السودان بين واقع الأزمة .. وآفاق الحل
الطيب الزين
6 November, 2022
6 November, 2022
سيكون فحوى مقال هذا العدد من صحيفة أقلام متحدة، التي تعد منصة إعلامية حرة هدفها توسيع دائرة الضوء والإستنارة من أجل بناء دولة مدنية حديثة ديمقراطية ترتقي بوعي المجتمع وتتحمل الدولة فيها مسؤوليتها وتضطلع بدورها ووظيفتها من أجل خلق واقع سياسي وإقتصادي وإجتماعي أفضل.
وهنا لا أجد تعبيراً لهذا التصور والفهم أفضل من مداخلة الأستاذ همرور حسين الذي قدم محاضرة للناظر الكوز ترك وضيوفه على رأسهم موسى هلال والداعشي المهرج محمد الجزولي في شرقنا الحبيب تستحق الوقوف عندها وإفراد مساحة واسعة لها في الإعلام لما حوته من حديث قيم وأفكار نيرة لفائدة الرأي العام.
الأستاذ همرور حسين بدأ حديثه: بتحية للشهداء .. مذكراً الحضور لولا شهداء ثورة ديسمبر المجيدة الأبرار لما توفرت سانحة طيبة للحوار والتفاكر بين أبناء وبنات الشعب السوداني في الهواء الطلق.
التحية لشهداء الثورة الذين هم أكرم منا جميعاً لأنهم خلصونا من حكم الفرد والحزب الواحد وصلف جهاز الأمن الذي كان أداة قمع إستخدمها الطاغية عمر البشير ضد الشعب السوداني لإستمرار نظامه البائس الذي قهر وظلم وإنتهك حقوق الإنسان وكرس مفاهيم بالية ألقت بظلال سالبة على الدولة والمجتمع.!
الأستاذ حسين حذر من مخاطر الذج برجالات الإدارة الأهلية في حلبة الصراع السياسي، معتبراً أن حقيقة الصراع هي بين قوى التخلف وقوى التقدم .. كما سماها هو في مداخلته القُيمِة صراع بين القوى التقليدية والقوى الحديثة التي تناضل من أجل ترسيخ ثقافة مجتمع الدولة بدلاً عن ثقافة القبلية والجهوية والطائفية.!
السودان رغم موارده الهائلة التي لا عد ولا حصر لها إلا أن واقع الحال على الأرض يقول: أنه بلد غير محظوظ .. أو بعبارة أخرى بلد مستهدف من جهات خارجية كثيرة نظراً لموقعه الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر ممر التجارة العالمية، بجانب ثرواته وموارده الكبيرة والمتعددة التي يمكنها سد حاجة الشعب السوداني في الغذاء والكساء والدواء والتشييد والبناء، وتوفير إحتياطي يمكن أن يسد حاجات دول كثيرة في المنطقة والعالم، كما أن موقعه في الخارطة العالمية يتعبر ملتقى حضارات وديانات وقارات.
كل هذه العوامل أدت إلى إستهدافه والإستهداف لم يتم بالحرب المباشرة وإنما تم عبر توظيف الجيش السوداني لإعاقة بناء دولة حديثة تستوعب مكوناته الإجتماعية المتنوعة وتلبي تطلعاتها السياسية والإقتصادية عبر وأده للديمقراطية منذ وقت مبكر منذ عهد الفريق إبراهيم وتواصل مسلسل الإستهداف والتدمير الممنهج لهذا البلد إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الإمريكية والإتحاد السوفيتي التي إنتهت في عام 1990، بسقوط غروباتشوف في أحضان أميركا والغرب عموماً، وتفكيك المنظمومة الإشتراكية لصالح الراسمالية العالمية، لكن المؤامرة على السودان لم تنتهي بإنتهاء الحرب الباردة، بل إستمرت وإستفحلت للدرجة التي أدت إلى إنفصال الجنوب، وذهاب ثلث شعبنا وآراضينا وثرواتنا لصالح مجموعة إنتهازية عملية تحكم بأسم دولة جنوب السودان.
سبق أن كتبت مقالاً تحت عنوان: "الذهاب إلى جوبا خطأ تاريخي تتحمله الحرية والتغيير" محذراً من عواقب ذلك، لكن لا حياة لمن تنادي
حتى وقع الفأس في الرأس بتوقيع إتفاقية سلام جوبا التي زادت الطين بلة كونها إمتداد طبيعي للمؤامرة الدولية على بلادنا التي قادت إلى إنفصال الجنوب.
