الطريق الثالث.. لماذا وإلى أين ومع من تسير فيه؟

 


 

 

 

 

يفرقنا انقلاب.. يجمعنا واتساب:

isammahgoub@gmail.com
# رسائل الفرصة الاخيرة: الطريق الثالث.. لماذا وإلى أين ومع من تسير فيه؟
# الطريق الثالث او نحو تجميع الوسط العريض لتغيير الوضع الحالي للخروج من المأزق
# مبارك الكوده يدعو لتنحي القائمين على الحكم اليوم ويحملهم مسؤولية ما آل اليه حال البلد من تدهور ودمار وفشل
# السودانيون لا يطيقون بعض عندما يجلسون لمفاوضات ثنائية او متعددة الأطراف، ففي كل منهم "شمشون الجبار في ذروة مأساته".
# هل سئم من ايدوا حمل السلاح لأخذ الحقوق انتظار نصر لا يأتي؟ وهل على خلفية انفصال وطن المليون ميل مربع و"تَشَرْتُم" خريطته بات مشروع الاستمرار في الخيار المسلح تخيم عليه ظلال تجزئة البلد؟

* في حسابي الخاص بمنصة التواصل الاجتماعي (واتساب) وصلتني رسالة من الاستاذ مبارك الكوده، علمت لاحقا انها وصلت لآخرين ايضا، كتب فيها:
الأخ الكريم،،،
الطريق الثالث فكرة ندعو لها من خلال مجموعة تلتقي بدءً في الأسافير والصوالين والمنتديات لإدارة حوار جاد للتفاكر حول تعبيد طريق ثالث، يبدو ان ملامحه قد بدأت تتضح وذلك للخروج من الواقع السياسي السوداني المأزوم.
والطريق الثالث لا هو طريق الحكومة النافذة الآن ولا هو طريق المعارضة السياسية أو المسلحة التي تتوسل بالقوة لرد حقوقها، بل هو ضرورة ملحة يقتضيها الظرف الاجتماعي والسياسي الآن تجاوزاً لتجارب الحكم الفاشلة منذ الاستقلال حتى يومنا هذا، والتي أوردتنا مورداً صعباً في مجالي نظم الحكم والمعارضة السياسية والمسلحة، والتي نعترف جميعنا أنها تجارب فاشلة، جانبها الصواب لعدم ملاءمتها للواقع السوداني ولذلك لم نتمكن من خلق دولة حديثة نتطلع اليها ونتعاقد عليها.
ينبغي أن تؤمن المجموعة ابتداء أن الخطأ يستوجب الاعتراف، وأن المشكلة في عدم وضوح الرؤية والضبابية التي حجبت عنا مصالح الوطن العليا تسببنا فيها (نحن) كأحزاب ونخب ومثقفين وسياسيين وعسكريين، كل حسب دلوه مع الاعتراف أن نظامنا هذا قد تولي كبر الغفلة.
كما يفترض في عضوية المجموعة أن تكون منتقاة ممن آمنوا بهذا الطريق الثالث وممن اعترفوا بالخطأ وممن لهم تجربة ومشاركة حقيقة سياسية كانت أو تنفيذية في الحكومات السابقة أو المعارضة لكي تواجه المجموعة تجربتها بكل تجرد ونكران ذات بالمراجعات الموضوعية بعيداً عن المزايدات السياسية للوصول للتي هي أحسن.
أرجو أن أنوه الي أن هذه الفكرة ليست بداية لمشروع حزب سياسي إنما هي بداية لتأسيس (فكرة) تتجاوز أخطاء الماضي لمن أراد أن يمارس السياسة.
نرجو كريم موافقتكم والانضمام لهذه المجموعة في تطبيق (واتساب) باسم (الطريق الثالث) والتي ستناقش ابتداءً هذه الفكرة وتبلورها عسى أن تكون لنا هادياً لما نريد، ولكم التحية والود. مبارك الكوده – امدرمان 17 يوليو 2017.

