السودان الحرب العبثية والفصل السابع
حامد بشري
22 June, 2023
22 June, 2023
أفادت وسائل الأعلام بأن مبعوثاً خاصاً من الأدارة الامريكية (مايك همر) توجه الي منتدي شرق أفريقيا في نهاية شهر مايو المنصرم حيث إستضافته قيادة الولايات المتحدة الأفريقية آفريكوم لتنسيق الجهود بشأن الإستجابة للأزمات ومواجهة التهديدات الأمنية . كما ألتقي بالامين العام للأيقاد لأستعراض مشاركة الأيقاد في الأنشطة العسكرية للافريكوم و كذلك بممثل الأتحاد الأفريقي . هذا الحراك في السياسة الخارجية الأمريكية لا يمكن عزله عن ما يدور في السودان بل من البديهيات أنه تم بتنسيق تام مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي .
علي رغم من التحفظ العام حول التدخل الخارجي في الشأن السوداني المبني علي التجارب الغير حميدة الأ أن تجربة اليوناميد في دارفور كان لها أثر أيجابي في وقف الأنتهاكات وساعدت علي حماية المدنيين بغض النظر عن السلبيات التي صاحبتها . وكما عبر عدد من المختصين بأن خروج اليوناميد سيخلق فراغاً أمنياً وربما يعيد الأوضاع الأمنية في دارفور الي مربع الصفر ، وهذا ما آل اليه الحال الآن . ومن مفارقات السياسة السودانية أن أندلاع الحرب في دارفور قبل عشرين عاماً كان بأيدي حكومة المؤتمر الوطني ووصول بعثة اليوناميد الي دارفور التي من أهم أهدافها تحقيق السلام والأستقرار في هذا الأقليم تم بموافقة الرئيس المخلوع الذي أشعل بنفسه نار الحرب . أما اليوم ، فالحرب بدأت من العاصمة الخرطوم وأتجهت غرباً الي دارفور وقد تمتد الي أقاليم أخري إذا لم نشرع سوياً مع القوي الأقليمية والدولية لإيقافها . تداعيات هذه الحرب التي دخلت شهرها الثالث لم تشمل أقليم دارفور والخرطوم فحسب وأنما أمتدت رقعتها الي باقي المدن السودانية والدول المجاورة بدون أستثناء وحتي تلك التي تفصلنا منها البحار والمحيطات . لذا يجب الأعتراف بأن مساعي الهدن التي تجري حالياً بمدينة جدة والتي تم خرقها مرات عديدة ، ترعاها وتشرف عليها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية مما يوحي بأنه في حالة الوصول الي سلام دائم وهذا ما نتمناه يجب أن يأخذ في الأعتبار دور العالم الخارجي الذي أسهم في الوصول الي هذه النتيجة . إضافة الي أن وقف الحرب يتطلب مراقبة ومشاركة عناصر خارجية لم تشارك في القتال وتمتاز بقدرات قتالية وتقنية عالية تستطيع من خلالها أن تفرض علي الفصائل المتقاتلة إيقاف نزيف الدم وتعيد الأمل في إعادة الحياة الي طبيعتها تدريجياً .
الشعب السوداني عبر عن رأيه ، ضد الطرفين المتحاربين وهو ضحية هذا الصراع العبثي الذي فقد بموجبه فلذات أكباده وعرضه وماله و تدمير بنيته التحتيه التي كانت في الأصل ضعيفه وهشه علاوة علي التهجير القسري الذي فُرض عليه بقوة السلاح . صحيح أن نضال الشعب السوداني لوقف الحرب الذي يتمثل في المذكرات والأحتجاجات والمواكب والمقابلات الأذاعية والتلفزيونية ساعد في بث رسالة للعالم الخارجي وتوضيح أننا أمام كارثه غير مسبوقة نحتاج فيها لدعم كل القوي المحبة للسلام للوقوف معنا ضد الحرب وفرض السلام علي القوي المتحاربة الشيئ الذي عجزنا عن تحقيقه منفردين . كذلك أحتجاجاتنا ضد الحرب تتضمن رسالة الي المنظمات الدولية لتقديم يد العون الأنساني الذي يتمثل في ضروريات الحياة من مأوي وغذاء وعلاج وكهرباء وماء للنازحين بولايات دارفور والمحاصرين بعاصمة البلاد والعالقين علي الحدود والمعابر. فرض السلام علي القوي المتحاربة جعل البعض منا ينادي علي أستحياء بتدخل أممي لحفظ السلام وما تبقي من أرواح سودانية غالية داخل الوطن ليتم ذلك تحت رعاية الأمم المتحدة ، خاصة وأن الجنرالين المتحاربين علي السلطة لم ينصتا الي قوة المنظق وإنما لجأ الي منطق القوة .
