الطب في زمن الحرب !!!
د. أمجد إبراهيم سلمان
11 April, 2024
11 April, 2024
بقلم د. أمجد إبراهيم سلمان
تدقيق د. عبد الرحمن حمد
" بعض المهن و الحرف تفعل أثراً في أصحابها ، الأطباء مثلاً على وجوههم شيء ما ، كأنهم يعرفون سرّاً لا يعرفه بقية الناس ، ربما لكثرة ما رأوا من تقلبات الحياة و الموت "
مقتطف من كتابات الأديب الراحل الطيب صالح
في سوداننا الحالي نعايش خلال السنوات الخمسة الماضية مخاض ولادة سودان جديد في ألم و معاناة استطالت بعد أن بدأت بثورة عارمة ضد الظلم في ديسمبر 2018 سقط فيها نظام الرئيس البشير بعد اعتصام ساحة القيادة العامة الشهير و الذي استمر عدة أشهر انتهى بمجزرة مؤلمة في صباح يوم عيد الفطر خلّفت ورائها مئات من جثث الشباب الذي قٌتلوا في جريمة نكراء استمرت لعدة ساعات من قبل جنود من الجيش و الأمن و الدعم السريع قضى الكثير من الشباب نحبَهم فيها ليلة آخر يوم من رمضان و هم يتسربلون بأستار القيادة العامة متوسلين لجيشهم أن يذود عنهم ، لكن قادته كانوا يتابعون المجزرة خلال بث مباشرة في كابينة قيادة الجيش الأمر الذي خلق فجوة نفسية عميقة بين جيش البلاد و شعبه الذي شاهد فلذات أكباده تُنحر بدم بارد تحت مرأى و مسمع من المنوط بهم حماية المواطنين و الدولة و الدستور ، هذه القطيعة النفسية في تقديري هي الجدار النفسي الشاخص بين جزء كبير من الشعب لتأييد الجيش في المعركة الحالية ضد بربرية الجنجويد المعروفة بالضرورة ، حيث تقول العرب في وصف الغدر "كيف أعاودك و هذا أثر فأسك !!!".
رغم أن شعبنا لم يستسلم لهذه الجريمة و انتصر في الثلاثين من يونيو 2019 إلا أن ما تلى ذلك من كوارث لم يخطر على بال أكثرنا تشاؤماً ، فلم يلبث العام الجديد أن بدأ حتى هاجمت جائحة الكورونا البلاد مخلّفة الآلاف من الضحايا و خسر القطاع الصحي فيها أعداد كبيرة من الكوادر الصحية المختلفة ، أطباء و ممرضين و الكثير من الكوادر الطبية المساعدة ، و من نافلة القول أن هذه الكوادر لم تطالب الجيش أو أي كتائب مستنفرة للقيام بهذا الواجب المقدّس بل تقدموا الصفوف بشجاعة و نكران ذات ، و قضى الكثيرين نحبهم ، رغماً عن شح الإمكانيات و تربص قوى الثورة المضادة بكل ما تقوم به الحكومة المدنية من مجهودات. تبعت ذلك مأساة السيول و الأمطار فزادت الأمور ضِغثٌ على إبالة و تكالبت المصائب على بلادنا المكلومة و في ظل كل ذلك كان العبء أكثره على المغتربين و القوى المدنية و المهنية ، خاصة المغتربين الذين كانوا يضاعفون الدعم المادي المباشر من مدخراتهم الضئيلة أو عبر المهنيين حول العالم الذي لم يألوا جهداً في إرسال المعينات و فتح المستشفيات في بعض المدن أو إعادة تأهيلها في مدن أخرى. كما قامت بذلك مؤسسة سابا في أمريكا في مدينة مدني بافتتاح مستشفى خيري كامل أو ما قامت به رابطة المهندسين السودانيين في قطر من تأهيل مستشفى مروي بتبرع سخي بتكلفة بلغت 371 ألف دولار مؤخراً و ذلك على سبيل المثال لا الحصر.