- هاتفني صديقي الكوده، واخبرته بأنني اطلعت على رسالته وردي عليها في الطريق اليه، ومنحته موافقتي لضمي للقروب، وبالفعل وجدت نفسي فيه، فأرسلت الرسالة التالية التي كنت قد جهزتها للكوده، للقروب:
فكرة نَيِّرة. اتمنى لها ولكم التوفيق والى الامام. مشوار الالف خطوة يبدأ بخطوة. قُلْ انها خطى كتبت علينا، فهيا معا لنمشيها.
أطلعني على الفكرة الصديق مبارك الكودة في حديث هاتفي وبرسالته اعلاها التي قدم بها مبادرته، فكتبت له الرسالة التالية بعنوان "حول فكرة الطريق الثالث او نحو تجميع الوسط العريض في طريق لاتجاه واحد لتغيير الوضع الحالي والخروج من المأزق"، قلت فيها:
انها فكرة طيبة وجيدة، ويبدو يا صديقي مبارك الكودة ان هنالك كثيرين يفكرون في ذات الاتجاه.
خلال الفترة القريبة الماضية وصلتني محادثات ورسائل من اصدقاء يبحثون عن طريق ثالث بين الاتحادي الاصل والمسجل وبقية الفصائل الاتحادية المشتتة، عازمون على التجمع في طريق ثالت لقوى الوسط العريض يخرج من المظلة العريضة التي تَلِم الاتحاديين.
قلت لهم من الافضل ان يتوسع الطريق الثالث للوسطيين، لكل تيارات قوى الوسط المنظمين منهم وغير المنظمين والاخيرين كُثر، بل الاكثر. والوسط في السودان يتقاسم تمثيله بدون مسميات أحزاب، اتحاديون وختمية وأنصار ومنتمون لحزب امة، ومستقلون بعضهم اختار المؤتمر السوداني وشريحة اعرض من كل ذلك متفرجون واقفون على السياج لا لهُم في هذا الحزب او ذاك. كما وهنالك حزبيون سئموا ما يحدث في احزابهم ويريدون وعاءً سياسيا جديدا قد لا يساهمون في صنعه ولكنهم حتما سينتقلون اليه إذا حقق التوسع والنشاط والحركة التي يؤكد بها انه موجود وفي طريقه ليتطور وفي انتظارهم ان يقدموا مساهماتهم ومشاركاتهم لمشروع تغيير جديد يعمل بجدية. ومِن الاخيرين من انتمى لتيار اليسار الذي وصل من قبل للسلطة بأخذها بالقوة وانتهى الى فشل واضح، ومنهم ايضا مَن انتمى لتنظيمات اسلامية بمسميات عديدة طَرَحت لهم برامج وجدوا فيها اشواقا ومحفزا لتغيير للأفضل.. ونجح البرنامج اليميني الإسلامي في الوصول للسلطة واخذها بدوره بالقوة أيضا ونجح في البقاء فيها زهاء الثلاثة عقود بالقوة أيضا ولكنه فشل في تحقيق تغيير للأفضل في البلاد، بل تسبب في اضرار وخسائر جسيمة وغير مسبوقة لم تكن حتى منظورة لكثيرين ممن شاركوا فيها، وهي في مجملها محددات الازمة الراهنة والمأزق الذي تعيشه البلاد حاضرا، ومهددات مستقبلها.
واضافة لكل أولئك المشار إليهم أعلاه هنالك تيار لا يستهان به من الذين ايدوا حمل السلاح لأخذ الحقوق وواضح ان منهم من سئم انتظار نصر لا يأتي، وعلى خلفية الانقسام الذي حدث في وطن المليون ميل مربع بانفصاله و"تَشَرْتُم" خريطته من جنوبه بعد تجربة النضال بحمل السلاح، فقد بات مشروع الاستمرار في الخيار تخيم عليه ظلال تجزئة البلد وإعادة سيناريو تقسيم السودان وانفصال جزء قد يقود لانفصال اخر في اخر الامر.
