الشيوعيون السودانيون في فرنسا وبلوغ سن الرشد
عندما وجه سؤال إلي إيمانويل كانت عن التنوير؛ قال "أن يخرج الإنسان من مرحلة القصور العقلي و بلوغه سن الرشد" و فرنسأ هي الدولة التي حدثت فيها الثورة آواخر القرن الثامن عشر 1798م التي قادت للتحول الديمقراطي، و بداية عصر التنوير في القرن التاسع عشر، و في ذالك الوقت بدأت النخبة الفرنسية ترسل إشعاعات التنوير من خلال دور العلم و المسارح و المقاهي و الصالونات الأدبية و غيرها. و رفعت رايات الحرية و فصل الكنيسة عن الدولة و الميل إلي العلوم التطبيقة، و اعتماد العقل علي المعرفة إلي جانب الحرية الفردية و غيرها من المبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان. و كان للفلاسفة الفرنسيين دورا بارزا في التنوير أمثال فولتير وجان جاك روسو و ديفيد هيوم و أوغست كونت و فرديناند دو سوسور. هذا البيئة لابد أن يتأثر بها كل من يأتي لها و يتنسم هواءها الطلق المتجدد، لذلك أعتقد أن الزملاء في فرنسا كانت نوافذهم مفتوحة لكي يمرر لهم تيار الهواء النقي، و يتأكدوا أن الحرية ليس شعارات و هتافات أنما وعي و إدراك و ممارسة.
حضرت الندوة التي أقامها فرع الحزب الشيوعي السوداني في فرنسا و هي بعنوان " الوضع السياسي الراهن و تدشين المؤتمر السابع للحزب الشيوعي السوداني"، و هي ندوة اسفيرية علي خدمة " Zoom " و كانت محضورة من قبل عدد من الزملاء في المهاجر و العواصم المختلفة، و أيضا حضرها مراقبين و مهتمين بالشأن السياسي غير منتمين، و استطاعت فرعية فرنسا أن تتجاوز مسالب الندوات الأخرى، و تكسر قاعدة " المركزية الديمقراطية" أن تفتح الباب مباشرة للأسئلة دون أي رتوش عليها، و لا تختار من الأسئلة ما تعتقد أنه يشكل حرجا للقيادة، لو كانت فعلت ذلك و رضخت لقواعد المركزية الديمقراطية، كانت طعنت فلاسفة التنوير في بلدهم، لكن البيئة لابد أن تؤثر تأثيرا مباشرا علي عقليات خرجت تبحث عن مسارات الحرية و الديمقراطية، لذلك لابد أن أسجل صوت شكر و تقدير لفرعية فرنسا و نطالبها بمزيد من الفتوحات في عالم الاستنارة.
قدم القيادي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي طارق عبد المجيد ورقة عن " الوضع السياسي الراهن" بدأها منذ مشوار الثورة في 19 ديسمبر 2018م. ثم لم يجدها كافية أن تغطي الدور النضالي للقوى السياسية التي كانت قد فاجأتها الثورة في ذلك التاريخ، لذلك رجع للتراكمات النضالية للقوى السياسية التي بدأت بعد جلالات الانقلاب في 30 يونيو 1989م تاريخ انقلاب الجبهة الإسلامية، و ربط هذه التراكمات النضالية بالثورة. و قال الزميل طارق " أن الثورة عملية مستمرة و متجددة و هي سلسلة بدأت بالثورة المهدية ثم ثورة ود حبوبة و ثورة م1924 و أكتوبر 1964م و إبريل 1989م ثم ثورة ديسمبر 2018م، و قال لن تتوقف لأنها حركة مرتبطة بالجماهير، و تحقيق حاجياتها و تطلعاتها" ثم تحدث عن التحالفات التي تأسست في مسار النضال ضد حكم الإنقاذ " التجمع الوطني الديمقراطي – قوى الاجماع الوطني العريض الذي كان قد تأسس في جوبا" ثم التحالفات الأخرى. و أنتقل للحديث عن الوثيقة الدستورية التي تم التوقيع عليها في عام 2014م من قبل كل القوى السياسية المناهضة للنظام و الجبهة الثورية، و التي في النهاية تحولت إلي إعلان الحرية و التغيير" و قال أن الإشكالية التي واجهت الثورة اللجنة الأمنية للنظام السابق التي أصبحت المجلس العسكري الذي يفاوض قوى الثورة. و قال أن الحزب الشيوعي كان رافضا تماما أن يتحول جنرالات النظام السابق إلي حاضنين للثورة، و كان يجب أن يقدم هؤلاء إلي محاكمات و ليس أن يقرروا في مسار الثورة، لكن بعض القوى السياسية اعتبرتهم شركاء في الثورة و يجب التعامل معهم بهذه الصفة.
