الشعار السياسي بين حالتي الهتاف والفكرة

 


 

 

زين العابدين صالح عبد الرحمن
يعتبر الشعار السياسي ظاهرة قديمة في السياسة، و خاصة في منطقة الشرق الأوسط المليئة بالتعقيدات السياسية، و قد استخدم بكثافة قبل حرب يونيو 1967م، لأسباب ارتبطت بالقضية الفلسطينية في مرحلة صعود تيار القوميين العرب " الناصريين – البعثيين" في تلك الفترة.. و معروف أن الشعار السياسي ذو حمولة كبيرة، و العناصر التي تصيغ الشعار تتمتاز بقدرة إبداعية و سعة معرفية تمكنها أن تختصر العديد من المطلوبات السياسية في كلمات قليلة تربط بموسيقي يسهل ترديدها. و تراجع الشعار بعد هزيمة حرب 1967م و تراجع دور القوميين العرب في الساحة، و صعد التيار الإسلامي الذي أيضا استعان بالشعار السياسي في توصيل رسائله للجمهور. ثم ظهر بكثافة في ثورات الربيع العربي حيث أصبح ظاهرة تحتاج لدراسة..
كتب الدكتور المصري سامح شريف كتابا بعنوان " الشعرات السياسية دراسة نظرية و تطبيقية " يقول الدكتور سامح ( إصبحت الشعارات سمة أساسية من سمات الحياة السياسية و الاجتماعية في مصر منذ ثورة 25 يناير و تداعياتها حيث وظف الشعار للتعبير عن الرغبة) و ربط دكتور سامح الشعار في المجال السياسي بالأيديولوجية الفكرية و السياسية و و توظيف الشعار لأهداف سياسية تخدم هذه الأيديولوجية.. و إذا كان الشعار هو أختصار لمطالب سياسية متعددة مجملة في شعار واحد يخدم الجهة التي أصدرته و تريد تسويقه في القطاع الجماهيري، فهل الجماهير تستطيع تفكيك الشعار لمعرفة حمولاته أم أن دورها يتوقف عند ترديد الشعار؟ أن القاعدة العريضة من الجماهير ربما تستوعب جزء من أهداف الشعار السياسي، و الدافع القوي يصبح التناغم مع الجرس الموسيقي في ترديد الشعار، لذلك الجماهير لا تسأل المصدر عن الخطوط التي يراد بها تحقيق الشعار..
يؤكد بعض علماء اعلم لإبستمولوجيا أن شيوع الشعار في الشارع بين الجماهير ثم تحوله إلأي هتاف يجعله يفقد مضمونه، لآن المقصود بالهتاف هو إثارة العاطفة، و إظهار الصوت الجماعي لتبيان قوة الهدف للخصم، لكن الشعار بعد مكان هدفا يصبح أداة للتعبئة الوقتية و لا يتوقع أن يسأل الذي أندمج في الهتاف عن كيفية تحقيق الهدف، لآن المخاطب ليس العقل، بل العاطفة لفترة زمنية مرتبطة بفترة الحدث. و سهل شيوع الشعار بعد ثورة الربيع العربي الاستخدام الواسع للوسائط الاجتماعية، حيث تتحول الفكرة ذات الحمولات السياسية ألي أداة تعبوية، الأمر الذي يفقدها قيمتها في الواقع، الكل يردد هتافا دون أن يسأل عن كيفية مشروع الوصول للهدف..
أن التجربة السودانية بعد ثورة ديسمبر 2018م استخدمت الشعار السياسي بكثافة، في محاولة ليس الهدف منها هو تحقيق حمولات الشعار، لكن المقصد هو الاحتفاظ بالجماهير كورقة ضغط في صراع الأحزاب و القوى المدنية تجاه المكون العسكري، و رغم ذلك انقسم الشارع تماما، و أختل ميزان القوى، لآن العقل السياسي كان محدود القدرة المعرفية، و عجز عن استخدام الفكر في عملية التغيير، و وقف عند الشعار، لذلك فشلت كل القوى السياسية أن تقدم مشروعا متكاملا بالهدف الرئيس هو " عملية التحول الديمقراطية" الكل تبنى الشعار بهدف الوصول للسلطة.. و الآن إذا تتبعنا مسار الشعار السياسي تجده أصبح بديلا عن الفكرة، و الفرق بينهما أن الشعار هو الغاية و الهدف المراد تحقيقه، و الفكرة هي البرنامج المدروس الذي يوصل لتحقيق الهدف... أن الإشكالية التي تواجه الأحزاب منذ بداية الثورة حتى الآن غياب المفكرين عن الساحة السياسية، حيث أصبح القيادات في الأحزاب السياسية يغلب عليها العمل التنفيذي، أي إنها ذات قدرات محدودة، و هي المعضلة التي تقود للفشل السياسي، و هي مدركة لعجزها لذلك تحاول دائما أن تستغل الشعار بصورة أكبر لكي تغطي به عجزها، و هي تعلم ان أغليية الجماهير لا تسألها عن كيفية تحقيق الشعار، لأنها تقف عند حدود ترديد الهتاف من خلال الجوقة و الموسيقى بسلوك جمعي. و معلوم أن السلوك الجماعي يعطل عملية التفكير..
و أنظروا إلي كل الشعارات الصادرة من القوى السياسية منذ إندلاع الثورة حتى الآن، و التي يرددها الخاصة و العامة، تجدها شعارات لا تتحول إلي واقع، لأنها صنعت لقصور مفاهيمي جعلها محدودة الفاعلية، فقط يمكن أن تتحول إلي هتاف يردده الناس، و ليس مشروعا يراد تنفيذه في الواقع، و بالتالي تفقد الشعارات مغذاها، و تصبح أداة للجدل البيزنطي بين النخب، و هنا تتبين أزمة البلاد في غياب العقل منتج الفكر. نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com

 

آراء