هؤلاء وأولئك واخرون غير مذكورين لا شك اقتنعوا بان طريق ومسارات وتيارات التطرف يسارا ويمينا لن تقود البلاد الا الى مزيد من التفكك والتشرذم والتدهور في كل المجالات، اقتصادية، اجتماعية، تعليمية وصحية، أي في كل مناح حياة الانسان. وعليه لا بد من طريق الوسط عبر الطريق الثالث الذي يلتئم له في حوار انساني واخلاقي ووطني من يشاء، فيكون الحوار منتجا مستهدفا المستقبل متحللا من غبن وبغض الماضي يتحدث عن التغيير وتحقيقه أولا بالانفكاك من الراهن القميء وجعله جزءً من الماضي المطلوب تجاوزه والانطلاق لبناء المستقبل المطلوب بخطوة أولى نحو غد يتحرر من مكبلات الامس القريب والبعيد وكل ذلك لصالح أجيال شابة لم تكن طرفا في النزاعات والصراعات والجرائم التي ارتكبت في حق البلد، واجيال لم تُلَد بعد، واجيال تحبو ولا تدري ما يخبئ لها القدر عندما تكبر، والاهم أجيال الذين صنعوا الفشل السابق والراهن وسيمشون في ذات طريق الفشل، وإن لم يتوقفوا وينتهزوا الفرصة الوحيدة المتبقية امامهم، فرصة الساعة الخامسة والعشرين، للتكفير عما ارتكبوه في حقهم وحق أهلهم وشعبهم ووطنهم السودان، فسيستحقون عندما تتبدد الفرصة لعنة التاريخ التي تطاردهم راهنا وهي واضحة على جباههم يحملونها على اكتافهم، وهم لا يعترفون.
فكرة حوار اسفيري في قروب بتطبيق (واتساب) يبدأ ثم يكبر ويتوسع، لا ريب انها خطوة سليمة وسيكون بمقدور بعض المشاركين فيه ان يخرجوا به الى الواقع وفضاء التواصل في الصحف والمواقع وبالتالي يصبح جزءً من مؤتمرات السودانيين التي تعقد في الافراح وفي الاتراح ليصير خلالها وبعدها حوارا من الفم للفم عبر الاذن.
قال لي أحد الأصدقاء: "من ملاحظاتي بعد سنين من التواصل مع الاخرين في العديد من القروبات، يبدو ان السودانيين قادرون على احتمال بعض في مداخلاتهم وتبادل رسائلهم في منصات التواصل الاجتماعي المختلفة في الفضاء الأسفيري الواسع والتي يشهد عليها المشاركون والمتابعون و"المتاوقون" من حين لأخر، ولكن يبدو أيضا ان السودانيين لا يطيقون بعض عندما تضع امامهم "مايكرفونات" او يجدون أنفسهم يخاطبون تجمعات شعبية وجماهيرية، وبالأخص عندما يجلسون حول طاولات مفاوضات ثنائية او متعددة الأطراف، ففي الحالات الأخيرة لا يحدث تقارب وانما شقاق وتناحر، ففي كل منهم "شمشون الجبار في ذروة مأساته". واقترح عَلَيَّ من واقع متابعته لزاويتي "يفرقنا انقلاب.. يجمعنا واتساب" تشكيل قروب تجري فيه حوارات تخرج الى العلن بذات الأسلوب.
دعونا، اذن، نبحث صيغة توافُق تنتقل لاحقا لمشروع وفاق وطني عريض وهنالك وقت متاح، لا نريده ان يطول ويجب ألَّا يطول، لحين حدوث تغيير الوضع الراهن الحاكم في البلاد، وعندها يكون مشروع الطريق الثالث حاضرا وجاهزا لفترة ما بعد التغيير. ولِمَ لا، فقد يكون ذات المشروع، الطريق الثالث وحاضنته في فترة ما قبل التغيير، هو أداة التغيير التي نبحث عنها وهي العنصر الأساسي الضائع والمفقود في معادلة التغيير التي لم يحلها أحد حتى الان. بالتوفيق. عصام محجوب الماحي، بوخارست 17 يوليو 2017.

