السُّودان ومَخَاطِر التعداد السُّكاني القادم ..!

 


 

 



أوْرَدَت صحيفة السوداني في 16 مارس 2021، أنَّ مدير الجهاز المركزي للإحصاء، ناقش مع نائب المُدير الإقليمي لصندوق الأمم المُتَّحدة للسُّكان، خُطَّة الجهاز واستعداداته/تحضيراته لتعداد السُّكان والمَسَاكِن، والتعداد الزراعي الشامل والمسوحات الوطنيَّة، حيث أكَّد صندوق السُكَّان بالأمم المُتَّحدة على أهمِّيَّة التعداد للمرحلة الانتقاليَّة، والتزم الصندوق بتقديم الدعم الفني والمالي للجهاز المركزي للإحصاء!
في الأحوال العاديَّة للدول (المُستقرَّة)، فإنَّ للتعداد فوائد عِدَّة، كتهيئة البيانات الإحصائيَّة الصحيحة والدقيقة، عن (المُواطنين) ومناطق (تَمَرْكُزهم)، وقياس نسبة تَغَيُّر التركيبة السُّكَّانِيَّة، وتصنيف السُكَّان (المُواطنين/الوافدين) ومُعدَّلات نُمُوَّهُم، حسب النَّوع والعُمْر والتعليم والقُدرة على العمل، ومُساهماتهم (الإيجابِيَّة والسلبِيَّة) وغيرها من المُتغيِّرات الأُخرى، بما يُساعد في وضع الاستراتيجيَّة العامَّة للدولة، بقطاعاتها المُختلفة، والإدارة المُثلى و(العادِلَة) للموارد المُتاحة. فالتعداد (الرَّصين)، ينبغي أن يعكس الواقع (الحقيقي/المُتكامل) للدولة خلال فترة زمنيَّة مُحدَّدة، ويُوفِّر بيانات (موثوقة) تدعم إجراء العمليات الحسابِيَّة والمُقارنات التي يحتاجها مُتخذ القرار في مُختلف المجالات.
رغم الإيجابيات سالفة الذكر، الا أنَّ تنفيذ التعداد السُكَّاني، في ظروف السُّودان (الحالِيَّة)، سيقود لمخاطر (جسيمة) على كافة الأصعدة، خاصةً السيادِيَّة/الأمنِيَّة والاقتصادِيَّة والاجتماعِيَّة، قياساً بعددٍ من المُعطيات الماثلة! ومن أخطر المُهدِّدات السيادِيَّة/الأمنِيَّة لإجراء التعداد السُكَّاني، هو تَزايُد وتَمَدُّد المُجنَّسين الذين جَلَبَهم البشير وعصابته بأعدادٍ كبيرة، ومنحوهم الجنسيات والأوراق الثبوتِيَّة، ومَلَّكُوهُم الأراضي خاصَّةً في شرق وغرب البلاد، وبعضهم اسْتَوْزَر وتَقَلَّد مناصب حَسَّاسة، خصماً على شعوب السُّودان (الأصيلة)، وفق ما أوضحنا في مقالاتٍ عديدة، كمقالة (الغَفْلَةُ السُّودانيَّة) بتاريخ 26 مايو 2019 وغيرها. وتحجيم المُجنَّسين كان ولا يزال أحد أهداف التغيير الرئيسيَّة، وهذا الموضوع من الأولويات الحتميَّة عقب (اختفاء) البشير وعصابته ولا أقول (سقوطهم)، ولكن حُكَّام السُّودان الحالِيّين (عَسْكَر/مدنيين)، وبالتنسيق مع تُجَّار الجبهة الثوريَّة (عَزَّزوا) سُطوة هؤلاء المُجنَّسين بسُفُور، بلغ حد تخصيص (مَسارات) وهمِيَّة ضمن اتفاقات جوبا (الكارِثِيَّة) خصماً على أهل السُّودان (الأصليين)، ودون مُراعاةٍ لتهديداتهم الصَّارخة للسيادة الوطنِيَّة، وتعطيلهم للتَحَوُّل الديمُقراطي وبناء دولة القانون، ومنع حق النَّازحين وضحايا الحرب (المشروع) بالعودة لمناطقهم الأصيلة، لأنَّ غالِبِيَّة تلك الأراضي مُنِحَت للمُجنَّسين الذين يُشكِّلون محور المليشيات الإجرامِيَّة، مما يعني (استحالة) تطبيق العدالة والقصاص واسترجاع الحقوق المهضومة.
إنَّ تنفيذ التعداد السُكَّاني في وجود هذه الأعداد المهولة من المُجنَّسين يُعتبر كارثة ترتقي لمُستوى (الخِيانة العُظمى)، ولا يجوز السكوت عليها تحت أي ظرفٍ كان، ويجب توثيقها والتوعية بمخاطرها وتبعاتها بشفافيَّةٍ ووضوح! لأنَّ هذه الخطوة تعني (شَرْعَنَة) وجود هؤلاء المُجنَّسين، بأحقادهم (المُعْلَنَة) على كل ما هو سُّوداني، وولائهم (المُطلق) لبُلدانهم، بما يُهدِّد بـ(تذويب/ضياع) ما تَبقَّى من السُّودان وشعوبه (الأصيلة)! ولنتأمَّل جرائمهم المُوثَّقة (صوت وصورة) ضد السُّودانيين، كالنَّهبِ والقتل والاغتصاب والتعذيب، و(مَنْعِ) الصلاة على الموتى كما شاهدنا عقب مَجْزَرَة القيادة، وبعضهم يَدَّعي تبعيَّة بعض أراضينا لبلاده التي أتى منها (لاجئاً)! ومُؤخَّراً ارتفعت خطاباتهم المليئة بالكراهيَّة والعُنْصُرِيَّة، على مَسْمَع ومرأى (فُجَّار) الجبهة الثوريَّة الذين اكتفوا بالصمت، مما يعني تأييدهم لتلك التجاوُزات إنْ لم يكن بإيعازٍ منهم! كما شاهدنا وقاحة المرتزق حميدتي وشقيقه، وإشاراتهم الواضحة لاستباحة السُّودان بكامله وليس فقط العاصمة، وهم في الواقع يحمون أنفسهم ويُشرعنون للمُرتزقة الذين جلبوهم من شتَّى الدول، وأقاموا لهم المَسَاكن والخدمات في أراضي (المُواطنين) عقب إبادتهم أو تشريدهم بدارفور وغيرها، وهي جميعاً أمور موثَّقة وحَذَّرت منها كثيراً، كمقالتي (اَلْمَشَاْهِدُ اَلْأَخِيْرَةُ لِمَخَطَّطِ تَمْزِيْقِ اَلْسُّوْدَاْنْ) يوم 21 أبريل 2019، و(حِمِيْدْتِي: خَطَرٌ مَاْحِقٌ وَشَرٌّ مُسْتَطِيْر) بتاريخ 29 أبريل 2019، و(اَلْسُّوْدَاْنِي اَلْأصِيل وَاَلْجَنْجَوِيْدِي اَلْمُرْتَزِق) بتاريخ 5 يونيو 2019، و(السُّودان بين مليشيات المُتأسلمين والجَنْجَوِيْد) بتاريخ 14 يونيو 2019، و(السُّوْدان والاحتلالُ الأجنبي) بتاريخ 1 يونيو 2020، و(اتفاقيَّات تَذْويب السُّودان) بتاريخ 7 سبتمبر 2020 وغيرها.
ثَمَّة اعتبارات أُخرى تمنع إجراء تعداد سُكَّاني في ظروفنا الماثلة، تتمثَّل في الجِهَوِيَّة/القَبَلِيَّة التي زرعها المُتأسلمون، ويتدثَّر بها المُجنَّسين حالياً بنحوٍ صارخ، لأنَّهم يعلمون تماماً أنَّ وجودهم في بلادنا رهينٌ بضعفنا القائم على (تفَكُّكنا)، لذلك يعملون على ترسيخ الجِهَوِيَّة بدلاً عن المُؤسَّسيَّة، وبتخاذلٍ مفضوحٍ من حُكَّامنا الحاليين (عَسْكَر/مدنيين). إن إجراء تعداد سُكَّاني في ظل هذه الأوضاع سيخلق صراعاً جديداً بين (الأقلِّيَّة والأكثريَّة) تبعاً لنتائج التعداد، وسينشغل الجميع بإثبات (غَلَبَته) وتَكَتُّله ضد الآخرين والتعدي على حقوقهم، وستزداد التصنيفات (النَّوعِيَّة/العِرقِيَّة/العقائديَّة)، بجانب النزاعات الإدارية بين الأقاليم التي سيُتاجر بها مُتآمري الجبهة الثوريَّة تنفيذاً لتوجيهات سادتهم بالخارج، كمدخل للانقضاض على البلاد والتهام مواردها. كذلك توجد مُعوقِّات اقتصادِيَّة، ترتبط بتكاليف إجراء التعداد وما يترتَّب عليه من أعباء! فإجراء تعداد سُكَّاني (رصين) ومُتكامل، يتطلَّب موارد مالِيَّة ضخمة، لا تتوفَّر في السُّودان الذي يحيا اختناقاً اقتصادياً مُتزايداً، ويعجز عن تلبية الاحتياجات الأوَّليَّة كالدواء والوقود والسلع الاستراتيجيَّة الخ من الخدمات الضرورية! ومن جهةٍ ثانية، من المُتوقَّع – في ظل ظروفنا الماثلة – أن تتسبَّب نتائج التعداد في (تفجير) المزيد من الصراعات، بشأن نِسَب موارد الدولة (المتآكلة)، على نحو ما حدث في (مهزلة) قبول الطلاب بالجامعات قبل أيَّام، والتي ستكون أكثر سفوراً وعدائيَّة عند توزيعات المُوازنة العامَّة الاتحادية ومُؤسَّساتها الحيويَّة؛ استناداً لنتيجة التعداد المقرونة بالاصطفاف القَبَلي والجِهَوي!
إنَّ الأضرار المُترتِّبة على إجراء التعداد السكاني في ظل سُطْوَة (المُجنَّسين) الماثلة، أخطر وأكبر بكثير من إيجابياته ويُهدد سيادة السُّودان بشكلٍ مُباشر. لأنَّ التعداد السُكَّاني دون التمييز الواضح، بين المُواطن (الحقيقي) المهموم بالبلد والمُرتبط بها وجدانياً، وبين الوافد (المُرتزق/الطَّامع) الذي نَالَ الجنسيَّة عبر الكيزان وأزلامهم دون استيفاء شروطها، يعني (شَرعِيَّة) وجود ومطالب هؤلاء المُجنَّسين، بما في ذلك سعيهم المحموم و(المُعلَن) لتفكيك/تمزيق بلادنا. ولو كان حمدوك وطنياً وصادقاً فعلاً، لأمر بمُراجعة جميع الهُوِيَّات والأوراق الثبوتِيَّة منذ 1989 وحتَّى الآن، وألغى غير المُستوفية للقوانين التي كان معمولاً بها قبل المُتأسلمين، وحَاسَب وحاكَم كل من تعاون وتساهل في استخراج تلك الأوراق، باعتبارها ضرورة حتميَّة لضمان سيادة السُّودان حالياً ومُستقبلاً، بدلاً عن إهدار مواردنا (المتآكلة) في التعداد، الذي سيجلب الخراب وسيزيد أوضاعنا تعقيداً أكثر مما هي عليه. ولو تَحَجَّجَ بالخطط والبرامج التنمويَّة (المعدومة)، فيُمكننا إعداد خطط وبرامج استناداً للإحصاءات التقديريَّة/النسبِيَّة، وهو أمرٌ معمولٌ به، ويمكن انتهاجه (تقديراً) لظروفنا الاستثنائِيَّة الماثلة، وتلافياً للانعكاسات الخطيرة التي قد تحدث تبعاً للتعداد في ظل هذه الظروف. علماً بأنَّ حمدوك نفسه ادَّعي في أوَّل تصريح له عقب إعلانه رئيساً للوزراء، أنَّ لديه برنامج اقتصادي مُتكامل، وحينها لم يكن قد استلم مهامه أصلاً، مما يعني أنَّه اعتمد في برنامجه (المزعوم) على الأرقام التقديريَّة، فلماذا يُدخل البلاد في (مُغامرة) التعداد بقنابلها الموقوتة هذه؟!
لقد ثَبُتَ جلياً (خيانة/عَمالة) حُكَّام السُّودان الحاليين، سواء كانوا عَسْكَر أو مدنيين، تبعاً لتَوجُّهاتهم التي زادت أزماتنا تعقيداً، وفق ما وَثَّقته في عددٍ من المقالات كـ(خِيَاْنَةُ اَلْثَوْرَةِ اَلْسُّوْدَاْنِيَّة) بتاريخ 22 يوليو 2019، و(إِلَى أَيْن يَقُوْدُنَا حَمْدوك) بتاريخ 24 سبتمبر 2019، و(المُتَلَاعِبون) بتاريخ 24 أكتوبر 2019، و(اِسْتِرْدَادُ الثَوْرَةِ السُّودانِيَّة) بتاريخ 2 فبراير 2020، و(مَتَى يَنْتَبْهْ اَلْسُّوْدَانِيُّون لِعَمَالَةِ حَمدوك) بتاريخ 12 فبراير 2020 وغيرها. وأُجزم بأنَّ التعداد السُكَّاني المُزمع تنفيذه، يأتي استكمالاً لمُخطَّط المُتأسلمين الرَّامي لتفكيك وتذويب السُّودان، وتمَّ تهيئة جميع الظروف التي تقود لذلك، سواء اتفاقيات جوبا المليئة بالمُجنَّسين الذين لا علاقة لهم بالبلد وقضاياها، ولا يملكون القوة الميدانِيَّة (الفعلِيَّة) ولا السند الشعبي في المناطق التي يُتاجرون باسمها، أو بإدخال السُّودان بكامله تحت وصاية الأمم المُتَّحدة تمهيداً لليوم الموعود، وهي في مُجملها كوارث سيكون الشعب السُّوداني ضحيتها الأوحد.
ليتنا نُدرك أنَّ العَسْكَر وحمدوك وقحتيُّوه وعُملاء الجبهة الثوريَّة عُملاء ويعملون لتدمير وتفكيك السُّودان، وأنَّهم سيختفون بمُجرَّد تنفيذ مهامهم الشيطانِيَّة، وأنَّنا لن نجدهم لنقول لهم (شكراً أو تباً)! وليتنا نُدرك بأنَّنا (نحن السُّودانِيُّون) وحدنا المعنيُّون بإفشال هذه المُخطَّطات، وأنَّ الانتظار والاكتفاء بـ(الفُرْجَة) ووصف خيانات هؤلاء العُملاء لا ينجينا، لأنَّهم لم ولن يتوقَّفوا وسيُواصلون العَمَالة دون سُقُوف أخلاقِيَّة أو إنسانِيَّة. وليتنا نثق في ذواتنا ونُؤمن بأنَّنا قادرون على اقتلاعهم، بذات الطريقة التي أجبرنا بها البشير وعصابته على (الاختفاء)، ومن بعده ابن عوف على التنحِّي.
على الرغم مِن قسوة مُفرداتي، لكن الأمانة تُحتِّم قول الحقيقة بوضوحٍ، دون مُواربةٍ أو تجميلٍ وتخفيف، لأنَّنا (أصحاب الوَجْعَة) والضحايا الحصريُّون لكل هذا العبث والانحطاط، بما يُحتِّم تعزيز ثقتنا وتَلَاحُمِنا والاحتماء ببعضنا البعض، والعمل سَوِيَّةً لإنقاذ بلادنا (المُختَطَفة) من المُجنَّسين والعُملاء. إنَّها فرصتنا الأخيرة، فإمَّا اتحاد شعبي حقيقي، وحراك سريع وقوي وفَعَّال لاقتلاع هؤلاء واستعادة بلادنا وكرامتنا أو قبول النهاية المُؤلمة لبلدٍ عزيزٍ اسمه السُّودان.

awadf28@gmail.com

 

آراء