الشرعية المفقودة!
الطيب الزين
12 January, 2023
12 January, 2023
غياب الشرعية جعل بلادنا معاقة منذ وقت مبكر منذ أن نفذ الفريق إبراهيم عبود إنقلابه على الديمقراطية الوليدة، بعد عامين فقط من إستقلال السودان، وسار في هذا الطريق المظلم من بعده نميري والبشير وحالياً البرهان، الذي قوض أركان التوافق السياسي الذي أرست دعائمه الوثيقة الدستورية بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري بعد أن نفذ الأخير جريمة فض إعتصام القيادة في 2019/6/3، وغيّب في 2021/10/25، حكومة د. عبدالله حمدوك الرجل الذي عمل جاهداً للدفع بعجلة السودان إلى الأمام إنطلاقاً من تجربته الرائدة وخبراته المكتسبة من عمله في منظمة الأمم التي ظهرت في إنجازاته خلال فترة حكمه القصيرة التي إستمرت لعامين فقط، على رأسها إزالة أسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإعادته إلى مؤسسات النظام العالمي السياسية والدبلوماسية والإقتصادية، وتخفيف ديون السودان الخارجية، بجانب توفير أثنين مليار في خزينة الدولة التي وجدها خاوية على عروشها، وعودة الحياة لمشروع الجزيرة الذي يعتبر عماد الإقتصاد السوداني والسكة حديد وسودانير وغيرها من نجاحات تشهد على أن الرجل قد عمل بجد وصدق وإخلاص لجعل السودان رائداً في مجال ربط الديمقراطية بالأمن والإستقرار والإنفتاح على الخارج لخلق شراكات عادلة لإطلاق مشاريع تنمية طموحة غايتها الإنجاز سعياً لتحقيق تطلعات شعبه في حياة حرة كريمة.
لكن للأسف تحالف المرتزقة المكون من الحركات المسلحة، وبقايا النظام السابق بقيادة البرهان إنقلب على حكومته قبل شهر من إنتقال رئاسة مجلس السيادة للمدنيين بموجب الوثيقة الدستورية التي تم التراضي عليها أن تكون حاكمة للفترة الإنتقالية من أجل ضمان إنتقال ديمقراطي سلس.
غياب الشرعية هو علة العلل في السودان إذ عطل حركة الدولة والمجتمع نجم عنه تدهور الأوضاع وإنهيار مشاريع التنمية وتراجع معدلات الإنتاج، مع تصاعد موازي لأرقام الجرائم والعنف والصراع والإقتتال القبلي !
مشكلة غياب الشرعية لا تحل بتسويات وترضيات ومساومات رخيصة بين رؤساء العصابات المتحكمين في المال والسلاح!
وإنما تحتاج إلى ضمائر حية وعقول نيرة تخاطب جذور الأزمة الوطنية.
وهذا يعني أن يتجه الجميع نحو صياغة عقد إجتماعي جديد يجمع حبات الرمل المتناثرة في هذه الصحراء التي تسمى إفتراضاً دولة!
السودان منذ تأسيسه وحتى الآن يعيش (أم فكو) بلا دستور دائم!!!
الأمر الذي فتح شهية كل عسكري مغامر تهف معه يركب دبابته من سلاح المدرعات ويتوجه نحو الإذاعة السودانية ويذيع بيانه الأول الذي بموجبه ينصب نفسه رئيساً ويجعل من القصر الجمهوري مكان عمله الجديد ومن هناك تتوالى قراراته التي تعطل حركة الدولة والمجتمع بل حتى حركة المرور!
منطق القلع والهمبتة الذي مارسه الإنقلابيين ضد الثورة جعلهم يقفون عاجزين مثل حمار الشيخ في العقبة!!!.
منطق الإنقلابات العسكرية والخروج على إرادة الشعب لن يقود السودان إلى بر الأمان، بل يعمق من واقع أزماته يوما بعد أخر .. إن لم يتم تداركه ووضع حد له ستصل الأوضاع مرحلة الإقتتال في الشوارع والأحياء التي رأينا بعض مظاهرها في دارفور التي أصبحت وتيرة يومية بائسة في ظل حكم أمراء الحرب!