* وتحت عنوان "الواقع السياسي بين الإصلاح والتغيير" رفع الكوده للقروب الرسالة التالية:
دون النظر إلى مآلات الحوار السياسي ونواياه، أجد نفسي دائماً من المؤيدين بلا تحفظ لمشروعه، باعتباره حق وواجب لا خلاف عليه، فمن واجبي أن أُحَاوِر وأُحاوَر وأشارك في المسئولية العامة، وإذا التزمنا باستحقاقاته فإن ذلك يؤثر إيجاباً في أمن الوطن واستقراره. لذلك لابدّ من حوار المشاركة باعتباره ضرورة للإصلاح، ونحتاجه لحفظ البلاد والعباد من الفتن والمحن (إنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚوَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) وعبارة "ما استطعت" تدل علي أن الإصلاح قيمة ومسئولية أخلاقية لا تسقط كتكليف فردي البتة لأي سبب كان، وشَرْطُه الأساس الاستطاعة، كما أنه غاية مستمرة لا يُشْتَرط لبلوغها ضمان إيجابية النتيجة (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا).
فنتيجة أي مشروعٍ للإصلاح مرهونة بصدق نوايا القائمين والساعين على أمره (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما)، ولا يثنينا عن الحوار أن بعضنا قد يحاور من أجل دنيا يصيبها فلكلٍ نيته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، وإذا أسقطنا هذه الحالة على واقع السودان اليوم نجد أن الإصلاح السياسي ضرورة قصوى.
هذه المقدمة قولاً واحداً لا تحتاج عندي لمراجعة ودليل، فهي من القول الثابت (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء).
ومن جانب آخر فالوطن مأزومٌ جداً، فقد نكون أو لا نكون، تتناقص أرضنا من أطرافها، خدمات منهارة وضائقة معيشية طاحنة، علاقات خارجية مهزوزة أمنٌ مضطرب وكثير جداً من القيادات السياسية والتنفيذية دون المسئولية. وفِي تقديري أن أضعف حلقات الإنقاذ الآن هي كادرها التنظيمي السياسي من أعلاه الي أدناه، ولذلك نحن في حاجة لموقف آخر موازٍ لسياسة الإصلاح الجزئي الذي ارتضيناه كواقع، وفرضته علينا الضرورة عملاً بالقاعدة الأصولية درء المفاسد أولى من جلب المصالح. ولذلك أتطلع لموقف آخر مسرحه كل مكونات المجتمع المدني، لنخرج به من هذه السيولة، ومن هذا المستنقع الآسن ذو المآلات الكارثية.
ينبري لهذا الموقف الصالحون المخلصون من أهل السودان، هدفهم ابتداء خلق علاقة مع الشارع العام تجديداً للثقة التي انعدمت تماماً بين النخب والمواطنين، فالواقع يؤكد أن النخب ومؤسساتها في واد والمواطن وحاجاته في وادٍ آخر، وكلٌ له رؤيته ولغته، خاصة أهلنا في الأطراف والأرياف ولذلك لابدّ من ردم الهوة وبناء الجسور للتواصل بين النخب والعامّة وبين المركز والأطراف وبين الأحزاب فيما بينها من أجل الوحدة الوطنية والتغيير الاجتماعي العميق والذي ليس في نظريته ومثاله المنصوب نواقص، فقيمة الحرية فيه تعني حرية الانسان كاملة غير منقوصة (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً). والإصلاح الشامل جذري يرفض التبعيض والطبطبة، كما يرفض الوصايا، ويقتلع العلل التي أقعدتنا سنين عدداً من جذورها. فالقبيلة مثلاً تُقْتَصر على دورها الاجتماعي ولا علاقة لها بالسياسة واستغلالها من أجل مصالح رخيصة يستفيد منها الزعماء والخاصة. والطرق الصوفية الدينية ينبغي عليها الّا تُمارس السياسة، وعليها ان تؤدي دورها كحاضنة لمريديها تهذب أرواحهم وتشذب سلوكهم وينطبق عليها ما ينطبق على المساجد (فإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً). والقوات المسلحة في نظرية الاصلاح الشامل قومية الانتماء والتوجه وعليها أن تؤدي دورها باحترافية كاملة، ولا شك أنه دور عظيم ينبغي الّا يتجاوز ما خصه بها الدستور والعرف العالمي. والقضاء مستقل وكذلك الخدمة المدنية، والفيصل فيهما للترقي هو التدرج الوظيفي والكفاءة.
مهمة الخيرين من أهل السودان كافة، تقدير الظرف الحرج والمسئولية التّاريخيّة والسعي الدؤوب لدعوة المجتمع ليصطف حول قضاياه الحياتية المشتركة بلا أدلجة لتأسيس جبهة عريضة تقودنا إن لم يكن اليوم فغداً لدولة القانون والمواطنة بعقد اجتماعي وبمنهجية مدنية حديثة، لأجل دولة يجد كل منا فيها نفسه، شعارها (أنا سوداني).
أتطلع لمبادرة تحقق هذه الأشواق يقودها من هم يؤمنون بها ويثقون بأنفسهم وقدراتهم وعلى معرفة تامة بزمانهم وواقعهم مما يؤهلهم للريادة والقيادة وتفجير طاقات وإمكانات هذا الشعب. والله من وراء القصد ويهدي السبيل. مبارك الكوده - امدرمان - 8 أغسطس 2017.

