليك أو جار بك الزمان ؟!! قالت : لا ..أريد فقط نقل كل العقارات لهم، فهذا حقهم ، يكفيني حبهم لي.
*تمضي المرأة الدميمة الشكل قائلة : هذا هو الرزق الذي وهبه الله لي، الحب بعد مرارة الحرمان، وهو الذي سيرزقني الستر في زمن الغدر.
*المحامية اقتنعت برغبتها وبدأت في عمل إجراءات تحويل ملكية العقارات لأولاد "المرحوم" وهي - المحامية - تتحسر على "حالنا" نحن الذين نحكم على الاخرين بالظاهر دون أن نرى ما بداخلهم من جمال وحب غير منظور.

 

آراء