السُّودان وآخر فُرص النَّجاة ..!
د. فيصل عوض حسن
22 January, 2024
22 January, 2024
د. فيصل عوض حسن
فور اندلاعها في أبريل 2023، أوضحتُ بأنَّ البرهان والمُرتزق حِمِيْدْتي (صنعوا) هذه الاشتباكات تنفيذاً لتوجيهات المُتأسلمين وسادتهم بالخارج، وبتنسيقٍ مع القحتيين وانتهازيي اتفاقيات جوبا، وذلك لإرهاب وتشريد/إفقار الشعب السُّوداني وتعطيله عن تحقيق التغيير المنشود، واستكمال مُثلَّث حمدي (نهب وتقسيم السُّودان)، وإنهاء (مسرحِيَّة) اعتقال ومُحاكمات قادة المُتأسلمين وعودتهم للحكم (العلني) بدلاً عن سيطرتهم (المُسْتَتَرة) الماثلة.
أوضاعنا الحالِيَّة مُحزنة ومُفزعة، حيث ينتشر البُؤس والفقر، وتَشَرَّدَ غالِبِيَّة المُواطنين بعدما هربوا (مُجبرين)، من الضربات المُركَّزة/المُتعمَّدة على الأحياء السَكَنِيَّة (صواريخ، طائرات، مدافع) ومن النَّهبِ والاغتصابِ والإذلالِ.. إلخ، كما هاجر المُواطنين (جماعيَّاً) بفعل حملات تزيين الهجرة الجماعِيَّة، وباتوا مُحاصرين بتكاليف الإقامة والإعاشة المُتزايدة (داخلياً/خارجياً)، أو البقاء عالقين في المعابر الحدودِيَّة، وصعوبة عودتهم لمنازلهم المُحتَلَّة/المنهوبة أو المُدَمَّرة. بينما يُديرُ المُتأسلمين البلد عبر أزلامهم، في الجيش والجنجويد وبَقِيَّة المليشيات على كافَّة المُستويات (القيادِيَّة والوُسطى والدنيا)، وتزدادُ جُرأتهم يوماً بعد يوم، سواء على الصعيد الجماعي أو الفردي، بدءاً بتشكيلهم لما يُسمَّى "التيار الإسلامي العريض"، قُبيل اندلاع الاشتباكات الحاليَّة وتنظيمهم للقاءات الجماهيريَّة، وانتقاداتهم المُتواصلة والسَّاخرة من التغيير، انتهاءً بالتهديد والوعيد على نحو (الإريتري المُجنَّس) إبراهيم محمود، وأنس عمر، وأحمد هارون وغيرهم، مع سيطرتهم الكاملة على وسائل الإعلام والاتصال. والأخطر من ذلك، هو تغذية المُتأسلمين للاصطفافات القَبَلِيَّة/الجِهَوِيَّة، لتأجيج المزيد من الصراعات بين السُّودانيين، وهي وقائع مُعاشة ولا تخفى على ذوي البصيرة!
وفي سياقٍ خطير، يعمل المُتأسلمون وأزلامهم البرهان/حِمِيدْتي ومليشياتهما والقحتيين، على استكمال أخطر مراحل مُثلَّث حمدي، والمُتعلِّقة بـ(شرق السُّودان)، بعدما (جَهَّزوا) المناطق الأُخرى المُرشَّحة للاستبعاد من السُّودان، والمُتمثِّلة في دارفور وجنوب كردفان وأقصى الشمال، وهو ما حَذَّرنا منه طيلة السنوات الماضية، عبر سلسلة من المقالات واللقاءات، كمقالتي (هل سنَتَّعِظ ونلحق السُّودان قبل فوات الأوان) بتاريخ 16 يوليو 2023 وغيرها. ومع قناعتنا الرَّاسخة بأهمِّيَّة كل شبرٍ من بلادنا الحبيبة، غير أنَّ الإقليم الشرقي يَتَّسِم بحساسيَّةٍ (استثنائِيَّة)، لأسبابٍ تاريخيَّةٍ وإنسانِيَّةٍ/اجتماعِيَّةٍ واستراتيجيَّةٍ وأمْنِيَّة، لعلَّ أبرزها أنَّه موطن البجا بقبائلهم المُتنوِّعة، وهم أحد ركائز شعوبنا (الأصيلة)، مع استوطان جميع القوميات السُّودانِيَّة الأخرى في الإقليم منذ عهودٍ بعيدة، فضلاً عن موقعه الجُغرافي والاستراتيجي الحيوي، واحتوائه على مجموعة من مواردنا المعدنِيَّة، والأهمَّ احتضانه لمنافذنا البحريَّة، التي بضياعها ستختنق بلادنا ونُصبح دولة (حَبيسة).