هذه الأوضاع والمستجدات في الساحة السياسية بدأت تنادي بتدخل دولي لتحقيق السلام وهذا في رأي أتجاه إيجابي فرضته ظروف الحرب والوضع المأساوي في دارفور .
وحول التدخل الأممي وتحديداً الفصل السابع من الأهمية توضيح بعض الجوانب القانونية للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والبنود التي تتعلق بمخاطر التدخل وبعض نتائج تطبيقه.
البند 42 من الفصل السابع تلجأ اليه الأمم المتحدة لحماية المدنيين ولحفظ السلام والأمن الدوليين في الدول التي تكون فيها أعمال تهدد السلم الأهلي و حياة المدنيين من خلال العدوان عليهم مما ينتج عنه العديد من الضحايا الأبرياء . وما يجري الآن في دارفور هو وقع الحافر علي الحافر خاصة عندما يتعلق الأمر بالتطهير العرقي والأبادة الجماعية . وتجربة مذابح رواندا عالقة بالأذهان وما زالت تُشكل عاراً في وجه الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي يخشي من تكرارها.
وبما أنه ليست للأمم المتحدة قوات مسلحة تحت إمرتها، فإن المجلس يستعمل المادة 42 لكي يأذن باستعمال القوة من جانب عملية لحفظ السلام، أو بواسطة قواتٍ متعددة الجنسية أو تدخلات من منظمات إقليمية.
طبق مجلس الأمن الفصل السابع ضد العراق قبيل غزوه في عام 2003 ، بالإضافة إلى حرب الخليج الثانية ، وضد الكوريتين خلال حربهما (1950-1953) كما طبقه على ليبيا وفي جزء من الســــــــــــــــودان وهو أقليم دارفور. يرى العديد من المحللين أن الفصل السابع في صورته الحالية لم يحقق بعض أو كل النتائج المتوقعة من تطبيقه وأنه لم يزد على أن يكون حلاً جزئياً ومسكِّنا مؤقتاً يعالج نتائج الأزمات وليس أسبابها بل يتسبب أحياناً في أضرار أكبر ويفرض واقعاً تنعكس آثاره الضارة على الشعوب أكثر من الأنظمة، كما أنه رفعه لا يكون بنفس سهولة وسرعة فرضه.
علاوة على ذلك هنالك إشكاليات شرعية متزايدة منها أن بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن خاصة التي تتمتع بحق النقض تستغله كورقة ضغط ومساومة وأن بعض الدول تسعى لأن تواصله منفردة من خلال عقد اتفاقية ثنائية لضمان أستمرار التواجد العسكري والأمني كما حدث من الولايات المتحدة الأمريكية في العراق من خلال مذكرة تفاهم وقعها ممثلا الطرفين دون تقديم تفسير قانوني وعقلاني لها ، أنشئت من خلالها قواعد عسكرية ومُنح حق أستعمال الاجواء والأراضي والمياه العراقية أضافة الى استغلال الموارد "النفط" فيما يشبه أنتقاص السيادة وهدر الثروات والحقوق.
في ظل الأوضاع الحالية في السودان والواقع الإقليمي الحالي المضطرب يمكن أن تصبح الحرب في الخرطوم وبعض الأقاليم إن استمرت مهددة للأمن والسلم الإقليمي والدولي مما قد يدفع مجلس الأمن إلى التفكير الجدي في التحول في التعامل مع السودان من مقتضى الفصل السادس "المعمول" به حالياً عبر البعثة الأممية لدعم التحول الديمقراطي (يونيتامس) إلى مقتضي الفصل السابع بغرض فرض الأمن والاستقرار في السودان والإقليم. غير أنه قد تواجه المجتمع الدولي إشكالية فحواها مع أي الأطراف سيتعامل كطرفٍ أصيل ، فالقوات المسلحة السودانية هي المؤسسة القومية الرسمية التي تمثل الشرعية الوطنية في البلد الذي هو عضو في الأمم المتحدة ولديه ممثل في المنظمة الدولية ومجلس الأمن ، في حين أن قوات الدعم السريع بوصفها الطرف الآخر في القتال ليست جيشاً أجنبياً ولا مليشيا ، وهو ما يفسر تواصل العالم الخارجي على مستوى المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والأمين العام للأمم المتحدة، مع قائدها الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في إشارة إلى تعاملها مع النزاع بوصفه شأناً داخلياً حتى الآن.
قد تلجأ خصوصية الأوضاع في السودان على نحو ما تقدم وتفاعل عوامل داخلية مع أخرى خارجية إلى اللجوء لما تمت تسميته بالفصل "السادس والنصف" كما هو الحال في القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن، والقاضي بوقف "الأعمال الحربية" في لبنان بمقتضى الفصل السادس الذي يدعو إلى حل النزاعات الدولية سلمياً مع حمل آليات الفصل السابع من حيث التهديد باستخدام "القوة الدولية" ضد كل قوة تعترض التنفيذ الطوعي للقرار المذكور. مثل هكذا قرار يتيح لـ (يونيتامس) القيام بكل التحركات الضرورية في مناطق نشر قواتها وفي إطار قدراتها، للتأكد من أن مناطق عملياتها لا تُستخدم للأعمال العدائية بأي شكل ، ومقاومة المحاولات التي تهدف لمنعها عبر وسائل القوة من أداء مهماتها بتفويض من مجلس الأمن.
على ما تبدو أن الحرب التي اندلعت منذ أكثر من شهرين بالسودان في طريقها إلى التوسع، بحسب ما تشير إليه المعطيات على الأرض ، حيث تتصاعد التحذيرات من إنزلاق الحرب إلى مراحل الأقتتال القبلي ، الشيئ الذي يمكن أن يعيد البلاد تحت طائلة البند السابع وفق ميثاق الأمم المتحدة . تلك المخاوف تتنامى في ضوء التقارير التي ظلت تقدمها البعثة الأممية إلى مجلس الأمن ، والتي تشير إلى الوضع المتأزم بالسودان ومخاوف الإنفلات الأمني الشامل والأتجاه نحو حرب أهلية تهدد وحدة وأمن وأستقرار السودان، ومن ثم الأمن الإقليم والدولي.
غير أنه إزاء فشل كل سيناريوهات الحلول السياسية الأقل ظلمة، ومع أحتدام الصراع المسلح وتزايد الإصابات وأعمال القتل، ينفتح الوضع بصورة كبيرة على أحتمال الحرب الأهلية الشاملة مما يترتب عليه ألا يكون هناك حل أمام المجتمع الدولي كملاذ أخير سوى إقرار مبدأ التدخل عبر الفصل السابع ، وربما يصل الأمر إلى عقد مؤتمر خاص بالمسألة السودانية أسوة بتجارب سابقة ، يتم خلاله توقيع كل الأطراف على وثيقة تعدها القوى الدولية تتشكل بموجبها قوات لـ "حفظ السلام" كما حدث في كوسوفو، وتيمور الشرقية، سيراليون، الكونغو.. وغيرها.
حامد بشري
hamedbushra6@gmail.com
علي رغم من التحفظ العام حول التدخل الخارجي في الشأن السوداني المبني علي التجارب الغير حميدة الأ أن تجربة اليوناميد في دارفور كان لها أثر أيجابي في وقف الأنتهاكات وساعدت علي حماية المدنيين بغض النظر عن السلبيات التي صاحبتها . وكما عبر عدد من المختصين بأن خروج اليوناميد سيخلق فراغاً أمنياً وربما يعيد الأوضاع الأمنية في دارفور الي مربع الصفر ، وهذا ما آل اليه الحال الآن . ومن مفارقات السياسة السودانية أن أندلاع الحرب في دارفور قبل عشرين عاماً كان بأيدي حكومة المؤتمر الوطني ووصول بعثة اليوناميد الي دارفور التي من أهم أهدافها تحقيق السلام والأستقرار في هذا الأقليم تم بموافقة الرئيس المخلوع الذي أشعل بنفسه نار الحرب . أما اليوم ، فالحرب بدأت من العاصمة الخرطوم وأتجهت غرباً الي دارفور وقد تمتد الي أقاليم أخري إذا لم نشرع سوياً مع القوي الأقليمية والدولية لإيقافها . تداعيات هذه الحرب التي دخلت شهرها الثالث لم تشمل أقليم دارفور والخرطوم فحسب وأنما أمتدت رقعتها الي باقي المدن السودانية والدول المجاورة بدون أستثناء وحتي تلك التي تفصلنا منها البحار والمحيطات . لذا يجب الأعتراف بأن مساعي الهدن التي تجري حالياً بمدينة جدة والتي تم خرقها مرات عديدة ، ترعاها وتشرف عليها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية مما يوحي بأنه في حالة الوصول الي سلام دائم وهذا ما نتمناه يجب أن يأخذ في الأعتبار دور العالم الخارجي الذي أسهم في الوصول الي هذه النتيجة . إضافة الي أن وقف الحرب يتطلب مراقبة ومشاركة عناصر خارجية لم تشارك في القتال وتمتاز بقدرات قتالية وتقنية عالية تستطيع من خلالها أن تفرض علي الفصائل المتقاتلة إيقاف نزيف الدم وتعيد الأمل في إعادة الحياة الي طبيعتها تدريجياً .
الشعب السوداني عبر عن رأيه ، ضد الطرفين المتحاربين وهو ضحية هذا الصراع العبثي الذي فقد بموجبه فلذات أكباده وعرضه وماله و تدمير بنيته التحتيه التي كانت في الأصل ضعيفه وهشه علاوة علي التهجير القسري الذي فُرض عليه بقوة السلاح . صحيح أن نضال الشعب السوداني لوقف الحرب الذي يتمثل في المذكرات والأحتجاجات والمواكب والمقابلات الأذاعية والتلفزيونية ساعد في بث رسالة للعالم الخارجي وتوضيح أننا أمام كارثه غير مسبوقة نحتاج فيها لدعم كل القوي المحبة للسلام للوقوف معنا ضد الحرب وفرض السلام علي القوي المتحاربة الشيئ الذي عجزنا عن تحقيقه منفردين . كذلك أحتجاجاتنا ضد الحرب تتضمن رسالة الي المنظمات الدولية لتقديم يد العون الأنساني الذي يتمثل في ضروريات الحياة من مأوي وغذاء وعلاج وكهرباء وماء للنازحين بولايات دارفور والمحاصرين بعاصمة البلاد والعالقين علي الحدود والمعابر. فرض السلام علي القوي المتحاربة جعل البعض منا ينادي علي أستحياء بتدخل أممي لحفظ السلام وما تبقي من أرواح سودانية غالية داخل الوطن ليتم ذلك تحت رعاية الأمم المتحدة ، خاصة وأن الجنرالين المتحاربين علي السلطة لم ينصتا الي قوة المنظق وإنما لجأ الي منطق القوة .
هذه الأوضاع والمستجدات في الساحة السياسية بدأت تنادي بتدخل دولي لتحقيق السلام وهذا في رأي أتجاه إيجابي فرضته ظروف الحرب والوضع المأساوي في دارفور .
وحول التدخل الأممي وتحديداً الفصل السابع من الأهمية توضيح بعض الجوانب القانونية للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والبنود التي تتعلق بمخاطر التدخل وبعض نتائج تطبيقه.
البند 42 من الفصل السابع تلجأ اليه الأمم المتحدة لحماية المدنيين ولحفظ السلام والأمن الدوليين في الدول التي تكون فيها أعمال تهدد السلم الأهلي و حياة المدنيين من خلال العدوان عليهم مما ينتج عنه العديد من الضحايا الأبرياء . وما يجري الآن في دارفور هو وقع الحافر علي الحافر خاصة عندما يتعلق الأمر بالتطهير العرقي والأبادة الجماعية . وتجربة مذابح رواندا عالقة بالأذهان وما زالت تُشكل عاراً في وجه الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي يخشي من تكرارها.
وبما أنه ليست للأمم المتحدة قوات مسلحة تحت إمرتها، فإن المجلس يستعمل المادة 42 لكي يأذن باستعمال القوة من جانب عملية لحفظ السلام، أو بواسطة قواتٍ متعددة الجنسية أو تدخلات من منظمات إقليمية.
طبق مجلس الأمن الفصل السابع ضد العراق قبيل غزوه في عام 2003 ، بالإضافة إلى حرب الخليج الثانية ، وضد الكوريتين خلال حربهما (1950-1953) كما طبقه على ليبيا وفي جزء من الســــــــــــــــودان وهو أقليم دارفور. يرى العديد من المحللين أن الفصل السابع في صورته الحالية لم يحقق بعض أو كل النتائج المتوقعة من تطبيقه وأنه لم يزد على أن يكون حلاً جزئياً ومسكِّنا مؤقتاً يعالج نتائج الأزمات وليس أسبابها بل يتسبب أحياناً في أضرار أكبر ويفرض واقعاً تنعكس آثاره الضارة على الشعوب أكثر من الأنظمة، كما أنه رفعه لا يكون بنفس سهولة وسرعة فرضه.
