الشيخ الازيرق: ماركس صلاة النبي فوقه (1)

 


 

 

اقترح عبد الله العروي في ١٩٦٧ عبارة "الماركسية الموضوعية" للتعبير عما استقر في الفكر السياسي العربي من مفاهيم وأدوات ماركسية أخذ بها المثقفون حتى الذين يناهضون الماركسية، فقد صاغت وجدانهم وأصبحت من مرسل لسانهم. بشر العروي بهذا الضرب من الماركسية وميزه من الماركسية الذاتية، التي يتبناها الشيوعيون العرب وقال عنها جامدة واعتقادية. فاصل العروي بهذا التصور بين ماركس نافع وآخر ضار، الأول عنده المؤرخ والاقتصادي والأخير هو المحرض والآيديولوجي. ما هي هذه الماركسية النافعة إذن؟ يقول عنها العروي أنها تعليمية تربوية تقرب إلى الإفهام غير الأوروبية تطور العالم الحديث. لكن أي ماركس قرأ العروي ليفاصل بين الشاب والكهل، المؤرخ والمحرض، الاقتصادي والسياسي، ويا دار ما دخلك شر.
الأقرب ربما أن ثمة وجاهة لتأصيل ماركس في علومه دونا عن الكهنوت تحت عنوان الماركسية، بخاصة الماركسية التي كانت ماثلة فعلا على نهج الاشتراكية التي كانت ماثلة فعلا في الاتحاد السوفييتي وأقماره الأوروبية. قال مكسيم رودنسون، مؤرخ المسلمين من موقع ماركسي، أن عقيدة "ديامات" السوفييتية، مختصر المادية الديالكتيكية، نموذج للماركسية الضارة باعتبارها دعوى كلية محيطة تشمل البشر والحجر وتقترح إجابة على كل سؤال ولا تتيح تقدما للمعرفة سوى بمقدار ما يسمح بذلك كهنة مقامهم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي أو بالأحرى المكتب السياسي. بقياس عقيدة ديامات كل ابتكار تحريف كما كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وكذلك كان نهج نقاد كثر للماركسية السوفييتية فارقوا التاريخ أيضا بتصويرها الكاريكاتوري كضلالة أولى.
عند رودنسون، نضجت على يد ماركس مقولات سوسيولوجية منتجة، أبرزها رفض التصور المثالي للتاريخ، التصور القائل أن البشر تصنعهم الأفكار التي يتبنون دونما أثر للظروف المحيطة بهم على هذه الأفكار. اتخذ التصور المضاد الذي بشر به ماركس اسم "المادية التاريخية"، لكن الأصوب لدى رودنسون أن مبدأ ماركس مبدأ سالب، يرفض المثالية التاريخية ويفتح الطريق لأكثر من خيار علمي. لذا لا غرابة أن تجد لمبدأ ماركس صدى وسابقة عند مؤرخين كثر، لزموا العقيدة الدينية بتأكيدهم على الإرادة الإلهية كمبدأ أول بينما قبلوا عللا ثانوية للاجتماع البشري وقوانين كذلك شأنها كشأن قوانين الطبيعة. ضرب رودنسون مثلا بتفسير ابن خلدون للنبوة كضرورة تاريخية وتفسير أبي يوسف في كتاب الخراج للفتوح الإسلامية بأنها انتصار قومي للعرب الذين أعزهم الله بنبي الإسلام بعد أن كانوا أذلة. فصل في هذه النزعات المادية حسين مروة في كتابه المشهور وتميز. زكى رودنسون للمؤرخ المسلم قوة منهج ماركس لكشف التاريخ وقوانينه دونما حرج مع الاحتفاظ بعقيدة أن إرادة الله تتجلى في التاريخ كما تتجلى في الطبيعة عبر هذه القوانين.
قوم مؤمنون أم فئران؟
استقر منهج ماركس منذها في العلوم الاجتماعية وسكن، لا يخالفه ربما سوى خوارج طغاة مثل فلاسفة "الحرب على الإرهاب" الذين يرون العنف خصيصة ذاتية فوق تاريخية للمسلم بما هو مسلم، تلحق به مع الشهادتين في استقلال عن وقائع الاجتماع والاقتصاد من جهة والاستعمار والاستكبار من جهة أخرى. استقبل مسلمون من غير الشيوعيين مفاهيم لينينية بحماس وافر، في مقدمتها مفهوم وشرح "الاستعمار" على طريق لينين وأخضعوه للأسلمة فاستولدوا مفاهيم قرينة مثل "الاستكبار" و"الاستضعاف" صارت عناصر لفكر النهضة الإسلامية في القرن العشرين. كما صاغوا في مراحل مختلفة تصورات لاشتراكية إسلامية تحفظ الدين وتعادي الرأسمالية في آن واحد، صيغ بدت لرودنسون كنوع من "الكونكوردات"، عقد التفاهم بين الدولة والكنيسة الكاثوليكية.
أما كارل ماركس، سيد الشي، فقد خلعت عليه الدعاية المعادية للشيوعية ذات المنبت الأميركي، وبالدرجة الأولى التي تولت القيام بها حركة الإخوان المسلمين، عباءة الإلحاد دونا عن مفكري الحداثة الأوروبية. من نجاح هذه الدعاية أن اقترن اسم ماركس في خيال العموم والصفوة كذلك بعبارة صمدية "الدين أفيون الشعوب" على نسق "ولا تقربوا الصلاة (..)"، وكانت يا عرب. تخلى الحركيون الإسلاميون سوى القليل النادر منهم بخفة عن نصير أكيد جندل دعاوى الاستكبار الأوروبية بفقه مضاد وحمرة عين.
لكن، ما هو الأفيون، ولما تيسر هذا التشبيه لماركس ودخل قاموسه؟ الأفيون مادة مخدرة يتم استخلاصها من نبات الخشخاش، وهي على الطبيعة لزجة لبنية ذات لون أصفر باهت تسيل من كبسولة الخشخاش عند تجريحها أول الصباح ثم يغمق لونها مع الوقت وتتجمد. يشكل المورفين المخدر حوالي ١٢٪ من سائل الأفيون، وسوى ذلك يحوي مواد الكودايين والثيابين المخدرة أيضا. شاع الأفيون في أثينا القديمة كمخدر وكمحفز للهلوسة ضمن طقوس دينية وكذلك كسم قاتل كما رسخ أطباء العصور الإسلامية الذهبية استعمالاته العلاجية كمثبط للألم وكمخدر جراحي. على سبيل المثال، وصف الرازي الأفيون كعلاج للكآبة في كتابه "من لا يحضره الطبيب". ووصف ابن سينا في موسوعته "القانون في الطب" الأفيون كأقوى المخدرات وعدد ضمن استخداماته سوى التخدير التنويم وتثبيط الكحة كما فصل مصيبا في آثاره البيولوجية كتثبيط التنفس والاضطراب العصبي والجنسي. نقل الأطباء الأوروبيون القانون إلى اللاتينية في حوالي ١١٧٥وظل مصدرا موثوقا حتى القرن التاسع عشر.
راج استعمال الأفيون للترويح في الحواضر العثمانية في القرن الرابع عشر ومنها انتقل إلى أوروبا التي أدمنته كما يبدو في القرن التاسع عشر. خلف مدمنو الأفيون سيرا أدبية لعوالمه، أشهرها ربما وصف أوسكار وايلد لأوكار الأفيون اللندنية في روايته "صورة دوريان غراي" (١٨٩١): "كانت هنالك أوكار للأفيون يمكن للمرء فيها أن يشتري السلوان، أوكار رعب يسحق فيها جنون الذنوب الجديدة ذكرى الذنوب القديمة". نشر توماس دي كوينسي، الكاتب الصحفي، في ١٨٢٣ سيرة ذاتية تدور حول إدمانه الأفيون بعنوان: "اعترافات شارب أفيون انجليزي" يجد فيها القارئ هذه الفقرة الموحية في وصف روحانيات الأفيون: "آه، الأفيون جبار ولطيف، البلسم الشافي لقلوب الأغنياء والفقراء على السواء، للجروح التي لا تسكن أبدا وللآلام التي تغري النفوس بالهياج، الأفيون الفصيح الذي يجرد الغضب من دوافعه بحجته النافذة، يرد للشيخ المذنب ولو لليلة آمال شبابه وأياد غُسلت نقية من كل دم."
ذكر دي كوينسي في كتابه الفريد أنه عندما بلغ إدمانه الأفيون قمته توجه لقراءة كتب الاقتصاد السياسي بخاصة كتاب ديفيد ريكاردو "مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب": "وجهت اهتمامي للاقتصاد السياسي بغرض التسلية وأنا في هذه الحال من البلاهة. لم يكن بوسع إدراكي، الذي كان في عهد مضى نشط سريع كضبع، أن يذبل بالكلية. أتاح الاقتصاد السياسي ميزة لمن هو في حالي. فرغم أنه علم عضوي (يبحث في أثر الجزء على الكل ومن ثم أثر الكل على كل جزء) تبدو الأجزاء المتعددة متناثرة منقطعة عن بعضها ويمكن التأمل في كل واحد منها بمفرده." كتب دي كوينسي من وحي قراءته لريكاردو مساهمته الخاصة في الاقتصاد السياسي ومنها كتاب بعنوان: "مقدمة نقدية لكل مدارس الاقتصاد السياسي في المستقبل"، صدر له ساخرا: "أملي ألا يجد فيه القارئ عبق الأفيون مع أن قضية الكتاب نفسها بالنسبة لمعظم الناس مخدر بالغ الفعالية".
كان ماركس كاتب عفيف القلم أيما عفة، لا يغمط مصدرا، وتجد عنده ذكر دي كوينسي في أكثر من موضع ضمن نقده لريكاردو وشيعته. درس ماركس كتاب دي كوينسي "منطق الاقتصاد السياسي" ونقل عنه في مجلده الموسوعي "أوليات الاقتصاد السياسي" الذي اشتهر بأول لفظة في عنوانه بالألمانية Grundrisse وتعريبها أوليات، الكتاب الذي خرج من عباءته "رأس المال". لذا يبرز دي كوينسي مرة أخرى في "رأس المال" ضمن خلاصات ماركس حول نظرية فائض القيمة عند ريكاردو.
إذن، دخل الأفيون قاموس ماركس من باب ثقافة مدينة صناعية طامحة وجدت فيه مسكن سريع لآلام الأجساد ومحرر عطوف من مشاق النفوس. اقتنصت الدعاية المعادية للشيوعية عبارتها الأثيرة "الدين أفيون الشعوب" من نهاية فقرة وردت في مقال بعنون "نقد فلسفة الحقوق عند هيغل" كتبه المرحوم ماركس أواخر عام ١٨٤٣ونُشر في العدد اليتيم من "الحوليات الألمانية الفرنسية"، المجلة التي أصدرها ماركس وآرنولد روج في باريس عام ١٨٤٤. كتب ماركس: "الشقاء الديني هو في وجه منه تعبير عن الشقاء الدنيوي المعاش وفي وجه آخر احتجاج على هذا الشقاء المعاش. الدين زفرة المخلوق المضطهد، روح عالم خال من الرحمة وأحوال غابت عنها الروح، هو أفيون المساكين".
ظلم معربو ماركس النص بتعريب Volk الألمانية التي أوردها ماركس إلى الشعب ثم الشعوب، وقد استقرت لفظة الشعب في العربية كمفهوم سياسي بينما يؤشر سياق ماركس إلى ظل آخر للكلمة، فهي نشأت في الألمانية عن معنى العوام في مقابل الخواص، الجمهور في مقابل النخبة، ذلك قبل أن تطغى على استعمالها الدلالة القومية والشوفينية. يتجلى معنى شقوة العوام في قصيدة الشاعر الألماني الكبير وصديق كارل ماركس في شبابه هاينريش هاينه بعنوان Kleines Volk "صغار الناس" من العام ١٨٥١:

جاء سابحا في مبولة
يشق الراين في زينة عريس
قال عندما حل في روتردام: يا صبية، أتكونين لي؟
سأقودك يا محبوبتي الجميلة إلى قصرى، إلى مخدع العروس
حيطانه من نشارة الخشب وسقفه قش

دار ظريف وقشيب
ستعيشين فيه كملكة
مرقدنا قشرة الجوز وغطاءنا من خيوط العنكبوت
نأكل كل يوم بيض النمل مقليا في الزبدة وسلطة الديدان،
وسأرث لاحقا من السيدة والدتي
ضراط ثلاث راهبات حلو المذاق

لدي جلد خنزير ودهن
وكشاتبين نبيذ
ينمو في حديقتي بنجر
ستكونين سعيدة حقا

جرت دعاية وغواية
ثم تنهدت العروس: يا إلهي، يا إلهي!
قالت بصوت مثقل كأنها ساعة الموت
ثم قامت آخر الأمر وانزلقت في المبولة

من هم أبطال هذه القصيدة؟ قوم مؤمنون أم فئران
لم أعد أدري
فقد سمعتها هرهرة في ديار البيفر (شمال الراين)،
منذ ثلاثين عام مضت

يقع قارئ قصيدة هاينه على معنى لكلمة Volk لا يحيط به التعريب إلى شعب بل يغيبه، وهذا المعنى هو الأقرب إلى سياق ماركس الذي عناصره "الشقاء المعاش" و"المخلوق المضطهد". يضيف ماركس في الفقرة التالية: "إن تجاوز الدين كسعادة كاذبة للمساكين يكون بالمطالبة بالسعادة الفعلية. إن المطالبة بالتخلي عن الأوهام عن أوضاع ما هي عين المطالبة بالتخلي عن الأوضاع التي تتطلب هكذا أوهام". إن نقد الدين هو في جوهره نقد الأحزان التي يمثل الدين هالتها المقدسة". ماذا يقول ماركس إذن، يقول إن الدين في جانب منه مرآة للوقائع الاجتماعية التي يعانيها المؤمنون، فهو لغتهم للتعبير عن شقاءهم المعاش وصرختهم ضد هذا الشقاء في آن واحد.
ليس أصدق على سلامة خلاصة ماركس من عقيدة "المهدي المنتظر" في التاريخ الإسلامي بفعاليتها المزدوجة، الدينية والسياسية. ازدهرت هذه الفكرة على يد الشيعة الراديكاليين (الكيسانية) وكان رائدها المختار بن عبيد الله الثقفي الذي قاد ثورة في الكوفة ضد الحكم الأموي وطالب بالثأر لدم الحسين وقتل من قتلة الحسين حتى حاصرته قوات للخليفة المضاد عبد الله ابن الزبير يقودها أخوه مصعب بن الزبير وصرعته في ٦٧ للهجرة. اتصل المختار بمحمد بن على بن أبي طالب (ابن الحنفية) وأعلن على لسانه دعوة مهدية. تباينت المصادر في شأن قبول هذا المهدي الأول باللقب. روى ابن سعد في كتاب الطبقات الكبير أن ابن الحنفية "كان يكره أمر المختار وما يبلغه عنه، ولا يحب كثيرا ما يأتي به" حتى غاب بعسله ومائه وغزلانه في جبل رضوى من جبال تهامة بالقرب من المدينة بحسب رواية الشيعة الكيسانية. منهم من قال مات وسيعود ومنهم من زعم أنه حي عنده عينان نضاختان، إحداهما تفيض عسلا، والأخرى تفيض ماءً، عن يمينه أسد يحرسه، وعن يساره نمر يحرسه، وأنه المهدي المنتظر حبسه الله هناك حتي يؤذن له في الخروج فيخرج ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
أورد حسين مروة في "النزعات المادية" عن الكيسانية أنهم أول فرقة مغالية من فرق الشيعة، والاسم يعود إلى كيسان، مولى علي بن أبي طالب وتلميذه ثم تلميذ ابنه محمد بن الحنفية، وقال أصحاب كيسان هم من الموالي أيضا، أسفل قاعدة المجتمع الأموي، أو شعب ماركس إذا جازت العبارة. اشتط الكيسانية في تعظيم ابن الحنفية فنسبوا إليه علم الغيب بما كان وما سيكون وقالوا الدين هو طاعة رجل يحيط بالعلوم كلها ويعرف أسرار التأويل والأسرار الباطنية الخفية. زعم الكيسانية أن إمامهم الملتبس ابن الحنفية خالد وسيعود، ذلك بعد مقتل زعيمهم أبي عمرة في ثورة المختار بن عبيد الله الثقفي وبعد أن هادن ابن الحنفية نفسه الخليفة عبد الملك بن مروان وبايعه بالخلافة وكان قبل ذلك قد بايع يزيد بن معاوية. فسر الكيسانية موت الإمام الملتبس كغياب قسري فرضه الله عليه عقابا على مهادنته الأمويين.
استنتج حسين مروة أن موالي الكوفة وجدوا "في أبناء علي وفي أنصارهم وفي طبيعة المعارضة للحكم الأموي التي يحمل رايتها حزب العلويين – وجدوا في ذلك أمل الإنقاذ لهم مما يعانون من اضطهاد واحتقار. وقد عزز المختار هذا الأمل في وعيهم الاجتماعي الخفي الذي ظهر في شكله الغيبي، حين تبعوا دعوة صاحبهم كيسان ثم صاحبهم أبي عمرة إلى إمامة ابن الحنفية. غير أن صدمة من اليأس أصابتهم، بعد ذلك، في قضيتهم الكامنة وراء إيمانهم بالدعوة الكيسانية ووراء اندفاعهم إلى القتال في سبيل هذه الدعوة. فقد رأوا أولا قيادتهم العسكرية تنهار بمصرع المختار نفسه، ثم مصرع أبي عمرة. ورأوا ثانيا قيادتهم الروحية تتخلى عن القضية بمهادنة إمامهم ابن الحنفية لصاحب الحكم الأموي عبد الملك بن مروان. وبذلك كله رأوا الأمل القائم في كهف من كهوف وعيهم الاجتماعي الغامض يهتز ويتضعضع ويكاد ينسحق تحت وطأة هاتين الصدمتين. وهنا رفض وعيهم الاجتماعي الانسحاق، فآل إلى نفق روحي غيبي ينسرب فيه هربا من مطاردة الشعور باليأس القاتل. وكان الاعتقاد بالرجعة، رجعة ابن الحنفية – متطهرا من خطيئة المهادنة للأمويين الظالمين – هو ذلك النفق الروحي الغيبي الذي لجأ إلى موالي الكوفة الكيسانية."
ليست عقيدة المهدية ونهاية العالم الوشيكة حكرا على التاريخ الإسلامي، فهي تقدم في سياقات وتواريخ غير إسلامية كذلك نحوا للتعبير عن انغلاق الأفق ساعة الأزمة كما في تقدير ماركس. توقع الآشوريون القدماء أن ينتهي العالم في أي لحظة بعد أن فسد في رأيهم بالكلية وظن مسيحيو القرن العاشر أن الساعة ميقاتها في العام الألف بينما قال مسيحيو القرن السابع عشر لا بد في العام ١٦٦٦. يعتقد حوالي ٤١٪ من الأميركيين و٦٨٪ من المسيحيين التبشيريين البيض أن المسيح سيعود قبل العام ٢٠٥٠ ليقيم العدل. هذا بينما يعتقد حوالي ٨٣٪، ٧٢٪ و٦٨٪ من المسلمين في أفغانستان والعراق وتركيا عل التوالي أنهم سيشهدون المهدي في حياتهم. كما في التصور الإسلامي تسبق نهاية العالم في العقيدة الهندوسية فترة سلام ورخاء. يتجدد العالم، بحسب هذه العقيدة، بصورة دورية كل ٤ ملايين وثلاثمئة وعشرين ألف سنة ويمر بأربعة فترات من الفساد والتدهور خلالها. على سبيل المثال، ازدهرت في إنجلترا في الأعوام ١٧٩٣ و١٧٩٤ دعوات تبشر باقتراب نهاية العالم بعبارة انجيلية. تهيأ غمار الناس بوحي من الثورة الفرنسية ثم الجمعيات اليعقوبية التي عمت البلاد وبدفع عظيم من الانتشار الواسع لكتاب توماس باين "حقوق الإنسان" لعالم جديد. هاجم باين بجرأة غير مسبوقة "ثوابت" الأمة كما استقرت منذ المساومة الكبرى بين القصر والبرلمان التي انتهت عندها "الثورة المجيدة" التي أطاحت بحكم الملك جيمس الثاني في ١٦٨٨.
يتبع.

استفدت في هذه الكلمة من:
Abdalla Laroui 1976. The Crisis of the Arab Intellectual: Traditionalism or Historicism. University of California Press, Berkeley.
Maxime Rodinson 1982. Marxism and the Muslim World. Monthly Review Press, New York.
Karl Marx [1843] 1970. Critique of Hegel's Philosophy of Right. Cambridge University Press, Cambridge.
Thomas De Quincey 1885. Confessions of an English Opium Eater. John. Alden Publisher, New York.
Karl Marx 1897. The Eastern Question. Swan Sonnenschein & Co., London.
Richard Walker 2007. Labyrinths of Deceit: Culture, Modernity and Identity in the Nineteenth Century. Liverpool University Press, Liverpool.
محي الدين اللاذقاني ٢٠١٢. ثلاثية الحلم القرمطي: دراسة في أدب القرامطة. دار مدارك للنشر، دبي.
صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي ١٩٩١. كتاب الوافي بالوفيات، ج ٩، ط ٣. دار فرانز شتاينر، شتوتغارت.
حسين مروة ٢٠٠٨. النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، المجلد الثاني. دار الفارابي، بيروت.
E.P. Thompson 1966. The Making of the English Working Class. Vintage Books, New York.

m.elgizouli@gmail.com
////////////////////////////

 

آراء