و لكن الكارثة الكبرى كانت حرب 15 إبريل 2023 و التي ستكمل عامها الأول بعد عدة أيام من الآن ، ذلك أنها خلقت أكبر حالة نزوح داخلي و خارجي في العالم الحديث ، بسبب الحرب حيث ارتحل حوالي ربع سكان البلاد (عشرة مليون شخص) نصفهم من العاصمة الخرطوم إلى مدن أخرى ، و ترك 19 مليون تلميذ مقاعد الدراسة ، و يتعرض الآن ربع مليون شخص لخطر الموت جوعاً خلال أسابيع ، خلّفت هذه المأساة ضغوطاً كبيرة على كل الخدمات خاصة الصحية منها ، ففي أول أسابيع الحرب مات حوالي 60 شخصاً من مرضى الغسيل الكلوي في مدينة الجنينة وحدها ، و لا نعلم عدد من فقدوا أرواحهم بسبب تلف مخزون الإنسولين في معظم مخازن العاصمة خاصة إنسولين الأطفال الذي فُقد معظمه في الأسابيع الأولى لهذه الحرب جراء دمار أنظمة التبريد ، لقد تصدّى المهنيون و في مقدمتهم الكوادر الصحية و على رأسها الأطباء بكل ما يملكون من طاقات و تبرعات و علاقات لوجستية في رفع المعاناة عن كاهل أهلنا في البلاد ، بمشاريع متعددة في المعابر الحدودية أو دعم الكوادر الصحية في المستشفيات الولائية.
و بالطبع فإننا هنا لسنا (مشحودين على أهلنا و بلادنا) و ما قمنا به كأطباء و مهنيين سواء في قطر أو حول العالم مسئولية لا نتهرّب منها لكن ينبغي إدراك الآثار العميقة للعمل لساعات طويلة تحت ضغوط عمل متعددة لحل مشاكل معقدة و أخرى غير قابلة للحل ، لأنه ليس دور المهنيين أن يقوموا بأعمال الدولة ، و الروابط المهنية هي روابط دعم فني و ليست منظمات خيرية في الأساس ، كل تلك الضغوط تترك جراح غائرة على الأطباء السودانيين النفسي و المهني ، ذلك أن مواصلة الطبيب للعمل لساعات طويلة حتى بعد إنتهاء ساعات عمله الرسمية عبر العيادات الإلكترونية التي تصل إليها آلاف الاستشارات لهو أمر جلل و يكثّف الضغوط النفسية على الكوادر المتطوعة في هذا العمل و قد يؤدي إلى حالات إكتئاب حادة قد تصل إلى مرحلة الاحتراق المهني ، في ظل كل ذلك يظل الطبيب السوداني في المهجر عنوان أسئلة دائمة من محيطه الاجتماعي و الأسري ، وقلّما يأتيك اتصال يسأل عن حالتك النفسية أو الصحيّة بل أن البعض قد يطلق العنان لابتسامة متهكمة أن أخبرته أنك كنت مريضاً قائلاً " حتى أنتو بتمرضوا !!! " ، في واقع الأمر تفيد الإحصائيات العالمية أن عُمر الأطباء المتوقع أقل من متوسط عمر السكان بعدة سنوات حسب البلد المعين و قد يشكل نقصاً بحوالي 10 سنوات في الهند مثلاً ، هذا و يختلف العمر المتوقع للطبيب إحصائياً حسب التخصص ، فالتخصصات الأكثر توتراً و المرتبطة بمناوبات ليلية متواصلة لها آثار أكثر سلبية عن التخصصات التي لا تتطلب تدخلات طارئة.
