الضرب تحت الحزام بين قحت والشيوعي

 


 

 

أن كان لانقلاب 25 أكتوبر إيجابية واحدة، تكون إزالة الغطاء عن الصراع الدائر بين القوى المدنية، و التي كانت موجودة في حلف واحد تأسس في يناير 2019م، بعد التوقيع على ( أعلان الحرية و التغيير)و الصراع الذي كان مستترا قد أصبح واضحا، و يعد سببا في عدم قيام تحالف عريض يقدم رؤية واحدة تلتف حولها القوى الداعمة لقيام ( الدولة المدنية الديمقراطية) و رغم أن الانقلاب قد كشف عن الصراع داخل القوى المدنية، إلا أن الصراع يعد تنافسا بين تحالفين للمعارضة قبل سقوط النظام ( تحالف نداء السودان و تحالف قوى الاجماع الوطني) اللذان و قعا على وثيقة الحرية و التغيير. كانت قيادة تحالف (نداء السودان) تعتقد أنها تشكل الأغلبية داخل التحالف العريض و هي التي سوف يقع عليها عبء انجاز مهام الفترة الانتقالية من خلال تصورها للفترة الانتقالية، و لكنها عجزت أن تقدم أي مشروع سياسي، و راهنت على اتساع دائرة التحالف. الحزب الشيوعي الذي كان يقود حلف ( قوى الاجماع الوطني) شعر أن هناك عمل خفيا يهدف إلي تحجيم دوره في الساحة السياسية من التحالف الأخر، لذلك سارع في عمل مناهض له حتى أن لا يكون في موقف الدفاع، الذي يمكن أن شل قدرته و يحجم دوره السياسي و بدأ في مواجهة ذلك من خلال الأتي:-
1 – عندما تم تعين حمدوك رئيسا للوزراء و جاء بعناصر لها ولاءات و انتماءات سابقة بالحزب الشيوعي، اعتقد الزملاء أنها عملية سياسية مقصودة من عناصر تحالف نداء السودان الهدف منها خلق هوة بين الشيوعي و سلطة الفترة الانتقالية. لذلك أعلن الزملاء أنهم لن يشاركوا في هياكل السلطة الانتقالية حماية لعضويتهم من عملية أختراق يقوم بها الزملاء السابقين لحزبهم و خلق صراع داخل الحزب يحجم فاعليته في الساحة السياسية.
2 – أن الإرث النضالي التاريخي للحزب الشيوعي في العمل السياسي و خاصة وسط الجماهير، جعلهم يقرأون الواقع جيدا، و يتعرفون على المكنزمات المحركة له، و معرفة قدرات الآخرين في التحدي و المواجهة، و أيضا المساحة لمتوفرة لهم للتكتيك و المناورة، لذلك عمل الزملاء على أربعة جبهات استطاعوا يديرونها بجدارة تساعدهم خبراتهم التاريخية في ذلك تمثلت في الأتي.
أ – سارع الزملاء أن يشلوا قدرات قيادات أحزاب نداء السودان، عندما أعلنوا في أول ليلة سياسية للشيوعي على لسان السكرتير العام محمد مختار الخطيب، أن هناك قيادات من قوى الحرية و التغيير الداعمة للهبوط الناعم تلتقي في الغرف المغلقة مع قيادات المجلس العسكري، و أيضا هؤلاء لهم علاقات مع دولة أجنبية تتحكم في العملية السياسية و قد دعتهم لزيارتها. هذا الحديث جعل الجميع في حالة دفاع و تبرير لمواقفهم، فأضعفت قدرتهم على التحدي.
ب – أستطاع الزملاء أن يطرقوا بقوة على جدار العلاقة بين قيادات ( قحت) و القيادات (العسكرية) و المطالبة بالدولة المدنية، و خروج العسكر من أي معادلة سياسية في الساحة. و بالفعل نجحوا في ذلك، حتى ساءت العلاقة بين قحت و العسكر داخل مؤسسات الفترة الانتقالية، و كان الزملاء مقتنعين أن الصراع بين قحت و العسكر سوف يضعفهما.
ج – يعتقد الزملاء أن الصراع الحقيقي في الساحة السياسية ليس بين الشيوعي و القوى السياسية في نداء السودان، بل المعركة الرئيس مع الحركة الإسلامية، و بالتالي يجب الاستفادة من الظرف السياسي الحالي في تحجيم و محاصرة الإسلاميين و شل قدراتهم، لذلك ركز الزملاء على شعارات ليست ضد المؤتمر الوطني بل أن تشمل جميع الإسلاميين. فكان شعار ( أي كوز ندوسوا دوس) و كان الزملاء مدركين أن قدرات الحشد و الحركة في الشارع و التعبئة تتركز عند الشيوعي و الإسلاميين، و أن عمل عزل الإسلاميين لفترة مؤقته سوف تسمح للزملاء بمحاصرة حلف ( نداء السودان) سوف يهيء السيطرة للزملاء في الشارع السياسي، الأمر الذي يجعلهم في المستقبل طرح مشروع مساومة بشروط الزملاء.
د – عمل الزملاء من أجل السيطرة على تنظيمات المهنيين التي لها علاقة طيبة مع الشارع ممثل في لجان المقاومة، لذلك شقوا تنظيم تجمع المهنيين و سيطروا عليه و أعادوا له دوره في الشارع، كما نشطوا كل واجهاتهم الأخرى لكي تعمل مع تجمع المهنيين. مما يساعد الزملاء علي سيطرتهم على الشارع بنسبة تفوق 60% و هي نسبة كبيرة تجعلهم يساوموا من قاعدة صلبة. لذلك رفضوا حوار فوكلر و أغلبية المبادرات التي تم تقديمها لأنها سوف تحدث تغييرا في ميزان القوى يؤثر على مشروع الزملاء.
ه – استطاع الزملاء أن يخلقوا هوة كبيرة بين قحت و الشارع، عندما استطاعوا ضرب أسفين بين الأثنين، بدأ بأتهام قحت بأنها لم تكن جادة في عملية الاسراع بالكشف عن المتورطين في عملية فض اعتصام القيادة. حشد الزملاء للجان المقاومة في المؤتمر الاقتصادي، و رفض سياسة الحكومة الاقتصادية، العمل على عدم توافق بين قحت و لجان المقاومة في تشكيل السلطة التنفيذية و المجلس التشريعي. الأمر الذي جعل الشارع يتبني شعار ( قحت باعت دم الشهداء) و استطاع الزملاء من خلال هذه السياسية أن يكونوا هم الاعبين الذين يسيطرون على مفاتيح أبواب المسرح السياسي.
3 – كانت قحت تعتقد أن العلاقة الوطيدة التي نشأت بينها و بين العسكر في هياكل السلطة و خاصة في ( مجلس الشركاء) سوف تأمن لها مسيرتها في السياسية في السلطة و يمكن مد أمد الفترة الانتقالية، و أيضا تعطيها المساحة الكافية على الاستفادة من التناقضات بين مواقف الحزب الشيوعي و العسكر و العديد من قوى الحرية و التغيير و الإسلاميين، لذلك حاولت قيادات قحت إدارة الصراع مع الشيوعي من خلال:-
أ – أن لا تتدخل في الصراع الدائر داخل اللجنة الاقتصادية التابعة لقوى القحت و السياسة الاقتصادية للحكومة، و جعل الصراع في دائرة الاثنين حتى تضمن تحالف الحركات المسلحة معها ضد الزملاء. فكانت تريد أن تستنفذ قدرات الزملاء و تجعلهم يركزوا في جانب واحد، و أهملت أن الزملاء دائما يوظفون واجهاتهم لطرق أبواب شتى الهدف منها تشتيت التركيز عند الآخرين، و الواجهات تتيح للحزب الشيوعي إجادة التكتيك و المناورة بقدرة فائقة، كما تجعلهم إدارة معركتين و ثلاثة في وقت واحد، و هي الفاعلية غير المتوفر للآخرين.
ب – حاولت قحت الاستفادة من توظيف لجنة إزالة التمكين في خلق دعاية لها، و العمل من أجل التقرب للشارع أكثر، لكنها لم تستطيع التحكم على اللجنة بالصورة التي تتلاءم مع شعارات الشفافية و العدالة المطلوبة، الأمر الذي خلق لها نقدا واسعا جعلها تخصر زمن طويل في الدفاع عنها. كما أن اللجنة أظهرت ضعف القدرات في تنظيمات قحت في إدارة عملية تفكيك مؤسسات النظام السابق. و كلها كانت في مصلحة الزملاء.
ج – أرادت قحت أن تفتح معارك مع الإسلاميين لكسب الشارع الثائر، دون أن تعي أن هذه المعركة سوف تكثف عليها الهجوم من قبل أكبر قوتين لهما القدرة على التأثير في الشارع السياسي (الشيوعيين – الزملاء) الأمر الذي سوف ينعكس سلبا على تحالف قحت.
