الطيب مصطفى… الراقصون على مذابح الأوطان!! (22)

 


 

عادل الباز
11 July, 2011

 



11/7/2011
بالأمس رأيتم كيف حشرني الأستاذ الطيب مصطفى في  قبيلة النعام ثم نقلني للمنبطحين وأخيرا ألحقني بالبكايين!!.بالأمس ظهر الطيب مصطفى في الصفحة الأولى في الانتباهة (يقشش دمعتو بعمتو). أي والله ألم أقل لكم إنه أعظم البكايين!!.ولكن بكاءه كان غير!! الطيب مصطفى بكى قبل اليوم المشئوم وهو يناشد الرئيس بألا يسافر للجنوب خوفا عليه مشيرا إلى ما يمكن أن يحدث لوالدته إذا ما جرى له مكروه لا قدر الله.. هذه بلا شك عاطفة جياشة  يعبر عنها صاحب المنبر.. وهذه كفيلة بمنحه بطاقة نادي البكايين!!.
في الانتباهة ذاتها أشار الأستاذ إسحاق فضل الله للعواطف الجياشة التي انتابت الجميع يوم الوادع ثم فاضت الصحف وكتابات الصحفيين بتلك العواطف الإنسانية الجياشة ولم يبق أحد لم يبك على صدر الوطن وهو يبتر إلا المنبريون!!.
يقول الطيب مصطفى (لكن عادلاً في غمرة حزنه ـ غير النبيل ـ لم يخرج ولن يخرج عن منطق العاطفة الأعمى ليسأل نفسه: ولماذا يُعتبر الجنوب وطناً جديداً يفرح أهلُه بميلاده ولا يُعتبر الشمال وطناً جديداً تخلَّص من عبءٍ ظل يعطِّله؟! وهل يقتصر الفرح على طفل واحد من التوأم السيامي الذي يُفلح الجرّاح في تحرير جزئيه؟!). الغريب أن الحزن هو الحالة الوحيدة التي يستحيل نزع النبل عنها!!. يفرح الجنوبيون يا أستاذ الطيب، بميلاد دولتهم لأنهم عانوا ويلات الحرب لـخمسين عاما وقد عانينا مثلهم ودفعنا أثمانا باهظة ثروات وأنفس ولم يكن قدرا محتوما أن يخضع الوطن للبتر حتى يتعافى، كانت خيارات التفاوض على وطن جديد بأسس جديدة متوافرة لكنهم اختارو بالتراضي أن يذهبوا لدولتهم سعيدين بها ومن حقهم. أما الحزانى والبكايين من أمثالنا فكان لهم رأي آخر فتدفقت عواطفهم الجياشة حزنا وألما على وطن يغادر. يا أستاذ، حين تغادر أوطاننا الجغرافيا لا لا يغادر وجداننا  الوطن!!
قرأ علينا أستاذ الطيب نشيد الانفصال منذ أقرى جادين حتى باقان أموم و هو نشيد حفظناه (صم) لكثرة ما ردده المنبريون وأشاعوه بين الناس، وفيه بعض الحق وكثير من التخليط وعدم معرفة بالتاريخ. فالشعوب العظيمة خاضت في تاريخها مخاضات دم طويلة حتى انبلج فجر وحدتها واكتشفت ذاتها وأسست أوطانها على أسس جديدة. ولكن ما يجدي جدل التاريخ الآن وقد رفعت الأقلام و جفت الصحف.
لم أفهم ما كان مطلوب مني... هل كان مطلوب أن أفرح ولكني بكيت!!. هل كان مطلوب حين يلوح الجنوبيين بأيدهم مودعين نرد عليهم ( في ستين داهية). أو أن أهتف مع المنبريين (بلا وانجلا). بأي حسٍّ إنساني نودع الناس باللعنات والرقص والغناء!!
اقرا قوله تعالى ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين] (الممتحنة: 8). قالوا إن البر هو أعلى أنواع المعاملة الإنسانية. فكيف يا ترى لا نودع إخواننا في الوطن بالدموع والحزن النبيل.. هذا أقل ما يمكن فعله.  عجبت لمنبر للسلام العادل خلو من القسط و  البر!!.
ننهي جدلنا مع أستاذ الطيب ونحن نقف على حافة خوف عظيم إذ لا يزال الوطن يعاني من أوجاع شتى تضطرب أطرافه وتحمل السلاح لتقاتل المركز... في وقت يدق فيه المنبريون طبول الحرب كحل وحيد لمعالجة الآلام.....ما يخيفني أن تلك وصفة مجربة  انتهت بالوطن إلى ما انتهى إليه... وما يقلقني أكثر أن هنالك أذنا تصغي لقرع مثل تلك الطبول وتكاد تعلن الحرب.... فإذا ما كنا سنسير معصوبي الأعين خلف طبول جوفاء..... ففي قادم الأيام لن نودع جزءا عزيزا من الوطن فحسب بل سنودعه هو نفسه ولن يبقى منه إلا (مثلث) لا يصلح لشيء سوى أن يصير مدافنا لرفاتنا !!. فليحفظ الله السودان... سلمت يا وطني..

 

آراء