السودان وفنون البقاء !
الخضر هارون
26 April, 2012
26 April, 2012
-1-
maqamaat@hotmail.com
مناقشة القضايا العامة والبلاد تتأهب لرد عدوان أجنبى على أراضيها يدخل فى سياق وضع الندى فى موضع السيف الذى حذر منه شاعر العرب أبوالطيب المتنبيء. ويملك مواطنو الدول الكبرى فى الديموقراطيات العريقة حق رفض الحروب التى يشكون فى جدواها أو فى منطلقات سياسييهم فى إشعالها . ويكون الرفض لإعتبارات إنسانية نبيلة أو خوفاً على أرواح المقاتلين من بنى جلدتهم. وتتعدد أساليب الرفض فتشمل التظاهر والإحتجاج وعقد الندوات والتحدث لوسائط الإعلام المختلفة. ذلك كله قبل بدء الحرب فإذا دوت أصوات المدافع ولعلع الرصاص وحمى الوطيس خفتت جميع الأصوات واصطفت خلف المقاتلين لا يجرؤ أحد على إنتقاد الحرب ليس خوفاً من مخالفة القوانين ولكن خوفاً من أن تصبح أصواتهم المعارضة عوناً للعدو على أبنائهم ومواطنيهم فى ساحات القتال. ولقد دفع الصحافى الأمريكى اللامع مايكل مور الثمن غالياً عندما قال فى يوم زينته عندما أجتمع المبدعون لتكريمه على فوزه بأعلى جوائز هولوود للأفلام الوثائقية فقد أقحم موضوع الحرب على العراق إقحاماً فى خطبته عند تسلم الجائزة السنية إذ قال: " نحن ضدهذه الحرب. سيدبوش عار عليك( يعنى الرئيس جورج دبليو بوش) عار عليك... سيد بوش. " وتحول عرسه الفنى إلى تظاهرة عارمة ضده وإلى سباب قبيح لا يسطر على قرطاس. لكنكم ستجدونه فى كتاب ضخم طريف ضمنه قصه حياته منذ أن وطأت أقدام أسلافه الولايات المتحدة سماه
Here Comes Trouble
لقد ظل الرجل مختفياً وفى حراسة شركة أمنية متخصصة لثلاث سنوات رغم أنه صوب هجومه على القيادة السياسية ممثلة فى رئيس البلاد لا على الجيش المقاتل فى العراق.
ولأن قيادة الجيش عندنا قد أبلغت الناس علناً أنها دخلت مظفرة إلى هجليج التى لم تبق فيها سوى جيوب معزولة يسيطر عليها جيش الجنوب , رأينا أنه بالامكان مناقشة بعض القضايا التى نرى أنها متعلقة ببقاء السودان كبلد بغية رفع الإنتباه إليها إلى مستوى الحوار الوطنى المعمق . ولب الأمر كما أراه هو أننا بحاجة إلى تشخيص حالتنا للتعرف على مواطن القوة والضعف فى أنفسنا ومن ثم نخلص إلى خطة راشدة تتيح لنا البقاء فى عالم مطرب تتحكم فيه الرغبات والأطماع لا يعير كبير إهتمام للقيم الإنسانية التى تستلزم حتى بلغة الغرائز حفظ النوع الإنسانى من الهلاك والفناء. وفى تراثنا الثقافى "رحم الله إمرئاً عرف قدر نفسه".