د – أغفلت قحت أهم دور لها كان يمكن أن يعيد لها دورها في الشارع، هو أن تشرع في تكوين المؤسسات و المفوضيات الداعم لعملية التحول الديمقراطي، و في ذات الوقت تخفف عليها الهجوم من قبل منصات عديدة. لكنها فشلت في ذلك تماما. لذلك عندما وقع الانقلاب و وجدت قحت أنها خارج السلطة الانتقالية، و تريد أن تجمع أطرافها لخوض المعركة ضد الانقلاب، كان عليها أن تبدأ من الصفر، كما أنها تحمل حمولات سالبة من وجودها في السلطة عليها أن تجاوب على العديد من الأسئلة، و أن تقدم تقييما لفترتها في السلطة، الأمر الذي جعلها تضعف في المشهد السياسي.
ه – ألان قحت في في حالة من الحيرة، كيف تستطيع أن تعيد دورها السابق، لكي تستطيع مواجهة التحديات، لكنها يوميا تواجه بتحديات أخرى غير منظورة، أخرها خروج تجمع القوى المدنية من التحالف، خلق سياج نفسي بينها و لجان المقاومة، أيضا محدودية حركتها في الشارع السياسي. رغم أن قحت معها حزب تاريخي له قاعدة اجتماعية عريضة، لكن الحزب نفسه يمر بحالة مخاض تقلل من حركته الفاعلة، كما أن الحزب له قدرة في الانتخابات لأنه منتشر بشكل واسع، لكن ذلك لا نجده بذات الصورة في التفعال الجماهيري اليومي.
تأكد للزملاء بعد انقلاب 25 أكتوبر أنهم قادرين على إدارة معركتهم السياسية بالصورة التي يستطيعون أن ينجزوا العديد من شعاراتهم التي يرفعونها، و أنهم استطاعوا السيطرة على الأدوات الفاعلة في الساحة السياسية، و أنهم أيضا ستطاعوا محاصرة العسكر، و أيضا قحت. و بالتالي يجب عليهم عدم وقف التصعيد حتى ينجزوا أقل شيء 50% من مشروعهم السياسي بدعم الشارع. و حتى يتأكد لهم ذلك يجب عليهم رفض أي مشروع للمساومة السياسية أو للحوار و التفاوض، إذا كان داخليا أو خارجيا، أن يعملوا على خلق جبهة عريضة جديدة تتكون من الشيوعي و المهنيين و لجان المقاومة، العمل على تحجيم الآخرين و تفكيك التحالفات القديمة. لذلك تجد تصريح عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف لـ(الصيحة) أكد فيه "أن موقف حزبه واضحٌ وهو الدعوة إلى اصطفاف جديد مع القوى الحقيقية التي تمثل الثورة والثوار، وقال “ما يحدث الآن في الساحة لا يمت لشعارات الثورة بصلة”، وأضاف “مُبادرتنا المطروحة ستناقش مع قوى الثورة الهميمة وما زلنا نبحث عن الحلول الجذرية والقرارات المُتأنية والمدروسة للخروج بالفترة الانتقالية إلى بر الأمان" لذلك رفض الزملاء دعوة قحت تكوين تحالف عريض بين مكونات الثوار. و الرفض ناتج أن الزملاء يعتقدون أنهم يسيطرون على الساحة السياسية و قادرين على إدارة التحديات لوحدهم لذلك ليس لهم الرغبة في قيام تحالف يخلق لهم تحديات جديدة.
إذا قدر للزملاء أن يمسكوا بزمام أمر الفترة الانتقالية سوف يمدونها أطول بهدف تغيير العديد من القوانين و الإرث الثقافي السياسي السابق، لكي يضمنوا أن الانتخابات سوف تدفع بعناصر حديثة للبرلمان، و أيضا تتيح لهم الفرصة على تقييد حركة الإسلاميين و تفكيك تنظيماتهم، باعتبار أنهم القوى الوحيدة التي تنافسهم في المستقبل. كما أن الزملاء يعلمون أن الثلاثين عاما فترة حكم الإنقاذ قد غيرت كثيرا الديموغرافيا التي لا تتيح الوجود الفاعل للقوى الطائفية في المستقبل. هذا الصراع بين قحت و الزملاء هو صراع بدأ واضحا، لكنه سوف يفتح الباب لقيام تحالفات جديدة تغيير من الواقع، و حتى إذا طالت الفترة لكنها سوف تحدث تغييرا جوهريا في الساحة السياسية. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء