السودان: الدولة العالقة والمُتفاوَض عليها – الإسلاموية السياسية وتحديات الانتقال الديمقراطي
هشام عثمان
29 October, 2024
29 October, 2024
د. هشام عثمان
في مسار طويل من الصراع على الهوية والتوجهات السياسية، واجه السودان خلال تاريخه العديد من العقبات التي عرقلت تقدمه نحو التحول الديمقراطي. أبرز هذه العقبات تمثلت في الإسلاموية السياسية، التي استغلت الانقسامات الداخلية وفرضت نفسها كقوة مهيمنة، والجيش السوداني الذي لعب دورًا سياسيًا كبيرًا منذ نشأته في الحواضن الاستعمارية. كان هذان العاملان – الإسلاموية السياسية والجيش – متداخلين في تخريب الديمقراطيات الثلاث في السودان، وتشكيل نظام سياسي مركزي معادي للتعددية والتنوع، ومجرد من القدرة على تحقيق التنمية والاستقرار.
أولاً: نشوء الجيش السوداني في الحواضن الاستعمارية
ترتبط جذور الجيش السوداني ارتباطًا وثيقًا بفترة الاستعمار البريطاني المصري، حيث أنشأ المستعمرون جيشًا محليًا لتأمين مصالحهم وحماية سيطرتهم على السودان. جاء هذا الجيش كأداة قمعية بامتياز، مهمته الأساسية الحفاظ على النظام القائم وتثبيت سيطرة الدولة المركزية التي وضع الاستعمار أطرها. نشأة الجيش بهذه الطريقة رسّخت عقيدته كقوة تحمي مصالح النظام الحاكم، لا كمؤسسة وطنية جامعة تعبر عن مصالح الشعب السوداني ككل.
عقب الاستقلال في 1956، وبدلاً من تحول الجيش إلى مؤسسة مهنية غير متدخلة في السياسة، وجد نفسه لاعبًا رئيسيًا في الصراعات السياسية. ذلك لأن القيادة السياسية التي جاءت بعد الاستقلال فشلت في خلق إجماع وطني حول مشروع الدولة السودانية. أدى هذا الافتقار إلى رؤية وطنية جامعة إلى تمسك الجيش بدوره كحامٍ للنظام، مما سمح له بالتدخل مرارًا في السياسة بانقلابات عسكرية.
العقيدة العسكرية للجيش السوداني منذ نشأته ربطت مصالحه بالدولة المركزية، التي تنظر إلى الأطراف نظرة بازدراء وتخشى من التهديدات التي تشكلها الأقليات الإثنية والسياسية في البلاد. هذه النظرة انعكست في تكوين المليشيات المختلفة التي كانت تهدف إلى الحفاظ على سيطرة النظام المركزي وتحصينه من أي تهديد، سواء من داخل الجيش نفسه أو من المعارضة المسلحة في المناطق النائية.
ثانياً: الإسلاموية السياسية وعرقلة التحول الديمقراطي
تعتبر الإسلاموية السياسية في السودان واحدة من أخطر القوى التي عرقلت التحول الديمقراطي منذ بداية الستينات. تأسست الحركات الإسلامية مثل "جماعة الأخوان المسلمين" والجبهة الإسلامية القومية على أساس فكرة بناء دولة إسلامية تستند إلى الشريعة. كانت هذه الحركات تنظر إلى الديمقراطية بنوع من الريبة، حيث ترى فيها وسيلة مؤقتة لتحقيق أهدافها، لكنها سرعان ما تنقلب عليها عندما تصبح الظروف مهيأة لفرض أجندتها الدينية.
تخريب الديمقراطية الثانية ومشروع "الدستور الإسلامي"
بدأت محاولات الإسلاميين للتلاعب بالنظام السياسي السوداني منذ الديمقراطية الثانية في أوائل الستينات. في تلك الفترة، طرحت القوى الإسلامية مشروع "الدستور الإسلامي"، وهو مشروع سعى إلى فرض أسلمة الدولة عبر استخدام آليات الدستور لتقييد الحريات وإقصاء المكونات الأخرى في المجتمع السوداني، سواء كانت علمانية أو دينية معتدلة.
