السر قدور … زي النجوم والماس! (1/2)

 


 

 

سطر جديد

 

 

fadil awadala [fadilview@yahoo.com]

          ظللت أتابع ومعي مئات الآلاف من المشاهدين داخل السودان وخارجه، وللسنة الثالثة على التوالي برنامج (أغاني وأغاني) الذي يعده ويقدمه بنجاح منقطع النظير الأستاذ/ السر أحمد قدور. جاذبية وعبقرية السر قدور لا تكمن في كونه مسرحي قدير أو شاعر أغنية فذ.. أو صحفي ونجم إعلامي، أو حتى ملحن ومؤدي ومادح، كل هذه المواهب الإبداعية المذهلة تتوارى أمام موهبته الأساسية والتي تتمثل في أنه واحد من أكبر (أسطوات الكلام) في السودان، فالرجل من أعذب (الكلمنجية) أو الحكائين في بلادنا.

          ظاهرة (أسطوات الكلام) هذه تجدها في كل قرية أو حي من أحياء مدن السودان، فلكل قرية حكاؤها وراويتها الذي يتحلّق الناس حول مجلسه في الأفراح أو الأتراح وغيرها من المناسبات، يشيع البهجة أينما حلَّ وينتزع الإبتسامة والضحكة المجلجلة عنوةً واقتداراً. والسر قدور هو عمدة هؤلاء الأسطوات في سائر عموم السودان، فهو قد وظف رشاقة شعره ومعاصرته للأحداث والناس وقدراته الدرامية والإعلامية حتى أصبح أعذب (كلمنجية) السودان.

          عرفت السر منذ بواكير طفولتي، فقد وُلدت في حي البوستة بأمدرمان وتعلق بصري في حواري ذاك الحي على السر، إذ كان يرتاد نادي حي البوستة الثقافي بل يكاد يقيم فيه، وكان ينام بكل بساطة على طاولة (البنج بونج) في النادي. عن هذه الفترة كتب السر في تواضع يقول (كنت مقابل إقامتي في ذاك النادي مسؤولاً عن حراسة ونظافة النادي، وفي الأمسيات كنت معاوناً للمرحوم محمود إبراهيم الذي كان يتولى إدارة بوفيه النادي). في تلك الحقبة وفي أجواء ذاك النادي العريق، كان السر يصادق الأستاذ موسى إبراهيم فني التسجيلات القدير بإذاعة أمدرمان ويجالس نخبة من مثقفي أمدرمان وعلى رأسهم الراحل الأستاذ/ محمود حاج الشيخ عمر والأديب الراحل عبد الله حامد الأمين والأساتذة علي المك وعمر حاج الشيخ والطيب زروق وعبد اللطيف زروق وأبوبكر خالد من رواد النادي مما أكسبه الكثير من الوعي والثقافة، إلى جانب غيرهم من المبدعين الذين إتخذوا من حي البوستة سكناً لهم أمثال العاقب محمد حسن وزنقار وخواض وإسماعيل خورشيد ومحمود سراج والصحفي الراحل التجاني محمد أحمد.

          إلتقيت السر أكثر من مرة في التسعينات بالقاهرة فوجدته يحتفظ ببساطته الآسرة وزهد ملبسه ومسكنه وروحه الشابة وموهبته التي ازدادت نضاراً وتألقاً. حكاية (زهد ملبسه) هذه أضحكتني يوم أن أستضاف السر في برامجه التلفزيونية صديقه الشاعر المصري الكبير عبد الرحمن الأبنودي، يومها لاحظ الأبنودي تأنق السر في بدلة فخيمة باذخة فحبكت النكتة المصرية الحراقة عند الأبنودي وهو يخاطب السر عبر البرنامج قائلاً ( إيه ده يا أستاذ سر.. إنت النهار ده جاي متنكر ولا إيه؟!).

          أذكر عندما إلتقيته في تلك الأيام بالقاهرة وكان العهد قد طال به عن أمدرمان والسودان، ورحنا نجتر ذكريات حي البوستة الأمدرمانية فبادرني ضاحكاً (شوف الزمن مشى كيف؟ تركت حي البوستة ومختار دفع الله شافع (أرسّله) دكان اليماني يجيب لي سيجارة ... دي الوقت مختار دفع الله شاعر غنائي كبير وأخوانا اليمانية طفشوا خلو لينا البلد!).

                                                                                      غداً نواصل..

