الصادق المهدي: الفتاة المجلودة ضربت ضرب غرائب الابل

 


 

 

د. الصادق المهدي في حوار صريح وبلا رتوش لـ ( الأخبار) (1 -_2)

الاتحادي رفض الغاء قوانين سبتمبر !!
الحكومة تخوّن الانفصال عبر فتاوى علماء (مخرفين)!!
 أحزاب الشقق المفروشة والزينة طفيلية تمتص دم الوطني وهو ( عاجبو كدا)!!
الحكومة اغترت بنتائج الانتخابات المطبوخة وصاروا يتصرفون باستفزاز واستعداء للآخرين !



أجرت الحوار بأمدرمان / نادية عثمان مختار
Nadiaosmanmukhtar@yahoo.com

للحوار مع الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي متعة خاصة وفوائد كثيرة ، فالرجل موسوعة من المعارف وكتاب مفتوح ، واضح الحروف ، رصين اللغة ، غزير المعلومات في شتى مناحي الحياة؛ سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا !
التقيته في داره العامرة بحي الملازمين وبدأت معه الحوار لـ ( الأخبار) من الملف الأكثر سخونة في الساحة الآن، والذي أخذ الأنظار ولو مؤقتا من قضايا مصيرية كانفصال الجنوب وقضية دارفور آلا وهو ملف حقوق الإنسان في السودان على ضوء ما أثاره فيديو الفتاة ( المجلودة) بأيدي شرطيين، وصف من كل من رأى مقطع الفيديو المؤلم بأنها وحشية وقاسية؛ حد تحجر القلب !
تحدث المهدي بأسف بالغ عن منافاة ذلك للشريعة والقانون .. !
ووصف المؤتمر الوطني بـ ( العنيد والعدائي والمستفز) واعتبر انه لا صديق للوطني سوى الأحزاب  التي وصفها بـ(الشقق المفروشة) وقال إنها أجسام طفيلية تمتص دم المؤتمر الوطني ( وهو عاجبو كدا) !
وحذر الحكومة من غضب الشارع وإهمال حل المشكلة الدارفورية !
وبعث برسالة للضباط المعاشيين قال فيها : ( عبد الرحمن ولدي رجع ليهو حقو بعودته للقوات المسلحة انتو زعلانين مالكم)؟!
وأحاديث أخرى مهمة تشرح وتشرّح الواقع الراهن فماذا قال المهدي هذا ما ستتابعون تفاصيله في الحلقة الأولى من الحوار :  

دعني أبدأ حواري معك من القضية الأكثر سخونة في الساحة  الآن وهي قضية جلد الفتاة السودانية التي نشرت صورتها وصوتها على شبكة الانترنت.. كيف ترى هذا الفعل ؟؟
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان بقاعة الصداقة قلت كلاما واضحاً؛ إدانة لهذا السلوك المشين؛ لأنه لا يناسب لا الأخلاق  السمحة السودانية ولا السلوك الإنساني، وفوق ذلك كله فهو مناقض تماما للشريعة؛ لأن السياط التي ضربت بها الفتاة ليس فيها ( حد) لأن الحد معروف في حالة القذف ثمانون جلدة، وحد الزنا مائة جلدة، وهذه السيدة ( نحنا عدينا دقوها زي خمسين جلدة) وهذه الخمسون جلدة معناها في شيء ليس حدياً ، وعلى أي حال حتى لو كان حديا فليست هذه هي الطريقة التي يضربوا بها الناس فهذه تسمى طريقة ( ضرب غرائب الإبل) فقد ضربوا الفتاة في كل أنحاء جسدها ، وجهها ، ظهرها ، بطنها ، وكل الجسد وهذا كله مناف للشريعة، وهو سبة في النظر السوداني والإنساني والإسلامي، وليس هناك شك أنها ذات الممارسات التي كان نظام مايو يتعامل بها في الشريعة، وهي تطبيق الأحكام بطريقة غير شرعية وغير صحيحة. وهيئة شئون الأنصار قد ناقشت الموضوع ولها مواقف وسجلت صوت إدانة واحتجاج ، كذلك المكتب السياسي لحزب الأمة حيث أننا نعتبر هذا الموضوع إساءة للشريعة والإنسان والسودان .
