السيد الإمام: جدوى البقاء بالخارج!

 


 

 

 

 

kameir@yahoo.com

تورونتو، 6 يوليو 2018

قمت بزيارة السيد الإمام الصادق الهدي، ومعي الصديق العزيز المحبوب عبد السلام، في شقته في حي مدينة نصر، القاهرة، ظهر يوم 11 يونيو الماضي، بعد آخر لقاء معه في أبريل 2016 في نفس المكان. تبادلنا الآراء حول الهم الوطني العام ومواصفات المشهد السياسي في السودان في ظل التطورات الداخلية والإقليمية والدولية، وخيارات حل الأزمة السياسية الراهنة بالبلاد.

 

ركزت في مداخلتي على نقطة جوهرية حول الجدوى السياسية من بقاء السيد الإمام بالخارج، سواء في مصر أو أي بلد آخر، وهو نفس الموضوع الذي طرقت عليه في لقائنا السابق قبل عامين. وفيما يلي ملخص ما ذكرته له في هذا اللقاء:


"التغيير المنشود نحو التحول الديمقراطي مرهون بعدة عوامل يظل على رأسها *طبيعة ومقدرات قوى التغيير"، فحتى لو خرجت الجموع إلى الشوارع ووقعت الانتفاضة العفوية فلن يتحقق التغيير المنشود وستكون قوى المعارضة واقفة على الرصيف ومستبعدة من مواقع إدارة انتقال السلطة التي سيتم تبادلها بين فرقاء النظام نفسه. فالعنصر الحاسم هو تماسك قوي التغيير، ليس بمعنى توحيد أو وحدة قيادات المعارضة، فوقيا، بل بمعنى أن تتحد هذه القيادات وجماهيرها، على مستوى القواعد، كل داخل كيانه التنظيمي قبل الدخول في تحالفات ستكون هشة وضعيفة طالما لم تنتظم أو تتماسك هذه الكيانات المكونة للتحالف. الدليل على ذلك متوفر في تجربة التجمع الوطني الديمقراطي.

 

عطفا على ذلك، قلت السيد الإمام إن وجوده بالخارج يمثل خصما سياسيا كبيرا. ورغم إمكانية لقاء قيادات الحزب في مصر، فإنه ليس برئيس للحزب فقط بل هو زعيم جماهيري يتوجب عليه وجوده وسط قواعده. كما أن وجوده بالقاهرة غير مضمون العواقب ولن يوفر له أي قدر من حرية التحرك والنشاط".


وكان رد السيد الإمام، بحد تعبيره: "Point well taken".

 

مع الإقرار الكامل بأن للحكومة المصرية مطلق الحرية لاتخاذ ما تشاء من إجراءات تخدم مصالحها الوطنية والقومية، إلا أن قرار منع السيد الإمام من دخول أراضيها جانبه التوفيق، وذلك من باب اغفاله لتداعياته التي قد تطعن في مصداقية الدولة المصرية ومدى تمسكها بالثوابت في السياسات، وتضر بمصالحها المستقبلية. فمن جهة، يمثل هذا القرار مخالفة، قد تكون الأولى، لتقاليد الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم مصر في عدم الميل إلى طرد المعارضين من أراضيها أو تسليمهم لحكومات بلادهم، ولا حتى من يحملون السلاح في وجه هذه الحكومات. ومن جهة أخرى، لم يشكل السيد الإمام عبئا سياسيا ولم يكن ضيفا ثقيلا، فأصلا لا تسمح له السلطات المصرية بممارسة نشاط سياسي سافر أو معلن، فهو ينبذ العنف ويسعى للحلول السلمية، ويستقبل قيادات حزبه وضيوفه في شقته المتواضعة بلا حشود أو ضجيج يسبب قلقا أو احراجا لمضيفيه.

 

ومن المفارقة، فقد استضافت الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، فهل خسرت شيئا؟ بل بالعكس، سجلت نقطة لصالحها وحققت مكسبا سياسيا أثمر عن رعايتها للمحادثات بين الحكومة السودانية والتجمع الوطني الديمقراطي المعارض في يونيو 2005. فلماذا، وفي مقابل ماذا، تعرض مصر رجل في قامة السيد الإمام للإهانة بهذا الشكل وتخسر كيان للأنصار وقواعد الإمام السياسية، وقطاعات واسعة أخرى أغضبها قرار الإبعاد؟

 

فقد كان حريا بالحكومة المصرية، بل والمأمول منها، أن لا تمس، أو تخضع للمساومة، تقليدها الراسخ والقاضي بأن مصر دوما تعد الملاذ الآمن للمعارضين السلميين. فهذا هو الخيط الذي ما زال حاضرا في العلاقات الشعبية بين البلدين مما يستوجب الحفاظ عليه، لعله يشكل فرصة ومنصة للبناء عليها في المستقبل.


لا شك ان قرار السلطات المصرية المعيب، لحد أن وصمه هاني رسلان ب الخطيئة، كما وصفته أسماء الحسيني ب "الخطأ الكبير"، قد وضع السيد الإمام في وضع محرج وحرج. فإن قرر الآن العودة الى السودان، حتما سيفسرها خصومه بأن الخيارات قد ضاقت عليه مما يجعلها تبدو وكأنها عودة بالإكراه، مما يصيب مصداقيته السياسية ببعض رشاش.

 

ومع ذلك، تظل عودة الإمام إلى البلاد هي الخيار السياسي الصحيح مهما كان الثمن المدفوع. وقد سبق وأن بقي السيد الإمام في الخارج، في نفس المكان، لثلاثين شهرا امتدت من أغطس 2014 إلى 26 يناير 2017، فهل يا ترى أجرى تقييما موضوعيا لمدى تأثير غيابه على المشهد السياسي مقارنة بخيار البقاء بالداخل؟ نعم للسيد الإمام مهام خارجية ملحة، ولكن أيضا له واجبات داخلية اكثر إلحاحا، على رأسها الحضور بين جماهيره وقواعده وقيادات حزبه، مما يؤهله للنهوض بدوره القيادي المتوقع في انجاز التغيير المنشود. لن يكتمل بناء تكتل سياسي معارض قوي ومتماسك طالما ظلت قيادات بقامة الإمام خارج البلاد؛ كما وقادة الحركات المسلحة، خاصة وأن قلب المعركة وميدانها في الداخل، وليس في العواصم الأجنبية. في رأيي المتواضع، فإنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل، أن يحقق تحالف نداء السودان أهدافه بينما تقيم قيادته في الخارج، بل ومعرضة للإبعاد والمهانة من ذات الخارج الذي تحتمي به!

 

إن تقدم الإمام لصفوف جموع أنصاره يوم الجمعة في ود نوباوي، وحضوره في "دار الأمة" لاستقبال حلفائه وخصومه، على حد سواء، وضيوفه من كل طيف ولون، لا شك أفضل من اللقاء مع الواثق كمير والمحبوب عبد السلام، والحاج وراق، وأمثالهم، فما يقدمه له هؤلاء لا يساوي مثقال ذرة من عطاء جمهوره العريض، الذي لم ولن ينقطع، بل ظل دوما يتعايش مع انتظار زعيمه، لعله يعود لحضنه عودة نهائية هذه المرة!

 

آراء