من أسباب (حساسِيَّة) الإقليم الشرقي أيضاً، وجود الاحتلالين المصري والإثيوبي لبعض أراضيه منذ 1995، حيث التهم المصريُّون مُثلَّث حلايب بالكامل بجانب غالِبِيَّة أراضينا النُوبِيَّة، حتَّى أضحت أرْقِين ميناءً بَرِّياً لمصر، بعدما كانت حدودنا معها في قسطل، فضلاً عن مليون فدان منحها لهم المُتأسلمون بالشمالِيَّة (مشروع الكنانة)، وابتلاعهم لثرواتنا الهائلة بمياهنا الإقليميَّة في البحر الأحمر، وما خُفي أعظم! في ما ابتلع الإثيوبيُّون الفشقة، وامتدَّت تَوَغُّلاتهم في أراضينا لتشمل إقامة قُرىً كاملة بمنطقة (الدِنْدِر)، مع استمرار مليشياتهم في نهب وقتل المُواطنين السُّودانيين، وكلتا الدولتين (مصر وإثيوبيا) تنتظر الآن تَوَجُّه الجنجويد نحو الشرق، ليتوَغَّلوا أكثر داخل السُّودان ويلتهموا المزيد من أراضينا وابتلاعها (رسمياً)، حيث تطمع إثيوبيا في أراضينا الزراعِيَّة بالقضارف والنيل الأزرق (إحد المناطق التي يستهدفها مُثلَّث حمدي)، في ما يسعى المصريُّون لابتلاع المزيد من أراضينا بالشمال حتَّى تخوم دُنْقُلا وما يُمكن أن تطاله من الشرق، هذا بخلاف الأراضي التي باعها المُتأسلمون لكلٍ من الإمارات والسعودِيَّة وتركيا وروسيا وغيرهم، وجميعهم يستعدُّون لابتلاع المزيد، بمُساعدة البرهان/حميدتي وأزلامهما.
القُنبلة الأكبر والأخطر في شرق السُّودان يُجسِّدها الإريتريّين المُجَنَّسين بمُسمَّى (بني عامر)، الذين يحملون أحقاداً خُرافيَّة لكل ما هو سُّوداني، وشَكَّلوا (النواة) الأولى لمليشيات المُتأسلمين المُختلفة (جيش، شرطة، أمن شعبي وعام وطلابي ... إلخ)، وظَلُّوا (أداة) بطشهم الرئيسيَّة والدَّائمة بالسُّودانيين، بعدما منحهم المُتأسلمون الجنسيات والمزايا المالِيَّة والسُلطَوِيَّة، حيث التقى انحطاط المُتأسلمين بأحقاد أولئك المُجنَّسين، وفق ما أوضحنا في عددٍ من المقالات كـ(السُّودان وتهديدات الإريتريّين المُجَنَّسين) بتاريخ 2 مارس 2022، و(الإريتريُّون وأكذوبتا البني عامر والقبائل الحُدُودِيَّة والمُشتركة) بتاريخ 22 مارس 2022، و(عودة لأكذوبة البني عامر) بتاريخ 11 مايو 2022 وغيرها. ولقد نَشَرَت العديد من وسائل الإعلام حالياً، عن احتشاد أُولئك المُجنَّسين في مُعسكرات (دَّاخل إريتريا)، بقيادة الإريتري الأمين داؤود الذي لم يَخْفِ كراهيته للسُّودانيين، وظَلَّ يُحرِّض مُواطنيه ويُطالبهم بالحفاظ على ما أسماه (مُكتسبات)، وهم ينتظرون الآن قدوم الجنجويد و(انسحاب) الجيش، لينفذوا أبشع الانتهاكات ضد جميع السُّودانيين بشرق البلاد، دون استثناء. وقياساً بجرائمهم السابقة التي وَثَّقنا بعضها صوت وصورة، فستكون هذه المرة أكثر دَمَوِيَّة وبشاعة، لأنَّهم مُتغلغلين في جميع مرافق الدولة (العسكرِيَّة/المدنِيَّة)، بخلاف الدعم الخارجي الكبير الذي سيجدونه من رئيسهم أفورقي، الذي عمل لتوطينهم في السُّودان بتخاذلٍ من المُتأسلمين، ولا يرغب في عودتهم إلى إريتريا، وفق ما أوضحت في مقالاتٍ عديدةٍ سابقة كـ(اَلْاِلْتِقَاْءُ اَلْإِثْيُوْبْيُّ اَلْإِرِيْتْرِيْ: قِرَاْءَةٌ مُغَاْيِرَة) بتاريخ 23 يوليو 2018، و(اَلْسُّوْدَاْنُ مَسْرَحُ اَلْدُّمِي) بتاريخ 5 أغسطس 2018 وغيرهما.
