السياسي السوداني والحلم ذو البعد الواحد
زين العابدين صالح عبد الرحمن
16 July, 2022
16 July, 2022
أستلف هذا العنوان من المفكر السياسي اليساري الأمريكي ذو الأصول الألمانية هربرت ماركوزا أحد مؤسسي معهد فرانكفورت للدرسات الاجتماعية في ألمانيا في كتابه " الإنسان ذو البعد الواحد" و هو يحاول في الكتاب أن يشرح ماهية المجتمع الأحادي البعد، يقول دائما في مثل هذه المجتمعات الآحادية تقل فيها المباديء التي كان يركز عليها، خاصة في قضايا الحقوق و الحريات، و تصبح شعارات ليس لها واقعا في الحياة الاجتماعية. و رغم أن ماركوزا يركز على المجتمع الصناعي و تتبع تطوره و تراجعات المبادئ التي كان يبشر بها الناس. لكن إذا حملنا ذات الفلسفة لدراسة ظاهرة انتكاسة النخبة السياسية السودانية في تحقيق عملية التحول الديمقراطي، نجد أن السياسي السوداني ذو الإنتماءات الأيديولوجية متغلب الأراء، تحكمه مصلحة واحدة " فكرة السلطة" و الهدف منها هو كيف القبض على مفاصل السلطة و التحكم فيها، و في ذلك لا يتردد في رفع شعارات تحمل المقصد "الديمقراطي" رغم أن الأحداث تكشف زيفها، لأنها غير مأصلة في مرجعيتهم الفكرية، و مع الشعارات؛ يحاولون استخدام العديد من الفزاعات بهدف ممارسة الضغط و المنع لأي نقد يحاول تفنيد ممارساتهم، الأمر الذي يؤثر على مساحات الحرية و الحقوق المطلوبات القاعدية لعملية التحول الديمقراطي في المجتمع.
أن الصراع الدائر في الساحة السياسية الآن ليس من أجل عملية التحول الديمقراطي، بل مرتبط بالمصالح الحزبية الضيقة، و هذا كشفت عنه الفترة الانتقالية منذ اغسطس 2019م، حيث استقر الصراع في دائرة التحكم على السلطة، و كيف استمرار القبض عليها، و أغفلت القوى السياسية تكوين المؤسسات التي تؤسس لعملية التحول الديمقراطي. و هذا يرجع لضعف الثقافة الديمقراطية و سط السياسيين السودانيين، و عدم وجود مشروع سياسي مفصل يوضح خطط عملية التحول الديمقراطي، و السبب المهم هي المرجعيات الفكرية للعديد من الأحزاب باعتبارها مرجعيات ليس لها علاقة مع الديمقراطية المرفوع شعاراتها، و مادامت الشعارات الديمقراطية بهدف التكتيك ـصبح عثراتها تتوالد من خلال تجدد الأحداث في البلاد.
أن النخب المثقفة في المجتمع رغم غزارة كتاباتها؛ لكنها ذات أتجاه واحد ركزت على مطاردة أحداث الإسلاميين، باعتبار أن تناولها للإسلاميين لا يدخل أصحابها في أي مناكفات مع القوى الأخر، و تحفظ حق الكتابة، لكنها تستخدم بعدا واحدا في القضية يضمن لها الأمان. باعتبار أن تجربة الإسلاميين في الحكم تواجه نقدا عاما من قبل المجتمع السوداني بكل مكوناته، لكن هؤلاء المثقفين قد تناسوا أن الديمقراطية في أمس الحاجة للمنهج النقدي الذي يطال كل الأخطاء من خلال الممارسة غض النظر عن من إرتكبها، إلي جانب أن المجتمع في حاجة إلي ثقافة ديمقراطية غزيرة لكي تزيل أثار الثقافة الشمولية التي تراكمت عبر النظم العسكرية الديكتاتورية، و خاصة الإنقاذ، فإذا كان المثقفون يتحاشون الحديث عن ممارسات خاطئة مستمر، و عن ممارسات و أحلام لقوى سياسية تريد أن تجير الأحداث لمصالح حزبية ضيقة، كيف تستطيع البلاد أن تصل للدولة المدنية الديمقراطية.