أنا هنا لا أبكي على الحليب المسكوب بل أذكر عسى الذكرى تنفع في فتح دورب المستقبل لإيجاد مخرج آمن من واقع الأزمة التي عمقها إنقلاب 25 إكتوبر2021، وهذا يتطلب ضخ جرعات وعي إضافية تُمكن الشعب السوداني إدراك حقيقة مهمة وهي أن الدولة لن تبنى بعقلية المؤامرات والمحاصصات الفوقية ولا بعقلية الإدارة الأهلية التقليدية القائمة على نسق عمودي يشق المجتمع على أسس دينية طائفية وعرقية قبلية ومناطقية وجهوية يتحكم فيها شيوخ الطوائف والقبائل بمسمياتهم المختلفة من شرتاي ومك وناظر وعمدة إلخ .. ولا بمنطق أمراء الحرب الجدد أصحاب البندقية المأجورة .!
الدولة إطار أوسع من ذلك بكثير... الدولة تبنى على ركائز العلم والقيم وعلى أساس أفقي مستنير قاعدته وجود قوى سياسية حية تكون المشاركة فيها على أساس الأفكار والتصورات والبرامج السياسية بجانب منظمات المجتمع المدني، وليس على أساس المعتقدات الدينية والأصول القبلية والعرقية.
الخروج من واقع الأزمة الحالية التي عمقتها إتفاقية سلام جوبا المفخخة بجانب الإنقلاب المشؤوم يفرض على قوى الثورة تبني مقاربة أساسها الإتفاق على برنامج الحد الأدنى للتخلص من الإنقلاب أولاً وتعديل بنود هذه الإتفاقية لصالح الإستقرار العام، ومن ثم مواصلة السير في طريق التحول الديمقراطي وفق رؤية واضحة لتحقيق الأهداف الأساسية التي من أجلها إنطلقت الثورة في الحرية والسلام الشامل والعدالة الإجتماعية لمعالجة المظالم التاريخية وتفعيل مبدأ سيادة القانون الذي يبدأ بتسليم رموز النظام السابق المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي إنتصاراً للضحايا وذويهم وتوفير ظروف ملائمة لضمان عودة اللاجئين والمشردين .. ومحاكمة قتلة الثوار والثائرات لتحقيق العدالة التي من دونها لن يتحقق إستقرار سياسي ولا تنمية إقتصادية ولن نصل إلى واقع جديد خالي من الإستبداد وإنتهاك حقوق الإنسان والفساد والصراعات القبلية العبثية..!
الحياة مشيئة وإرادة إذن لابد من تخطي عقبة لا دولة ولا حكومة.
Eltayeb_Hamdan@hotmail.com
/////////////////////////////
وهنا لا أجد تعبيراً لهذا التصور والفهم أفضل من مداخلة الأستاذ همرور حسين الذي قدم محاضرة للناظر الكوز ترك وضيوفه على رأسهم موسى هلال والداعشي المهرج محمد الجزولي في شرقنا الحبيب تستحق الوقوف عندها وإفراد مساحة واسعة لها في الإعلام لما حوته من حديث قيم وأفكار نيرة لفائدة الرأي العام.
الأستاذ همرور حسين بدأ حديثه: بتحية للشهداء .. مذكراً الحضور لولا شهداء ثورة ديسمبر المجيدة الأبرار لما توفرت سانحة طيبة للحوار والتفاكر بين أبناء وبنات الشعب السوداني في الهواء الطلق.
التحية لشهداء الثورة الذين هم أكرم منا جميعاً لأنهم خلصونا من حكم الفرد والحزب الواحد وصلف جهاز الأمن الذي كان أداة قمع إستخدمها الطاغية عمر البشير ضد الشعب السوداني لإستمرار نظامه البائس الذي قهر وظلم وإنتهك حقوق الإنسان وكرس مفاهيم بالية ألقت بظلال سالبة على الدولة والمجتمع.!
الأستاذ حسين حذر من مخاطر الذج برجالات الإدارة الأهلية في حلبة الصراع السياسي، معتبراً أن حقيقة الصراع هي بين قوى التخلف وقوى التقدم .. كما سماها هو في مداخلته القُيمِة صراع بين القوى التقليدية والقوى الحديثة التي تناضل من أجل ترسيخ ثقافة مجتمع الدولة بدلاً عن ثقافة القبلية والجهوية والطائفية.!
