السيسي يرمي بالكرة في ملعب القوى السياسية .. والحكومة السودانية … بقلم: محمد المكي أحمد

 


 

 

modalmakki@hotmail.com

 

 

 

طرحت "حركة التحرير والعدالة "فكرة ذكية  في جلسة عقدت في  السابع من يونيو 2010 تم خلالها  الاعلان عن تدشين  جولة مفاوضات جديدة بين الحركة والحكومة السودانية في العاصمة القطرية التي شهدت أمس (19 يونيو 2010)  بدء أعمال  خبراء دوليين من اميركا والنرويج ،وهم يسعون وفقا للمصادر  الى شرح  كيفية دخول  العملية  التفاوضية  ومساعدة  أطراف التفاوض وخاصة حركة التحرير والعدالة على كيفية التفاوض والاجراءات الفنية، وعلم أن "المسهلين" الجدد   جاءوا بدعم من الأمم المتحدة.

  الفكرة  الذكية اللافتة  التي طرحتها حركة التحرير والعدالة تكمن في اطلاقها  موقفا  صريحا و مهما  بشأن حرصها  على اشراك القوى السياسية السودانية في مفاوضات الدوحة الهادفة لحل الأزمة الدارفورية، أو كما تقول حركة العدل والمساواة وكذلك حركة التحرير والعدالة "الأزمة السودانية في دارفور"، وهذا فهم صحيح لجذور  المشكلة.

موقف  حركة التحرير والعدالة  بشـأن سعيها لاشراك القوى السياسية السودانية في مفاوضات الدوحة ورد للمرة الأولى على لسان رئيس الحركة الدكتور التجاني السياسي في خطاب شامل ألقاه في الجلسة الافتتاحية  لجولة المفاوضات التي أعلن عن بدئها في 7 يونيو 2010 .

 السيسي قال في سياق  خطابه في حضور وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية السيد أحمد بن عبد الله آل محمود والوسيط الدولي الافريقي السيد جبريل باسولي ورئيس وفد الحكومة السودانية الى مفاوضات الدوحة وزير الدولة الدكتور أمين حسن عمر إن حركة التحرير والعدالة "تتطلع الى سلام عادل وشامل".

وهو رأى  أن "مشكلة السودان في دارفور مظهر من مظاهر القضية السودانية التي تجلت في كل الهامش السوداني" و أن" السلام هو خيارنا الاستراتيجي وأن الحوار والتفاوض هما أفضل الوسائل لحل مشكلات الوطن.

 لكنه أكد "أننا لن نقبل بتوقيع سلام زائف مقابل وظائف أو مصالح ذاتية ضيقة " وشدد على  أننا  "نريد سلاما يشارك في صناعته أهلنا اللاجئين والنازحين ومنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية الوطنية ، كما نؤكد على ضرورة مشاركة دول الجوار الاقليمي والوسطاء الدوليين والمسهلين للوصول لتسوية عادلة تقوم على ضمانات دولية دستورية".

 

كلام السيسي ينم عن وعي بتعقيدات الأزمة السودانية ،  وأرى أن حرصه على مشاركة القوى السياسية السودانية يعبر عن فهم لخطورة أي اتفاق  ثنائي كما جرى في نيفاشا 2005 بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، وفي  اتفاق ابوجا عام  2006 بشأن أزمة دارفور.

  خطاب السيسي يستحق  التنويه وتسليط الأضواء على ما  تضمنه من  قيم وطنية  و أفكار مهمة لكنها ستبقى  حتى أشعار آخر  مجرد موقف  كلامي  ايجابي  حتى تتجسد  على أرض الواقع  معادلة تقترن فيها   الأقوال بالأفعال.

كان لافتا ايضا  أن السيسي دعا ماوصفه بـ " رفاقنا الذين لم يلتحقوا بركب الوحدة الى أن يلتحقوا بنا لأننا نريد أن نتواضع على قاعدة عريضة تؤكد وحدتنا وتعزز وحدة السودان وتحقق السلام العادل والشامل والمستدام"، وهو يقصد من دون شك رئيس حركة العدل والمساوة دكتور خليل ابراهيم ورئيس حركة تحرير السودان السيد عبد الواحد نور.

بدا واضحا ايضا ان السيسي  يسعى  لاستخلاص  الدروس والعبر من التاريخ ، فهو  قال  إن  أحداث التاريخ والحاضر تؤكد أنه لن يحدث استقرار أو تقدم( في السودان)  الا بتحقيق مجموعة من المطالب الشعبية مثل الحكم المدني الديمقراطي الذي يحترم حقوق الانسان ويلتزم بواجبات الحاكم تجاه بلده ويقبل بمنهج تبادل السلطة ويحترم الدستور" .

السيسي دعا أيضا  الى "تهيئة فترة استقرار وهدوء(في السودان)  يحدث فيها وفاق وتستعاد فيها الثقة بين الحاكم والمحكوم" ، ورأى "أن المواطن يتطلع الى نظام حكم يخضع للقانون قبل أن يطلب من الناس الخضوع له".

قضية  وحدة السودان لم تكن يعيدة  عن اهتمامات رئيس حركة التحرير والعدالة الذي قال  إن السودان يواجه في يناير المقبل (2011)"اما أن يكون أو لا يكون"، وأعلن  إن حركة التحرير والعدالة "تقف مع خيار وحدة جاذبة يقرها أهل السودان وأن لم يحدث ذلك نحترم خيار اهلنا في ادارة دولتهم وفق اسس التعايش السلمي والجيرة الحسنة".

 الرؤى الوطنية التي طرحها السيسي  وهو سياسي وصاحب خبرة تتسم بالأهمية والحيوية ، ويبنغي أن تجد حظها من اهتمام  المحللين والسياسيين   ليتم لفت الأنظار الى أهمية  أية رؤية  أو فكرة   تتناول قضايا الوطن بشكل شامل  لا  عبر نظرة جزئية ضيقة.

