العقاد في ضيافة الإسيسكو!

 


 

الخضر هارون
2 January, 2025

 

الدكتور الخضر هارون

magamat@hotmail.com

أحسنت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ( إيسيسكو) بعقد مؤتمر نوهت من خلال مداولاته التي تداعي لحضورها عدد من المثقفين العرب المرموقين العارفين بصنيع الأستاذ عباس محمود العقاد في خدمة الثقافة العربية والإسلامية سيما وقد رفد المكتبة بعشرات المؤلفات النافعة بمنطق قوي وثقافة عميقة ولغة رصينة مبرأة من الشوائب في زمن أجترأ فيه المفتونون بالثقافة الوافدة فروجوا لما اشتملت عليه من النفع والفائدة في تيسير حياة الناس ولكن تجاوزوا الحد فبلغت ببعضهم الجرأة حد المناداة بأخذها جملة بغثها وسمينها في إستكانة تعافها الجبلة السوية التي فطر الله الناس عليها وميز بها الإنسان بالتكريم في قوله عز من قائل ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا.) الآية ٧٠ من سورة الإسراء . ولا نملك نحن معاشر هذا الجيل الهرم إلا الإقرار بمال للعقاد علينا من دين لا نملك سداده إلا بالدعاء الخالص له بالرحمة والمغفرة فقد كان من مصابيح الاستنارة لنا ونحن في ميعة الصبا وفي شرخ الشباب في عقد الستينيات من القرن العشرين يسير أن نساق ألي مظان الغي والضلال. كنا نزور دور بيع الكتب لمعرفة جديد المطابع التي كان جلها في بيروت عندما اشتدّت الرقابة علي الكتب في قاهرة المعز . والعقاد بثقافته العميقة كتب في الفكر وفي الفلسفة والسياسة وكتب في الشعر والأدب وتميز في تلك العوالم جميعا وبذ أقرانه فيها أجمعين .
والشكر موصول للإسيسكو ولمواطننا لديها ،الشاعر الأديب والسفير الأريب خالد فتح الرحمن الذي أبي إلا أن يذكر سهم السودان في الحفاوة بالعقاد مشيرا إلي زيارته السودان ومكثه فيها شهرا كاملا كان موضع التجلة والاحترام .وفي كتاب الأستاذ حسن نجيلة ( ملامح من المجتمع السوداني) تفصيل جذاب وذكي لمن يريد المزيد.
نافح العقاد بصلابة عن تراث العرب والمسلمين بالحجة البالغة والمنطق القوي في زماننا هذا الأغبر وقد عظمت عند الناس الدعة ورغد العيش إلي حد التضحية بالكرامة وبكل ما يميز المخلوق الكريم العزيز بقيمه وأخلاقه الراغب في بذل مهجته لتبقي . تلقف بعض المثقفين في زمان العقاد منهاج الشك لديكارت واتخذوه مطية للتشكيك في أس الحضارة الإسلامية في فكرها وفي آدابها واعتبروا جل الأشعار منتحلة وأن كثيرا من الأسماء من نسج الأخيلة لم تنعم بالوجود أصلاً. ذلك رغم أن ديكارت من أساطين الفلسفة العقلية التي لم تنكر أو تتنكر للغيب . ويستدل علي وجود الشعر والشعراء بما قد يشكل علي البعض الفهم من تناقض لأقوال بعضهم كجميل بن معمر يعبر فيه تارة عن حب لا فكاك له منه ثم يدعو علي حبيبته بثينة بجائحة تذهب بجمال عينيها ونصاعة أسنانها :
رمي الله في عيني بثينة بالقذي
وفي الغر من أنيابها بالقوادح
يقول العقاد ذلك أدعي لصدق الحب وأدل علي وجود أبطاله حيث أن المتيم الذي لا يرجو فكاكا من حبه إذا حيل بينه وبين محبوبته بعدم التزويج كما هي حال جميل وبثينة فلا غرابة أن يدعو الله أن يطمس جمالها ما يغري بسلوانها.
وقد راق لي وأرجو أن يروق لكم ما أورده العقاد في (جميل بثينة ) من معان العناد النبيل ورفع الرأس لا طأتأته لدي ذوي السلطان والصولجان وللغزاة والمتربصين وهو ما نحن بحاجة إليه في هذه الأيام خاصة وسائر الأيام .كان الشعراء هم أداة الإعلام والإشهار قبل اختراع هذه الوسائط التي تكاد تغير خلق الله لو لا لطف الله بعباده.
دعا الوليد بن عبدالملك جميلا بغية أن يمدحه ومعه من الشعراء مكين العذري الذي رجز:
(يا بكر هل تعلم من علاك
خليفة الله علي ذراكا
◦ فطمع الوليد أن يمدحه جميل ودعاه أن ينزل فيرجز فنزل فقال مفتخرا:
◦ أنا جميل في السنام من معد
◦ في الذروة العلياء والركن الأشد
◦ والبيت من سعد بن زيد والعدد
◦ ما يبتغي الأعداء مني ولقد
◦ أضري بالشتم ولساني ومرد
◦ أقود من شئت وصعب لم أقد
◦ فغضب الوليد وقال له أركب لا حملك الله!
◦ ومن جملة سيرته يظهر أنه كان كما قال ،كان صعباً لا يقاد أو كان علي شئ من العناد والخيلاء.).
◦ قال العقاد في وصفه كذلك:
◦ (غير عجيب مع هذا كله أن يتحامق ويحمق فلا يستتر حمقه حيث يريد وحيث لا يريد. وكيف يخفي حمق جميل وهو القائل:
◦ لا لا أبوح بحب بثنة إنها
◦ أخذت عليّ مواثقا وعهودا
◦ أيقول هذا البيت رجل رشيد كائنا ما كان قصده وذاهبا ما ذهب في معناه؟
◦ إنه كان مضرب المثل بحق علي الحماقة ألا يبوح به وهو في قسمه علي الكتمان قد باح!).
◦ رحم الله العقاد وجميل بن معمر.

 

آراء