السودان رغم موارده الهائلة التي لا عد ولا حصر لها إلا أن واقع الحال على الأرض يقول: أنه بلد غير محظوظ .. أو بعبارة أخرى بلد مستهدف من جهات خارجية كثيرة نظراً لموقعه الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر ممر التجارة العالمية، بجانب ثرواته وموارده الكبيرة والمتعددة التي يمكنها سد حاجة الشعب السوداني في الغذاء والكساء والدواء والتشييد والبناء، وتوفير إحتياطي يمكن أن يسد حاجات دول كثيرة في المنطقة والعالم، كما أن موقعه في الخارطة العالمية يتعبر ملتقى حضارات وديانات وقارات.
كل هذه العوامل أدت إلى إستهدافه والإستهداف لم يتم بالحرب المباشرة وإنما تم عبر توظيف الجيش السوداني لإعاقة بناء دولة حديثة تستوعب مكوناته الإجتماعية المتنوعة وتلبي تطلعاتها السياسية والإقتصادية عبر وأده للديمقراطية منذ وقت مبكر منذ عهد الفريق إبراهيم وتواصل مسلسل الإستهداف والتدمير الممنهج لهذا البلد إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الإمريكية والإتحاد السوفيتي التي إنتهت في عام 1990، بسقوط غروباتشوف في أحضان أميركا والغرب عموماً، وتفكيك المنظمومة الإشتراكية لصالح الراسمالية العالمية، لكن المؤامرة على السودان لم تنتهي بإنتهاء الحرب الباردة، بل إستمرت وإستفحلت للدرجة التي أدت إلى إنفصال الجنوب، وذهاب ثلث شعبنا وآراضينا وثرواتنا لصالح مجموعة إنتهازية عملية تحكم بأسم دولة جنوب السودان.
سبق أن كتبت مقالاً تحت عنوان: "الذهاب إلى جوبا خطأ تاريخي تتحمله الحرية والتغيير" محذراً من عواقب ذلك، لكن لا حياة لمن تنادي
حتى وقع الفأس في الرأس بتوقيع إتفاقية سلام جوبا التي زادت الطين بلة كونها إمتداد طبيعي للمؤامرة الدولية على بلادنا التي قادت إلى إنفصال الجنوب.
أنا هنا لا أبكي على الحليب المسكوب بل أذكر عسى الذكرى تنفع في فتح دورب المستقبل لإيجاد مخرج آمن من واقع الأزمة التي عمقها إنقلاب 25 إكتوبر2021، وهذا يتطلب ضخ جرعات وعي إضافية تُمكن الشعب السوداني إدراك حقيقة مهمة وهي أن الدولة لن تبنى بعقلية المؤامرات والمحاصصات الفوقية ولا بعقلية الإدارة الأهلية التقليدية القائمة على نسق عمودي يشق المجتمع على أسس دينية طائفية وعرقية قبلية ومناطقية وجهوية يتحكم فيها شيوخ الطوائف والقبائل بمسمياتهم المختلفة من شرتاي ومك وناظر وعمدة إلخ .. ولا بمنطق أمراء الحرب الجدد أصحاب البندقية المأجورة .!
الدولة إطار أوسع من ذلك بكثير... الدولة تبنى على ركائز العلم والقيم وعلى أساس أفقي مستنير قاعدته وجود قوى سياسية حية تكون المشاركة فيها على أساس الأفكار والتصورات والبرامج السياسية بجانب منظمات المجتمع المدني، وليس على أساس المعتقدات الدينية والأصول القبلية والعرقية.
الخروج من واقع الأزمة الحالية التي عمقتها إتفاقية سلام جوبا المفخخة بجانب الإنقلاب المشؤوم يفرض على قوى الثورة تبني مقاربة أساسها الإتفاق على برنامج الحد الأدنى للتخلص من الإنقلاب أولاً وتعديل بنود هذه الإتفاقية لصالح الإستقرار العام، ومن ثم مواصلة السير في طريق التحول الديمقراطي وفق رؤية واضحة لتحقيق الأهداف الأساسية التي من أجلها إنطلقت الثورة في الحرية والسلام الشامل والعدالة الإجتماعية لمعالجة المظالم التاريخية وتفعيل مبدأ سيادة القانون الذي يبدأ بتسليم رموز النظام السابق المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي إنتصاراً للضحايا وذويهم وتوفير ظروف ملائمة لضمان عودة اللاجئين والمشردين .. ومحاكمة قتلة الثوار والثائرات لتحقيق العدالة التي من دونها لن يتحقق إستقرار سياسي ولا تنمية إقتصادية ولن نصل إلى واقع جديد خالي من الإستبداد وإنتهاك حقوق الإنسان والفساد والصراعات القبلية العبثية..!
الحياة مشيئة وإرادة إذن لابد من تخطي عقبة لا دولة ولا حكومة.
Eltayeb_Hamdan@hotmail.com
/////////////////////////////