الشباب يتحدون الطغاة ويتجاوزون الأحزاب

 


 

 


واجه الشباب الكثير من النقد واتهموا بأن معظمهم مستلب ثقافياً، فاقد لهويته، مبهور بالحضارة الغربية، لا تؤرقه قضايا الامة، بل حقوقه تسلب وهو لا يحرك ساكناً منزوٍ فى دوائر صنعها لنفسه، مما جعل البعض يقول إنهم شباب غارق فى «النت» من اجل التسلية واضاعة الوقت، ولكن ثورة «25» يناير التى اشعلها شباب مصر عبر « الفيسبوك ـ التويتر» اكدت ان الشباب عبر النت خلقوا مجتمعا جمعهم فيه الهم العام، فيه يتناقشون ويتحاورون ويتفاعلون مع قضايا الوطن بصفة خاصة، والامة العربية وما آلت اليه من ضعف وهوان بصفة عامة.
وتمكن هؤلاء الشباب من استغلال هذه التقنية الحديثة فى خلق واقع جديد صنع بسواعد الشباب، متجاوزين الأحزاب التى تترنح تارة ما بين المشاركة فى النظام او مهادنته، وتارة أخرى معارضته.. انها احزاب مازالت تعانى امراضاً لم تحاول علاجها، حتى اصبحت مزمنة، فمواقفها المتذبذبة جعلتها تفقد المصداقية وسط الشباب، بالاضافة الى افتقادها برامج تلبى حاجات الشباب وما يستجد من مشكلات العصر، فقد شاخت الأحزاب وهرمت، لذا من الطبيعى ان يتجاوزها الشباب وتتحد جهودهم حول هدف واحد هو اسقاط النظام من أجل التغيير والاصلاح، فالشباب حقيقة تمكنوا من الاستفادة من عصر العولمة، وبدأوا يتناقشون بكل شفافية وديمقراطية، وترسيخ مفهوم الحوار الجاد، واحترام الرأى الآخر، ونموذج لذلك ما حدث فى مصر، فقد اتضح من حديثهم عن القيادة التى يبحثون عنها، انهم على درجة من الوعي، اذ قال احدهم «نريد زعيما يمكن أن نحاسبه ونتحاور معه ونقيمه من خلال انجازاته، ولا ننظر له على انه دون بديل»، هذا هو الجيل الجديد الرافض لكل اشكال الهيمنة والتبعية، الباحث عن الحق والحقيقة، الساعى من اجل انشاء مجتمع مدنى يحترم حقوق المواطن، فهم يسعون لتغيير المسارات والمفاهيم القديمة، لذلك على القيادات التفاعل مع قضايا المواطن، والعمل الجاد من أجل رفع مستواه، وتمكينه من المشاركة الفعلية فى شؤون البلاد، فقد ولى زمن الخطابة والطغاة الذين يستندون على القوة الأمنية والعسكرية، فالتعامل بشفافية وحل قضايا المواطن يدعم الثقة بين الراعى والرعية، ويرسخ قيم الولاء للوطن، خاصة ان التجارب والشواهد اكدت انه لا يوجد فى العالم طاغية او نظام ظالم لم يسقط، فالاساس الذى يؤدى الى هز عروش الطغاة وزلزلتها الظلم والقمع واستشراء الفساد الذى هو اس انهيار الحكم، وكما قال الشاعر الراحل محمود درويش عن نيرون روما:
يا دامى العينين والقدمين
الليل زائل
لا غرف التوقيف باقية
ولا زرد السلاسل
وبهذه الثورات الشبابية التى بدأت تجتاح العالم العربى، سنشهد شرق أوسط جديداً ليس كما رسمت وخططت له امريكا وإسرائيل من قبل، فرياح التغيير القادمة جعلت كونداليزا رايس تعترف بأن هناك واقعاً جديداً يتبلور، لذلك انتقدت حتى النظم الحليفة لهم، وقالت «السنوات القادمة ستشهد اضطراباً، بيد ان الاضطراب افضل من الاستقرار الزائف الذى يدعيه الحكم الاتوقراطي».
وعلى الزعماء والرؤساء الآن فى الساحة السياسية، الابتعاد عن لغة الاستهانة والتهديد، فهى لغة لن تنفع مع عواصف التغيير والاصلاح التي يجتاح المنطقة. وعليهم ولو مرة واحدة الاتكاءة على المواطن، وألا يراهنوا على الدبابة لأنها اصبحت احصنة خاسرة.
وعلى الأحزاب السياسية أن تجدد دماءها وتصعد الشباب الى اعلى الهياكل الحزبية، وتبث روح الديمقراطية بداخلها، فالأحزاب عليها فعل الكثير لكسب ثقة الجيل الواعى الذى ينشد التحرر من كافة قيود الولاءات العمياء، فالشباب هم صناع الحياة الجدد. وإلى أن يفيق الجميع سيكون هذا الجيل هو الدينمو المحرك للركود الآنى، وبلا شك فإن الغد سيكون أكثر إشراقاً بهم. وعلى الحكام والأحزاب أن يعوا الدرس.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
 

 

آراء