كم من قرية تم حرقها؟ وكم من ضحايا فقدوا حياتهم بلا ذنب؟ وكم من أسر تشردت في دارفور وفي النيل الأزرق، وبقية المناطق التي شهدت صراعات قبلية في ظل غياب الأمن والإستقرار والتنمية؟
وكم من شهيد وجريح ومعاق ومفقود في العاصمة الخرطوم ؟
وكم من جائع ؟ وكم من فقير؟
وكم من مريض لا يستطيع على الحصول تكلفة الدواء؟
وكم من شباب ضاع بسبب المخدرات وفقدان الأمل؟ وكم عدد أطفال الشوارع؟
وكم من باع بيته هاجر ترك البلد؟ وكم من مات بحسرته في داخل السودان وخارجه؟
تساؤلات كثيرة أخرى تظل عالقة في فراغ الأزمة المفتوحة على المجهول سببها غياب الشرعية والدستور الدائم، الذي يحدد شكل الدولة ومضمونها وهياكلها ومؤسساتها ومسؤولياتها وصلاحياتها وآليات حكمها وبالتالي تصبح السلطة القائمة معبرة عن إرادة شعبها وحائزة على رضاه وإحترامه وثقته وقناعته بأنه فعلاً، وليس قولاً يعيش في وطن السلطة الحاكمة فيه تخضع لحكم الدستور والقانون وليس منطق القوة والقلع والهمبتة!!!
الثورة العظيمة التي غيبت الطاغية عمر البشير، عبرت عن رغبة الشعب في تغيير حقيقي شامل يطال كل بنية النظام القديم ، وبقاياه في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، تمهيداً لبناء نظام سياسي جديد معافى من أمراض الماضي يحقق تطلعات السودانيين في وطن يشبههم ويعبر عن مشيئتهم وشيمهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم وفضائلهم وكرمهم وطيبتهم وكل خصالهم السمحة.
نظام أساسه مبادئي الثورة وشعاراتها وأهدافها في الحرية والعدالة والسلام مسنود بدستور دائم يتم التوافق عليه عبر لقاء وطني جامع لإعادة صياغة الدولة السودانية القديمة ووضع أسس جديدة حديثة مضمونها تحقيق العدالة ورفع الظلم، الشرعية فيها صناديق الإنتخابات الحرة النزيهة لضمان ثقة الشعب كأساس للإستقرار والتنمية والرخاء والرفاه، وبقاء السودان موحداً ومستقراً لا مجال فيه الوصول إلى السلطة سوى صناديق الإنتخابات، وبذلك نتخلص وإلى الأبد من عهد الإنقلابات والحروب ومضاعفاتها السالبة التي أصبحت ذريعة للتدخلات الخارجية التي وجدت ضالتها في الإنقلابيين كطغمة معزولة مذعورة من الشعب لتمرير مؤامراتها الشريرة المعادية للثورة السودانية وأهدافها في الحرية والعدالة والسلام.!
الخروج من نفق الأزمة الوطنية، يتطلب وعي عميق، يلامس جذور الأزمة، ويستنفر طاقات الشعب الكامنة وحشدها عبر توحيد الصف الوطني الثوري لبناء قاعدة جماهيرية واسعة من كل قطاعات الشعب وقواه الحية المؤمنة بأهداف ثورة ديسمبر العظيمة التي دفعت ثمناً غالياً من الأرواح والدماء والدموع والأحزان.
لذا، لابد من إسقاط الإنقلاب الحالي دون مساومات رخيصة، أو تسويات زائفة، وإقامة سلطة الشعب إستناداً للشرعية الثورية ومحاكمة كل القتلة والفاسدين كمدخل صحيح لإرساء العدل وحل مشاكل السودان المزمنة والمتفاقمة، بسبب غياب الشرعية المعبرة عن إرادة الشعب.
Eltayeb_Hamdan@hotmail.com
////////////////////////
لكن للأسف تحالف المرتزقة المكون من الحركات المسلحة، وبقايا النظام السابق بقيادة البرهان إنقلب على حكومته قبل شهر من إنتقال رئاسة مجلس السيادة للمدنيين بموجب الوثيقة الدستورية التي تم التراضي عليها أن تكون حاكمة للفترة الإنتقالية من أجل ضمان إنتقال ديمقراطي سلس.
غياب الشرعية هو علة العلل في السودان إذ عطل حركة الدولة والمجتمع نجم عنه تدهور الأوضاع وإنهيار مشاريع التنمية وتراجع معدلات الإنتاج، مع تصاعد موازي لأرقام الجرائم والعنف والصراع والإقتتال القبلي !
مشكلة غياب الشرعية لا تحل بتسويات وترضيات ومساومات رخيصة بين رؤساء العصابات المتحكمين في المال والسلاح!
وإنما تحتاج إلى ضمائر حية وعقول نيرة تخاطب جذور الأزمة الوطنية.
وهذا يعني أن يتجه الجميع نحو صياغة عقد إجتماعي جديد يجمع حبات الرمل المتناثرة في هذه الصحراء التي تسمى إفتراضاً دولة!
السودان منذ تأسيسه وحتى الآن يعيش (أم فكو) بلا دستور دائم!!!