- كتبت رسالة بعنوان "تعليق على رسالة مبارك الكوده بعنوان: الواقع السياسي بين الإصلاح والتغيير"، وارسلتها لقروب (الطريق الثالث):
تشكر أخي مبارك على رسالتك، وأسمح لي ان ابدأ تعليقي عليها من حيث انتهيت، ووصفك ما جاء في مدخل وعمق رسالتك بانها "اشواق" تتطلب "مبادرة يقودها من يؤمنون بها" لتتحقق على أرض الواقع، وبالتالي تتحول اشواقك من أحلام وآمال إلى عمل حقيقي ينقل السودان إلى مربع جديد.. غير أنك كنت فطنا بما يكفي وانت تحدد محددات الذين ينطلقون بمبادرة تحقيق اشواقك الطيبة نحو بلدك وأهل بلدك، فكتبت انهم يجب ان "يثقون بأنفسهم وقدراتهم"، ولم تكتف بذلك وأضفت "وعلى معرفة تامة بزمانهم وواقعهم"، وتلك هي بالفعل لب المسألة، فليس بالضرورة أن كنت واثقا من نفسك وقدراتك أن تقدم عملا طيبا ونافعا إذا لم تكن ملما الماما تاما بظرفي الزمان والمكان اللذان يحددان الواقع والراهن بتفاصيله الحقيقية وليس التصورات والخزعبلات التي تجري بين الناس وباتت تتقاسم معهم الحياة. الإلمام بالواقع، بتفاصيله والاعتراف بانه واقع مخزي وقبيح ولا يفتح الا على مستقبل مظلم وقميء يعتبر شرطا اساسيا للتقدم لطرح مساهمة في التغيير نحو الافضل. بخلاف ذلك سيكون من يطرح اية فكرة او مشروع جزء من الفشل العام الذي تعيشه البلاد وشعبها.. بل وبافتراض عدم الانطلاق من معرفة صحيحة للواقع، حتما ستتسبب المساهمة حتى وان كانت النوايا التي تأسست عليها طيبة في أن تأخذ من آخرين حق تقديم ذات المساهمة الطيبة في الوقت المناسب وبالتالي تأخير التغيير وعرقلته.
اي نعم يا صديقي، لا ريب أن حواء السودانية ولود، وحينما اقول انها لم تعقم بعد، لا انتظر ان يظهر لنا واحد واثنان او أكثر، وانما ان يقتنع جيل وجيلان او أكثر بالفكرة، فكرة الاصلاح والتغيير.
وعليه، علينا ان نبحث عمن حددتهم في آخر رسالتك الرائعة لا ان نقف بعيدا في انتظار غودو، اي في انتظار أن يحضر، او قُلْ يظهر إلينا من يخلصنا من الراهن البائس وينطلق بنا نحو غد أفضل، فقد انتهى عهد المفكر والقائد والزعيم الملهم الذي يسحر الناس فيسيرون خلفه مغمضي الأعين مسلوبي الإرادة كما حدث لجماعات الإسلام السياسي مع الترابي ويحدث لهم مع تلاميذ له ظنوا أنفسهم يملكون فصل الخطاب، وحدث قبلهم لأخرين مع قيادات يسارية وطائفية ظنوا انها تملك كل الحلول لكل المشاكل فثبت أنها تقدم كل المشاكل لتضعف أسهل وأفضل الحلول المتاحة والتي كانت بين أيدينا فطفقنا نعيش تجارب فرضوها علينا فرضا تبحث وتنقب في عصور قابعة في التاريخ البعيد وتنفض غبار الماضي السحيق عن حلول عفى عنها الزمن والتطور والتغيير ومع ذلك جرى تقديمها للناس بانها صالحة للراهن. اية جريمة هذه في حق الانسان والإنسانية؟ الشاهد أننا اما أن نأخذ الراهن ونذهب به إلى الماضي السحيق أو نأتي بالماضي السحيق ونجعله راهنا، وفي كلا الحالتين ذلك جنون وخروج عن المعقولية والمنطق والتطور الطبيعي للأشياء.
بعد هذا دعني ان أعود لمدخل رسالتك، بل لعنوانها وتفكيكه. وكي لا تختلط الامور من البدايات، يجب ان نحدد ما هو المقصود بكلمة الاصلاح.