 

الفاضل حسن عوض الله                                                                             سطر جديد

السر قدور... زي النجوم والماس! (2/2)

          قبل بضعة أيام وعبر برنامجه الرمضاني الناجح (أغاني وأغاني) إستضاف السر قدور الفنان الكبير زيدان إبراهيم إلى جانب كوكبة الأصوات الشابة الندية والتي لعبت دوراً كبيراً في إنجاح البرنامج. وعبر محاورته الشيقة للفنان زيدان تطرق إلى سيرة الأستاذ الراحل التجاني محمد أحمد (أحد أعمدة صحافة المجتمع عبر صحيفة (السودان الجديد) منذ فترة ما قبل الإستقلال). تحدث السر عن دور الأستاذ التجاني في لفت النظر لموهبة زيدان وهو من أطلق عليه لقب (العندليب الأسمر)، ومضى يقول أن الأستاذ التجاني كان مفتوناً بثلاثة أشخاص هم الرئيس الراحل إسماعيل الأزهري ووالدي المرحوم حسن عوض الله إلى جانب الفنان زيدان إبراهيم.

          حديث الأستاذ السر فيه الكثير من الصحة وبعض من عدم الدقة، فالأستاذ التجاني كان لصيقاً بالرئيس الأزهري وبوالدي حيث أصبحت علاقته بنا أسرية محضة، فقد جاء من ربوع كردفان ومن بوادي حمر ومنطقة الخوي بالتحديد مطلع الأربعينات ليلتحق بمعهد أمدرمان العلمي وأقام بين أهلنا (الغنادير) وبين أسرتنا منذ لحظة قدومه إلى وفاته في ثمانينات القرن الماضي، إلا أن التجاني كان أيضاً وثيق الصلة بكافة رموز الحركة الوطنية ومن جاء بعدهم، فقد كان صديقاً لمبارك زروق ويحي الفضلي وعبد الماجد أبو حسبو وصالح محمد إسماعيل وأحمد خير وطلعت فريد والشريف حسين والشريف زين العابدين وإبراهيم جبريل وغيرهم.. كذلك كان من أقرب الناس للمرحوم الرشيد الطاهر بكر والسيد إبراهيم منعم منصور (ود الناظر) كما كان يسميه، ومولانا دفع الله الحاج يوسف وغيرهم. وفي الجانب الفني كان صديقاً عزيزاً لمعظم الفنانين وعلى رأسهم فنان السودان الأول سيد خليفة.

          والأستاذ التجاني محمد أحمد كان في شخصيته يماثل السر قدور في كونه (كلمنجياً) فذاً وحكّاء من الطراز الرفيع، وواحداً من ظرفاء مدينة أمدرمان، ونوادره مع الساسة ومع أستاذه (أبي الصحف) أحمد يوسف هاشم لا تعد أو تحصى، سبق وأن تعرضنا لبعضها وقد نعرض لها في المستقبل إنشاء الله. ولا ننسى أن نقول أن التجاني هو ناظم الهتاف الشهير الذي ارتبط بالرئيس أزهري (حررت الناس.. يا أسماعيل.. الكانو عبيد.. يا إسماعيل.. والكل بقى سيد.. يا إسماعيل.. أعلامنا ترفرف... يا إسماعيل..في الجو خفاقة... يا إسماعيل.. والناس ما بتعبد.. يا إسماعيل.. غير خلاقا... يا إسماعيل).

          وبالعودة إلى أستاذنا السر قدور، أذكر أنني عندما تزوجت في القاهرة مطلع التسعينات أصر صهري ووالد زوجتي العم على عبد الكريم صديق أن يقيم لنا فرحاً باذخاً بقاعة ألف ليلة وليلة بهيلتون النيل، وأتفقت بصفتي (العريس) مع المبدع أحمد الفرجوني على إحياء الحفل، إلا أن مشكلة واجهتني تتمثل في أن أقوم بسداد أكثر من ألف دولار لنقابة المهن الموسيقية المصرية نظير سماحهم للأخ الفرجوني بإحياء الحفل وفقاً للوائح النقابة بإعتباره فناناً أجنبياً.

          إتصلت بالأخ السر قدور وشرحت له الأمر فخاطبني ببساطته الآسرة عبر التيلفون (يا ود أخوى مافي مشكلة...الموضوع كلو بحلو ليك بعشرة جنيه مصري.. خلي الموضوع عليّ!). وبالفعل إستطاع السر الحصول على التصديق المطلوب في أقل من 24 ساعة.. هذه الواقعة سقتها لأدلل بها أن السر كان ومازال سفيراً فوق العادة للسودان في بلاط الثقافة والفن المصري.

 

آراء