لقد تنبّهت المؤسسات المهنية المختلفة لطبيعة الضغوط النفسية المصاحبة لمهن معينة ، ففي بعض الدول يسمح للإطفائيين بالتقاعد المُبكر بسبب طبيعة الإرهاق الجسدي و السهر المتواصل ، كما تعتني الجيوش العالمية بمنسوبيها عبر برامج إعادة تأهيل نفسي متطورة خاصة لأولئك العائدين من المعارك العنيفة ، حتى لا يتحولوا إلى مدمنين أو مجرمين ، لذا بزغ إلى الوجود تخصص الصحة المهنية ، كما ظهر مفهوم دعم من يقدمون الدعم ، إذ بات واضحاً أن وجود المرء في الخطوط الأمامية في الكوارث و الحروب قد يشكل عليه ضغوطاً قد تفقده حتى القدرة على التمييز و التحليل ، من الأمور الصعبة على ممارسي المهن الصحية خاصة الأطباء طبيعة الالتزام المهني الذي يفرض على الأطباء التعامل مع سرّية معلومات المرضى بدقة شديدة لأن الجهات الرقابية للمهنة قد تفصل الطبيب من السجل المهني لو أفشى بالخطاء معلومة طبية خاصة بالمريض حتى و لو من باب التنفيس عن الضغوط المهنية ، و قد عبّر لي أستاذي في طب الأسرة في هولندا د. فريتس فان أكستر في بدايات العام 2012 بقوله " نحن كأطباء أسرة نعيش حالة نفسية أشبه بالانفصام الشخصي أو الحياة بشخصيتين منفصلتين" ، لذا نجد أن المستشفيات في العالم الأول تشكل لجان من الأخصائيين النفسيين لدعم هؤلاء الأطباء في حالات الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب الحاد ، الاحتراق المهني ، أو الخوف.
أختتم قائلاً إن المهنيين السودانيين و من بينهم الأطباء هم المنوط بهم إعادة بناء بلادنا بعد محنتها هذه ، لكننا نحتاج أن نتفهم الظروف المهنية و النفسية المعقّدة التي يمر بها الأطباء حالياً جراء تراكم الضغوط عليهم بوصفهم في الخطوط الأمامية لتخفيف تداعيات الحرب على أهلهم و بلدهم ، لذا فرفقاً بمزاولي هذه المهن الحساسة ، و الرجاء تفهم الطلب المتزايد على خدماتهم و نصائحهم المهنية فمعظمهم يستقبل ما لا يقل عن عدة مكالمات يومياً تتعلق بقرارات صحية كبيرة ما يجعل توازنه المهني و الأسري على المحك. لكنهم بالطبع شيالين تقيلة خاصة في وقت الحوبة.
بقلم د. أمجد إبراهيم سلمان
ملحوظة قام الدكتور عبد الرحمن حمد استشاري الطب الباطني بتنقيح هذا المقال فله مني كل الشكر و الامتنان.
amjadnl@yahoo.com
11 إبريل 2024
تدقيق د. عبد الرحمن حمد
" بعض المهن و الحرف تفعل أثراً في أصحابها ، الأطباء مثلاً على وجوههم شيء ما ، كأنهم يعرفون سرّاً لا يعرفه بقية الناس ، ربما لكثرة ما رأوا من تقلبات الحياة و الموت "
مقتطف من كتابات الأديب الراحل الطيب صالح
في سوداننا الحالي نعايش خلال السنوات الخمسة الماضية مخاض ولادة سودان جديد في ألم و معاناة استطالت بعد أن بدأت بثورة عارمة ضد الظلم في ديسمبر 2018 سقط فيها نظام الرئيس البشير بعد اعتصام ساحة القيادة العامة الشهير و الذي استمر عدة أشهر انتهى بمجزرة مؤلمة في صباح يوم عيد الفطر خلّفت ورائها مئات من جثث الشباب الذي قٌتلوا في جريمة نكراء استمرت لعدة ساعات من قبل جنود من الجيش و الأمن و الدعم السريع قضى الكثير من الشباب نحبَهم فيها ليلة آخر يوم من رمضان و هم يتسربلون بأستار القيادة العامة متوسلين لجيشهم أن يذود عنهم ، لكن قادته كانوا يتابعون المجزرة خلال بث مباشرة في كابينة قيادة الجيش الأمر الذي خلق فجوة نفسية عميقة بين جيش البلاد و شعبه الذي شاهد فلذات أكباده تُنحر بدم بارد تحت مرأى و مسمع من المنوط بهم حماية المواطنين و الدولة و الدستور ، هذه القطيعة النفسية في تقديري هي الجدار النفسي الشاخص بين جزء كبير من الشعب لتأييد الجيش في المعركة الحالية ضد بربرية الجنجويد المعروفة بالضرورة ، حيث تقول العرب في وصف الغدر "كيف أعاودك و هذا أثر فأسك !!!".
رغم أن شعبنا لم يستسلم لهذه الجريمة و انتصر في الثلاثين من يونيو 2019 إلا أن ما تلى ذلك من كوارث لم يخطر على بال أكثرنا تشاؤماً ، فلم يلبث العام الجديد أن بدأ حتى هاجمت جائحة الكورونا البلاد مخلّفة الآلاف من الضحايا و خسر القطاع الصحي فيها أعداد كبيرة من الكوادر الصحية المختلفة ، أطباء و ممرضين و الكثير من الكوادر الطبية المساعدة ، و من نافلة القول أن هذه الكوادر لم تطالب الجيش أو أي كتائب مستنفرة للقيام بهذا الواجب المقدّس بل تقدموا الصفوف بشجاعة و نكران ذات ، و قضى الكثيرين نحبهم ، رغماً عن شح الإمكانيات و تربص قوى الثورة المضادة بكل ما تقوم به الحكومة المدنية من مجهودات. تبعت ذلك مأساة السيول و الأمطار فزادت الأمور ضِغثٌ على إبالة و تكالبت المصائب على بلادنا المكلومة و في ظل كل ذلك كان العبء أكثره على المغتربين و القوى المدنية و المهنية ، خاصة المغتربين الذين كانوا يضاعفون الدعم المادي المباشر من مدخراتهم الضئيلة أو عبر المهنيين حول العالم الذي لم يألوا جهداً في إرسال المعينات و فتح المستشفيات في بعض المدن أو إعادة تأهيلها في مدن أخرى. كما قامت بذلك مؤسسة سابا في أمريكا في مدينة مدني بافتتاح مستشفى خيري كامل أو ما قامت به رابطة المهندسين السودانيين في قطر من تأهيل مستشفى مروي بتبرع سخي بتكلفة بلغت 371 ألف دولار مؤخراً و ذلك على سبيل المثال لا الحصر.
و لكن الكارثة الكبرى كانت حرب 15 إبريل 2023 و التي ستكمل عامها الأول بعد عدة أيام من الآن ، ذلك أنها خلقت أكبر حالة نزوح داخلي و خارجي في العالم الحديث ، بسبب الحرب حيث ارتحل حوالي ربع سكان البلاد (عشرة مليون شخص) نصفهم من العاصمة الخرطوم إلى مدن أخرى ، و ترك 19 مليون تلميذ مقاعد الدراسة ، و يتعرض الآن ربع مليون شخص لخطر الموت جوعاً خلال أسابيع ، خلّفت هذه المأساة ضغوطاً كبيرة على كل الخدمات خاصة الصحية منها ، ففي أول أسابيع الحرب مات حوالي 60 شخصاً من مرضى الغسيل الكلوي في مدينة الجنينة وحدها ، و لا نعلم عدد من فقدوا أرواحهم بسبب تلف مخزون الإنسولين في معظم مخازن العاصمة خاصة إنسولين الأطفال الذي فُقد معظمه في الأسابيع الأولى لهذه الحرب جراء دمار أنظمة التبريد ، لقد تصدّى المهنيون و في مقدمتهم الكوادر الصحية و على رأسها الأطباء بكل ما يملكون من طاقات و تبرعات و علاقات لوجستية في رفع المعاناة عن كاهل أهلنا في البلاد ، بمشاريع متعددة في المعابر الحدودية أو دعم الكوادر الصحية في المستشفيات الولائية.