كان هذا المشروع نقطة تحول رئيسية في السياسة السودانية، حيث أدى إلى زيادة التوترات السياسية والاجتماعية وأثار مخاوف من أن تتحول البلاد إلى دولة دينية غير قادرة على تحقيق العدالة والتعددية.
حادثة طرد الحزب الشيوعي
من أبرز الوقائع التي تجسد عداء الإسلاميين للتعددية السياسية، كانت حادثة طرد الحزب الشيوعي السوداني من البرلمان عام 1965. برزت هذه الحادثة كمثال واضح على إساءة استخدام السلطة لفرض رؤية إسلامية على النظام السياسي. إذ تم اتهام الحزب الشيوعي بالإلحاد بعد حادثة تتعلق بإحدى المدارس، واستغل الإسلاميون ذلك لتأجيج الرأي العام وإقصاء الحزب الشيوعي. تخلت الحكومة عن الدستور وسُمح لهم بالسيطرة على البرلمان والتخلص من معارضة يسارية قوية.
العبث بالدستور
مع استمرار مساعي الإسلاميين لتخريب النظام السياسي، شهد السودان موجة من العبث بالدستور وخلق حالة من الفوضى السياسية التي مهدت الطريق لتدخلات عسكرية لاحقة. بعد تحالفهم مع الرئيس جعفر النميري، تم تبني الشريعة الإسلامية كأداة سياسية في السبعينات. كانت تلك المرحلة محاولة من الإسلاميين للسيطرة على السلطة من خلال فرض أجندة دينية على المجتمع السوداني. ساهم هذا التحالف في تقويض أي فرصة لتحقيق تحالفات وطنية شاملة تجمع بين القوى المدنية والعسكرية. النتيجة كانت توسيع الفجوة بين المركز والأطراف وتزايد الصراعات الداخلية.
ثالثاً: انقلاب البشير وتحالف الإسلاميين مع العسكر
وصل السودان إلى نقطة تحول كبيرة في عام 1989، حينما قاد عمر البشير انقلابًا عسكريًا بدعم من الإسلاميين. كان هذا الانقلاب نتاج عقود من التحالفات السرية بين الإسلاميين والعسكر، حيث تمكّنت الجبهة الإسلامية القومية من توجيه الجيش والسيطرة عليه لتحقيق أهدافها.
مع وصول البشير إلى السلطة، دخل السودان في حقبة جديدة من الاستبداد، حيث فرضت الدولة الإسلامية قبضتها على مؤسسات الدولة والقوات المسلحة، وأصبح القمع وسيلة النظام الأساسية لتثبيت وجوده. خلال هذه الفترة، شهد السودان تدميرًا منهجيًا لمؤسسات الدولة المدنية، وتوسعًا في نفوذ الأجهزة الأمنية والمليشيات التي تم تشكيلها لفرض السيطرة بالقوة.
استمرت الحركات الإسلامية في دعم سياسات النظام القمعية، بما في ذلك قمع المعارضة المسلحة في دارفور وجنوب السودان. كما شهدت تلك الفترة تزايدًا في تدخل الجيش في الشؤون الاقتصادية والسياسية، وتحولت المؤسسة العسكرية إلى أحد أكبر الأطراف المستفيدة من الثروات الوطنية، مما أدى إلى إضعاف مؤسسات الدولة وإفقار البلاد.
رابعاً: العلاقة بين العسكر والمدنيين
العلاقة بين العسكر والمدنيين في السودان تتسم بالريبة والتوتر منذ عقود. الجيش ظل حاميًا للنظام المركزي ولمصالح النخب الحاكمة، بينما كان المدنيون يحاولون دون جدوى فرض إصلاحات سياسية واقتصادية تضمن مشاركة الجميع في السلطة. لكن مع كل محاولة لتحقيق ديمقراطية مدنية، كان الجيش يتدخل عبر انقلاب جديد يعيد الأمور إلى المربع الأول.
تحييد الجيش عن السياسة يمثل تحديًا معقدًا، إذ يتطلب ذلك تغييرات هيكلية في تكوين الجيش وعقيدته. فمنذ الاستقلال، ظلت النخب العسكرية تنظر إلى المدنيين بنظرة دونية، وترى في تدخل الجيش ضرورة للحفاظ على استقرار البلاد. هذه النظرة ترسخت بفعل التحالفات مع الإسلاميين الذين سعوا دائمًا إلى توظيف الجيش لتحقيق أهدافهم السياسية.