وأولى خصائص هذه البلاد التى صنعتها الجغرافيا والتأريخ هى أن هذا البلد يقع فى عمق القارة الإفريقية ويعد فى ذات الوقت نقطة تماس بين افريقيا وحوض الأبيض المتوسط والشرق الأوسط فأعراق قاطنيه إنما هى أمشاج من المكونات العرقية فى هذين العالمين. أما من الناحية الثقافية فإن ما تبقى منه يعد جزء لا يتجزأ من الثقافة العربية الإسلامية لا يقلل من ذلك الإنتماء النكهة الثقافية الخاصة التى تفرضها الجغرافيا فى المآكل والمشارب والملبس والمفردات حيثما إنتشرت الثقافة العربية وتمددت فى بقاع حضارية قديمة كما هو الحال بين البربر والكرد والترك والفرس والهنود.ومع ذلك تراعى خصوصيات ثقافية ولغوية ودينية لبقاع فى هذا الخضم الكبير. أما الخاصية الأخرى فهى غنى هذه البلاد بالموارد المائية والزراعية والمعادن. وهذه الخاصية مجلبة للأطماع الخارجية. تأملوا حال بلد مثل الكنغو الديمقراطية هى أكثر منا ثراء فى مواردها الزراعية والمعدنية جميعاً. يضاف إلى تلك الخصائص غنى البلاد بموارد بشرية لا بأس بها من حيث العدد والكيف.هذه خصائص كافية للنهضة لكن الخطط المراعية لهذه الخصائص جميعاً هى الكفيلة بتحقيق النهضة والإبقاء على السودان متماسكاً حيث هو الآن. أما خاصية المكان المشار إليها فلها تبعاتها السالبة والإيجابية فهى قد وصلت إنتمآءت السودان بالعالم العربى لغة وعادات وتقاليد ووصلته بعد ذلك بعالم إسلامى مترام يمتد من جاكارتا إلى طنجة .و السودان بذلك متفرد فى إفريقيا جنوب الصحراء ولا نظير له فى ذلك رغم أن سحنات أهله لا تختلف كثيراً عن سحنات أهل الإقليم لدرجة يصعب معها التمييز فيها بينهم وبين سكان القرن الإفريقى . هذه الثنائية فى الإنتماء تربك الأجنبى الذى لا يعنى بالتفاصيل والذى يجد السودان ضمن منظومة دول إفريقيا جنوب الصحراء .وكان الأمريكى أوسكار بليتون قد كتب مقالة هامة عن هذا الإرباك بعنوان "لماذا يربك السودان الغرب؟" وكنت قد إستعرضها بمقالة بعنوان "السودان بعين أمريكية فاحصة!".كذلك أشار الأستاذ محمدأحمد محجوب رئيس وزراء السودان الأسبق فى كتابه "الديموقراطية فى الميزان" إلى فتور فى علاقات السودان بأمريكا منذ الإستقلال. وأرجع السبب الرئيس لذلك الفتور إلى تضامن السودان مع العرب فى حرب الايام الستة .وقال إن ذلك التضامن امرطبيعى وينبغى أن يكون مفهوماً .هذا التميز المربك يسر على الحركة الشعبية تسويق فكرة السودان الجديد إلى درجة أن نائب وزيرة الخارجية الأسبق روبرت زيلك وصف فى إفادة له أمام مجلس الشيوخ قبل أعوام الدولة السودانية بأن النخبة فيها قد نشأت فى القرن التاسع عشر من المرتزقة والتجار المنحدرين من قبائل تعيش إلى الشمال من الخرطوم مختزلاً بضعة آلاف من السنين هو عمر الدولة فى السودان منذ فراعنة النوبة قبل الميلاد. وكنت قد أشرت إلى ذلك محذراً من خطورة هذا الفهم فى بحث منشور بعنوان "السودان أزمة هوية أم آلام مخاض الدولة القطرية". ومن سلبيات هذه الخصوصية أنه من السهل إثارة شكوك الجوار الذى لا يشاركنا هذه الخصوصية وتحريضه علينا مثلما حدث من قبل وكذلك الغرب خاصة فى ظروف الإستقطاب والظروف الإستثنائية. وعندما وصل إرسال السودان التلفزيونى إلى بلد مجاور هرع سفير غربى إلى رئيس تلك الدولة ليلاً محذراً من خطورة ذلك. لذلك ينبغى أن يشتمل مخطط التعامل مع الجوار الإفريقى على مراعاة هذه الحساسية وأن لا يخرج التعبير الدينى والثقافى عن المالوف من السماحة السودانية والتسامح الذى ميز التدين السودانى بتاثير البعد الصوفى فيه. وسيلعب القبول العام فى المنطقة للغناء والموسيقى السودانية دوراً إيجابيا فى توثيق الصلات بيننا وبين ذلك الجوار وفقاً للسياسات المدروسة للتعامل مع دول المنطقة والتى تشتمل على إقامة مراكز ثقافية وعبر منح دراسية فى مجالات العلوم والطب والهندسة وإقامة مشروعات تنموية مشتركة على الحدود مع تلك الدول .أما على المستوى العالمى فقد تعرضت الثورة المهدية إلى تشويه متعمد خاصة فى الغرب دمغ هذه البلاد بسبة الرق والحروب والتعصب نعانى من بعض تبعاته اليوم. والمطلوب تغيير هذه الصورة لا تكريسها فالقوى الكبرى قادرة عبر مؤسساتها على تقدير ما يمكن أن تلحقه دولة نامية محدودة الإمكانات بهامن الأذى لكنها ستستخدم الوسائل التى نعبر بها لتكريس الصور السالبة عنا تبريرا لإلحاق مزيد من الأذى بنا و"المؤمن كيس فطن".وفى مقاصد الفقه المالكى الحفاظ على الموجود من الواجبات الشرعية.
ونكرر خلاصة ما نرمى إليه بأن عبقرية المكان تفرض علينا نوعاً محدداً من التعبير الثقافى لا يفرط عقد مكوننا الداخلى ولا يثير مخاوف جوارنا الإفريقى بل يفرض علينا الحرص أن نكون أخلص الأصدقاء لهم حتى لا يبحثوا عن صداقات تستثمر شكوكهم لإيذائنا. . فالخصائص المذكورة والغنى الذى تتميز به البلاد من الطبيعى أن يجلب المؤامرات والدسائس لكن قدرنا لكى نبقى أن نسد منافذ تلك المؤامرات بالاستراتيجيات المدروسة فى تطبيع العلاقة مع الجوار وجعل المصالح المتبادلة معه دريئة للتوتر والحروب فكلما عظمت المصالح حرص الناس على بقائها ونأوا عن الحروب.ذلك لا يتحقق إلا إذا سبقته تدابير داخلية للحكم الرشيد تقيم ديمقراطية حقيقية يحرسها جيش قوى. لقد بات اليوم ولحسن الحظ صعباً أن تشن دولة قادرة حرباً على نظام ديمقراطى حقيقى يحظى بدعم الشعب ويحكم بإرادته. هذا شرط هام من شروط البقاء ندرأ به المؤامرات والأطماع والدسائس ونصون به تراب هذا البلد العظيم.
السودان وفنون البقاء (2)!
نوجز ما أوردناه فى الحلقة الأولى بأن السودان متميز ثقافياً فى محيطه وجواره الإفريقى بإمتداداته العربية الشرق أوسطية وأن هذا التميز يشكل إشكالية إرباك للخارج البعيد الذى لا يصبر على التفاصيل فيجنح للتعميم ويتعاطف مع كل صيحة تؤيد غاياته فى التعميم وفى جعل السودان متماهياً خبراً ومخبراً مع محيطه . فكأنه يقول : أريحونا من عناء التقصى فأنتم عندنا كسائرأهل المنطقة الممتدة بين المحيطين الهندى والأطلسى وينبغى أن يقوم الفعل ورد الفعل لديكم وفق هذه الحقيقة الظاهرية.
وقلنا إن المكون الثقافى والحضارى الذى يربط هذا البلد بالمحيط العربى الإسلامى هو مكون باطنى فهو بمثابة الروح من الجسد الحى الفكاك منه ليس إختياراً ولا علاقة له بالجينات والمورثات. لكن اشرنا إلى توخى الحذر وإلتماس الحكمة فى التعبير عنه بحيث لا يثير شكوك الجوار ويسهل مهام الكبار من وراء البحار فى النيل من هذا البلد وتغيير هويته عنوة وعبر العنف والمؤامرات. قال لى عربى أثناء حرب العراق الأولى إن السودان وموريتانيا يقعان فى أطراف العالم العربى لذلك تعلو أصواتهما أكثر حتى يسمعوننا فى قلب العالم العربى. وقلنا أيضاً لأن البلاد غنية بالموارد فيلزم النأى عن التعبير الصارخ والعنيف عن ذاك المكون الثقافى لأنه يسهل مهمة الطامعين الكبار فى الثروات بإثارة هذا الجوار فيعلون من شأن الفوارق بيننا وبينه ويضخمونها ليقللوا من شأن المشتركات الكثيرة الكفيلة بإقامة تعايش سلس آمن معه.وقلنا تلك أفضل وصفة ذكية للتعايش فى محيط لا تعكر صفو العيش فيه الجغرافيا لكن التاريخ بما جلب من دماء ورؤى من فضاء آخر يلزم من يريد العيش فيه متصالحاً مع الجغرافيا, أن يبذل جهداً مضاعفاً لتخفيف حدة تناقضاته. ويمتد الجهد الخلاق من السعى لإزالة تناقضاتنا الداخلية نحن أولاً بخلق ساحة يجد الجميع مساحة من العيش الكريم فيها, إلى الجوار كله حتى يصبح جواراً آمناً مستعصياً على التحريض والكيد اللعين.
ونقول اليوم إن ما أوردنا آنفاً ليس خافياً على السياسيين فى الحكومة والمعارضة وليس خافياً على أعداد مقدرة من المثقفين يلجم ألسنة بعضهم ويزهد أقلامهم أحياناً فى الكتابة ,بغضهم للنظام القائم فى البلاد مخافة أن( تجير) الحكومة الإجماع على هكذا حقيقة لصالح مشروعها فى الإستمرار فى الحكم. ولا ينبغى أن يحمل بغض الحكومة أصحاب الأقلام على السكوت عن قول الحق وتبصير الناس بالمخاطر والدسائس التى تستهدف الوطن حضارة ووجوداً فالحكومات تأتى وتذهب لكن الأوطان إذا ذهبت ذهب ريحنا جميعاً. ومن جميل ما تجلى بعد تحرير هجليج إلتفاف الناس حول الوطن حتى قال أحدهم إننا إذا وقع العدوان على السودان فلا توجدأحزاب عندنا سوى حزب السودان.
أقول إن التوصيف الذى ذكرنا يجعل البلاد على الدوام هدفاً إما بفعل الخوف من (هيجات) تشبه الطيش نعمدإليها فى بعض المواقف أوطمعاً في ما حبا الله به هذا البلد من نعم. ويترتب على ذلك أن تبنى البلاد جيشاً قوياً رشيق الحركة فى كفاءة القوات الخاصة فالبلد الذى يظن أهله أنهم مستهدفون يتحتم عليه ان يكون على قدر التحدى دون ضجيج وسمعة. قال الرئيس الأمريكى الذى حكم أوائل القرن العشرين , ثيودور روزفلت " تحدث بصوت خفيض لكن أحمل عصاً غليظة". أى دع قوتك تتحدث عن نفسها لا تهريجاً بلسانك. والشاهد هنا هو أن إستراتيجيتنا فى البقاء لا تقوم على السلاح وحده بل تقوم على تطبيع العلاقات لإقامة جوار آمن متصالح متشابك المصالح بحيث لا نسمح بأن يرمينا عن قوس واحدة لأن الكثرة عندئذ تغلب الشجاعة ويكون الجيش القوى الرشيق ذخراً لصد المغامرات والحماقات ولزرع الرعب فى نفوس المغامرين أو لصد عدوان جار طائش أو مدفوع. وقد إستمعت مؤخراً لخبير عسكرى يتحدث عن دولة فى آسيا تعيش عزلة خانقة بسبب الخوف والإستهداف , قال إن فاقد التدريب فى جيشها فى معسكرات إعداد خاصة يصل إلى 15%. ويعتبر جيش دولة مسالمة ظلت محايدة لعقود طويلة هى الفدرالية السويسرية من أقوى الجيوش فى العالم وأكثرها كفاءة. وترفد الجيوش فى كل العالم بأعداد مقدرة من الإحتياطى الذى يضم قطاعات نوعية من المهنيين والعلماء فى مجالات الحاسوب والأسلحة الذكية يكون تحت إمرة الجيوش وفى دورات دائمة فى ظروف الحرب والسلم مواكبة للتقدم الذى يضطرد فى تقانة السلاح وفنون الحروب كل يوم تطلع فيه الشمس. ويستلزم ذلك كفاءة عالية فى التنسيق بين الوحدات العسكرية وبينها و بين وحدات الإحتياطى من المدنيين. ولا يخفى التطور الهائل فى آلات الحرب وتقاناتها وصناعاتها التى تسبق الصناعات المدنية الأمر الذى يجعل تطوير المؤسسة العسكرية كوادراً بشرية ومعدات ,أمراً ملحاً بالغ الضرورة.
ونعود لمعركة هجليج للقول بأنه لا مناص من تحقيق دقيق فى ملابسات سقوطها وهى بتلك الأهمية الإقتصادية بغية الوقوف على مواطن الخلل لتلافى تكرارها فى مواقع أخرى ضرورية وحيوية لأمن هذا البلد ولرفاهية أهله. وعلى المستوى السياسى يلزم إستثمار التلاحم الشعبى الكبير الذى أذاب الحواجز الحزبية والمذهبية والجهوية بين أفراد هذا الشعب العظيم والذى يؤكدما ظللنا نؤكده بأن التجانس بين مكونات هذا الشعب أكبر من الجهويات والعرقيات وأنه كاف لإقامة دولة منضبطة مؤهلة للنمو السريع. ويلزم أن نصوغ من إلتفاف الشعب وإجماعه وإستعداده للتضحية لصد العدوان خطة راشدة لجمع الصف الوطنى بكل مكوناته ولنجعل من أحداث هجليج واحتلالها "نعمة أتت فى هيئة نقمة" كما تقول الفرنجة. لتقوى اللحمة بين مكونات هذا الشعب عبر حزمة تدابير تبدا بحوار وطنى جاد ومعمق يفضى إلى تراض يقيم نظاما مدنياً ديمقراطياً يتجاوز إخفاقات ما عهدنا من أنظمة ديمقراطية سابقة كانت ضعيفة يتشاكس شركاؤها على السفاسف من الأمور فتضيع مصالح الناس فيسطو عليها العسكر. إن مزية الديمقراطية أنها تتيح الحوار الحر الشفاف لمعالجة التفاوت فى حظوظ مكونات الوطن من التنمية فتنزع فتيل العنف وتتيح عبر الفدرالية قدراً أكبر للأجزاء المكونة للدولة من تنمية مواردها والتعبير عن خصائصها الثقافية الفرعية فى إطار الوطن الواحد فتزول تهمة فرض المركز لنوع بعينه من الثقافة ثم إن استدامة الديمقراطية تسرع عملية الإنصهار العرقى والثقافى بمرور الزمن.هذا فضلاً عما تتيحه من الحريات الضرورية لكرامة المواطن والشفافية فى التصرف فى المال العام والثروات الطبيعية فى البلاد كما أنها تبطل ذريعة من ذرائع الإستهداف والتربص :وهى الشمولية وغياب الحكم الرشيد.
وكلمة أخيرة لابد من قولها وهى أن إعتداء دولة الجنوب على هجليج لم يمنع المنظمة الأممية –رغم تعاطف دول غربية فاعلة فيها مع الجنوب- من إدانة الإعتداء بلغة واضحة وقوية ومطالبة حكومة الجنوب بالإنسحاب غير المشروط منها. وقد أعلنت حكومتنا عن نيتها طلب تعويضات عن الخسائر الكبيرة لذلك العدوان وفقاً للقانون الدولى.هذه الحقائق تفرض علينا ضبط النفس وضبط الخطاب السياسي الرسمى والكف عن الحديث عن تغيير النظام فى دولة جنوب السودان وهو أمر مخالف لذات القانون الدولى ولميثاق الأمم المتحدة . من حقنا بلا شك تحرير كافة أراضينا فى النيل الأزرق وجبال النوبة دون أخذ الإذن من أحد . لقد شهد العالم كله على عدوان دولة الجنوب علينا وأدانته دول عظمى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين ولعله يصبح درساً قاسياً فى المستقبل يمنع من تكرار مثل ذلك الخطأ الفاضح. وحتى تتركز هذه الصورة صورة دولة لم تبلغ من العمر عاماً واحداً ترسل جيشها للإعتداء على دولة كانت جزءاً منها , ينبغى أن لا نفسد هذه الخسارة الدبلوماسية لدولة الجنوب بخطاب يهدد بمخالفتنا نحن للقانون الدولى. وأحسب أن لا نعمد لإصدارت لاءات فالسياسة هى فن الممكن فإن أتاحت هذه الأحداث فرصة لتفاوض حقيقى بوساطة أى دولة كانت يعالج كافة القضايا الخلافية بيننا وبين الجنوب ويحقن دماءنا ودماءهم , فلم لا؟ لا الدين ولا حكمة السياسة تحرم ذلك. فقط علينا فى المرات القادمات أن نعتبر بتجاربنا السابقات فى التعاهد والتطبيق معاً..