الفريد موتوا يفضح العقل السوداني

 


 

 

يتهم وزير الخارجية الكيني الفريد موتوا في حديثه لقناة ( الجزيرة مباشر) العقل السوداني بأنه مريض غير قادر على حل مشاكله، لذلك يطلب أطباء من الخارج لعلاج أمراضه. و جاء الاتهام عندما سأله احمد طه أن السودان يفضل دولة جنوب السودان لرئاسة لجنة الايغاد و ليس الرئيس الكيني؟ قال موتوا " إذا كان هناك مريض و اثبتت كل الفحوصات أنه مريض لماذا يمانع أن يأتي الأطباء من الخارج لعلاجه" أن مهمة لجنة الإيغاد البحث عن حل للمشكلة بمشاركة جميع الأطراف السودانية بهدف وقف القتال، و اختيار حكومة مدنية. أضاف موتوا أننا ساعين من أجل وقف الحرب التي يتضرر منها الشعب السوداني، و الذي يعاني الآن من عدم الحصول على حاجاته، و السودان دولة غنية بثرواته و موارده و لكن .....؟ إذا لمن ترجع النقاط القبل علامة الاستفهام؟ اليس للعقل السوداني المأزوم إذا كان سياسيا أو عسكريا، و الذي فشل في ايجاد دولة مستقرة اجتماعيا، و فشل في مشاريع التنمية، و أيضا في العدالة. الغريب أنني بدأت المقال بفعل ( اتهم) بهدف تخفيف وقع القول، ربما اريد فعلا تخفيف القول على نفسي، لأننا جميعا درجنا على تبرير أخطائنا، و نخاف من مناهج النقد التي ربما تعرينا، و لكنها تكشف لنا أسباب أخطائنا و في نفس الوقت تعمق في المجتمع الثقافة الديمقراطية، لأن مناهج النقد تجعلنا نحترم الرأي الأخر مهما كانت قسوته.
أن تعدد المبادرات، و تعدد العواصم، و تعدد ممثلي الدول، و السفارات و تعدد المنظمات هذا الكم الهائل من دول العالم الذين يتحركون في الساحة السياسية و يحملون أجندة منها الطيب و منها الخبيث، تعمل من أجل اختراق المجتمع السوداني و اختراق للأحزاب و منظمات المجتمع المدني و جميعها تحمل أجندات متنوعة و مختلف و متغيرة حسب المصالح، كل هذا الحراك يتم داخليا كان و خارجيا الآن.. و انظروا لدور الأحزاب الآن تجدوها خاملة و عاجزة أن تقدم أي مبادرات أو أفكار تستطيع من خلالها أن تخلق واقعا جديدا تثبت فيه أن العقل السياسي قادر أن يعمل رغم حدة الأزمة....! هذا الخمول في العقل السوداني سببه.. لآن الكل متعلقة قلوبهم بالسلطة، و الاستحواذ عليها إذا كانوا مدنيين أو عسكرييين. أن شهوة السلطة عند كلا الجانبين هي التي جعلت المواطن ينفر من الاثنين معا.
اتفقت القوى السياسية جميعها أن يذهب العسكر للثكنات، و أن يتركوا الساحة السياسية للمدنيين، و اندلعت الحرب بسبب أن العقل السوداني لا يستطيع أن ينقل تفكره من الاستحواذ على السلطة و المصالح الضيقة، و يغطي عليها بالعديد من الشعارات الزائف، و التي لا تعكس حقيقة ما يضمر كل هؤلاء. الغريب في الأمر أن الوجوه و السحنات تتغيير في الساحة السياسية، و لكن يحتفظ العقل بموروثه العاجز، أو الفاشل الذي اطلقه عليه منصور خالد. قبل انقلاب الجبهة الإسلامية كانت النخبة السياسية تبرر أن جمود الساحة السياسية يعود لدور الأحزاب الطائفية، و يعتقدونها هي سبب تعطيل العقل و عجزه عن ضخ أفكارا جديدة في الساحة السياسية، و الذين شنوا الهجوم على الطائفية ساروا في ذات طريقها بوقع الحافر على الحافر و تبنوا ثقافتها، فإذا كانت الأسر تتحكم في الأحزاب الطائفية أصبح الأفراد و الشللية تتحكم في الأحزاب الأخرى، و لا يتغييروا إلا بتدخل السماء عندما يقع الموت.