خامساً: التحديات التي تطرحها الإسلاموية السياسية
الإسلاموية السياسية في السودان كانت على الدوام معوقًا رئيسيًا للتحول الديمقراطي. منذ الستينات، عمل الإسلاميون على عرقلة أي محاولات لبناء دولة وطنية مدنية، إذ أن مشروعهم يقوم على أسلمة الدولة والسيطرة عليها. هذه الرؤية الضيقة أدت إلى تعميق الانقسامات الداخلية وتفاقم الصراعات العرقية والدينية في البلاد.
في فترة حكم البشير، بلغت السياسات الإسلاموية أوجها، حيث تم استخدام الدين كأداة لقمع المعارضة وإسكات الأصوات التي تطالب بالديمقراطية. هذه السياسات لم تكن مجرد أداة للقمع السياسي؛ بل أدت أيضًا إلى تدمير الاقتصاد السوداني وتعميق الفقر والتهميش.
سادساً: آفاق الحلول
للخروج من هذه الحلقة المفرغة من الصراع السياسي والتخريب الداخلي، يجب أن يتبنى السودان حلولًا جذرية وشاملة:
1. إعادة هيكلة الجيش: لابد من إصلاح جذري للمؤسسة العسكرية، بحيث تصبح مؤسسة وطنية غير متدخلة في السياسة. يجب إنهاء النفوذ الذي تمتلكه النخب العسكرية وتحويل الجيش إلى مؤسسة مهنية تحمي الدولة الديمقراطية.
2. تفكيك الحركات الإسلاموية: لا يمكن تحقيق أي تقدم دون مواجهة الحركات الإسلاموية التي تسعى لفرض أجندتها الدينية. يجب فرض نظام ديمقراطي مدني يفصل بين الدين والدولة ويضمن حقوق الجميع.
3. إعادة كتابة الدستور: لا بد من إعادة كتابة دستور يعبر عن تطلعات جميع السودانيين، ويضمن التعددية والعدالة الاجتماعية والحقوق الأساسية.
4. العدالة الانتقالية: لابد من محاسبة كل من تسبب في تخريب الديمقراطية وانتهاك حقوق السودانيين
5.
hishamosman315@gmail.com
في مسار طويل من الصراع على الهوية والتوجهات السياسية، واجه السودان خلال تاريخه العديد من العقبات التي عرقلت تقدمه نحو التحول الديمقراطي. أبرز هذه العقبات تمثلت في الإسلاموية السياسية، التي استغلت الانقسامات الداخلية وفرضت نفسها كقوة مهيمنة، والجيش السوداني الذي لعب دورًا سياسيًا كبيرًا منذ نشأته في الحواضن الاستعمارية. كان هذان العاملان – الإسلاموية السياسية والجيش – متداخلين في تخريب الديمقراطيات الثلاث في السودان، وتشكيل نظام سياسي مركزي معادي للتعددية والتنوع، ومجرد من القدرة على تحقيق التنمية والاستقرار.
أولاً: نشوء الجيش السوداني في الحواضن الاستعمارية
ترتبط جذور الجيش السوداني ارتباطًا وثيقًا بفترة الاستعمار البريطاني المصري، حيث أنشأ المستعمرون جيشًا محليًا لتأمين مصالحهم وحماية سيطرتهم على السودان. جاء هذا الجيش كأداة قمعية بامتياز، مهمته الأساسية الحفاظ على النظام القائم وتثبيت سيطرة الدولة المركزية التي وضع الاستعمار أطرها. نشأة الجيش بهذه الطريقة رسّخت عقيدته كقوة تحمي مصالح النظام الحاكم، لا كمؤسسة وطنية جامعة تعبر عن مصالح الشعب السوداني ككل.
عقب الاستقلال في 1956، وبدلاً من تحول الجيش إلى مؤسسة مهنية غير متدخلة في السياسة، وجد نفسه لاعبًا رئيسيًا في الصراعات السياسية. ذلك لأن القيادة السياسية التي جاءت بعد الاستقلال فشلت في خلق إجماع وطني حول مشروع الدولة السودانية. أدى هذا الافتقار إلى رؤية وطنية جامعة إلى تمسك الجيش بدوره كحامٍ للنظام، مما سمح له بالتدخل مرارًا في السياسة بانقلابات عسكرية.
العقيدة العسكرية للجيش السوداني منذ نشأته ربطت مصالحه بالدولة المركزية، التي تنظر إلى الأطراف نظرة بازدراء وتخشى من التهديدات التي تشكلها الأقليات الإثنية والسياسية في البلاد. هذه النظرة انعكست في تكوين المليشيات المختلفة التي كانت تهدف إلى الحفاظ على سيطرة النظام المركزي وتحصينه من أي تهديد، سواء من داخل الجيش نفسه أو من المعارضة المسلحة في المناطق النائية.
ثانياً: الإسلاموية السياسية وعرقلة التحول الديمقراطي
تعتبر الإسلاموية السياسية في السودان واحدة من أخطر القوى التي عرقلت التحول الديمقراطي منذ بداية الستينات. تأسست الحركات الإسلامية مثل "جماعة الأخوان المسلمين" والجبهة الإسلامية القومية على أساس فكرة بناء دولة إسلامية تستند إلى الشريعة. كانت هذه الحركات تنظر إلى الديمقراطية بنوع من الريبة، حيث ترى فيها وسيلة مؤقتة لتحقيق أهدافها، لكنها سرعان ما تنقلب عليها عندما تصبح الظروف مهيأة لفرض أجندتها الدينية.
تخريب الديمقراطية الثانية ومشروع "الدستور الإسلامي"
بدأت محاولات الإسلاميين للتلاعب بالنظام السياسي السوداني منذ الديمقراطية الثانية في أوائل الستينات. في تلك الفترة، طرحت القوى الإسلامية مشروع "الدستور الإسلامي"، وهو مشروع سعى إلى فرض أسلمة الدولة عبر استخدام آليات الدستور لتقييد الحريات وإقصاء المكونات الأخرى في المجتمع السوداني، سواء كانت علمانية أو دينية معتدلة.
كان هذا المشروع نقطة تحول رئيسية في السياسة السودانية، حيث أدى إلى زيادة التوترات السياسية والاجتماعية وأثار مخاوف من أن تتحول البلاد إلى دولة دينية غير قادرة على تحقيق العدالة والتعددية.
حادثة طرد الحزب الشيوعي
من أبرز الوقائع التي تجسد عداء الإسلاميين للتعددية السياسية، كانت حادثة طرد الحزب الشيوعي السوداني من البرلمان عام 1965. برزت هذه الحادثة كمثال واضح على إساءة استخدام السلطة لفرض رؤية إسلامية على النظام السياسي. إذ تم اتهام الحزب الشيوعي بالإلحاد بعد حادثة تتعلق بإحدى المدارس، واستغل الإسلاميون ذلك لتأجيج الرأي العام وإقصاء الحزب الشيوعي. تخلت الحكومة عن الدستور وسُمح لهم بالسيطرة على البرلمان والتخلص من معارضة يسارية قوية.
العبث بالدستور
مع استمرار مساعي الإسلاميين لتخريب النظام السياسي، شهد السودان موجة من العبث بالدستور وخلق حالة من الفوضى السياسية التي مهدت الطريق لتدخلات عسكرية لاحقة. بعد تحالفهم مع الرئيس جعفر النميري، تم تبني الشريعة الإسلامية كأداة سياسية في السبعينات. كانت تلك المرحلة محاولة من الإسلاميين للسيطرة على السلطة من خلال فرض أجندة دينية على المجتمع السوداني. ساهم هذا التحالف في تقويض أي فرصة لتحقيق تحالفات وطنية شاملة تجمع بين القوى المدنية والعسكرية. النتيجة كانت توسيع الفجوة بين المركز والأطراف وتزايد الصراعات الداخلية.
ثالثاً: انقلاب البشير وتحالف الإسلاميين مع العسكر
وصل السودان إلى نقطة تحول كبيرة في عام 1989، حينما قاد عمر البشير انقلابًا عسكريًا بدعم من الإسلاميين. كان هذا الانقلاب نتاج عقود من التحالفات السرية بين الإسلاميين والعسكر، حيث تمكّنت الجبهة الإسلامية القومية من توجيه الجيش والسيطرة عليه لتحقيق أهدافها.