عن اتفاق سلام جوبا قال الزميل طارق " أن الحزب الشيوعي منذ تكوينه قد جعل المظالم و النزاعات في البلاد واحدة من أهم أجندته، إلي جانب قضايا التنوع الثقافي و الديني، لذلك ليس هو ضد اتفاق السلام الذي تم في جوبا لكنه يعتبره سلاما ناقصا لأنه لم يشمل حركات أخرى و أيضا لأنه لم يخاطب جذور المشكلة بكل أبعادها، و قال واحدة من إشكالية الاتفاق أن الحركات سوف تحتفظ بالسلاح لمدة اربعين شهرا بعد التوقيع، و هذه تعد مشكل عند الانتخابات. ثم قال نحن في الحزب الشيوعي نمد أيادينا لكل القوى السياسية و الكفاح المسلح للرجوع للوثيقة الدستورية و الالتزام بها، رغم العيوب التي فيها، حتى نستطيع أن نحقق أهداف الثورة.
و حول عملية مقاومة انحراف الثورة؛ قال الزميل طارق عبد المجيد سوف نعمل من أجل إعادة الثورة لمسارها الطبيعي لكي تنجز مهامها، و سوف نركز علي قيام النقابات و الشروع في تكويناتها الشرعية من خلال خوض الانتخابات، و أيضا يجب أن نعمل وسط لجان المقاومة في الأحياء و المؤسسات و في كل مكان لاستنهاض الجماهير لكي تدافع عن مصالحها. و قال نحن كشيوعيين مطالبين أن نناقش قضايا أساسية و نشرك فيها قطاعات الشعب. و أيضا نطمح أن نناقش قضايا جوهرية ديمقراطية في مؤتمر الحزب و نخرج بوثيقة سياسية محترمة و مقدرة تجذب قطاع واسع من الجماهير.
عن المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الذي يتم التحضير له الآن . سألت الزميل طارق هل قضية المركزية الديمقراطية من أجندة المؤتمر السابع؟ و إذا كان الحزب الشيوعي مؤمن بالديمقراطية موقفه من ديكتاتورية البوليتاريا التي تمثل مرحلة من مراحل الوصول للمجتمع الشيوعي؟
قال الزميل طارق أن الديمقراطية المركزية موضوع في أجندة المؤتمر السابع، و سوف تناقش و أيضا قضية ديكتاتورية البوليتاريا باعتبارهم من القضايا الفكرية. و طالبني أن أقدم مساهمة في هذه القضية.
أن قضية المركزية الديمقراطية تشكل معضلة أساسية لقضية الحرية و الممارسة الديمقراطية داخل الحزب الشيوعي، و تجهض أي شعارات للديمقراطية يرفعها الحزب، و هى قضية نضال لكل القوى الديمقراطية المستنيرة داخل البناء الشيوعي و خارجه، حيث تحرم القاعدة من اختيار قيادتها عن طريق الاقتراع الحر المباشر، و حتى إذا تمت إثارتها داخل المؤتمر لن تجد اتساعا من الحوار حولها لآن القيادة هي التي سوف تختار الذين يشاركون في المؤتمر و هي التي سوف تختار عضوية اللجنة المركزية، و القبضة الاستالينية ماتزال قوية علي مفاصل الحزب، و كان المتوقع بعد ثورة ديسمبر أن تحدث هزة قوية داخل هذه المؤسسة التي تحتضن شباب واعي و مدرك لدوره السياسي، لكن تنقصه مساحة الحرية التي يستطيع أن يفجر من خلالها طاقاته الإبداعية، و يعيد للحزب دوره المعروف خاصة لأجيال الستينات و السبعينات، في ضروب كل الفنون و الإبداع. أن المركزية الديمقراطية أصبحت موروث ثقافي للقيادات التاريخية، و التخلي عنها مثابة خيانة لتاريخ الحزب، لذلك تجد 85% من عضوية اللجنة المركزية هم الذين تجاوزت اعمارهم 65 عاما و مافوق من الجنسين هؤلاء هم حراس المعبد. في الختام أشكر الزملاء في فرعية فرنسا و علي جورأتهم علي تجاوز الموروث و فتح المنافذ دون قيود. نسال الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com