الآن الحرب دائرة و ليس هناك صوت يسمع غير صوت المدافع و البنادق، و لكن ظلت القوى السياسية في حالة من الإنزواء الكامل تاركة المجتمع الدولي وحده ينشط لكي يوقف الحرب ، و يخطط لإيجاد سلطة مدنية بعد وقف الحرب. رغم أن الشارع أوعى من هذا العقل المعطوب الذين يخرجون في العديد من المدن مساندين للقوات المسلحة، و يعتقدون أن الحرب مادام اندلعت يجب أن تكون نتائجها أن تكون هناك مؤسسة عسكرية واحدة و هي التي تحتكر امتلاك السلاح، و أصبح دور النخب السياسية و المثقفين رفع البوسترات في القروبات مع و ضد لا غير. حقيقة أن الناشطين في الساحة رغم محدودية النشاط بعض من قيادات الحرية المركزي منهم من ينادي بالعودة إلي ( الاتفاق الإطاري) باعتباره مجهود كان متقف عليه من قبل تحالف الحرية المركزي و العسكر. و هناك من يعتقد لا يمكن الرجوع إليه لابد من الحوار لتطويره أو تقديم مبادرات أخرى و أفكار تساعد على الاتفاق الذي يسهل عملية تكوين حكومة مدنية، لكن بقية القوى السياسية الأخرى تريد انتظار النتائج أو شروع القوى الدولية في عمل، ثم بعد ذلك يطلقون حناجرهم ضد أو مع. عقل سياسي تصلب من حالة الجمود التي يعيش فيها.
إذا كان الأمر قد أوكل إلي منظمة الإيغاد لكي تجتهد بين الفرقاء السودانيين عسكريين و مدنيين للوصول لحل للمشكلة و من بعد تكوين حكومة مدنية. أليس الأفضل لهذه الأحزاب جميعها أن أن تنفض ثوب الكسل من على أجسادها، و تتحرك؛ ليس بهدف أن تشاكس بعضها البعض، و لكن أن تلبس ثوب الوطن و مرة واحدة في حياتها و تفكر من خلاله في عملية تحدث بها أختراقا للأزمة. دون أن تخوض في قضايا متشعبة و متعددة هي نفسها لا تقدر على الخوض فيها. عليه أن تركز في ثلاث قضايا متتابعة أي ( ممرحلة) مثالا لذلك.
1 – أن يتم إقناع مليشيا الدعم السريع أن تدمج في القوات المسلحة، و إذا كانت هناك قيادات فيها تريد أن تشتغل بالعمل السياسي تؤسس حزبا، و هؤلاء لا ينقصهم المال في عملية التأسيس أو الانضمام لحزب سياسي. و كان الإمام الصادق المهدي قال قبل رحيله ليس لديه مانع أن ينضم حميدتي لحزب الأمة، و هؤلاء يستطيعون أن يلعبوا دورا مهما في استقرار أقليم دارفور.
2 – تكوين حكومة مدنية من الكفاءات السودانية غير المنتمية سياسيا و ذات خبرات واسعة في مجالها، و أن تكون الفترة الانتقالية سنتين فقط غير قابلة إلي الزيادة، و تذهب الأحزاب إلي بناء مؤسساتها و الاستعداد للانتخابات. و إذا أصرت قيادات الأحزاب على المحاصصة تكون غير راغبة في عملية التحول الديمقراطي. و يستوعب الجميع في ورشة للحوار بهدف صناعة للدستور و تقديمه لأول برلمان، على أن تكون هناك قضايا غير قابلة للتعديل.
3 – مطالبة المجتمع الدولى ان يتكفل بالعملية الإحصائية للسكان و توزيع الدوائر، و مراقبة الانتخابات و تمويل كل العملية، و العمل من أجل إقناع الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز لحلو للانضمام لهذا العمل، و ايضا إقناع حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور. إلي جانب المساهمة في دعم الاقتصاد و إعادة الإعمار و إعفاء الديون. و تعويض المتضررين من الحرب.
إذا كانت هناك أحزاب غير قادرة على الإسهام في تقديم أفكار أو مبادرات بسبب قياداتها العاجزة، و التي فقدت القدرة على التفاعل السياسي مع الأخرين و أيضا نضب خيالها هذه الأحزاب يجب أن يحدث لها تغيير في القيادة. و تقديم أجيال جديدة عندها استعداد على إنتاج الأفكار و التفاعل مع الأخرين، الكل يعلم أن التحديات العديدة التي واجهت العقل السياسي بعد سقوط الإنقاذ، أكدت أن هناك خللا في عملية التفكير السياسي، و ذلك يعود لغياب العناصر التي تعمل بالذهن، و دائما القيادات التي حصر عملها في العمل التنفيذي و تنتظر أن تتلقى توجيهات من القيادة العليا لكي يبدأ نشاطها، لم تعلم نفسها طوال مسيرتها السياسية أن تبادر هذه قيادات ستظل محافظة، و هي واحدة من أخطر العوائق في عمليات التحديث و التطوير و البناء المؤسس و السياسي. و معلوم أن العملية السياسية عملية متحركة باستمرار و هذه الحركة تحكمها قواعد متطلبات تحتاج للصدر المفتوح و الذهن المتقد الذي يقدم أفكار باستمرار لفتح منافذ للحوار. باعتبار أن الحوار ينشط العقل و يصغل المعرفة و في نفس الوقت يخلق وعيا متجددا. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
////////////////////////

 

آراء