وما هي جهودكم المبذولة لتغيير هذا الواقع ؟؟
قمت بإصدار كتاب ( الإنسان بنيان الله) وهو يوضح كيف أن هنالك تطابقاً في المبادئ مابين حقوق الإنسان في الإسلام وحقوق الإنسان العالمية، والآن لدينا كتاب سيتم تدشينه يوم السبت القادم بعنوان ( ميزان المصير الوطني في السودان) وبه مناقشة أساسية لمساوئ تطبيق الإسلام في السودان بالتفصيل ) ولا شك أن حادث الفتاة المجلودة يلحق بهذه الإساءات للتطبيق الإسلامي، وهو من ضمن الدلائل على سوء تطبيق الأحكام الإسلامية في السودان، ونحن كما قلت سنتخذ مواقف واضحة، ونحن نطالب السلطات بالتحقيق في هذه الواقعة.
ذكرت أن عملية ضرب النساء هي ذات الممارسات التي كان نظام مايو يتعامل بها، أي أنها امتداد لقوانين سبتمبر التي كان باستطاعتكم إلغائها وأنت على كرسي الحكم فلماذا لم تفعل ؟؟
يا سيدتي .. هؤلاء الناس كانوا يعتقدون أن الصادق كان الحاكم الرئيس القائد ( أنا ما الرئيس القائد) أنا حاكم ديمقراطي ، وحزبنا كان يريد أن يلغيها، ووقف ضد  إلغائها الحزب الحليف معانا، وقد قالوا إنه لا يمكن إلغاؤها إلا بعد أن نقدم لها بدائل، وكنا نشتغل في البدائل لكننا اتفقنا على تجميدها كحل وسط ، وقد جمدت لفترة ، ولكني لم يكن لدي أدنى تردد في إلغائها إلا أنني لا استطيع إلغاءها بأصوات حزب الأمة، فهو ليس له أصوات أغلبية، وكان في الجمعية عندما تأتي أي قضية من هذا النوع هناك أصوات الجبهة الإسلامية القومية والاتحادي الديمقراطي ، ونعم الاتحادي حليفنا ونحن كنا قد اشترطنا  في التحالف بيننا وبينهم انه من اللازم إلغاء قوانين سبتمبر ولكنهم لم يوافقوا ولذلك جمدناها .
ثم ؟؟
أثناء الحكومة الديمقراطية هذه القوانين المشوهة للإسلام لم تكن مطبقة ( موش كدا بس) بل إنني دعوت علماء من العالم الإسلامي وعدداً كبيراً منهم كانوا قد أتوا في عهد نميري ليباركوا له تطبيق الشريعة بعد مرور عام؛ حيث دعاهم في العام 1984م وقد دعوناهم وقلنا لهم تعالوا لتروا هذه الأحكام والتطبيقات التي حدثت في السودان، وهؤلاء العلماء قاموا بعمل تقرير.. موجود الآن في وزارة العدل.. يقول إن هذا الإجراء بعيد في صياغته الأكاديمية والنظرية وتطبيقه، وصلاح أبو إسماعيل من الأخوان المسلمين في مصر كان أحد هؤلاء العلماء الذين أتوا وباركوا لنميري تطبيق الشريعة، وعندما تقدمنا لهم بالدعوة جاءوا واشتركوا في الإدانة والنقد لهذه القوانين فسألت أبو إسماعيل حول كيف انه أخذ الموقف ذاك وموقفه الجديد!؟ فقال لي نحن عندما دعانا نميري لم نطلع على شيء ولكن أخذتنا العاطفة عندما قالوا لنا تم تطبيق أحكام الله والشريعة، ولكن عندما اطلعنا على التفاصيل وجدنا أن هذه إساءة للإسلام ، لذا أريد أن أقول إننا اتخذنا إجراءات لإدانة هذه القوانين أثناء وجودي في السلطة؛  ولكن للأسف كان هناك جزء من نواب الاتحادي الديمقراطي أعضاء في الاتحاد الاشتراكي، وقد اشتركوا في هذه القوانين ، ولذلك رفضوا أن يقبلوا إلغاءها بالطريقة التي قلنا بها .
وانتهى الأمر على ذلك ؟؟
موش كدا .. بعد أن تمت الانتخابات في العام 1986م اجتمعوا الجبهة الإسلامية القومية والاتحادي الديمقراطي؛ وفي ذلك الوقت كنا نقف مع ميثاق الانتفاضة الذي يتحدث عن أشياء محددة وهي أولاً إلغاء قوانين سبتمبر ، ثانيا تكوين محكمة للقصاص الشعبي ، ثالثا إجازة الحل السلمي لقضية الجنوب وكان في ذلك الوقت بعد الانتفاضة جاء إعلان كوكادام، وكان من الأشياء التي نادينا بها وقبلناها واشتركنا فيها، وعندما انتهت الانتخابات اجتمعت الجبهة الإسلامية والاتحادي الديمقراطي ووقعوا على وثيقة مشتركة؛ وقع عليها بالنيابة عن الجبهة الإسلامية د. الترابي ونيابة عن الاتحادي الديمقراطي وقع السيد زين العابدين الهندي؛ وكانوا يشكلون أغلبية في البرلمان، واتفاقهم كان ينص على: أولا .. لا نوافق على محاكم قصاص شعبي، وإذا كان هنالك محاكمات تكون عن طريق المحاكم العادية ، ثانيا لا نوافق على إعلان كوكادام ، ثالثاً لا نوافق على إلغاء قوانين سبتمبر ، رابعا إذا تكونت حكومة فإما أن ندخل فيها معا أو نكون في المعارضة معاً ، واجتمع حزب الأمة لمناقشة هذا الأمر لأننا لدينا أكثرية، ولكن ليس لدينا أغلبية، فقلت لهم لا خيار لنا غير عمل حكومة تكون للجمعية وكل عشرة نواب ينوبهم وزير، ولدينا ثلثمائة عضو؛ أي ثلاثين وزيرا ، أو نقف في المعارضة ولكن حزب الأمة رفض كلامي، وقرر عمل ائتلاف مع الاتحادي الديمقراطي ، وبدأنا حوارا مع الاتحادي، ولكن يبدو أن اتفاق الاتحادي مع الجبهة كان مناورة لكي يضعنا في موقف ضعف ، ولكي نفض هذه المناورة رأيت أنه ( ما في داعي لكلام زي ده) واقترحت حكومة للجميع، وكل عشرة نواب يكون لهم وزير، لكن حزب الأمة رفض ورأى انه لابد من التفاوض مع الاتحادي، وتفاوضنا.. والاتحاديين قالوا نحن مستعدون لعمل بديل لقوانين سبتمبر؛ لكننا لسنا مستعدين لإلغائها ، وأنا لم أكف نهائيا عن الهجوم على هذه القوانين بصفتي رئيسا للوزراء، ولكني لا استطيع إلغائها بأصوات حزب الأمة حيث أنها إذا جاءت للجمعية فستسقط بالأغلبية .
وماذا كانت نتيجة معارضتك في ذاك الوقت لقوانين سبتمبر ؟؟
سجنت ثمانية عشر شهراً بسبب معارضتها، وخضنا الانتخابات ضدها وأتينا بالعلماء لكي يدينوها ولكن الاتحادي الديمقراطي لم يوافق على إلغائها، بل تجميدها فقط ، والجبهة كانت تأتي للبرلمان كل يوم والتاني لتقول لابد من التطبيق بدلاً عن التجميد، ولكننا منعنا ذلك لأننا نعتبرها أحكاماً لا تمثل الإسلام في شيء .
