العيد .. وقتلة الأطفال !!

 


 

فضيلي جماع
24 August, 2018

 

 


============
قال أسطورة النضال في عصرنا نيلسون مانديلا: ( قد أكون الأسوأ دائماً ، لكني أملك قلباً يرفض جرح الآخرين).
وإذ نتفكر في حالنا فإنّ الخاصة التي لا يختلف إثنان في وصم قادة وأعوان هذا النظام بها أنهم يملكون نفوساً لا يهنأ لها بال إن لم تؤذ الآخرين. وكثيراً ما يتساءل المرء وهو يرى حفنة الإسلامويين بعد أن ملكوا السلاح وسرقوا جيوب الناس- كثيرا ما يتساءل المرء : ممن يثأرون ، وهم الذين لم يؤذهم هذا الشعب منذ أن عرفوا بمسمياتهم المختلفة قرابة أكثر من ستين سنة؟ جماعة سرقت السلطة السياسية وسرقت موارد البلاد ، وأطلقت نيران الحروب في أركان الوطن – بدءا ببدعة الحرب الجهادية، وانتهاءاً بحروب الإبادة ضد المواطنين العزل في دار فور وفي جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق. نظام يبدأ مشواره بمذبحة ضباط رمضان – 28 ضابطاً لا يعرف ذووهم أين دفن رفاتهم حتى الآن. وإذ يحتج المواطنون احتجاجاً سلمياً مطالبين بحقوقهم يلعلع الرصاص ويحصد منهم من يحصد. وليست مجازر شهداء معسكر العيلفون 1998 ومسيرة بورتسودان وكجبار (2007) وإنتفاضة الشباب في سبتمبر 2013 كأمثلة لما ذكرت عن العدوانية والحقد الذي حمله نظام الإسلامويين لشعبنا المسالم ببعيد على الذاكرة.
وتبدو عدوانية وأحقاد هذا النظام أكثر وضوحاً إذ نحصي مجازره واستخدامه لشتي الوسائل في إبادة الأطفال أو التسبب في موتهم دون أن تطرف لقادتهم عين. إنّ الأنظمة التي تعلن الحرب على الأطفال – واضعة إياهم في خانة العدو – هي أنظمة يفتقر من يقودها ومن يدعمونها لأهم ما يميز البشر عن باقي مخلوقات الغاب: إنسانية الإنسان!
خمس جرائم في حق أطفال وشباب المستقبل إرتكبها هذا النظام بدم بارد ، أو أنه إفتعل كل الأسباب لحدوثها:
* أول جرائم القتل المتعمد ضد الصبية والشباب كانت مجزرة معسكر العيلفون 1998م. كل الجريرة التي ارتكبها شباب معسكر الخدمة العسكرية بالعيلفون آنذاك أنهم طلبوا أن يسمح لهم بالذهاب لذويهم لقضاء عطلة العيد - وقد لا تتعدى الثلاثة أيام. رفض القائمون على المعسكر الطلب وتشددوا في منع الصبية- وكثيرون منهم لم يبلغوا سن العشرين. ولم يكد بعض المجندين يحتجون ويحاول بعضهم الهرب حتى انهار الرصاص عليهم من كل صوب. غرق البعض ممن لا يجيدون السباحة وهم يلوذون بالنهر..وحصد الرصاص الكثيرين. يقدر البعض ضحايا المجزرة بأكثر من 150 صبي! ستظل مجزرة معسكر العيلفون وصمة عار على جبين نظام الإسلامويين الفاشي!
* مجزرة كجبار في العام 2007. كان معظم المتظاهرين الذين حصدهم رصاص النظام الهمجي من صبية المدارس – أحدهم في الرابعة عشرة من عمره!! تظاهرة سلمية لمواطنين يعرفون أن الدولة ستقيم سداً تغمر مياه فيضانه أرضهم التي ورثوها أبا عن جد، فكان المقابل محاولة إلجام ثورتهم السلمية بالرصاص الحي. وأكرر ، كان معظم جمهور التظاهرة من صبية المدارس! والأدهى والأمر أن فاعل الجريمة هم شرطة وعسكر أمن النظام، لذا لا احد يحاكم القاتل!
* وفي سبتمبر 2013 تقوم تظاهرات سلمية في العاصمة الخرطوم ، معظم من قاموا بها هم طلاب الجامعات وتلاميذ وتلميذات المدارس الثانوية. ومرة أخرى يلجأ نظام الأخوان المسلمين للغة القمع بالذخيرة الحية، فيلقى حتفه من الشباب الغض أكثر من ثلاثمائة في فترة وجيزة. وبعد عامين أو ثلاثة على الحادثة التي لن تغيب عن ذاكرة شعبنا يخاطب رأس النظام جمهورا ممن حشدوا له في كسلا – بعد أن أرعبه وأركان حكمه العصيان المدني – متحديا الشباب أن يخرجوا إلى الشارع متوعدا إياهم بنفس المجازر التي ارتكبها زبانيته وهم يوجهون الرصاص الحي لصدور الصبية والصبيات في سبتمبر 2013 !!! أي جرثومة وأي وباء ومن أي ثدي رضع سدنة وقادة نظام الإنقاذ ؟
