الفرعون في مملكة أكسوم ..!

 


 

 



شهدت خطبة الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي في البرلمان الإثيوبي بحضور رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالين، ومن أجلها خرجت من جدول قمة الكوميسا الثامنة عشر لأنها حقيقة لحظة تاريخية تمنحنا تفاؤلا بفتح صفحة جديدة بيضاء بين دول حوض النيل الشرقي وبالذات العملاقين مصر وإثيوبيا.

ولأنني تائه في رحلة في كتب التاريخ الأفريقي منذ عقد من الزمان، لم أكن أرى في المكان قبة البرلمان الإثيوبي في "آرات كيلو" في أديس أبابا، ولم أكن أرى السيسي هو السيسي، لقد كنت أعيش في تاريخ البلدين .. مصر وإثيوبيا الثر والمليء بالأحداث، وكأن السيسي هو فرعون جاء من مصر في زيارة للممالك الإثيوبية القديمة، في زمان بعد رحلة حتشبسوت إلى أرض البنط جنوبي الهضبة الإثيوبية. 
مما كان ذكيا للغاية في خطبة السيسي تذكير ممثلي الشعب الإثيوبي بكلمة ألقاها الراحل ملس زيناوي في مصر، قال فيها إن نهر النيل هو "الحبل السري" الذي يربط إثيوبيا بمصر، وللراحل ملس زيناوي مكانة عظيمة في وجدان الشعب الإثيوبي.

لقد ذكر السيسي مفردة "التعاون" حوالي سبع مرات في خطبته، لقد اجتهدت في إحصائها وأن أستمع له من شرفة الصحفيين في قبة البرلمان، وهذه المفردة هي التي غابت فترة طويلة من الزمان من الإعلام المصري تحديدا أو بالأحرى قلت كثيرا لتحل محلها مفردات "المخطط" و "المؤامرة" و "استهداف مصر"، وأنا كما رددت سابقا لا ألوم المصريين أبدا على الإنفعال بكل قضية لها صلة بالنيل لأنه بالنسبة لمصر كل شيء، التاريخ والحاضر والمستقبل والشعر والسياسة وحتى الدين بدئا من زمان عروس النيل الفرعونية إلى رحلة مريم والمسيح على ضفاف النيل العهد الإسلامي .. النيل والفرات من أنهر الجنة.
الإنفعال المصري بالنيل مقبول، ولكن المشكلة كانت في إنحسار التوجه نحو التعاون، الذي هو لغة العصر.
السيسي بخطبته وبإختيار الزمان والمكان نجح في إزالة ألغام كثيرة من الطريق ونجح في تبديد سحب كثيرة، والرجل والحق يقال لم يكن له يد في كل ذلك، بل هكذا وجد الساحة وهكذا وجد الأمور.
الصمت كان سيد الموقف والرهبة تعم المكان، والشعب الإثيوبي كله يسمع في البرلمان عبر ممثليه وفي الشارع العام والمقاهي عبر البث المباشر، والإنفعال بعد الخطبة بالتصفيق والوقوف كان صادقا، لأن الشعب الإثيوبي صاحب حضارة قديمة وقرار السيسي بمخاطبة البرلمان كان قرارا متحضرا من الدرجة الأولى.
مفردة التعاون التي هي جوهر إتفاقية الخرطوم، والتي ضمخ بها السيسي خطبته، تعني أمرا واحدا، وهو رد الأمور الفنية والهندسية والإقتصادية لأهلها الخبراء المنتخبين والمرضيين من الطرفين.
مفردة التعاون تعني حذف مياه النيل من حلبة المزايدات السياسية في الإعلام هنا وهناك.
إذا ناوشت بعض الأقلام المصرية رئيسها، وحاولت أن تشكك في خطواته التي يقوم بها ... فهذه النقطة ستكون بداية النهاية للتعاون، وربما نعود للمربع الأول من جديد.
......................

makkimag@gmail.com

 

آراء