الفرق بين الإسلام السياسي والإسلام غير السياسي

 


 

 

محمود عثمان رزق

12/03/2024
كثير من السياسيين وغير السياسيين لا يفهمون الفرق بين فكرة الشخص الإسلامي صاحب التوجهات والبرنامج السياسي وبين المسلم الذي يعتقد أن الدين هو "عبادة بين العبد وبين ربه، وما لله لله وما لقيصر لقيصر" فلماذا لا يسمى الأخير "إسلامي" أيضاً؟. وفي الحقيقة الفرق بين الإثنين كبيرً جداً بالرغم من وجود أرضية مشتركة بينهما في مسائل العقيدة والعبادات والشعائر. فالمسلم الذي ليس لديه برنامج سياسي هو ذلك المسلم الذي يؤدي عباداته في معزل عن معظم أنشطة وقضايا المجتمع. هذا العابد الزاهد الطاهر التقي يسبح ربه ويقرأ قرآنه ويحمل سبحته وهو في حاله لا يهتم بشئون الناس العامة ولا يتحدث في السياسة أو الحرب أوالتعليم أو الصحة أوغيره. وهذا النوع من التدين هو الذي يريده الغرب للمسلمين ويرضى عنه ياسر عرمان ويصفق له، ويراه صدقاً في التدين، ويرفع من شأنه وشأن أصاحبه يزفهم للخلوة للعبادة ويدخل هو الحكومة للسواطة!
وهذا النوع من التدين يسقط بالضرورة معظم أحكام القرآن الكريم الذي يعكف على تلاوته هذا العابدُ ليلاً ونهاراً. فالذي ينعزل عن المجتمع في الخلاء أو في خلوته أو بيته بعيداً عن المجتمع، غير مطالب - بحكم الواقع ومنطق العقل- بمسألة الدعوة، أو إقامة العدل، أو مسألة القضاء، أو مسألة الحرب، أو مسالة الصلح والسلام، أو مسألة الإقتصاد، أو أي مسألة من المسائل العامة التي تتعلق بإدارة الدولة. وذلك لأن الرجل بكل بساطة منعزل لايعيش في مجتمع إنساني ليهتم به ويتفاعل معه بكل ذلك. وبالتالي هذا النوع من التدين يلغي ويجمد بالضرورة كل الآيات القرآنية التي تخص الشأن العام، وتصبح تلاوة تلك الآيات القرآنية للأجر والتبرك فقط، ولن تجد لتلك الأحكام التي تخص الشأن العام أثراً على حياة ذلك العابد الزاهد، وهذا الطريق هو عين فكرة "هجر القرآن" ولو خًتم تلاوةً في كل يوم وكل ساعة.
أما الإسلام السياسي فهو ذلك النوع من الإسلام النشط الذي يرى كل شيء بنظارة الإسلام وفلسفته الوجودية، ولأصحاب هذا المذهب مقدرة فائقة لربط كل أنشطة الحياة بقيم الدين وحقائقه من غير أن تفقد تلك الأنشطة طعمها وجوهرها، وكما أن الأرض جُعلت للمسلمين مسجداً، فكذلك كل أوجه الحياة الإنسانية بالنسبة للإسلام السياسي مختبراً وميداناً ومعتركاً مفتوحاً للدخول. وطبعاً هذا النوع من الإسلام يعتبر حركة مزعجة يخافها الغرب ويخافها اليسار ويخافها البعثيون وغيرهم، وقطعاً يخافها ياسر عرمان وصحبه الطامعون في الحكم.
هذا النوع من الإسلام أو التدين مبني فلسفياً على الفكرة الإسلامية الفقهية المُجمع عليها والتي تقول: "إن العبادة المتعدية خير من العبادة اللازمة في الأجر" بمعنى أن إطعام الناس أجره أكبر من صلاة النافلة، وأن القتال دفاعاً عن المسلمين خير من صيام الدهر نافلة، وأن كفالة اليتيم أو العمل على كفالته خير من العمرة ...الخ (وبالطبع في كلٍ خير متفاوت في الدرجات). وهذا النوع من الإسلام النشط تجده في الإنتخابات والنقابات والصناعات العسكرية والمشاريع الزراعية وفي المتاجر وميادين الكورة، والحكومة والوزارت وفي الجيش وأركان النقاش وفي كل مكان، وكما قال الإمام الحريف لأصحابه بتاعين السيجة بعد صلاة الجمعة وهم يلعبون السيجة: "هنا نبكيكم ومن على المنبر نبكيكم" هههههههه.
وبهذا تكون الفكرة قد وضحت، فمن أراد تجميد معظم الأحكام القرآنية وهجرها على جميع المستويات، فعليه بحمل مصحفه وإبريقه وتبروقته ومعزته ويدقش الخلاء أو الخلوة فهو حر في قراره وهذا مبلغه من العلم وحسابه على الله لا يلومه أحد...ومن أراد تعمير الأرض ومداوسة أو مدافعة الأفكار الرأسمالية والليبرالية والشيوعية والبعثية والناصرية والطائفية والعنصرية وفقاً لتعاليم وفلسفة وقيم الدين فعليه بالإسلام السياسي فهو الحركة السياسية الأمثل التي تجابه هذه الأفكار وتهزمها وتقدم البديل، ولا بديل للإسلام السياسي إلا الإسلام السياسي مهما كانت الأخطاء ومهما تعثرت التجربة ومهما كان الثمن. وثمن المسير في هذا الخط هو الإعدامات والسجون والإغتيالات والأمراض ومصادرة المال والفصل من الوظيفة وتشويه السمعة والشيطنة والحسد والحقد وتضخيم الأخطاء وتقليل الحسنات وكل البلاوي التي تخطر على البال، ومع هذا البلاء يكون الأجر عظيماً بإذن الله وحده.
وعلى أية حال إن الإسلام السياسي داخل السودان أو في البلدان الأخرى قد أصبح رقماً صعباً لا تتم المعادلات السياسية ولا تستقر إلا به، ولن يستطيع أحدٌ أن يتجاوزه ويهمشه، ولن يستطيع أحد ابعاده من الساحة السياسية لا بالقوة ولا بالإنتخابات ولا بالتحالفات ولا بالغزو، ومن ظن أنه سيهزم الإسلام السياسي فهو واهم واهم واهم. وقد تخسر أحزاب الإسلام السياسي معركة أو معركتين ولكنها لن تخسر الحرب أبداً بإذن الله ربها. ونقولها نعم ومليون نعم للطرح الإسلامي في مجال السياسة وملحقاتها.

mahmoudrizig3@gmail.com

 

آراء