* وحادثة بشعة أخرى إرتكبها نظام الإسلامويين في العام 2015 كان ضحيتها سبعة أطفال ، ثلاثة منهم لأسرة واحدة. وهذه المرة كانت أداة إعدام الطفولة طائرة الأنتينوف التي أسقطت براميل متفجرة على أطفال يلهون في ساحة دارهم بمدينة هيبان شرق جبال النوبة..لتحولهم إلى أشلاء !! وتضج الأسافير ومنظمات حقوق الإنسان شاجبة الجريمة الشنعاء. حيث جاء في أحد التقارير : (وكانت هيومن رايتس قد زارت 13 قرية ومدينة تابعة للمناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين في جبال بجبال النوبة بجنوب كردفان، في في أبريل 2015 التي تعرضت بصورة متكررة خلال العام الماضي لهجمات بذخائر متفجرة تسقطها طائرات سلاح الجو السوداني بالإضافة إلى عمليات القصف المدفعي الأرضي. وتركز اهتمام باحثي هيومن رايتس ووتش بصورة رئيسية على مدى تأثير الانتهاكات التي ارتُكبت خلال النزاع على الأطفال بصورة خاصة.)
لكن القاتل ما يزال يمارس هوايته في القتل والإبادة وكأن بينه وبين الطفولة ثارا وخصومة. بل يتطلع إلى فرض حكمه في العام 2020 على شعب يبدو أن كثرة المآسي والفقر والمهانة كادت تسلبه ذاكرته وإحساسه بالكرامة.
* ولم يكد العيد – الذي فقدنا طعمه قرابة الثلاثة عقود يقبل – حتى حلت كارثة أخرى راح ضحيتها 22 طفلا وباحثة تعد نفسها لرسالة الدكتوراه، إذ غرق بهم المركب (وسيلة النقل البدائية الوحيدة لديهم) في عرض النهر بمنطقة المناصير وهم في مشوارهم اليومي لعبور نهر النيل إلى مدرستهم الوحيدة في الضفة المقابلة. نقتطف من تقرير بجريدة التغيير الإليكترونية عدد الجمعة 17/8/2018 ما جاء فيه:
(اغلب الغرقى في الحادثة من الفتيات وتترواح أعمارهن من 6 الى 16 عاما. كما ان هناك خمسة شقيقات من أسرة واحدة و ثلاثة عائلات أخرى فقدت كل منها طفلين وعائلتان فقدت كل منهما ثلاثة أطفال.
وتخلو المنطقة من الخدمات الأساسية القريبة كالمستشفيات والمدارس حيث يتوجب على السكان البالغ عددهم تقريبا 5 الاف شخص العبور الى الضفة الشرقية للنهر عبر الأمواج لتلقي العلاج في مستشفي وحيد في منطقة الكاب الذي يبعد عدة كيلو مترات.)
طبعا نكون أغبياء إن قلنا إن ما حدث كان قضاءاً وقدرا. فسكان المنطقة الذين رفضوا التهجير من ديارهم فرضت عليهم حكومة الإنقاذ ما يشبه الحصار ، فإما أن يهجروا أراضيهم التي ستخضع لمشروعات تبشر بها الدولة أو أن يبقوا في مكانهم لكن دون أبسط أنواع الخدمات. وبين إصرار إنسان المنطقة وعزمه وصبره بلا حدود على البقاء لآخر جيل في أرضه وبين إفراغ المنطقة من كل ذرة خدمات تقع المأساة التي قال أحد المواطنين أنهم توقعوا حدوثها منذ وقت بعيد. أكثر من عشر سنوات وسكان منطقة بحيرة السد يقاومون ، لكن يبدو أنّ نظام القتلة كسب الرهان هذه المرة في هوايته بحرمان الطفولة من الحياة- لأن فلسفة النظام تقوم على كراهية الحياة وكل من يصنعها بالمعني العميق والجميل!
من علامات موت ضمير السلطة الحاكمة أن رهبة الموت وحرمته لم تخطر لهم على بال ، فبينما كانت فضائيات مرموقة في دول الجوار تتسابق إلى مكان الحدث للتغطية وبينما كانت منظمات المجتمع المدني ووسائط التواصل الإليكتروني في بلادنا تنعي الأطفال وتتسابق في تقديم التعازي وبينما شعبنا كله – وفي ولاية نهر النيل بالذات – صار شغلهم الشاغل غرق 23 طفلة وطفلا في دار المناصير كانت إذاعات وفضائيات النظام مشغولة بالحفلات والغناء وبرامج التسلية.
أي زمان هذا الذي نعيش ؟ وأي حقد مريع يحمله فكر الإسلامويين المريض لبلدنا ولشعبنا ؟
لا أنتظر جواباً من أحد. أعرف أنّ مثل هذه الأنظمة الفاشية تحمل أداة حفر قبرها بيدها.
-------------------------------------
فضيلي جمّاع
20/08/2018

fjamma16@yahoo.com

 

آراء