مع وصول البشير إلى السلطة، دخل السودان في حقبة جديدة من الاستبداد، حيث فرضت الدولة الإسلامية قبضتها على مؤسسات الدولة والقوات المسلحة، وأصبح القمع وسيلة النظام الأساسية لتثبيت وجوده. خلال هذه الفترة، شهد السودان تدميرًا منهجيًا لمؤسسات الدولة المدنية، وتوسعًا في نفوذ الأجهزة الأمنية والمليشيات التي تم تشكيلها لفرض السيطرة بالقوة.
استمرت الحركات الإسلامية في دعم سياسات النظام القمعية، بما في ذلك قمع المعارضة المسلحة في دارفور وجنوب السودان. كما شهدت تلك الفترة تزايدًا في تدخل الجيش في الشؤون الاقتصادية والسياسية، وتحولت المؤسسة العسكرية إلى أحد أكبر الأطراف المستفيدة من الثروات الوطنية، مما أدى إلى إضعاف مؤسسات الدولة وإفقار البلاد.
رابعاً: العلاقة بين العسكر والمدنيين
العلاقة بين العسكر والمدنيين في السودان تتسم بالريبة والتوتر منذ عقود. الجيش ظل حاميًا للنظام المركزي ولمصالح النخب الحاكمة، بينما كان المدنيون يحاولون دون جدوى فرض إصلاحات سياسية واقتصادية تضمن مشاركة الجميع في السلطة. لكن مع كل محاولة لتحقيق ديمقراطية مدنية، كان الجيش يتدخل عبر انقلاب جديد يعيد الأمور إلى المربع الأول.
تحييد الجيش عن السياسة يمثل تحديًا معقدًا، إذ يتطلب ذلك تغييرات هيكلية في تكوين الجيش وعقيدته. فمنذ الاستقلال، ظلت النخب العسكرية تنظر إلى المدنيين بنظرة دونية، وترى في تدخل الجيش ضرورة للحفاظ على استقرار البلاد. هذه النظرة ترسخت بفعل التحالفات مع الإسلاميين الذين سعوا دائمًا إلى توظيف الجيش لتحقيق أهدافهم السياسية.
خامساً: التحديات التي تطرحها الإسلاموية السياسية
الإسلاموية السياسية في السودان كانت على الدوام معوقًا رئيسيًا للتحول الديمقراطي. منذ الستينات، عمل الإسلاميون على عرقلة أي محاولات لبناء دولة وطنية مدنية، إذ أن مشروعهم يقوم على أسلمة الدولة والسيطرة عليها. هذه الرؤية الضيقة أدت إلى تعميق الانقسامات الداخلية وتفاقم الصراعات العرقية والدينية في البلاد.
في فترة حكم البشير، بلغت السياسات الإسلاموية أوجها، حيث تم استخدام الدين كأداة لقمع المعارضة وإسكات الأصوات التي تطالب بالديمقراطية. هذه السياسات لم تكن مجرد أداة للقمع السياسي؛ بل أدت أيضًا إلى تدمير الاقتصاد السوداني وتعميق الفقر والتهميش.
سادساً: آفاق الحلول
للخروج من هذه الحلقة المفرغة من الصراع السياسي والتخريب الداخلي، يجب أن يتبنى السودان حلولًا جذرية وشاملة:
1. إعادة هيكلة الجيش: لابد من إصلاح جذري للمؤسسة العسكرية، بحيث تصبح مؤسسة وطنية غير متدخلة في السياسة. يجب إنهاء النفوذ الذي تمتلكه النخب العسكرية وتحويل الجيش إلى مؤسسة مهنية تحمي الدولة الديمقراطية.
2. تفكيك الحركات الإسلاموية: لا يمكن تحقيق أي تقدم دون مواجهة الحركات الإسلاموية التي تسعى لفرض أجندتها الدينية. يجب فرض نظام ديمقراطي مدني يفصل بين الدين والدولة ويضمن حقوق الجميع.
3. إعادة كتابة الدستور: لا بد من إعادة كتابة دستور يعبر عن تطلعات جميع السودانيين، ويضمن التعددية والعدالة الاجتماعية والحقوق الأساسية.
4. العدالة الانتقالية: لابد من محاسبة كل من تسبب في تخريب الديمقراطية وانتهاك حقوق السودانيين
5.
hishamosman315@gmail.com