الصادق المهدي ومؤتمر جوبا!!
2 October, 2009
زفرات حرى
٭ حق للإمام الصادق المهدي أن يُدهش من كلام مالك عقار نائب رئيس الحركة الشعبية ووالي النيل الأزرق الذي هاجم ضيوفه الذين جاءوا إلى جوبا مهرولين لاسترضاء الحركة الشعبية، ولحضور مؤتمرها الذي حاولت من خلاله استخدام أحزاب المعارضة الشمالية على غرار ما فعلت قبل توقيع اتفاقية نيفاشا، حين وظفت التجمع الوطني الديمقراطي ثم ركلته بقدميها ومضت إلى التفاوض بمفردها والاستئثار باستحقاقات اتفاقية ما سُمىَّ باتفاقية السلام الشامل.
٭ ما أثار المهدي خلال الندوة التي أُقيمت على هامش مؤتمر جوبا الذي شهده كذلك د. حسن الترابي أمين عام المؤتمر الشعبي ومحمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني وعدد من الأحزاب الصغيرة.. ما أثاره هو أن مضيفهم مالك عقار شنَّ هجوماً ضارياً عليهم، وأخرج أضغاناً كانوا يظنون أن مجيئهم إلى جوبا سيطفئ من لهيبها، فقال الرجل: «إن الألفاظ العنصرية التي يطلقها الشماليون في مواجهة الجنوبيين مشكلة كبيرة وتنازع بين هويتين عربية وأفريقية»، وانتقد الجهاد ثم قال إن نفسية الشماليين أصبحت حاقدة على الأمة الأفريقية..!!
٭ وما زاد من دهشة المهدي أن التعقيبات كلها تقريباً انصبت في الهجوم عليه وعلى الشمال والشماليين، حيث لم ينسَ المعقبون فترة حكمه التي قالوا إنها شهدت انتهاكات خطيرة في الجبلين ودربين، الأمر الذي جعله يصف ذلك الهجوم الضاري عليه بالصواريخ..!!
٭ وقال المهدي مندهشاً: «لو لم نسمع هذا الحديث فإننا كنا سندخل جوبا مخدوعين ونخرج منها مخدوعين» ووصف المهدي خطاب عقار بأنه يرجع لأيام الحرب»..!!
٭ أقول إني مندهش بحق من اندهاش المهدي الذي يظن من يتأمل ويفكر في حديثه أن هجوم عقار وتعليقات الساسة والنخب الجنوبية التي شهدت الندوة يحمل جديداً، أو أنه يُقال لأول مرة.. ووالله إنه لمن العجب العجاب أن يتغافل المهدي عن الحقيقة المُرة التي لا أشك أنه مطلع عليها من خلال أدبيات الحركة الشعبية وخطابها السياسي، بما في ذلك خطابات عرَّاب الحركة قرنق الذي ظل يشن هجوماً متواصلاً على جميع الحكومات الوطنية التي حكمت السودان منذ الاستقلال، ويصفها بأنها حاولت فرض هوية عربية إسلامية على السودان حتى بعد أن استثنى الجنوب من الشريعة وصار محكوماً من قبل الحركة الشعبية التي أخرجت الإسلام والعروبة من الجنوب تماماً في كل شأن من الشؤون.
٭ على كلٍ فإن دهشة المهدي من الروح العدائية التي لمسها في عاصمة الجنوب من خلال تلك الندوة تجاه الشمال وأحزابه ومواطنيه محمودة، وإن جاءت متأخرة، فلعلَّ ذلك يسوق الرجل نحو تبني قناعات وأفكار جديدة لمعالجة مشكلة الجنوب بعيداً عن العواطف الفارغة، بعد أن تبين للرجل الهوة السحيقة التي تفصل بين شعبي الشمال والجنوب التي تجعل من كل محاولات رتق ذلك الفتق الهائل مجرد أوهام مجنونة لن تقود إلا إلى مزيدٍ من الدماء والدموع التي ظللنا نذرفها على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان.
٭ وإني لأرجو من المهدي أن يطِّلع على تقرير لجنة القاضي توفيق خطران التي شكلت للتحقيق حول أحداث تمرد توريت أغسطس 5591م الذي دشن بداية التمرد اللعين، كما أرجو منه أن يقارن خلاصات ذلك التقرير بما شهده بأم عينيه خلال تفجر أحداث الاثنين الأسود التي اشتعلت بعد نصف قرن من أحداث توريت أي في أغسطس 5002م، مع تأمل الأسباب التي دعت الحركة الشعبية إلى اعتبار يوم تمرد توريت عيداً وطنياً في جنوب السودان، بالرغم من أنه يعتبر في الذاكرة الشمالية أسوأ الأيام سواداً وشؤماً، كونه شهد أول مذبحة تطهير عرقي لأبناء الشمال نساءً وأطفالاً. وليسأل المهدي نفسه أي تاريخ مشترك ذلك الذي يدرسه أبناء الوطن الذي تريده قبيلة النعام موحداً..؟!
٭ لقد سمع المهدي مداخلات المطالبين بالانفصال خلال تلك الندوة، بل إنه شاهد بأم عينيه ستة أحزاب جنوبية تنسحب من المؤتمر بحجة أنه يكرِّس للوحدة، وأن أجندته ومقرراته كانت معدة سلفاً..!!
٭ إن أكثر ما آلمني من حديث المهدي، حديثه الانبطاحي الذي هاجم فيه ما أسماه (فرض الثقافة الواحدة)، بالرغم من علمه أن الجنوب محكوم بنظام علماني، وأن الشمال لا يفرض ثقافته حالياً على الجنوب بالرغم من أنها ثقافة الأغلبية، أما قول عقار: (إن الشماليين يريدون تحويل كل الثقافات الموجودة إلى عربية) فهو من قبيل الحديث (الخارم بارم)، وكذلك قوله: (إذا ذهب الجنوب ستذهب دارفور والنيل الأزرق.. وربما سينضم بعضهم إلى ليبيا وتشاد، وما سيبقى فقط هو مثلث حمدي)؟! والذي لا أدري هل كان الرجل وهو يقوله (من جوبا!!) في كامل قواه العقلية؟! من الذي سيذهب إلى تشاد إذا كان شعب تشاد نفسه سيندمج مع الشمال إذا أتيح له أن يقرر، وكيف وبأي منطق جغرافي سينضم جزء من السودان الشمالي إلى ليبيا..؟!