حديثك هذا يقودني لسؤال مهم سيد الصادق .. هل الشريعة الآن مطبقة في السودان حقيقة أم أنها شريعة مطبقة على ناس دون الآخرين ؟؟
هي مطبقة بطريقة خطأ، فالتطبيق قائم بطريقة انتقائية للغاية ، وبالمناسبة الآن كل واحدة أو واحد يصبح ضحية لهذه الأحكام الجائرة سيجد تعاطفا سودانيا وعالميا ، فالآن هذه الفتاة تحولت إلى بطلة وقبلها لبنى ( عملوا فيها العملوه) وحولوها إلى بطلة؛ لأن العالم له ضمير ، وهذا يعد قصر نظر شديد جداً من السلطات ، وزمان في الإسلام الناس الواعين في مثل هذه الظروف التي بها توتر أو حرب أو غيره؛ كانوا يجمدون الأحكام الحدية ويقولون في ذلك لكي لا يتم الانحياز للعدو !!
تعني أن توقيت ظهور الشريط سيكون له آثاره؟ خاصة وأن هنالك أجواء متوترة بالفعل في السودان ومشاكل كبيرة بين الشريكين وفي دارفور ؟؟
نعم وهنالك إدانة ، فالمؤتمر الوطني كحاكم فقد أي علاقة مع شريكه، وتحولت الشراكة إلى عداء ، وليس له أي صلة بأي قوى وطنية في السودان الآن وعلاقته فقط بما أسميه ( الشقق المفروشة) وأعني بذلك أحزاب الزينة والأحزاب الزخرفية؛ والتي ليس لها أي وزن، وهي أحزاب طفيلية متعلقة بجسم المؤتمر الوطني وتمص في دمه وهو ( عاجبو الشكل ده) ولكن لا يوجد أي شعبية تتمتع بها هذه الأحزاب الطفيلية ، فالمؤتمر الوطني ليس له أي علاقة حقيقية مع أي قوى سياسية شعبية في السودان وآخر صلة كانت بينه وبين الحركة الشعبية في إطار ثنائي والآن انفض هذا الإطار .
ثم ؟
هذا أولاً، وثانياً ليس لديه أي علاقة حقيقية مع أي دولة من دول الجوار ( ولا واحدة) فكل دول الجوار في رأيي- وبدرجات متفاوتة- ليس بينها وبين المؤتمر الوطني علاقات طيبة ، ودوليا ( مافيش) وهناك نوع من العلاقة مع إيران ولكن العلاقة معها قائمة في رأيي بصورة ليست عميقة؛ لأنه عندما وقعت الحرب الإيرانية العراقية نحن في حزب الأمة كان رأينا أن نأخذ موقفا حيادياً لنوقف الحرب ونتوسط لمنعها؛ ولكن الجبهة الإسلامية القومية ( اللي هم حزب هؤلاء الجماعة) في ذلك الوقت اجتمعوا وأعلنوا الانحياز لصدام حسين، والوقوف معه وهم يتخذون موقفا مبدئياً معاديا ضد الشيعة ، ففي جوهر الموضوع موقفهم من إيران لا عمق له؛ ولذلك هم الآن بلا أصدقاء لا على الصعيد الدولي ولا الإقليمي ولا الوطني ، وأنا مستغرب في ظرف مثل هذا وناس معزولين بهذا الشكل بدلا أن يفكروا تفكيراً جاداً لفك هذه العزلة نجدهم ( ماشين) في تصرفات وإجراءات تزيد من العزلة !!