أن العسكر يشكلون تحدي حقيقي أمام تطور التجربة الديمقراطية في دول العالم الثالث، باعتبار أن ميزان القوة يرجح لصالحهم، و عجزت القوى السياسية أن تحدث توازن في ميزان القوة لصالحها بسبب تنافرها و تشتتها و عدم اتفاقها على مشروع انتقالي يحدث عملية الانتقال و يبني قواعد متينة للديمقراطية، الأمر الذي جعل العسكر يتحكمون على السلطة. لكن الأجيال الجديد في تصديها منذ اليوم الأول لانقلاب 25 أكتوبر و خروجها ترفض الانقلاب كان بداية موفقة أن تتخلق ثقافة سياسية جديدة في المجتمع تتماشى مع العملية الديمقراطية. أن تنشأ قوى اجتماعية عريضة داعمة للعملية الديمقراطية تنجز مهام الفترة الانتقالية المطلوبة. لكن القوى السياسية لا تريد أن تتزحزح من " فكرة الاستخواذ علي السلطة" تحت شعارات مضللة و هي تلتقي مع توجهات العسكر. و كان المتوقع أن يبرز بصورة واضحة صوت القوى الديمقراطية في الساحة التي توجه الجميع إلي مطلوبات الديمقراطية، و لكن للأسف أن اعدادا المثقفين و بعض الإعلاميين و الصحافيين فضلت أن تتعامل مع القضية وفقا للعواطف و القناعات الخاصة التي تتعارض مع القيم الديمقراطية، الأمر الذي يؤكد أن الثقافة المحمولة تحمل بعدا واحدا يتناقض مع شعارات الديمقراطية المرفوعة.
الديمقراطية لا تقبل الإنسان ذو البعد الواحد في التوجه السياسي، لذي يقدس محمولاته و يرفض محمولات الأخرين، رغم أن الديمقراطية هي صراع الأفكار و المشاريع السياسية، لكن من خلال مواعين ديمقراطية منصوص عليها في الدستور و يحترمها الجميع، فالديمقراطية لا تؤسس على الرؤية الواحد لقوى سياسية، و لا تؤسس على العسكر ذوي الثقافة الشمولية، الذين لا يؤمنون إلا بقرارات التراتبية الوظيفية فقط. فالديمقراطية ليست صراع أفكار فقط أيضا مجايلة. فهل القوى السياسية تستطيع أن تجري مراجعات فكرية لكي تتماشى مع الشعارات التي ترفعها و تتلاءم مع الديمقراطية؟ و هل القوى السياسية منذ سقوط نظام الإنقاذ حتى اليوم استطاع أن تمزق رداء الشمولية من خلال ندواتها في الهواء الطلق و تثقيفها للأجيال الجديدة ذات التجربة المحدودة؟ أن القوى السياسية تتصارع بصورة فاضحة جدا حول؛ من يحق له اليسيطرة على الساحة السياسية، و هي فكرة أقرب للشمولية منها إلي الديمقراطية. و أن لجان المقاومة وحدهم الذين يرفعون شعار مقاومة الشمولية ليس هتافا أنما دما مسفوحا على كل الساحات. فهل القوى السياسية قدرت هذه التضحيات و حولتها لافعال ترسخ الأقدام الموجه تجاه الديمقراطية؟ نسأل الله التوافق و حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
///////////////////////////
أن الصراع الدائر في الساحة السياسية الآن ليس من أجل عملية التحول الديمقراطي، بل مرتبط بالمصالح الحزبية الضيقة، و هذا كشفت عنه الفترة الانتقالية منذ اغسطس 2019م، حيث استقر الصراع في دائرة التحكم على السلطة، و كيف استمرار القبض عليها، و أغفلت القوى السياسية تكوين المؤسسات التي تؤسس لعملية التحول الديمقراطي. و هذا يرجع لضعف الثقافة الديمقراطية و سط السياسيين السودانيين، و عدم وجود مشروع سياسي مفصل يوضح خطط عملية التحول الديمقراطي، و السبب المهم هي المرجعيات الفكرية للعديد من الأحزاب باعتبارها مرجعيات ليس لها علاقة مع الديمقراطية المرفوع شعاراتها، و مادامت الشعارات الديمقراطية بهدف التكتيك ـصبح عثراتها تتوالد من خلال تجدد الأحداث في البلاد.
أن النخب المثقفة في المجتمع رغم غزارة كتاباتها؛ لكنها ذات أتجاه واحد ركزت على مطاردة أحداث الإسلاميين، باعتبار أن تناولها للإسلاميين لا يدخل أصحابها في أي مناكفات مع القوى الأخر، و تحفظ حق الكتابة، لكنها تستخدم بعدا واحدا في القضية يضمن لها الأمان. باعتبار أن تجربة الإسلاميين في الحكم تواجه نقدا عاما من قبل المجتمع السوداني بكل مكوناته، لكن هؤلاء المثقفين قد تناسوا أن الديمقراطية في أمس الحاجة للمنهج النقدي الذي يطال كل الأخطاء من خلال الممارسة غض النظر عن من إرتكبها، إلي جانب أن المجتمع في حاجة إلي ثقافة ديمقراطية غزيرة لكي تزيل أثار الثقافة الشمولية التي تراكمت عبر النظم العسكرية الديكتاتورية، و خاصة الإنقاذ، فإذا كان المثقفون يتحاشون الحديث عن ممارسات خاطئة مستمر، و عن ممارسات و أحلام لقوى سياسية تريد أن تجير الأحداث لمصالح حزبية ضيقة، كيف تستطيع البلاد أن تصل للدولة المدنية الديمقراطية.
أن العسكر يشكلون تحدي حقيقي أمام تطور التجربة الديمقراطية في دول العالم الثالث، باعتبار أن ميزان القوة يرجح لصالحهم، و عجزت القوى السياسية أن تحدث توازن في ميزان القوة لصالحها بسبب تنافرها و تشتتها و عدم اتفاقها على مشروع انتقالي يحدث عملية الانتقال و يبني قواعد متينة للديمقراطية، الأمر الذي جعل العسكر يتحكمون على السلطة. لكن الأجيال الجديد في تصديها منذ اليوم الأول لانقلاب 25 أكتوبر و خروجها ترفض الانقلاب كان بداية موفقة أن تتخلق ثقافة سياسية جديدة في المجتمع تتماشى مع العملية الديمقراطية. أن تنشأ قوى اجتماعية عريضة داعمة للعملية الديمقراطية تنجز مهام الفترة الانتقالية المطلوبة. لكن القوى السياسية لا تريد أن تتزحزح من " فكرة الاستخواذ علي السلطة" تحت شعارات مضللة و هي تلتقي مع توجهات العسكر. و كان المتوقع أن يبرز بصورة واضحة صوت القوى الديمقراطية في الساحة التي توجه الجميع إلي مطلوبات الديمقراطية، و لكن للأسف أن اعدادا المثقفين و بعض الإعلاميين و الصحافيين فضلت أن تتعامل مع القضية وفقا للعواطف و القناعات الخاصة التي تتعارض مع القيم الديمقراطية، الأمر الذي يؤكد أن الثقافة المحمولة تحمل بعدا واحدا يتناقض مع شعارات الديمقراطية المرفوعة.
الديمقراطية لا تقبل الإنسان ذو البعد الواحد في التوجه السياسي، لذي يقدس محمولاته و يرفض محمولات الأخرين، رغم أن الديمقراطية هي صراع الأفكار و المشاريع السياسية، لكن من خلال مواعين ديمقراطية منصوص عليها في الدستور و يحترمها الجميع، فالديمقراطية لا تؤسس على الرؤية الواحد لقوى سياسية، و لا تؤسس على العسكر ذوي الثقافة الشمولية، الذين لا يؤمنون إلا بقرارات التراتبية الوظيفية فقط. فالديمقراطية ليست صراع أفكار فقط أيضا مجايلة. فهل القوى السياسية تستطيع أن تجري مراجعات فكرية لكي تتماشى مع الشعارات التي ترفعها و تتلاءم مع الديمقراطية؟ و هل القوى السياسية منذ سقوط نظام الإنقاذ حتى اليوم استطاع أن تمزق رداء الشمولية من خلال ندواتها في الهواء الطلق و تثقيفها للأجيال الجديدة ذات التجربة المحدودة؟ أن القوى السياسية تتصارع بصورة فاضحة جدا حول؛ من يحق له اليسيطرة على الساحة السياسية، و هي فكرة أقرب للشمولية منها إلي الديمقراطية. و أن لجان المقاومة وحدهم الذين يرفعون شعار مقاومة الشمولية ليس هتافا أنما دما مسفوحا على كل الساحات. فهل القوى السياسية قدرت هذه التضحيات و حولتها لافعال ترسخ الأقدام الموجه تجاه الديمقراطية؟ نسأل الله التوافق و حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
///////////////////////////