يجب ألا ننخدع بتضليلات البرهان ورَهطِه بشأن طرد الجنجويد ومُلاحقتهم، فهي أكاذيبٌ يُطلقونها لـ(تخدير) الشعب وتعطيله عن تفعيل (المُقاومة الشعبِيَّة) المُتصاعدة، والمُرعِبة للبرهان/حِمِيْدْتي والقحتيين وسادتهم الخارجيين، خاصة مع النزعة (الاستقلالِيَّة) لدعوات المُقاومة والحماية الشعبِيَّة للأنفس والثمرات. كما يجب أن نمنع قفز المُتأسلمين فوق حملات/دعوات تفعيل المُقاومة الشعبِيَّة، التي يسعون لوأدها وهي في مهدها، لإدراكهم الكامل بأنَّ وحدة/احتشاد الشعب ستُنهي سُطوتهم، وتُوقِف أزماتهم (المصنوعة) وتقطع دابرهم تماماً. وبعبارةٍ أُخرى، فإنَّ (تَظَاهُر) المُتأسلمين بقيادة المُقاومة الشعبِيَّة، يهدف لتخلي الشعب عنها، لأنَّهم يعلمون كراهيتنا لكل ما هو إسْلَامَوِي، لذلك علينا تفعيل المُقاومة لنحمي الأنفس والثمرات، بعيداً عن المُتأسلمين وأزلامهم أياً كانوا. هذا بخلاف الغدر الإسْلَامَوِي المشهود بـ(المُسْتَنْفرين)، على نحو ما حدث مُؤخَّراً في أكثر من منطقة، مع مُلاحظة أنَّ الضحايا دوماً من عامَّة الشعب، ولم نَرَ ضحِيَّة واحدة من (رموز/قادة) المُتأسلمين أو أُسَرِهِم/عائلاتهم أو نهب أملاكهم، بما يُعزِّز القناعة أكثر بأنَّهم يُديرون ما يجري من نهبٍ وتدميرٍ للسُّودان، عبر وُكلائهم البرهان/حِمِيْدْتي وأزلامهما من القحتيين، الذين ضَلَّلوا المُواطنين بترسانتهم الإعلامِيَّة الرَّخيصة منذ بداية هذه الحرب، بدءاً بتخويف المواطنين من تتريس الأحياء و(تزيين) الهجرة الجماعِيَّة، وانتهاءً بعدم مُقاومة الجنجويد وإطلاق صفة (الكَوْزَنة) على كل من يُطالب بحماية النَّفس والأرض، دون أن يُكتب أياً منهم حرفاً واحداً ضد انتهاكات الجنجويد المُتراكمة والمُتزايدة، بل جعلوا من المُرتزق حِمِيْدْتي (أيقونة) للسلام والديمقراطِيَّة!
إنَّ أخطر ما يُواجه السُّودانيين الآن، أنَّ تنفيذ هذه المُؤامرات من (الدَّاخل)، بدعمٍ خارجيٍ كبير بدءاً بجميع دول الجوار، التي لم تَدَّخِر وُسعاً في توجيه طعناتها الغادرة للسُّودان، رغم تظاهرهم بالتعاطف (القشري) مع أزماتنا التي ساهموا في صناعتها من العدم. والمُؤسف والمُؤلم في آنٍ واحد، أنَّنا كشعبٍ سوداني، لم نَعِ حتَّى الآن أبعاد هذه المُؤامرة، الرَّامية لـ(إفراغ) البلد من أهلها واستبدالهم بآخرين يُساعدونهم في ابتلاع خيراتنا. ففي الوقت الذي يستولي المُرتزقة الأجانب على منازل المُواطنين وينهبوها، يُسارع السُّودانيُّون للتنازُل عن بلدهم بكل سهولة، ويتَّخذوا (أوطاناً بديلة)، واضعين عشرات المليارات من مُدَّخراتهم فيها، دون أن يتساءلوا عن كيف ولماذا وإلى متى التساهُل المُفاجئ في تأشيرات/إقامات تلك الدول (خاصَّة الخليجيَّة)، ودون استحضار ما فعلته تلك الدول مع الذين خدموهم وساهموا في بنائهم ونهضتهم، ودون التأمُّل في (عجز) بعض الدول عن رعاية مُواطنيها، وتحقيق رفاهيتهم وحفظ كرامتهم، فكيف ولماذا سيحفظون كرامتنا ويَرعون مصالحنا؟ وسَقَطَ عن الكثيرين مِنَّا احتمالِيَّة (انقلاب) تلك الدول علينا في أي وقت، وهو أمرٌ وارد وغير مُسْتَبْعَد، فمن يحتل أرضك ويعمل لقتلك وتشريدك من بلدك ويبتلع مواردك، لا يتوانى عن طردك من أرضه دون الحاجة لمبرر، لكننا لا نتعظ ولا نتعلم وهذه مُصيبة حقيقيَّة!
من السذاجة بمكان تصديق ما يُسمَّى مُبادرات سلام يقودها (ناهبي) مُقدَّراتنا و(مُحتلِّي) أراضينا، و(المُتاجرين) بدمائنا وأعراضنا، لأنَّ الشقيق لا يؤذي شقيقه ولا يغدرُ به ويبني سعادته على أنقاضه. فجميع تلك (المُؤامرات) المُسمَّاة (مُبادرات) تخدم المُتأسلمين والطَّامعين بالخارج، حيث أهملوا (سِيادة) السُّودان و(سلامة) شعبه، وتحاشوا مُحاسبة/مُحاكمة المُتسبِّبين في مآسينا، بدءاً بالبشير ورُفقائه وانتهاءً بالبرهان/حميدتي وآكلي فتاتهما من القحتيين وحركات جوبا، واكتفوا بإظهار (القلق/الحزن) وغيرها من العبارات الفضفاضة! كما أنَّ جميع الدول الرَّاعِيَّة لتلك المُبادرات تفتقد التَجَرُّدِ، وغير مُؤهَّلة (أخلاقياً) للحديث عن السُّودان، سواء مُبادرة جِدَّة أو أديس أبابا أو القاهرة، لأنَّهم جميعاً أجرموا في حَقِّنا، وتحالفوا مع المُتأسلمين وأزلامهم لإبادتنا والتهام مُقدَّراتنا.
لقد بلغنا الآن قاعاً ما بعده قاع، ولم يعد لدينا ما نخسره، وواهمٌ جداً من يعتقد أنَّ مُعاناتنا ستنتهي بما يُقرِّره الآخرين، سواء إيقاد أو غيرها، فطالما بَقيَ البُرهان/حِمِيْدْتي ومليشياتهما وسادتهم المُتأسلمين، فإنَّ حياتنا ستكون جحيماً حقيقياً، وسنحيا ما تَبَقَّى من أعمارنا في بُؤسٍ وفقرٍ وجهل، وستُنْتَهَك أعراضنا وأرواحنا جهاراً نهاراً، لأنَّنا قبلنا بوجود هؤلاء في حياتنا رغم ما فعلوه بنا، ولا مجال أمامنا إلا بالاتحاد والمُقاومة، واقتلاعهم جميعاً ثُمَّ التَفرُّغ لإعادة بناء البلد المُنهارة على أُسُسٍ علميَّةٍ وإنسانِيَّةٍ وأخلاقِيَّةٍ وقانونِيَّةٍ سليمة.
لتكن البداية القَوِيَّة بتعزيز قدراتنا الدِفاعِيَّة/الحِمائِيَّة بشرق السُّودان، بمنع وصول الجنجويد للإقليم والاستعداد والتجهيز لمُواجهة غدر المُجنَّسين الإريتريين المُتواجدين فيه، تبعاً للحساسِيَّة (السِيادِيَّة/الوُجُودِيَّة) للإقليم التي تطال جميع أرجاء البلاد بلا استثناء، بما يتطلَّب احتشادنا جميعاً في كل السُّودان، بالأنفس والأموال، وليس فقط أهلنا البجا.