الأمر الذي فتح شهية كل عسكري مغامر تهف معه يركب دبابته من سلاح المدرعات ويتوجه نحو الإذاعة السودانية ويذيع بيانه الأول الذي بموجبه ينصب نفسه رئيساً ويجعل من القصر الجمهوري مكان عمله الجديد ومن هناك تتوالى قراراته التي تعطل حركة الدولة والمجتمع بل حتى حركة المرور!
منطق القلع والهمبتة الذي مارسه الإنقلابيين ضد الثورة جعلهم يقفون عاجزين مثل حمار الشيخ في العقبة!!!.
منطق الإنقلابات العسكرية والخروج على إرادة الشعب لن يقود السودان إلى بر الأمان، بل يعمق من واقع أزماته يوما بعد أخر .. إن لم يتم تداركه ووضع حد له ستصل الأوضاع مرحلة الإقتتال في الشوارع والأحياء التي رأينا بعض مظاهرها في دارفور التي أصبحت وتيرة يومية بائسة في ظل حكم أمراء الحرب!
كم من قرية تم حرقها؟ وكم من ضحايا فقدوا حياتهم بلا ذنب؟ وكم من أسر تشردت في دارفور وفي النيل الأزرق، وبقية المناطق التي شهدت صراعات قبلية في ظل غياب الأمن والإستقرار والتنمية؟
وكم من شهيد وجريح ومعاق ومفقود في العاصمة الخرطوم ؟
وكم من جائع ؟ وكم من فقير؟
وكم من مريض لا يستطيع على الحصول تكلفة الدواء؟
وكم من شباب ضاع بسبب المخدرات وفقدان الأمل؟ وكم عدد أطفال الشوارع؟
وكم من باع بيته هاجر ترك البلد؟ وكم من مات بحسرته في داخل السودان وخارجه؟
تساؤلات كثيرة أخرى تظل عالقة في فراغ الأزمة المفتوحة على المجهول سببها غياب الشرعية والدستور الدائم، الذي يحدد شكل الدولة ومضمونها وهياكلها ومؤسساتها ومسؤولياتها وصلاحياتها وآليات حكمها وبالتالي تصبح السلطة القائمة معبرة عن إرادة شعبها وحائزة على رضاه وإحترامه وثقته وقناعته بأنه فعلاً، وليس قولاً يعيش في وطن السلطة الحاكمة فيه تخضع لحكم الدستور والقانون وليس منطق القوة والقلع والهمبتة!!!
الثورة العظيمة التي غيبت الطاغية عمر البشير، عبرت عن رغبة الشعب في تغيير حقيقي شامل يطال كل بنية النظام القديم ، وبقاياه في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، تمهيداً لبناء نظام سياسي جديد معافى من أمراض الماضي يحقق تطلعات السودانيين في وطن يشبههم ويعبر عن مشيئتهم وشيمهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم وفضائلهم وكرمهم وطيبتهم وكل خصالهم السمحة.
نظام أساسه مبادئي الثورة وشعاراتها وأهدافها في الحرية والعدالة والسلام مسنود بدستور دائم يتم التوافق عليه عبر لقاء وطني جامع لإعادة صياغة الدولة السودانية القديمة ووضع أسس جديدة حديثة مضمونها تحقيق العدالة ورفع الظلم، الشرعية فيها صناديق الإنتخابات الحرة النزيهة لضمان ثقة الشعب كأساس للإستقرار والتنمية والرخاء والرفاه، وبقاء السودان موحداً ومستقراً لا مجال فيه الوصول إلى السلطة سوى صناديق الإنتخابات، وبذلك نتخلص وإلى الأبد من عهد الإنقلابات والحروب ومضاعفاتها السالبة التي أصبحت ذريعة للتدخلات الخارجية التي وجدت ضالتها في الإنقلابيين كطغمة معزولة مذعورة من الشعب لتمرير مؤامراتها الشريرة المعادية للثورة السودانية وأهدافها في الحرية والعدالة والسلام.!
الخروج من نفق الأزمة الوطنية، يتطلب وعي عميق، يلامس جذور الأزمة، ويستنفر طاقات الشعب الكامنة وحشدها عبر توحيد الصف الوطني الثوري لبناء قاعدة جماهيرية واسعة من كل قطاعات الشعب وقواه الحية المؤمنة بأهداف ثورة ديسمبر العظيمة التي دفعت ثمناً غالياً من الأرواح والدماء والدموع والأحزان.
لذا، لابد من إسقاط الإنقلاب الحالي دون مساومات رخيصة، أو تسويات زائفة، وإقامة سلطة الشعب إستناداً للشرعية الثورية ومحاكمة كل القتلة والفاسدين كمدخل صحيح لإرساء العدل وحل مشاكل السودان المزمنة والمتفاقمة، بسبب غياب الشرعية المعبرة عن إرادة الشعب.
Eltayeb_Hamdan@hotmail.com
////////////////////////