 أرى أن طرح السيسي ينسجم في عناوينه الاساسية مع رؤى طرحها في اوقات سابقة  رئيس حركة العدل والمساواة الدكتور خليل ابراهيم حول "أزمة السودان في دارفور" وقضية وحدة السودان والسعي الى نظام ديمقراطي وضرورة الحل الشامل للأزمة السودانية .

وأعتقد أن التطور في علاقات حركة العدل والمساواة  من خلال حرصها  على التواصل مع  القوى السياسية السودانية لمناقشة قضايا الوطن يشكل  جانبا مهما يستحق  أيضا التقدير ، و سواء جاء  مثل هذا الطرح من حركة العدل أو من حركة التحرير والعدالة أو من أي طرف سوداني فهو جدير بالتأمل والدعم، لأ، الأزمة السودانية لن يحلها طرف أو طرفان أو ثلاثة أطراف، وهي تحتاج الى معالجات وطنية  يشارك فيها أبناء الوطن جميعا..

 أعود  لمسألة حرص حركة التحرير والعدالة على مشاركة القوى السياسية السوداني في مفاوضات الدوحة مع الحكومة السودانية ، وفي هذا الاطار  سألت الناطق الرسمي باسم حركة التحرير والعدالة السيد خطاب وداعة عن مدى تمسك الحركة بهذا الطرح ، فقال  إن الحركة "دعت بالفعل القوى السياسة للمشاركة في مفاوضات الدوحة، وهي حريصة على مشاركتها مثل حرصها على مشاركة النازحين واللاجئين ".

خطاب قال في هذا السياق  إن "الدعوة مفتوحة للقوى السياسية السودانية ، ونحن دعوناهم  للمشاركة في مفاوضات الدوحة ،  الا اذا لم يرغبوا في ذلك، ودعوتنا اليهم مفتوحة حتى لا يقال إن هناك اتفاقا ثنائيا ( بين حركة التحرير والعدالة والحكومة السودانية)، وشدد أثناء حديثي معه  على "أننا سندخلهم معنا (القوى السياسية) الى قاعات التفاوض ليكونوا شهودا على المرحلة،  وشهودا على التفاوض ، فالقضية هي قضية السودان  في دارفور".

سألت الناطق باسم  حركة التحرير والعدالة عن موقف الوساطة القطرية الافريقية الدولية من حرص حركة التحرير والعدالة على دعوة القوى السياسية السودانية  لحضور مفاوضات الدوحة بين الحركة والحكومة السودانية فأوضح أن الوساطة "متفهمة لموقفنا ودعوتنا للقوى السياسية السودانية، وهي قالت إنها تدعم كل خطوة يمكن أن تؤدي الى لسلام".

عندما أستعيد قراءة  مضامين الخطاب السياسي للمسؤولين القطريين ألمس أنهم يشددون على سعيهم من أجل حل شامل وعادل للأزمة في دارفور، كما يحرصون على مشاركة الحركات الدارفورية  كافة في مفاوضات الدوجة ، وفي صدارتها حركة العدل والمساواة التي جمدت مفاوضاتها مع الحكومة السودانية في ظل اشتداد الحرب بين الجانين في دارفور حاليا.

في  ظل كل هذه التفاعلات  أدعو كل  القوى السياسية السودانية  لتحديد موقف واضح بشأن  الدعوة التي وجهتها اليها  حركة التحرير والعدالة  للمشاركة كمراقب في مفاوضات الدوحة،  بل أدعوها الى التفاعل مع هذه الفرصة بالتواصل مع حركة التحرير والعدالة ومع حركة العدل والمساواة حتى يجلس الجميع حول طاولة المفاوضات ، وفي سبيل التوصل الى قواسم مشتركة  أشمل لحل أزمات الوطن بالحوار .

 أعتقد أن على  القوى السياسية السودانية ألا تجلس على رصيف الأحداث عندما تفتح لها فرصة للمشاركة بابداء الرأى في قضية تهم الجميع ، والأهم حتى يتحقق سلام شامل وعادل  أن تسعى القوى السودانية  الى اقناع  كل القوى الدارفورية للمشاركة  مفاوضات الدوحة  وفي منبرها المدعوم عربيا وافريقيا  ودوليا ، هذا فضلا عن سمات المنبر  التي لن يجد  الفرقاء السودانيون مثيلا له في مواقع أخرى مع احترامي لكل "أشقاء "السودان  و"أصدقائه".

على سبيل التأكيد لا الحصر  أشير الى ما يردده القطريون  دوما حول سعيهم لحل شامل للأزمة السودانية في دارفور، والفت هنا الى  ما جاء في السابع من يونيو 2010 على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية السيد أحمد بن عبد الله آل محمود الذي قال لدى افتتاحه جولة المفاوضات بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة  "نحن نسعى لتحقيق سلام من دون استبعاد أو استثناء أحد" و "نحن لا نميز بين طرف , ولا نستثني أحدا".

 هذا الشأن أدعو الجميع أيضا الى تأمل  ما يعنيه  آل محمود وهو المسؤول القطري الذي يتواصل مع وفود الحكومة السودانية وحركات دارفور عندما قال في جلسة  افتتاح جولة المفاوضات بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة في السابع من يونيو 2010  "نتمنى أن تتحقق النتائج  ونرى ثمار المفاوضات في القريب العاجل وكما يقال خير البر عاجله".

 

برقية: حركة التحرير والعدالة رمت بالكرة في ملعب القوى السياسية السودانية والحكومة السودانية أيضا.

عن صحيفة  (الأحداث) 20-6-2007

 

آراء