إنَّها آخر فُرَص نجاتنا، فليتنا نترك العواطف ونتَدَبَّر بالعقول، ونعي بأنَّ المُشكلة تتعلَّق بالوطن وسِيادته، واستدامة سيادتنا الوطنِيَّة ومُستقبل أجيالنا القادمة، وأنَّ التَلَكُّؤ/التأخير سيكون ثمنه زوال/تذويب ما تَبقَّى من السُّودان..
awadf28@gmail.com
فور اندلاعها في أبريل 2023، أوضحتُ بأنَّ البرهان والمُرتزق حِمِيْدْتي (صنعوا) هذه الاشتباكات تنفيذاً لتوجيهات المُتأسلمين وسادتهم بالخارج، وبتنسيقٍ مع القحتيين وانتهازيي اتفاقيات جوبا، وذلك لإرهاب وتشريد/إفقار الشعب السُّوداني وتعطيله عن تحقيق التغيير المنشود، واستكمال مُثلَّث حمدي (نهب وتقسيم السُّودان)، وإنهاء (مسرحِيَّة) اعتقال ومُحاكمات قادة المُتأسلمين وعودتهم للحكم (العلني) بدلاً عن سيطرتهم (المُسْتَتَرة) الماثلة.
أوضاعنا الحالِيَّة مُحزنة ومُفزعة، حيث ينتشر البُؤس والفقر، وتَشَرَّدَ غالِبِيَّة المُواطنين بعدما هربوا (مُجبرين)، من الضربات المُركَّزة/المُتعمَّدة على الأحياء السَكَنِيَّة (صواريخ، طائرات، مدافع) ومن النَّهبِ والاغتصابِ والإذلالِ.. إلخ، كما هاجر المُواطنين (جماعيَّاً) بفعل حملات تزيين الهجرة الجماعِيَّة، وباتوا مُحاصرين بتكاليف الإقامة والإعاشة المُتزايدة (داخلياً/خارجياً)، أو البقاء عالقين في المعابر الحدودِيَّة، وصعوبة عودتهم لمنازلهم المُحتَلَّة/المنهوبة أو المُدَمَّرة. بينما يُديرُ المُتأسلمين البلد عبر أزلامهم، في الجيش والجنجويد وبَقِيَّة المليشيات على كافَّة المُستويات (القيادِيَّة والوُسطى والدنيا)، وتزدادُ جُرأتهم يوماً بعد يوم، سواء على الصعيد الجماعي أو الفردي، بدءاً بتشكيلهم لما يُسمَّى "التيار الإسلامي العريض"، قُبيل اندلاع الاشتباكات الحاليَّة وتنظيمهم للقاءات الجماهيريَّة، وانتقاداتهم المُتواصلة والسَّاخرة من التغيير، انتهاءً بالتهديد والوعيد على نحو (الإريتري المُجنَّس) إبراهيم محمود، وأنس عمر، وأحمد هارون وغيرهم، مع سيطرتهم الكاملة على وسائل الإعلام والاتصال. والأخطر من ذلك، هو تغذية المُتأسلمين للاصطفافات القَبَلِيَّة/الجِهَوِيَّة، لتأجيج المزيد من الصراعات بين السُّودانيين، وهي وقائع مُعاشة ولا تخفى على ذوي البصيرة!
وفي سياقٍ خطير، يعمل المُتأسلمون وأزلامهم البرهان/حِمِيدْتي ومليشياتهما والقحتيين، على استكمال أخطر مراحل مُثلَّث حمدي، والمُتعلِّقة بـ(شرق السُّودان)، بعدما (جَهَّزوا) المناطق الأُخرى المُرشَّحة للاستبعاد من السُّودان، والمُتمثِّلة في دارفور وجنوب كردفان وأقصى الشمال، وهو ما حَذَّرنا منه طيلة السنوات الماضية، عبر سلسلة من المقالات واللقاءات، كمقالتي (هل سنَتَّعِظ ونلحق السُّودان قبل فوات الأوان) بتاريخ 16 يوليو 2023 وغيرها. ومع قناعتنا الرَّاسخة بأهمِّيَّة كل شبرٍ من بلادنا الحبيبة، غير أنَّ الإقليم الشرقي يَتَّسِم بحساسيَّةٍ (استثنائِيَّة)، لأسبابٍ تاريخيَّةٍ وإنسانِيَّةٍ/اجتماعِيَّةٍ واستراتيجيَّةٍ وأمْنِيَّة، لعلَّ أبرزها أنَّه موطن البجا بقبائلهم المُتنوِّعة، وهم أحد ركائز شعوبنا (الأصيلة)، مع استوطان جميع القوميات السُّودانِيَّة الأخرى في الإقليم منذ عهودٍ بعيدة، فضلاً عن موقعه الجُغرافي والاستراتيجي الحيوي، واحتوائه على مجموعة من مواردنا المعدنِيَّة، والأهمَّ احتضانه لمنافذنا البحريَّة، التي بضياعها ستختنق بلادنا ونُصبح دولة (حَبيسة).
