الشيوعي والدعوة لإسقاط الحكومة

 


 

 

 

 

دعا الحزب الشيوعي السوداني إلي إسقاط الحكومة و إقامة ما سماه " حكم مدني ديمقراطي عادل في البلاد" و قال الحزب في بيان صدر في الثاني من إبريل " "أن طبيعة السلطة التي تعبر عن مصالح الرأسمالية الطفيلية، أعادت سياسات النظام البائد في كل المجالات، بما في ذلك الديمقراطية و التفريط في السيادة الوطنية، و الاعتماد علي الحلول الجزئية" و اضاف البيان" ليس في مقدرة هذه السلطة أن تحقق حلا عادلا لمشاكل البلاد. بما في ذلك قضية السلام، مما يتطلب مواصلة النضال الجماهيري و إسقاط الحكومة و تحالف الهبوط الناعم و إقامة الحكم المدني الديمقراطي العادل"
أن الحزب الشيوعي أصدر هذا البيان عقب بيان المكتب السياسي الذي أيد فيه إعلان المبادئ الذي كان وقعه رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان مع رئيس الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو في جوبا الأسبوع الماضي. و قال في بيانه أن الحزب يرحب بإعلان المبادئ، فيما يخص دولة المواطنة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع، و التوزيع العادل للثروة و السلطة و القضاء علي التهميش و التنموي و الثقافي و الديني و بناء الجيش المهني القومي الواحد و الذي يعكس التنوع و التعدد السوداني و الولاء للوطن لا لحزب أو جماعة" بعد هذه الإشادة بإعلان المبادئ يعرج الحزب لكي ينتقد المكون العسكري الذي يعتقد يتحكم في مفاصل الحكم و يغيب السلطة المدنية حيث يقول في البيان " رغم إيجابيات في الإعلان إلا أن هذه الخطوة تؤكد من جديد اختطاف المكون العسكري لملف السلام الذي هو من صميم مسؤوليات مجلس الوزراء و نشير لأهمية تكوين مفوضية السلام التابعة لمجلس الوزراء فلا يكفي التوقيع على إعلان المبادئ بل العبرة في التنفيذ حتى لا تتكرر تجارب الاتفاقيات الثنائية التي اعادت الأزمة و الاستمرار في الحرب" لكن سؤال عن أختطاف ملف السلام يجب أن يسأل عنه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك؛ لماذا فرط في أختصاصه و وافق أن يدير الملف المكون العسكري؟ فالمجلس العسكري أضافة للمفوضية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية المجلس الأعلي للسلام. أين كانت الحاضنة السياسية التي يجب أن تكون مراقبة لتطبيق الوثيقة الدستورية و عدم تجاوزها؟
أن بيان الحزب اشيوعي ينقلنا مباشرة إلي الإيام الأولي للثورة، حيث كانت قناعته اليوم ليست هي القناعة السابقة، تغيرت قناعة الحزب الشيوعي الآن بعد ما شعر أن أهدافه في تسير السلطة بالشروط التي يريدها أصبحت غير ممكنة. كان الحزب الشيوعي اعتقد أنه قادر علي التحكم في الشارع، و يستطيع من خلاله ممارسة الضغط علي الأخرين. و أن تغول العسكر علي اختصاصات السلطة المدنية يجب أن تسأل عنها الحاضنة السياسية " قوى الحرية و التغيير" التي كان هم أغلبيية القيادات المحاصصة و ليس عملية التحول الديمقراطي و انجاز أهداف الفترة الانتقالية، و لذلك جاء مقترح مد الفترة الانتقالية من سنتين التي كان قد اقترحها العسكر، إلي اربعة سنوات. كانت الأغلبية في قحت و من ضمنها الحزب الشيوعي كانوا يعتقدون أن أيديهم قابضة علي السلطة و لكن ترتخي في ذلك الوقت، و كانت قناعتهم أن ميزان القوى لن يتغير مطلقا. المسألة الأخرى السؤال الذي كنت قد سألت عنه كثيرا العديد من القيادات في قوى الحرية و التغيير من هي الجهة أو القوى التي رشحت حمدوك لرئاسة الوزراء؟ المعروف أن حمدوك كان عضوا في الحزب الشيوعي و بالتالي الحزب يعرف شخصية حمدوك أن كانت شخصية صدامية قادرا علي الدفاع عن أهداف الثورة أم لا. و أيضا الحزب الشيوعي يعرف تماما هل حمدوك يستطيع أن يدخل في صدام مهما كانت نتائجه لكي لا يفرط في اختصاصات منحتها له الوثيقة الدستورية أم لا، أن أي فراغ يخلفة الأخرين لابد أن يجد من يملأ هذا الفراغ، إذا كان العسكر قبضوا علي ملف السلام يرجع ذلك لضعف الحاضنة السياسية و رئيس الوزراء، و حتى المقترح لتشكيل مجلس استشاري جاء من قيادات " قحت" و عندما أعلن عنه حاول البعض أن يحمل ذلك للمكون العسكري، باعتباره لا يريد تشكيل المجلس التشريعي، رغم أن التفريط جاء من الحاضنة السياسية التي اتضح تماما للكل، أن هم قياداتها كانت في المناصب و ليس في نجاح الفترة الانتقالية التي يريدون إطالة فترتها.
و قال الحزب الشيوعي أيضا في بيانه " أن الاتفاقيات الثنائية التي أثبتت فشلها في الماضي تؤكد أن الخطوة الأولي في هذا الاتجاه تعني حماية النازحين و وقف الحرب وحل الميشيات و جمع السلاح و بسط الأمن، و تقديم الخدمات في اتجاه إقامة المؤتمر الدستوري بمشاركة مختلف القوى و صياغة دستور جديد ديمقراطي" هذه المطالب سوف تجد تأييدا من كل القوى السياسية. و لكن من تسبب في تغبيش الفترة الانتقالية هم الحزب الشيوعي و معه قوى الاجماع الوطني، و أيضا تسببوا في تمزيق اجماع قوى الثورة، و هم الذين قسموا الساحة السياسية، حيث كانت الدعوات الأولي أن القوى التي كانت مشاركة في نظام الإنقاذ يجب أن لا تشارك في الفترة الانتقالية و لم يكن هناك اعتراض لكن القوى التي شاركت في الثورة و لم تشارك في النظام يجب مشاركتها في الفترة الانتقالية، غضوا الطرف عن ذلك حتى يتحكموا لوحدهم في الفترة الانتقالية و لا تشاركهم أي قوى في إدارة الفترة الانتقالية، و تسربت السلطة من بين أصابعهم لذلك عاد الزملاء ليتحدثوا عن صياغة دستور جديد بمشاركة كل القوى. فالذي يتأمر علي الآخرين لا يعتقد أنهم سوف يقفوا كتوفي الإيدي، حيث أن الشيوعيين بادروا الاستعداء بالعسكر و الأن خرجوا هم من دائرة الحدث.
و كان الحزب الشيوعي قد أصدر بيان في الأسبوع الأول من نوفمبر 2020م، دعا فيه لأول مرة إلي إسقاط حكومة حمدوك لأنها لم تحقق أهداف الثورة و قال "إن الإعتراف والتأييد الذي وجدته حكومة الفترة الإنتقالية برئاسة د. عبدالله حمدوك وحراسة لجان المقاومة وقوى الثورة الحية لها وتضحيات الشباب ودماء الشهداء ، قابلته بمناصبة العداء للثوار ولقوى الحرية والتغيير ولكل ما يمت للثورة بصلة على حساب ذات القوى الإجتماعية التي كان النظام البائد يعبر عنها بقاعدته السياسية بشقيها البيروقراطية العسكرية والرأسمالية الطفيلية او في حلفائهم من أصحاب الهبوط الناعم والتسويات التاريخية تحت وصاية الخليج و الأحلاف المشبوهة مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب." عندما يتحدث الزملاء عن الهبوط الناعم ماذا كان يريدون استخدام السلاح و حرب عصابات، المعروف أي تسوية هي هبوط ناعم، و يجب أن تستمر هذه التسوية بتناغم كامل لكي تنجز أهدافها، لكن العناصر التي اختارتها " قوى الحرية و التغيير" في الحكومة المدنية هي عناصر ليس لها خبرات سياسية، و ليست لها قدرة لمواجهة التحدي، كان علي الحكومة أن توقف التدهور الاقتصادي حيث كان عليه، ثم تبدأ في عملية الإصلاحات الهيكلية، و لكنها لم تنجز شيئا، و كان التشاكس قائما بين تيارين الحكومة متمثلة في رئيس الحكومة و وزير المالية كان الاثنان داعمان للاقتصاد الحر، و كانت اللجنة الاقتصادية "لقوى الحرية و التغيير" يتحكم فيها التيار اليساري " الشيوعي – البعثي" و كان هؤلاء رافضين للتعامل مع البنك و صندوق النقد الدوليين، و حتى المؤتمر الاقتصادي الذي كان من المفترض أن يضع حلولا للمشكل الاقتصادية كانت تغلب عليه السياسة و ليس علم الاقتصاد، كان حشدا سياسيا، و الغريب في الأمر أن الزملاء لا يستطيعون الحديث بلسانهم كحزب يستلفون لسان غيرهم، يقولون دائما هذا الذي دعت له الجماهير، هذا تريده الجماهير و لا يحددون متى و اين قالت ذلك الجماهير لا أحد يعرف. و نجد أن البيان أتهم الحكومة بتبنى سياسة البنك الدولي بديلاً عن البرنامج الإقتصادي لقوى الحرية والتغيير مما زاد الأزمة المعيشية الطاحنة سوءاً والأوضاع الإقتصادية تردياً ، وإنتكاسة وتراجع في جبهة الحريات، وإعلان الخلاف مع الحرية والتغيير وقوى الثورة الحية ، والعجز عن تحقيق المطالب التي خرجت لها الجماهير في مليونيات فاضت بها الشوارع والميادين ، من سلام و إعادة هيكلة القوات النظامية والمليشيات وولاية المالية على كل الشركات الأمنية وإيقاف توغل المكون العسكري على صلاحيات الحكومة التنفيذية" كل ماذكره البيان مسؤولة عنه الحاضنة السياسية التي كانت تضم الحزب الشيوعي و ليس العسكر، لآن العسكر كانوا يملأون الفراغات التي تخلفها الحاضنة السياسية و الحكومة. كانت قيادات الحاضنة السياسية غير مشغولة بمراقبة الحكومة و تصحيح أخطائها كانت، تركض وراء الوظائف إذا كانت دستورية أو خدمة مدنية، حتى أصبح الشعب مدركا لذلك، و وصم الحاضنة بأنها لا تعرف شيئا غير المحاصصة. واحدة من عادة الأحزاب السياسية السودانية لا تعترف بأخطائها و دائما تبحث لها عن تبريرات، و تبحث عن شماعات، هي أحزاب متأصلة فيها الشمولية بكل ثقافتها، فهي غير جاهزة لكي تحدث تحولا ديمقراطيا في البلاد.
قبل شهور قرر الحزب الشيوعي أن يختبر قوته في الشارع؛ فدعا الشعب في 19 ديسمبر 2020م الخروج إلي الشارع مطالبا اسقاط حكومة عبد الله حمدوك، و التي كان قد أطلق عليها حكومة الهبوط الناعم. و قال أن الحكومة قد قطعت الطريق أمام تحقيق أهداف الثورة. و في ذلك كان السكرتير العام للحزب محمد مختار الخطيب قال أن ما يحدث الآن ضد إرادة الجماهير لأن سلطة الفترة الانتقالية تسير في طريق الهبوط الناعم، و لابد من محاصرتها و استرجاع الثورة التي سرقت. و قال هذه ليست حكومة شيوعين كما يدعي البعض لآن الحزب الشيوعي ليس أفراد بل مؤسسة و تسأل إذا كانت الحكومة قد نفذت برنامج الحزب لماذا يخرج عليها؟ أن المسيرة التي كان قد دعا إليها قد فشلت، حتى لم تكن بالحجم الذي كانوا يدعوا له الفلول كما يسمونهم الزملاء للخروج، فشعر الحزب بالحرج لذلك قرر الخروج من الحاضنة السياسية و من قوى الاجماع لكي يخوض معاركه لوحده، و البيان الآخير شعر الحزب الشيوعي شعر أنه قد خسر حليفا أخر، هو الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو. كان الزملاء يعتقدون أن الحلو لن يتجاوب مع العسكر لكنه فعلها، و بالتالي لا يستطيع الحلو أن يكون خصما للعسكر، الذين بتوقيعهم علي الإعلان المبادئ يريدون دخوله حلبة الساحة السياسية. معلوم أن السياسة تؤسس علي النسبية و ليس المطلق، لذلك هي متحركة و ليست ثابته، فالذي يريد أن يربح عليه أن يتعامل مع ما تفرزه الوقائع و ليس شروط لا يستطيع الأخرين قبولها. جميل أن يرجع الزملاء للعقل و الانطلاق من الخطاب الذي يجمع أكبر قطاع اجتماعى لكي تؤسس عليه الديمقراطية. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء