الصراع السياسي وآليات حل الأزمة
زين العابدين صالح عبد الرحمن
5 June, 2022
5 June, 2022
لا اعتقد أن هناك أحدا لا يريد إنهاء انقلاب 25 أكتوبر، و قيام سلطة مدنية تعمل من أجل أنجاز أهداف الفترة الانتقالية، و تعبد الطريق إلي عملية التحول الديمقراطي في البلاد، و لكن تختلف الرؤى في تحقيق ذلك، و الآليات التي يمكن الاعتماد عليها، و أيضا وحدة القوى المقتنعة أن التحول الديمقراطي هو القضية الجوهرية في هذا الصراع، و أن يتقدم الوطن في سلم الآولويات على المصالح الأخرى، التي كانت سببا في حالة الفشل في الثلاث سنوات الماضية. هذا الفهم يحتاج إلي إرادة جديدة تحكمها رؤية فكرية واضحة، بعيدا عن الشعارات التي تتعارض مع فكرة الدولة المدنية الديمقراطية، و معلوم أن الديمقراطية ليست هي الغاية السياسية المطلوبة، لآن الديمقراطية نفسها وسيلة لتحقيق الغاية المهمة هي الاستقرار السياسي و الاجتماعي الذي يؤمن عملية التنمية في البلاد، إلي جانب تأمين مسألة التبادل السلمي للسلطة في البلاد، و الوصول لهذه الغايات، في ظل الصراع الدائر الآن في البلاد، و إنهاء الانقلاب، يجب على القوى السياسية أن تجاوب على سؤالين:-
السؤال الأول: هل التظاهرات التي تقوم بها لجان المقاومة هي أداة ضغط من أجل التغيير، أم هي أداة التغيير التي يقع عليها عبء التغيير؟
السؤال الثاني: هل يمكن أن تؤسس الديمقراطية برؤية واحدة في المجتمع أم تحتاج إلي توافق وطني يبدأ بحوار حقيقي بين كل القوى السياسية؟
الغريب في أمر السياسة في السودان: أن القوى السياسية بشكل منفرد أو تحالفي تتجنب أن تقدم مشروعا سياسيا للتغيير بشكل مفصل، و تنشره في الصحف السيارة لكي يعلمه أغلبية الشعب السوداني، و الأحزاب تتجنب تقديم مشروعا سياسيا للتغيير خوفا من المحاسبة، باعتبار أن المشروع السياسي سوف يكون مرجعية المحاسبة، لذلك تستبدل المشروع السياسي بعدد من الشعارات السياسية، و هي تعلم أن الشعار الهدف منه ملء فراغ سياسي مؤقت، و يتغير وفقا لتغيير الأحداث، لكن القوى السياسية أعتبرته هو المشروع السياسي الذي تعمل من أجل تحقيقه. مما يدل على غياب العناصر التي تشتغل بالفكر، و المناط بهم أن يقدموا مقترح المشروع السياسي داخل المنظومة الحزبية. الأمر الذي أثر تأثيرا سلبيا علي قدرة القوى السياسية أن تحدث أختراقا في الأزمات التي تواجهها، ليس كل سياسي لديه القدرة على تقديم حلول للأزمة أو طرح أسئلة يهدف منها الحصول على إجابات تؤدي لعملية التغيير المطلوبة، أو تغييرا في طريقة التفكير السائدة في الساحة السياسية.
أن القوى السياسية لا تستطيع أن تجاوب على السؤال الأول؛ و سوف تتهرب منه حتى لا تدخل في مناكفة مع لجان المقاومة، و هي الآن تتهرب منها تماما. إذا أقرت أن التظاهرات و المسيرات هي أداة ضغط، تصبح هي القوى التي يقع عليها عبء الحل و أختيار الأداة التي تعتبرها صالحة لذلك. و هي لا تستطيع أن تدخل في جدل مع لجان المقاومة خوفا من ردة فعل سالبة تؤثر على العلاقة بينهم. و إذا أكدت أنها هي أداة التغيير، يجب على القوى السياسية أن تقف خلف رايات لجان المقاومة و تسلمهم عملية القيادة، و تكون قد أعترفت بحالة الضعف و الإعياء الذي تعاني منه، و لا يؤهلها على قيادة العملية السياسية، فهي لا تريد أن تدخل في خيارات صعبة تجعلها في موقف جدلي يفقدها مكانتها السياسية، هذه الإشكالية هي التي تطيل عمر الأزمة.
و السؤال الثاني: أيضا تحاول القوى السياسية المراوغة فيه، لأنه يكشف طبيعة الهدف الذي تريده بصورة واضحة. أن أي عملية تحول ديمقراطي في أي مجتمع، تحتاج إلي أوسع مشاركة اجتماعية سياسية لتأمين النظام الديمقراطي، و لكي تتصدي لأي مغامر يستهدفها. و بعض القوى لا تريد توسيع المشاركة في اعتقاد أنه يضر بمصالحها، و قوى أخرى تعتقد أن التحول الديمقراطي يجب أن يكون وفقا لرؤيتها الفكرية، لذلك تحاول أن تحصر عملية الحوار في الكتلة التي تعتقد لا تتعارض مع مصالحها، فالشروط التي تطرحها القوى السياسية لعملية التحول الديمقراطي ليست شروطا تخدم الديمقراطية، لكنها شروط تخدم مصالح و رغبات حزبية ضيقة جدا، و يجب على كل القوى السياسية التي تتوافق أن تؤمن على شروط عملية التحول الديمقراطي.
أن العملية السياسية لا تقبل الخيارات الصفرية بل تؤسس عبر الحوار المتواصل في المجتمع، و الديمقراطية لا تقبل أن تفرض قوى سياسية شروطها على الأخريات، رغم أن الديمقراطية هي صراع سياسيا مستمرا بين تيارات فكرية مختلفة، و تحكمه ثقافة ديمقراطية و قوانين و لوائح يجب أن يحترمها الجميع. لكن المشكلة القائمة الآن ضعف الثقافة الديمقراطية، و يحاول البعض الاستلاف من الثقافة الشمولية السائدة بحكم طول أنظمة الحكم الشمولية في البلاد لكي يرمم بها البناء الديمقراطي، الأمر. لذلك الكل في حاجة للتجديد، و الأحزاب لا يحدث فيها التجديد و التطوير إلا إذا كانت هناك عناصر تشتغل بالفكر يؤهلها لتقديم تصورا لعملية التجديد.
و الإشكالية الأخرى الأكثر أهمية، أن الديمقراطية تؤسس بتصورات تقدمها المؤسسات الديمقراطية، التي تمارسها يوميا، و لها مواعين ديمقراطية تساعدها على إنتاج الثقافة الديمقراطية عبر الممارسة و التراكم، و أحترام للقوانين و الرأى الأخر. و أحزابنا تعاني من نقص حاد في "فيتامين الممارسة الديمقراطية" الأمر الذي لا يجعل رؤى الأحزاب واضحة في عملية التحول الديمقراطي، غير شعارات تقبل التآويلات. فالديمقراطية لا تؤسس من قمة الهرم بل من قاعدة الهرم، و تحتاج للوعي و قاعدة معرفية لدى الشخص يعرف منها حقوقه و واجباته، و أحترام للقوانين ليس التي تخص السياسية، بل حتى إشارات المرور و عدم رمي المخلفات و الزبالة على قارعة الطريق. و نسأل الله لنا جميعا حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
السؤال الأول: هل التظاهرات التي تقوم بها لجان المقاومة هي أداة ضغط من أجل التغيير، أم هي أداة التغيير التي يقع عليها عبء التغيير؟
السؤال الثاني: هل يمكن أن تؤسس الديمقراطية برؤية واحدة في المجتمع أم تحتاج إلي توافق وطني يبدأ بحوار حقيقي بين كل القوى السياسية؟
الغريب في أمر السياسة في السودان: أن القوى السياسية بشكل منفرد أو تحالفي تتجنب أن تقدم مشروعا سياسيا للتغيير بشكل مفصل، و تنشره في الصحف السيارة لكي يعلمه أغلبية الشعب السوداني، و الأحزاب تتجنب تقديم مشروعا سياسيا للتغيير خوفا من المحاسبة، باعتبار أن المشروع السياسي سوف يكون مرجعية المحاسبة، لذلك تستبدل المشروع السياسي بعدد من الشعارات السياسية، و هي تعلم أن الشعار الهدف منه ملء فراغ سياسي مؤقت، و يتغير وفقا لتغيير الأحداث، لكن القوى السياسية أعتبرته هو المشروع السياسي الذي تعمل من أجل تحقيقه. مما يدل على غياب العناصر التي تشتغل بالفكر، و المناط بهم أن يقدموا مقترح المشروع السياسي داخل المنظومة الحزبية. الأمر الذي أثر تأثيرا سلبيا علي قدرة القوى السياسية أن تحدث أختراقا في الأزمات التي تواجهها، ليس كل سياسي لديه القدرة على تقديم حلول للأزمة أو طرح أسئلة يهدف منها الحصول على إجابات تؤدي لعملية التغيير المطلوبة، أو تغييرا في طريقة التفكير السائدة في الساحة السياسية.
أن القوى السياسية لا تستطيع أن تجاوب على السؤال الأول؛ و سوف تتهرب منه حتى لا تدخل في مناكفة مع لجان المقاومة، و هي الآن تتهرب منها تماما. إذا أقرت أن التظاهرات و المسيرات هي أداة ضغط، تصبح هي القوى التي يقع عليها عبء الحل و أختيار الأداة التي تعتبرها صالحة لذلك. و هي لا تستطيع أن تدخل في جدل مع لجان المقاومة خوفا من ردة فعل سالبة تؤثر على العلاقة بينهم. و إذا أكدت أنها هي أداة التغيير، يجب على القوى السياسية أن تقف خلف رايات لجان المقاومة و تسلمهم عملية القيادة، و تكون قد أعترفت بحالة الضعف و الإعياء الذي تعاني منه، و لا يؤهلها على قيادة العملية السياسية، فهي لا تريد أن تدخل في خيارات صعبة تجعلها في موقف جدلي يفقدها مكانتها السياسية، هذه الإشكالية هي التي تطيل عمر الأزمة.
و السؤال الثاني: أيضا تحاول القوى السياسية المراوغة فيه، لأنه يكشف طبيعة الهدف الذي تريده بصورة واضحة. أن أي عملية تحول ديمقراطي في أي مجتمع، تحتاج إلي أوسع مشاركة اجتماعية سياسية لتأمين النظام الديمقراطي، و لكي تتصدي لأي مغامر يستهدفها. و بعض القوى لا تريد توسيع المشاركة في اعتقاد أنه يضر بمصالحها، و قوى أخرى تعتقد أن التحول الديمقراطي يجب أن يكون وفقا لرؤيتها الفكرية، لذلك تحاول أن تحصر عملية الحوار في الكتلة التي تعتقد لا تتعارض مع مصالحها، فالشروط التي تطرحها القوى السياسية لعملية التحول الديمقراطي ليست شروطا تخدم الديمقراطية، لكنها شروط تخدم مصالح و رغبات حزبية ضيقة جدا، و يجب على كل القوى السياسية التي تتوافق أن تؤمن على شروط عملية التحول الديمقراطي.
أن العملية السياسية لا تقبل الخيارات الصفرية بل تؤسس عبر الحوار المتواصل في المجتمع، و الديمقراطية لا تقبل أن تفرض قوى سياسية شروطها على الأخريات، رغم أن الديمقراطية هي صراع سياسيا مستمرا بين تيارات فكرية مختلفة، و تحكمه ثقافة ديمقراطية و قوانين و لوائح يجب أن يحترمها الجميع. لكن المشكلة القائمة الآن ضعف الثقافة الديمقراطية، و يحاول البعض الاستلاف من الثقافة الشمولية السائدة بحكم طول أنظمة الحكم الشمولية في البلاد لكي يرمم بها البناء الديمقراطي، الأمر. لذلك الكل في حاجة للتجديد، و الأحزاب لا يحدث فيها التجديد و التطوير إلا إذا كانت هناك عناصر تشتغل بالفكر يؤهلها لتقديم تصورا لعملية التجديد.
و الإشكالية الأخرى الأكثر أهمية، أن الديمقراطية تؤسس بتصورات تقدمها المؤسسات الديمقراطية، التي تمارسها يوميا، و لها مواعين ديمقراطية تساعدها على إنتاج الثقافة الديمقراطية عبر الممارسة و التراكم، و أحترام للقوانين و الرأى الأخر. و أحزابنا تعاني من نقص حاد في "فيتامين الممارسة الديمقراطية" الأمر الذي لا يجعل رؤى الأحزاب واضحة في عملية التحول الديمقراطي، غير شعارات تقبل التآويلات. فالديمقراطية لا تؤسس من قمة الهرم بل من قاعدة الهرم، و تحتاج للوعي و قاعدة معرفية لدى الشخص يعرف منها حقوقه و واجباته، و أحترام للقوانين ليس التي تخص السياسية، بل حتى إشارات المرور و عدم رمي المخلفات و الزبالة على قارعة الطريق. و نسأل الله لنا جميعا حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com