لا اعتقد ان الهدف "تلتيق" ما هو كائن من وضع حاكم في البلاد، باستغلال كلمة الإصلاح ووضعها داخل عبارة كان من الممكن أن تكون مفهومة تماما تتحدث عن "الواقع السياسي والتغيير"، فاصبحت بالإضافة "الواقع السياسي بين الإصلاح والتغيير"، وجعلت بالتالي "الواقع السياسي" يتبندل بين "الإصلاح والتغيير"، وتحت كلمة التغيير ضع ما تشاء من خطوط لتمييزها، فيما كلمة الاصلاح حمالة أوجه كل قد يأخذها حسب هواه بل قد يتم ابتذالها لأفشال معانييها ومقصدها. ومع ذلك حسبي ان آخذ "الإصلاح" المقصود بانه يعني "تغيير" الوضع بوضع جديد تتحقق فيه وبه وخلاله الاصلاحات التي سيتم الاتفاق عليها انطلاقا من الاسس والافكار العامة التي طرحتها اخي الكوده في اشواقك. بغير ذلك قد يفهم الأمر محض "تلتيق وسمكرة" للوضع الراهن السائد الذي قاد البلاد للمأزق الحالي. أليس كذلك؟
انتقل واتفق معك ان يتم ذلك بالحوار.. فالحوار يجب ان يجري حتى في ظل قعقعة السلاح.. والاصل هو الحوار وليس الاقتتال. ولا اعتقد ان هنالك شرطا لتوقف أحدهما عندما يبدأ الاخر، فتلك امنية غالية يصعب تحققها بسهولة بعد ان صار الاقتتال وحمل السلاح سلما لا للصعود للسلطة فحسب وانما أصبح من ضمن ضرورات وآليات التغيير وتلك آفة صنعها نظام الإنقاذ بعد ان حَمَل سلاح الشعب ضد إرادة الشعب بالانقلاب، وحَمَّل السلاح لمدنيين عندما دعاهم لمنازلته لقلع السلطة او اسقاط القابضين عليها، فصار حَمْل السلاح مشاعا ومتاحا. ومع ذلك دعنا نأمل سويا بان جدية الحوار وما يطرح فيه سيشكلان حالة جديدة قد تقود لوقف الاقتتال الذي تنتفي الحاجة اليه عندها، او هكذا نأمل.
بيد ان الهدف، والهدف الذي يجب التوجه اليه بصدق هو التغيير.. وعلى دعاة التغيير ان يفرزوا عيشتهم ممن لا ينشد التغيير متمترسا ومتقوقعا داخل الفشل، مشروعا كان.. سياسات كانت، فكرا كان.. أيدلوجية كانت، بناء آيلاً للسقوط برغم تماسكه الظاهري فقد هجره اهل البلد واختاروا الهروب منه بل من كل البلد. والقصد ليس اقصاء لاحد وانما تحسبا بان لا يحدث التشويش واللَّت والعَجْن والدوران في ذات المكان. فهنالك من ينشد ويعمل للتغيير حتى وان لم ينشطوا بعد في كتلة او جبهة عريضة لطريق ثالث بين راهن قميء ماثل وقفزة نحو المجهول قد تحدث في أي لحظة وتفاجئ البلد وأهلها وتصبح هي نفسها واقع سيء جديد قصير او طويل العمر، وهنالك بالطبع جماعات تقاوم التغيير وتعمل على افشال اية حركة فيها بركة تتجه نحوه او تسير في طريقه. ولعل هذه المسألة من الأهمية بمكان بحيث يجب حسمها قبل اية انطلاقة للأمام.
لا اظن أخي الكوده ان هنالك اعتراضا على التشخيص السريع الذي قدمته، ومن يعترض فهو مستفيد من الوضع الحالي الذي يجمع الناس على انه سيء وادخل الناس والبلد في ازمة خانقة. واتفق معك تماما حول خريطة الطريق للتغيير التي رسمت لها ملامح عريضة وخطوطا عامة وهي برأيي أساسيات الحد الادنى التي نحتاج لها لوضعها في مشروع وطني وفاقي يلتف الناس حوله بصدق وبإجماع لا بمحاصصة في تولي تنفيذه، فالأساسيات تتطلب اجماعا لا اغلبية، والبرامج التفصيلية تترك لعزيمة الناخبين وارادتهم.
أثق أن لديك الكثير المفيد الذي يمكن أن تقدمه ليشكل حزمة أفكار لبرنامج ومشروع التغيير خاصة وأن صدى مراجعاتك التي بادرت بها واخرين لا زال يذهب ويجيء تتلقفه العقول التي تفكر في حقائق الواقع الماثل واحتمالات ما يخبئه المستقبل للبلد واهل البلد بدون تلك المراجعات التي لا يدهشني رفضها من قبل المكنكشين في السلطة وفي أدواتها التي قمعت بها المجتمع ودمرت به السلام الاجتماعي في العديد من جهات البلد. عصام محجوب الماحي - بوخارست، رومانيا - 9 أغسطس 2017.