وما هو السبب في ذلك في رأيك ؟؟
في رأيي أنهم اغتروا بعد الانتخابات بالنتائج المطبوخة، وصاروا يتصرفون بصورة فيها درجة أعلى من استفزاز واستعداء الآخرين ، بينما الحركة الشعبية وهي التي فعلت مثلما فعلوا في السيطرة على الانتخابات في منطقتهم ( الاتنين عملوا نفس الشيء) إلا أن الحركة غيرت من طريقة تعاملها مع الآخرين. ودعا السيد سلفاكير كل القوى السياسية الجنوبية سواء التي معه أو ضده، وقال لهم عفو عام و تعالوا نخطط معا لنهج قومي جنوبي للمستقبل واتفقوا على عدد من الإجراءات، أولاً- انه بعد الاستفتاء يقوم بحل حكومته ويكوّن حكومة لكل الأحزاب الجنوبية ، ثانيا- هذه الحكومة تدعو لمؤتمر دستوري يضع أساس لدستور الجنوب سواء كان موحدا أو منفصلا ، وانتخابات جديدة لجمعية تأسيسية لتجيز هذا، كما اتفقوا على تكوين جسم مشترك من الأحزاب الجنوبية يجتمع مرتين في الشهر لمتابعة هذه الإجراءات ، وهذا تصرف ناس رجال دولة !!
الحكومة أيضا حاولت أن تسعى باتجاهكم كأحزاب فاعلة وقوى سياسية لها وزنها ولكن كل حزب على حدة فهل كان هذا هو الخطأ الذي وقعت فيه برأيك ؟؟
لا لا .. نحنا عارفينها .. هم لا يريدون أن يفعلوا ذلك ، المؤتمر الوطني يريد أن يستخدم الأحزاب كعلاقات عامة ، لا يريد أن يغير سياساته ولا برنامجه ولا أن يضع في الأجندة مؤتمرا دستوريا ولا انتخابات جديدة ( كل ده مافيش) فهو دعانا ويريد فقط أن يلمنا في شعار مشترك بيننا وبينهم وهو أفضلية الوحدة، ولكننا نعتقد أن تبني المؤتمر الوطني للوحدة هو من الأسباب التي أتت بنتائج عكسية لأنهم يدعون للوحدة على أساس امتداد اتفاقية السلام ، أي أن يحافظ على نفس امتيازاته الموجودة في اتفاقية السلام في المستقبل ، وهم يريدون عمل وحدة تحت هيمنة المؤتمر الوطني؛ وليست هنالك جهة سياسية عاقلة ستذهب لتشترك في شيء مثل هذا و( نحنا شفنا المؤتمر الوطني أذى البلد كيفن) فإذا كان هناك أي نوع من عمل نحو الوحدة فلابد أن يكون ضمن برنامج وطرح جديد في العلاقة بين الحكومة والشعب والجنوب والشمال وفي حل مشكلة دارفور و...
مقاطعة
ولكن هل كان هذا الطرح الذي تقول به الآن سيغير من واقع أن الجنوبيين يريدون الانفصال وهو قد صار واقعا بالفعل ؟؟
لا .. لن يغير، ولكن طرحنا واضح في هذا الموضوع أولا- لكي نخلق مناخاً أفضل في العلاقة بين الشمال والجنوب، ويزيل هذا الاستقطاب بحيث ندعو للوحدة بأسس جديدة؛ أهمها أن يكون واضحاً بأن الدستور الموحد دستور ديمقراطي مدني يوفق مابين مدنية الدولة وتطبيق الأحكام الإسلامية للمسلمين ، ثانيا يضمن الحريات لأن الدستور الحالي فيه نصاً، ولكن ليس به طريقة التنفيذ للحريات ، ثالثا لابد من الاعتراف بأن بترول الجنوب للجنوب ، رابعا لابد من اعتبار العاصمة القومية قومية بالفعل وليس تبع الشمال ، لدينا أسس محددة لجعل الوحدة جائزة ليس؛ لأنه وارد انحياز الجنوب في هذا الوقت الضيق، ولكن لخلق مناخ؛ لأن الناس الذين يدعون للانفصال في الجنوب الآن دوما ما يدعون بلغة أن نحن إذا قبلنا الاستمرار في الوحدة فمعنى ذلك قبولنا بأن نكون مواطنين من الدرجة الثانية و...