من أسباب (حساسِيَّة) الإقليم الشرقي أيضاً، وجود الاحتلالين المصري والإثيوبي لبعض أراضيه منذ 1995، حيث التهم المصريُّون مُثلَّث حلايب بالكامل بجانب غالِبِيَّة أراضينا النُوبِيَّة، حتَّى أضحت أرْقِين ميناءً بَرِّياً لمصر، بعدما كانت حدودنا معها في قسطل، فضلاً عن مليون فدان منحها لهم المُتأسلمون بالشمالِيَّة (مشروع الكنانة)، وابتلاعهم لثرواتنا الهائلة بمياهنا الإقليميَّة في البحر الأحمر، وما خُفي أعظم! في ما ابتلع الإثيوبيُّون الفشقة، وامتدَّت تَوَغُّلاتهم في أراضينا لتشمل إقامة قُرىً كاملة بمنطقة (الدِنْدِر)، مع استمرار مليشياتهم في نهب وقتل المُواطنين السُّودانيين، وكلتا الدولتين (مصر وإثيوبيا) تنتظر الآن تَوَجُّه الجنجويد نحو الشرق، ليتوَغَّلوا أكثر داخل السُّودان ويلتهموا المزيد من أراضينا وابتلاعها (رسمياً)، حيث تطمع إثيوبيا في أراضينا الزراعِيَّة بالقضارف والنيل الأزرق (إحد المناطق التي يستهدفها مُثلَّث حمدي)، في ما يسعى المصريُّون لابتلاع المزيد من أراضينا بالشمال حتَّى تخوم دُنْقُلا وما يُمكن أن تطاله من الشرق، هذا بخلاف الأراضي التي باعها المُتأسلمون لكلٍ من الإمارات والسعودِيَّة وتركيا وروسيا وغيرهم، وجميعهم يستعدُّون لابتلاع المزيد، بمُساعدة البرهان/حميدتي وأزلامهما.
القُنبلة الأكبر والأخطر في شرق السُّودان يُجسِّدها الإريتريّين المُجَنَّسين بمُسمَّى (بني عامر)، الذين يحملون أحقاداً خُرافيَّة لكل ما هو سُّوداني، وشَكَّلوا (النواة) الأولى لمليشيات المُتأسلمين المُختلفة (جيش، شرطة، أمن شعبي وعام وطلابي ... إلخ)، وظَلُّوا (أداة) بطشهم الرئيسيَّة والدَّائمة بالسُّودانيين، بعدما منحهم المُتأسلمون الجنسيات والمزايا المالِيَّة والسُلطَوِيَّة، حيث التقى انحطاط المُتأسلمين بأحقاد أولئك المُجنَّسين، وفق ما أوضحنا في عددٍ من المقالات كـ(السُّودان وتهديدات الإريتريّين المُجَنَّسين) بتاريخ 2 مارس 2022، و(الإريتريُّون وأكذوبتا البني عامر والقبائل الحُدُودِيَّة والمُشتركة) بتاريخ 22 مارس 2022، و(عودة لأكذوبة البني عامر) بتاريخ 11 مايو 2022 وغيرها. ولقد نَشَرَت العديد من وسائل الإعلام حالياً، عن احتشاد أُولئك المُجنَّسين في مُعسكرات (دَّاخل إريتريا)، بقيادة الإريتري الأمين داؤود الذي لم يَخْفِ كراهيته للسُّودانيين، وظَلَّ يُحرِّض مُواطنيه ويُطالبهم بالحفاظ على ما أسماه (مُكتسبات)، وهم ينتظرون الآن قدوم الجنجويد و(انسحاب) الجيش، لينفذوا أبشع الانتهاكات ضد جميع السُّودانيين بشرق البلاد، دون استثناء. وقياساً بجرائمهم السابقة التي وَثَّقنا بعضها صوت وصورة، فستكون هذه المرة أكثر دَمَوِيَّة وبشاعة، لأنَّهم مُتغلغلين في جميع مرافق الدولة (العسكرِيَّة/المدنِيَّة)، بخلاف الدعم الخارجي الكبير الذي سيجدونه من رئيسهم أفورقي، الذي عمل لتوطينهم في السُّودان بتخاذلٍ من المُتأسلمين، ولا يرغب في عودتهم إلى إريتريا، وفق ما أوضحت في مقالاتٍ عديدةٍ سابقة كـ(اَلْاِلْتِقَاْءُ اَلْإِثْيُوْبْيُّ اَلْإِرِيْتْرِيْ: قِرَاْءَةٌ مُغَاْيِرَة) بتاريخ 23 يوليو 2018، و(اَلْسُّوْدَاْنُ مَسْرَحُ اَلْدُّمِي) بتاريخ 5 أغسطس 2018 وغيرهما.
يجب ألا ننخدع بتضليلات البرهان ورَهطِه بشأن طرد الجنجويد ومُلاحقتهم، فهي أكاذيبٌ يُطلقونها لـ(تخدير) الشعب وتعطيله عن تفعيل (المُقاومة الشعبِيَّة) المُتصاعدة، والمُرعِبة للبرهان/حِمِيْدْتي والقحتيين وسادتهم الخارجيين، خاصة مع النزعة (الاستقلالِيَّة) لدعوات المُقاومة والحماية الشعبِيَّة للأنفس والثمرات. كما يجب أن نمنع قفز المُتأسلمين فوق حملات/دعوات تفعيل المُقاومة الشعبِيَّة، التي يسعون لوأدها وهي في مهدها، لإدراكهم الكامل بأنَّ وحدة/احتشاد الشعب ستُنهي سُطوتهم، وتُوقِف أزماتهم (المصنوعة) وتقطع دابرهم تماماً. وبعبارةٍ أُخرى، فإنَّ (تَظَاهُر) المُتأسلمين بقيادة المُقاومة الشعبِيَّة، يهدف لتخلي الشعب عنها، لأنَّهم يعلمون كراهيتنا لكل ما هو إسْلَامَوِي، لذلك علينا تفعيل المُقاومة لنحمي الأنفس والثمرات، بعيداً عن المُتأسلمين وأزلامهم أياً كانوا. هذا بخلاف الغدر الإسْلَامَوِي المشهود بـ(المُسْتَنْفرين)، على نحو ما حدث مُؤخَّراً في أكثر من منطقة، مع مُلاحظة أنَّ الضحايا دوماً من عامَّة الشعب، ولم نَرَ ضحِيَّة واحدة من (رموز/قادة) المُتأسلمين أو أُسَرِهِم/عائلاتهم أو نهب أملاكهم، بما يُعزِّز القناعة أكثر بأنَّهم يُديرون ما يجري من نهبٍ وتدميرٍ للسُّودان، عبر وُكلائهم البرهان/حِمِيْدْتي وأزلامهما من القحتيين، الذين ضَلَّلوا المُواطنين بترسانتهم الإعلامِيَّة الرَّخيصة منذ بداية هذه الحرب، بدءاً بتخويف المواطنين من تتريس الأحياء و(تزيين) الهجرة الجماعِيَّة، وانتهاءً بعدم مُقاومة الجنجويد وإطلاق صفة (الكَوْزَنة) على كل من يُطالب بحماية النَّفس والأرض، دون أن يُكتب أياً منهم حرفاً واحداً ضد انتهاكات الجنجويد المُتراكمة والمُتزايدة، بل جعلوا من المُرتزق حِمِيْدْتي (أيقونة) للسلام والديمقراطِيَّة!
إنَّ أخطر ما يُواجه السُّودانيين الآن، أنَّ تنفيذ هذه المُؤامرات من (الدَّاخل)، بدعمٍ خارجيٍ كبير بدءاً بجميع دول الجوار، التي لم تَدَّخِر وُسعاً في توجيه طعناتها الغادرة للسُّودان، رغم تظاهرهم بالتعاطف (القشري) مع أزماتنا التي ساهموا في صناعتها من العدم. والمُؤسف والمُؤلم في آنٍ واحد، أنَّنا كشعبٍ سوداني، لم نَعِ حتَّى الآن أبعاد هذه المُؤامرة، الرَّامية لـ(إفراغ) البلد من أهلها واستبدالهم بآخرين يُساعدونهم في ابتلاع خيراتنا. ففي الوقت الذي يستولي المُرتزقة الأجانب على منازل المُواطنين وينهبوها، يُسارع السُّودانيُّون للتنازُل عن بلدهم بكل سهولة، ويتَّخذوا (أوطاناً بديلة)، واضعين عشرات المليارات من مُدَّخراتهم فيها، دون أن يتساءلوا عن كيف ولماذا وإلى متى التساهُل المُفاجئ في تأشيرات/إقامات تلك الدول (خاصَّة الخليجيَّة)، ودون استحضار ما فعلته تلك الدول مع الذين خدموهم وساهموا في بنائهم ونهضتهم، ودون التأمُّل في (عجز) بعض الدول عن رعاية مُواطنيها، وتحقيق رفاهيتهم وحفظ كرامتهم، فكيف ولماذا سيحفظون كرامتنا ويَرعون مصالحنا؟ وسَقَطَ عن الكثيرين مِنَّا احتمالِيَّة (انقلاب) تلك الدول علينا في أي وقت، وهو أمرٌ وارد وغير مُسْتَبْعَد، فمن يحتل أرضك ويعمل لقتلك وتشريدك من بلدك ويبتلع مواردك، لا يتوانى عن طردك من أرضه دون الحاجة لمبرر، لكننا لا نتعظ ولا نتعلم وهذه مُصيبة حقيقيَّة!