* بعنوان "إليكم من الآخر" رفع الصديق مبارك الكوده الرسالة التالية:
الوطن في حالة أزمة تهدد وجوده وكيانه تماماً، وقد تسبب في ذلك المؤتمر الوطني بضعفه، وصراعات مصالح منسوبيه، بالإضافة الى تهافت ممتهني السياسة من الأحزاب الاخرى والذين لهم المقدرة في تحريف الكلم عن مواضعه متي ما أرادوا ذلك وبصورة مخجلة.
من المداخلات العميقة في مفهومها والتي قرأتها في أحدي مجموعات (الواتساب) التي أشارك فيها، كتب أحدنا واصفاً الواقع الآن بما يلي: إن العجيب في الأمر أن أعضاء المؤتمر الوطني السابقين أصبحوا معارضة لهذا النظام، والذين كانوا يعارضونه أصبحوا يناصرونه لاحقاً، خرج أولئك ودخل هؤلاء، والبرنامج لم يتغير ولم يتبدل، ذات الشعارات وذات الهتافات التي هتف بها أولئك وكان يعارضها هؤلاء، هتف بها هؤلاء وأصبح يعارضونها أولئك، وضرب لنا مثلاً بعددٍ من القيادات من الجانبين، ولا أظنني أحتاج لأن أذكر بعضها لأن أي قارئي لهذا المقال ومتابع للسياسة يمكنه أن يستشهد بما يريد من أسماء، وما جاء في مداخلة (الواتس) دليل واضح أن أُوْلِي الأمر منّا، وأصحاب القرار فينا أجندتهم تتمثل في بقائهم في السلطة مهما كانت العواقب والنتائج والخسائر، فهم ينشدون البقاء بمن حضر.
قضينا ثلاث سنوات نتحاور حول مفاهيم شاركنا بموجبها في النظام، وصرفنا مرتبين تقريباً بعد المشاركة، ونتطلع للمزيد من المخصصات، ومنا من يَعُدُ العُدة للسفر للخارج ليشارك في مؤتمرات، وظل الواقع العام كما هو بل أسوأ مما كنّا عليه قبل الحوار، الدولار يتصاعد وأكوام الزبالة تزداد تراكماً في شوارع الخرطوم والعام الدراسي وخدمات المستشفيات حدث ولا حرج، ووثيقة الحريات وغيرها من الاتفاقات راحت شمار في مرقة.
لماذا كل هذا التشبث بالسلطة، ألم تلد حواء السودان غيرنا؟ ولماذا كمؤسسين لهذا النظام نتحمّل دون الآخرين هذا العبء الثقيل من المسئولية في الدنيا والآخرة؟ ولماذا نُنَصِب أنفسنا أوصياء علي الوطن بلا شرعية دستورية الّا شرعية القوة والتي مكنتنا من السلطة ثم فَصّلنَا من بعد ذلك شرعيتنا الدستورية زوراً وبهتاناً بانتخاباتٍ سندها قوة ومال واعلام الدولة، وسندناها أيضاً بقيادات صنعناها بأيدينا، وكانت لنا في طاعتها كما يقول المتصوفة: (كن بين يدي شيخك كالميت بين يدي مُغسِلُه) فها هم أموات بين يدي السلطة تحركهم وتقلبهم كيف تشاء.
قضينا ثمانية وعشرون عاماً خلا لنا فيها وجه السودان تماماً وخرجنا كما نزعم بإنجاز ثورة التعليم العالي، وظللنا نحاجج بها دائماً وذكرني ذلك بالقصيدة الوحيدة للشاعر الجاهلي عمر بن كلثوم، ومن أطرف ما ذكر عنها كمعلقة أن بني تغلب كباراً وصغاراً كانوا يحفظونها ويتغنون بها زمناً طويلاً لأنها إنجازهم الوحيد للفخر والاستعراض.
وبالرغم من أننا نفتخر بإنجاز ثورة التعليم العالي والذي قسنا نجاحنا فيه بعدد الجامعات التي أنشأناها ولكن العدد لم يكن يوماً من قياسات قيمة التعليم فالتعليم يقاس بالجودة لأنه (كيفاً) وليس (كماً) فجامعة واحدة كجامعة الخرطوم سابقاً أفضل من عشرات الجامعات التي تُفرخُ لنا خريجين بلا كيف، ولا أودّ هنا أن أقارن فالقضية واضحة، وحتي إذا قبلنا مجازاً أن هنالك إنجازات منها ثورة التعليم وثورة الكباري وثورة بناء المساجد وثورة تشييد الطرق، فإنها لا تُدخض أمام الإخفاقات الكثيرة والتي هي واقعٌ يعيشه الناس اليوم بالإضافة الي عامل الزمن الطويل الذي تمكنا فيه لوحدنا من السلطة، وان تجاوزنا خلافنا حول جوازها وعدمه فإنها لا تساوي شيئاً مقارنة مع دول أخري أقل منّا في الثروات وأقل منّا في الزمن، فإثيوبيا مثلاً لا تملك ما نملكه من ثروات وجاءت كثورة من بعدنا بسنوات ولكنها الان تخطو خطوات ثابته وبثقة نحو دولة القانون والمواطنة والتنمية المتوازنة، وغير اثيوبيا من الأمثلة كثير.
كنت سابقاً أخاطب السلطة بأن تتطلع بدورها لتصحيح المسار، ولكني الآن أقولها صريحةً وصادقةً لقد فشلت الإنقاذ الوطني كثورةٍ عسكرية للتصحيح وفشلنا كإسلاميين وكأصحاب مشروعٍ حضاري للتغيير، وفشل المؤتمر الوطني فشلاً زريعاً كحزبٍ سياسي، يتخبطُ بلا برنامجٍ وبلا هديً ولا كتابٍ منير، ولذلك أري أن الاسلام الذي ندعيه يلزمنا شرعاً أن نتنحى الآن قبل الغد عن هذه المسئولية لغيرنا، فحواء السودان ولود، وإن لم نستجب للإسلام فالرجولة والأخلاق الانسانية المجردة من الدين يقتضيان ذلك أيضاً، وإن لم تسعفنا هذه النخوة فلتكن عِبرُ التاريخ لنا دافعاً للتنحي فلا داعي أن يذكُرنا أبناؤنا في المستقبل القريب والبعيد بالذكر السيء واللعنات.
الفرصة الوحيدة التي تبقت أمامنا هي التنحي مهما كان الثمن باهظاً ولا اعتقد فالوطن أولى بالمحافظة عليه من أنفسنا، ونسأل الله ان يهدينا سُبل الرشاد، ويهدينا إلى صراطه المستقيم، والحمد لله رب العالمين. مبارك الكوده- 11 أغسطس 2017.