مقاطعة
إذن تعاملتم مع الحكومة بسياسة ( التسوي بايدك يغلب أجاويدك) وتركتم الأمر للوطني فوقع الانفصال ؟؟
لا ـ نحنا كلامنا واضح .. نحن نريد أن ندعو للوحدة ولكن على أسس جديدة حتى يكون لها فاعلية والذي أتى بمثل هذا الموقف هو أن هنالك مفردات مهمة ، يعني مثلا مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في يوليو 2010م قال كلاما واضحا حيث أكد انه لا يمكن الاستمرار في الوحدة التي تجعلنا مواطنين درجة ثانية ، فنحن نريد أن نخاطب كل هذا الكلام، وحتى لو لم يكن له استجابة فهو يخلق مناخا أفضل، ويحول دون استخدام لغة في إدانة الوحدة، والقول بأنهم مواطنين درجة ثانية الخ ، ثانيا-  مع فكرة طرح الوحدة طرحنا التوأمة للدولتين بحيث أن تصيب واحدة من الاثنتين فإما وحدة على أسس جديدة ندية أو انفصال على أسس توأمة ، وهذا هو طرحنا ، أما طرح المؤتمر الوطني فهو مختلف تماما حيث انه يدعو للوحدة ويشجعوا ناس لتخوين الانفصال ، ولديهم جماعة من العلماء  (مخرفين وبيطلعوا فتاوي) من وقت لآخر لتخوين الانفصال في حين انه جزء لا يتجزأ من اتفاقية السلام .
مسألة (جاذبية) الوحدة في رأيك هل تعاملت معها الحركة الشعبية بشكل عادل أم استخدمت فيه شيئاً من أساليب الابتزاز للشمال كما يقول محللون ؟؟
ما في شك أن الحركة الشعبية في رأيي حولت عداءها مع المؤتمر الوطني إلى موقف من الشمال، ونحن نلومهم لأنهم لم ينظروا للعلاقة مع الشمال؛ بل مع المؤتمر الوطني ، وليس هناك شك أنهم شعروا أن هنالك أسباباً محددة جدا في رأيي جعلتهم يقفون موقفا واضحاً ضد الوحدة .
وما هي هذه الأسباب ؟؟
هي أسباب بنيوية في اتفاقية السلام نفسها ، أولا- حكاية أن الوحدة تعني خراج خمسين في المائة من بترولهم للشمال، وهذا من وجهة نظرهم و...
ولكن كان هذا أمراً متفقاً عليه بالتراضي بين طرفي الاتفاقية أليس كذلك ؟؟
معليش ـ لذلك يريدونه أن ينتهي فهو متفق عليه في الفترة الانتقالية ولكنهم يريدونه أن يتوقف في المستقبل، وهذا سبب مهم جدا، ولذلك منذ الأول قلنا بترول الجنوب للجنوب في ظل الوحدة الجديدة ، ومن المؤكد انه في كل العالم نجد أن المناطق التي بها بترول يحدث فيها توتر مع المناطق الأخرى ، حتى في الجنوب نفسه مناطق البترول سيكون لها مشاكل مع بقية الجنوب ، لأنهم سيكونوا حريصين على أن هذا البترول بحسابات ( ده بترولنا نحنا) وليس بترول الجنوب كله ، وحيث ما يكون البترول في رأيي يحرق الوحدة و....
