السودان بحاجة لقرارات شجاعة وليس مبادرات يا حمدوك

 


 

 

السياسة ليست مجالا للعبث او المغامرة او الاختبار، انما طريق العقلاء لبناء الأمم والحضارات والدول وتنمية المجتمعات، هي ليست مفهوم او نظرية او أيديولوجيا حديثة، انما تراث وثقافة اجتماعية قديمة قدم الانسان والحضارات، تتجدد وتتطور وتتنوع وفقا للفكر والنهج والبرنامج والبيئة والتراث والأخلاق والظروف المحيطة، وولخ.
الحكومة السودانية التي يفترض انها (حكومة الثورة)، لا تأخذ بتلك الشروط الموضوعية المعرفية، ولا تؤمن بهذه الحقائق والمفاهيم الأخلاقية، لأن من تولوا المسؤولية وتصدروا المشهد كمتحدثين عنها أصابهم التخبط السياسي والجهل بأساليبها وفنونها ولم يتجاوز تفكيرهم حدود جيبوهم بالطمع تارة وحب السلطة والانتفاش تارة أخرى.
اما التخبط الذي اتحدث عنه تحديدا، فهو التخبط السياسي للسيد عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني الذي جاءت به ثورة ديسمبر لتنفذ أهدافها ومطالبها، لكنه بدأ عهده دون رؤية وبرنامج حتى الآن، بل يتخذ بعض القرارات الغريبة ولا ندري حقا وفق أي منطق يتخذ هذه القرارات في أروقة مكتبه الرمادي، ولا بناءاً على أي معطيات ووقائع.
عزيزي القارئ..
حددت الوثيقة الدستورية المخرومة اختصاصات الحكومة الانتقالية على أن "يتولى مجلس الوزراء تنفيذ السياسة العامة للدولة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والدفاعية وفقاً للقوانين والقرارات الصادرة.
إذن وظيفة الحكومة -أي حكومة، هي وضع الاستراتيجيات والبرامج وفق رؤى محددة، ومن ثم تطبيقها على ارض الواقع، وليس طرح مبادرات هنا وهناك غير مضمونة النتائج.
قبل يومين من هذا التأريخ، حملت وسائل الاعلام في السودان ومواقع التواصل الاجتماعي، خبرا مفاده ان عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني، طرح مبادرة على القوى السياسية والاجتماعية في البلاد لأجل حماية وتحصين الفترة الانتقالية والخروج من مأزق السودان "يكون أو لا يكون"، وجاءت هذه المبادرة من ثماني نقاط على النحو التالي:
1. توحيد الكتلة الانتقالية وتحقيق أكبر إجماع ممكن داخلها حول مهام الانتقال.
2. الشروع مباشرة وعبر جدول زمني متفق عليه في عملية الوصول لجيش واحد مهني وقومي بعقيدة عسكرية جديدة عبر عملية للإصلاح الشامل وبما يعبر عن تنوع السودان الفريد.
3. توحيد مراكز القرار داخل الدولة وعملها وفق رؤية مشتركة.
4. الاتفاق على آلية موحدة للسياسة الخارجية وإنهاء التضارب الذي شهدته الفترة الماضية.
5. الالتزام بتنفيذ اتفاق السلام واستكماله كقضية رئيسية من قضايا الانتقال.
6. تقوية توجه الحكومة والدولة الذي يقوم على الإنتاج المحلي وحماية الفقراء والمستضعفين والتعاون مع المؤسسات الدولية.
7. الالتزام بتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن وبناء دولة مؤسسات وطنية مستقلة.
8. التزام جميع الأطراف فعلاً لا قولاً بالعمل من أجل الوصول إلى نظام حكم ديمقراطي مدني يقوم على أساس المواطنة المتساوية وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة.
تلك هي المبادرة التي طرحها طرح رئيس الوزراء السوداني، على القوى السياسية في البلاد للخروج من مأزق السودان يكون أو لا يكون. ونحن إذ ليس لدينا مشكلة مع مبادرات -أي مبادرة، لكن لدى مشكلة كبيرة وكبيرة جدا مع هذه المبادرة، كونها جاءت من اعلى مسؤول في البلاد (رئيس الوزراء)، يفترض انه يضع الاستراتيجيات والبرامج في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والدفاعية، وولخ، ومن ثم تطبيقها واقعيا.
حمدوك كان لديه تفويض كامل من الشعب السوداني ومن كل قوى الثورة وما زال لديه هذا التفويض، لكن يتضح من طرحه لهذه المبادرة ان الرجل لديه فوبيا الخوف من الفشل.
نعم، هذه المبادرة، وسيلة حمدوكية جديدة للتقدم للأمام خوفًا من الفشل، وحمدوك لم ولن يستطع تقديم ما يطلبه السودان من تغيير شامل وعام في كل المجالات، حتى لو ايد 45 مليون سوداني هذه المبادرة، لان شخصية عبد الله حمدوك شخصية ضعيفة جدا جدا، والبلاد بحاجة لشخصية القائد الواثق من نفسه، ولديه الرغبة في السيطرة، ويبلور الأهداف (أي تحديدها بوضوح، وتحديد الفكرة لها)، ونقلها إلى المرؤوسين، ثم إلهاب حماسهم لتحقيقها.
ملحوظة..
طرح المبادرات عادة تأتي من الإدارات الاهلية وزعماء القبائل والشيوخ وولخ، لحل بعض المسائل والنزاعات البسيطة بين الأهالي، لكن عجيب وغريب حمدوك هذا!!

bresh2@msn.com

 

آراء