- وفي تعليق مختصر كتبت:
عندما يكون الانسان صادقا مع نفسه واهله وتاريخه يكتب مثلما كتبت اخي مبارك ويقول الحقيقة عليه وعلى غيره.. مصيبتنا اننا نعيش عصر الانبياء الكذبة الذي حدثونا عنه وقرأنا عنه وما كنا نظن اننا سنكون جزءا منه ومن بين الذين يعاصرونه.
نحن اجيال عصر الانبياء الكذبة.. فبعد ان توقف الرب جل جلاله من ارسال أنبياء وختم بالامين الذي ارسله ليتمم مكارم الاخلاق، جاء بعض خلقه وعباده وأصبحوا فينا أنبياء كذبة.
الكذب يحيط بنا كالسوار حول المعصم. الدولة تكذب على الشعب وتتصنع دفع استحقاقاته وتتركه للفقر والمسغبة والمرض والجهل خاصة عندما تسلب ارادته باسم الدين والتدين والعقيدة.. والشعب يكذب على الدولة ويتصنع العمل والإنتاج حيث لا انتاج ولا عمل، ويتأقلم مع معاناته وفقره وتتبدد ثروته الحقيقية فيه كانسان وفي موارد بلده الغنية فيعيش فيها فقيرا فقرا مدقعا.
الحاكم كاذب والمحكوم اكذب لأنه لا يقول للحاكم انت كاذب بل يصفق له.. ويرقص معه.
تبقى يا أخي القول للرجال، الرجال مواقف والمواقف رجولة، ومن الرجولة ان تقول الحق. والرجولة غير الذكورة.
والقول ايضا للنساء، النساء الشريفات العفيفات مواقف، والمواقف مرآة للمرأة وشرفها وعفتها وهي البطولة في انوثة كاملة الدسم كإنسانة، ومن البطولة ان تقول المرأة الحق وتعمل للحق ولا شيء غير الحق.
شكرا اخي مبارك على الدرس الوطني والإنساني والأخلاقي العميق الذي قدمته في رسالتك الأخيرة. فهل يقرأها من عنونتها إليهم؟ المهم انك قلت كلمتك.. وهو موقف يسجل لا لك فحسب، وانما لكل من يريد ان يبحث معك عن طريق ثالث لا تفتر وانت تدعو وتنادي له.
لك كل السلام والتحايا العطرة وكامل الاحترام. عصام محجوب – بوخارست – 11 أغسطس 2017.

 

آراء