ولكن ليست هذه نظرة أنانية لأناس من المفترض أنهم تحت سماء وطن واحد وإخوة سودانيين قبل أن يكونوا سياسيين ؟؟
هذا هو الواقع وقد حصل في بيافرا، وفي كل مكان في العالم ، وأقصد أن هذه نزعة أنانية إنسانية، وأما السبب الثاني هو أن بروتكول مشاكوس قسم السودان على قسمين على أساس ديني ، شريعة في الشمال ولا شريعة في الجنوب ،ورأينا هو أن يكون هناك أحكام عامة في السودان ليس فيها محتوى ديني ويكون للشماليين والمسلمين حق في تطبيق أحكام دينهم على أنفسهم ، توفيق مابين الأحكام الإسلامية والإسلام بيقبل تعددية القوانين ، والسبب الثالث هو أن المؤتمر الوطني خلق في سياساته منذ البداية عداوات كبيرة جداً وأصبح هناك ( لوبيات) كثيرة جدا في العالم ضده، ونحن حسبنا تسعة لوبيات أولا- لوبي مسيحي يريد أن يحمي المسيحيين  في رأيهم ، ثانيا- لوبي صهيوني يشارك في مثل هذه الأشياء ، ثالثاً- لوبي حقوق الإنسان الذي يرى أن بالسودان انتهاكا لحقوق الإنسان ، لوبي ضد الإرهاب ، لوبي الجماعة الأمريكية من أصل أفريقي ، لوبي الحريات الدينية ، لوبي ضد العبودية والرق ، لوبي سيف دارفور وتاسعاً- لوبي كفاية ، وجميعها مسلطة على المؤتمر الوطني والحركة الشعبية تعتقد أنها عندما تبعد عن الشمال المشرعة عليه هذه الحراب فباستطاعتهم الاستفادة من علاقات طيبة في الخارج، وهذه حقيقة، فنفس هؤلاء الناس المعادين للمؤتمر الوطني لهذه الأسباب هم متعاطفين مع الجنوب ، فهذه أسباب مهمة جدا غزت الفكرة الانفصالية ، مضاف لذلك عوامل كثيرة جدا منها ( الانتباهة) وسياساتها، وكلام علماء الدين الغير واعين بمصالح الإسلام والمسلمين الذين يتحدثون عن ارض الجنوب على أنها ( جزء من ارض المسلمين فتحناه بسيوفنا) ضاحكا ومستعجبا (ده كلام ده ، فتحناه بسيوفنا) ؟!!
ويتحدثون عن أن هذه البلاد لا يمكن أن تطالب بحق تقرير المصير لأن من قام بفتحها هم المسلمون ! فمثل هذه اللغة من الانتباهة التي تقول بان الجنوبيين سرطان، وانه خبث وماشابه غزت فكرة تصفية الحسابات مع هذه المرارات وخلقت رغبة شديدة جدا فيما يمكن تسميته بـ ( كينونة ذاتية جنوبية) !
ومن الواضح تماما انه قد حدثت غفلة شديدة جدا من المؤتمر الوطني في الكثير من الأشياء.
 غفلة عن أو في ماذا ؟؟
في الإجراءات المتعلقة بالاستفتاء فقد كتب قانون الاستفتاء، والمؤتمر لم يدقق في المصلحة الوطنية فيه؛ لأنه تم مساومته في الحركة الشعبية بأن يجيز لهم قانون الاستفتاء، ونجيز لك قانون الأمن ، وهذه مساومة لا دخل لها بالمصلحة السودانية؛ فجاء قانون الاستفتاء، ومن الواضح تماما انه يعطي الحركة الشعبية قبضة على الاستفتاء عن طريق مكتب الاستفتاء في الجنوب ، ثانيا قانون الاستفتاء نفسه حدد نسبة من يصوتون لكي يكون الاستفتاء قانونياً والنسبة هي 60%ونسبة الفوز وهي 51% لكنه لم يحدد ما هي نسبة  المسجلين من  المستحقين للتصويت، ولا أي نسبة؛ ولذلك الذين سيكونوا مسجلين للتصويت في التسجيل الحالي هذا سيكونوا في رأيي أقل من الذين صوتوا للحركة الشعبية في الانتخابات و( حا تشوفي) وليس هذا فقط ، بل سيكون المصوتون المسجلون للاستفتاء 98% منهم في الجنوب، ولا وجود حقيقي للموجودين في الشمال ولا من هم خارج السودان .
 

 

آراء