علاوة على ذلك هنالك إشكاليات شرعية متزايدة منها أن بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن خاصة التي تتمتع بحق النقض تستغله كورقة ضغط ومساومة وأن بعض الدول تسعى لأن تواصله منفردة من خلال عقد اتفاقية ثنائية لضمان أستمرار التواجد العسكري والأمني كما حدث من الولايات المتحدة الأمريكية في العراق من خلال مذكرة تفاهم وقعها ممثلا الطرفين دون تقديم تفسير قانوني وعقلاني لها ، أنشئت من خلالها قواعد عسكرية ومُنح حق أستعمال الاجواء والأراضي والمياه العراقية أضافة الى استغلال الموارد "النفط" فيما يشبه أنتقاص السيادة وهدر الثروات والحقوق.
في ظل الأوضاع الحالية في السودان والواقع الإقليمي الحالي المضطرب يمكن أن تصبح الحرب في الخرطوم وبعض الأقاليم إن استمرت مهددة للأمن والسلم الإقليمي والدولي مما قد يدفع مجلس الأمن إلى التفكير الجدي في التحول في التعامل مع السودان من مقتضى الفصل السادس "المعمول" به حالياً عبر البعثة الأممية لدعم التحول الديمقراطي (يونيتامس) إلى مقتضي الفصل السابع بغرض فرض الأمن والاستقرار في السودان والإقليم. غير أنه قد تواجه المجتمع الدولي إشكالية فحواها مع أي الأطراف سيتعامل كطرفٍ أصيل ، فالقوات المسلحة السودانية هي المؤسسة القومية الرسمية التي تمثل الشرعية الوطنية في البلد الذي هو عضو في الأمم المتحدة ولديه ممثل في المنظمة الدولية ومجلس الأمن ، في حين أن قوات الدعم السريع بوصفها الطرف الآخر في القتال ليست جيشاً أجنبياً ولا مليشيا ، وهو ما يفسر تواصل العالم الخارجي على مستوى المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والأمين العام للأمم المتحدة، مع قائدها الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في إشارة إلى تعاملها مع النزاع بوصفه شأناً داخلياً حتى الآن.
قد تلجأ خصوصية الأوضاع في السودان على نحو ما تقدم وتفاعل عوامل داخلية مع أخرى خارجية إلى اللجوء لما تمت تسميته بالفصل "السادس والنصف" كما هو الحال في القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن، والقاضي بوقف "الأعمال الحربية" في لبنان بمقتضى الفصل السادس الذي يدعو إلى حل النزاعات الدولية سلمياً مع حمل آليات الفصل السابع من حيث التهديد باستخدام "القوة الدولية" ضد كل قوة تعترض التنفيذ الطوعي للقرار المذكور. مثل هكذا قرار يتيح لـ (يونيتامس) القيام بكل التحركات الضرورية في مناطق نشر قواتها وفي إطار قدراتها، للتأكد من أن مناطق عملياتها لا تُستخدم للأعمال العدائية بأي شكل ، ومقاومة المحاولات التي تهدف لمنعها عبر وسائل القوة من أداء مهماتها بتفويض من مجلس الأمن.
على ما تبدو أن الحرب التي اندلعت منذ أكثر من شهرين بالسودان في طريقها إلى التوسع، بحسب ما تشير إليه المعطيات على الأرض ، حيث تتصاعد التحذيرات من إنزلاق الحرب إلى مراحل الأقتتال القبلي ، الشيئ الذي يمكن أن يعيد البلاد تحت طائلة البند السابع وفق ميثاق الأمم المتحدة . تلك المخاوف تتنامى في ضوء التقارير التي ظلت تقدمها البعثة الأممية إلى مجلس الأمن ، والتي تشير إلى الوضع المتأزم بالسودان ومخاوف الإنفلات الأمني الشامل والأتجاه نحو حرب أهلية تهدد وحدة وأمن وأستقرار السودان، ومن ثم الأمن الإقليم والدولي.
غير أنه إزاء فشل كل سيناريوهات الحلول السياسية الأقل ظلمة، ومع أحتدام الصراع المسلح وتزايد الإصابات وأعمال القتل، ينفتح الوضع بصورة كبيرة على أحتمال الحرب الأهلية الشاملة مما يترتب عليه ألا يكون هناك حل أمام المجتمع الدولي كملاذ أخير سوى إقرار مبدأ التدخل عبر الفصل السابع ، وربما يصل الأمر إلى عقد مؤتمر خاص بالمسألة السودانية أسوة بتجارب سابقة ، يتم خلاله توقيع كل الأطراف على وثيقة تعدها القوى الدولية تتشكل بموجبها قوات لـ "حفظ السلام" كما حدث في كوسوفو، وتيمور الشرقية، سيراليون، الكونغو.. وغيرها.
حامد بشري
hamedbushra6@gmail.com