من السذاجة بمكان تصديق ما يُسمَّى مُبادرات سلام يقودها (ناهبي) مُقدَّراتنا و(مُحتلِّي) أراضينا، و(المُتاجرين) بدمائنا وأعراضنا، لأنَّ الشقيق لا يؤذي شقيقه ولا يغدرُ به ويبني سعادته على أنقاضه. فجميع تلك (المُؤامرات) المُسمَّاة (مُبادرات) تخدم المُتأسلمين والطَّامعين بالخارج، حيث أهملوا (سِيادة) السُّودان و(سلامة) شعبه، وتحاشوا مُحاسبة/مُحاكمة المُتسبِّبين في مآسينا، بدءاً بالبشير ورُفقائه وانتهاءً بالبرهان/حميدتي وآكلي فتاتهما من القحتيين وحركات جوبا، واكتفوا بإظهار (القلق/الحزن) وغيرها من العبارات الفضفاضة! كما أنَّ جميع الدول الرَّاعِيَّة لتلك المُبادرات تفتقد التَجَرُّدِ، وغير مُؤهَّلة (أخلاقياً) للحديث عن السُّودان، سواء مُبادرة جِدَّة أو أديس أبابا أو القاهرة، لأنَّهم جميعاً أجرموا في حَقِّنا، وتحالفوا مع المُتأسلمين وأزلامهم لإبادتنا والتهام مُقدَّراتنا.
لقد بلغنا الآن قاعاً ما بعده قاع، ولم يعد لدينا ما نخسره، وواهمٌ جداً من يعتقد أنَّ مُعاناتنا ستنتهي بما يُقرِّره الآخرين، سواء إيقاد أو غيرها، فطالما بَقيَ البُرهان/حِمِيْدْتي ومليشياتهما وسادتهم المُتأسلمين، فإنَّ حياتنا ستكون جحيماً حقيقياً، وسنحيا ما تَبَقَّى من أعمارنا في بُؤسٍ وفقرٍ وجهل، وستُنْتَهَك أعراضنا وأرواحنا جهاراً نهاراً، لأنَّنا قبلنا بوجود هؤلاء في حياتنا رغم ما فعلوه بنا، ولا مجال أمامنا إلا بالاتحاد والمُقاومة، واقتلاعهم جميعاً ثُمَّ التَفرُّغ لإعادة بناء البلد المُنهارة على أُسُسٍ علميَّةٍ وإنسانِيَّةٍ وأخلاقِيَّةٍ وقانونِيَّةٍ سليمة.
لتكن البداية القَوِيَّة بتعزيز قدراتنا الدِفاعِيَّة/الحِمائِيَّة بشرق السُّودان، بمنع وصول الجنجويد للإقليم والاستعداد والتجهيز لمُواجهة غدر المُجنَّسين الإريتريين المُتواجدين فيه، تبعاً للحساسِيَّة (السِيادِيَّة/الوُجُودِيَّة) للإقليم التي تطال جميع أرجاء البلاد بلا استثناء، بما يتطلَّب احتشادنا جميعاً في كل السُّودان، بالأنفس والأموال، وليس فقط أهلنا البجا.
إنَّها آخر فُرَص نجاتنا، فليتنا نترك العواطف ونتَدَبَّر بالعقول، ونعي بأنَّ المُشكلة تتعلَّق بالوطن وسِيادته، واستدامة سيادتنا الوطنِيَّة ومُستقبل أجيالنا القادمة، وأنَّ التَلَكُّؤ/التأخير سيكون ثمنه زوال/تذويب ما تَبقَّى من السُّودان..
awadf28@gmail.com