و بالطبع فإننا هنا لسنا (مشحودين على أهلنا و بلادنا) و ما قمنا به كأطباء و مهنيين سواء في قطر أو حول العالم مسئولية لا نتهرّب منها لكن ينبغي إدراك الآثار العميقة للعمل لساعات طويلة تحت ضغوط عمل متعددة لحل مشاكل معقدة و أخرى غير قابلة للحل ، لأنه ليس دور المهنيين أن يقوموا بأعمال الدولة ، و الروابط المهنية هي روابط دعم فني و ليست منظمات خيرية في الأساس ، كل تلك الضغوط تترك جراح غائرة على الأطباء السودانيين النفسي و المهني ، ذلك أن مواصلة الطبيب للعمل لساعات طويلة حتى بعد إنتهاء ساعات عمله الرسمية عبر العيادات الإلكترونية التي تصل إليها آلاف الاستشارات لهو أمر جلل و يكثّف الضغوط النفسية على الكوادر المتطوعة في هذا العمل و قد يؤدي إلى حالات إكتئاب حادة قد تصل إلى مرحلة الاحتراق المهني ، في ظل كل ذلك يظل الطبيب السوداني في المهجر عنوان أسئلة دائمة من محيطه الاجتماعي و الأسري ، وقلّما يأتيك اتصال يسأل عن حالتك النفسية أو الصحيّة بل أن البعض قد يطلق العنان لابتسامة متهكمة أن أخبرته أنك كنت مريضاً قائلاً " حتى أنتو بتمرضوا !!! " ، في واقع الأمر تفيد الإحصائيات العالمية أن عُمر الأطباء المتوقع أقل من متوسط عمر السكان بعدة سنوات حسب البلد المعين و قد يشكل نقصاً بحوالي 10 سنوات في الهند مثلاً ، هذا و يختلف العمر المتوقع للطبيب إحصائياً حسب التخصص ، فالتخصصات الأكثر توتراً و المرتبطة بمناوبات ليلية متواصلة لها آثار أكثر سلبية عن التخصصات التي لا تتطلب تدخلات طارئة.
لقد تنبّهت المؤسسات المهنية المختلفة لطبيعة الضغوط النفسية المصاحبة لمهن معينة ، ففي بعض الدول يسمح للإطفائيين بالتقاعد المُبكر بسبب طبيعة الإرهاق الجسدي و السهر المتواصل ، كما تعتني الجيوش العالمية بمنسوبيها عبر برامج إعادة تأهيل نفسي متطورة خاصة لأولئك العائدين من المعارك العنيفة ، حتى لا يتحولوا إلى مدمنين أو مجرمين ، لذا بزغ إلى الوجود تخصص الصحة المهنية ، كما ظهر مفهوم دعم من يقدمون الدعم ، إذ بات واضحاً أن وجود المرء في الخطوط الأمامية في الكوارث و الحروب قد يشكل عليه ضغوطاً قد تفقده حتى القدرة على التمييز و التحليل ، من الأمور الصعبة على ممارسي المهن الصحية خاصة الأطباء طبيعة الالتزام المهني الذي يفرض على الأطباء التعامل مع سرّية معلومات المرضى بدقة شديدة لأن الجهات الرقابية للمهنة قد تفصل الطبيب من السجل المهني لو أفشى بالخطاء معلومة طبية خاصة بالمريض حتى و لو من باب التنفيس عن الضغوط المهنية ، و قد عبّر لي أستاذي في طب الأسرة في هولندا د. فريتس فان أكستر في بدايات العام 2012 بقوله " نحن كأطباء أسرة نعيش حالة نفسية أشبه بالانفصام الشخصي أو الحياة بشخصيتين منفصلتين" ، لذا نجد أن المستشفيات في العالم الأول تشكل لجان من الأخصائيين النفسيين لدعم هؤلاء الأطباء في حالات الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب الحاد ، الاحتراق المهني ، أو الخوف.
أختتم قائلاً إن المهنيين السودانيين و من بينهم الأطباء هم المنوط بهم إعادة بناء بلادنا بعد محنتها هذه ، لكننا نحتاج أن نتفهم الظروف المهنية و النفسية المعقّدة التي يمر بها الأطباء حالياً جراء تراكم الضغوط عليهم بوصفهم في الخطوط الأمامية لتخفيف تداعيات الحرب على أهلهم و بلدهم ، لذا فرفقاً بمزاولي هذه المهن الحساسة ، و الرجاء تفهم الطلب المتزايد على خدماتهم و نصائحهم المهنية فمعظمهم يستقبل ما لا يقل عن عدة مكالمات يومياً تتعلق بقرارات صحية كبيرة ما يجعل توازنه المهني و الأسري على المحك. لكنهم بالطبع شيالين تقيلة خاصة في وقت الحوبة.
بقلم د. أمجد إبراهيم سلمان
ملحوظة قام الدكتور عبد الرحمن حمد استشاري الطب الباطني بتنقيح هذا المقال فله مني كل الشكر و الامتنان.
amjadnl@yahoo.com
11 إبريل 2024