القضاة وقضايا المواطنة … بقلم: د. أمانى الطويل

 


 

 

لم يكن لافتا ولا مفاجئا لى هذا الموقف غير الموضوعى  الذى وقفه قضاة مصر ضد نصف المواطنين المصريين , وأيضا ضد قيم التجديد والأجتهاد الدينى  التى هى المحرك الأساسى لتقدم المجتمعات وأزدهارها

أقول لم يكن مفاجئا لإنه فى أطار الدراسة التى قمت بها بالتعاون  مع مجموعة من الزملاء بمركز الدراسات السياسية والأستراتيجية بالأهرام  وصدرت مؤخرا عن المركز تحت عنوان حالة المرأة المصرية  رصدنا موقف الهيئات القضائية  من قضايا المرأة بشكل عام ,  ودرجة الرفض العالية لجلوس المرأة على مقعد القاضى

بطبيعة الحال قدمنا تحليلا وافيا للحالة لايتسع المجال هنا لسرده ولكن ربما كانت أهم النتائج المستخلصة من هذه الدراسة أن المناخ الأجتماعى والثقافى أزاء المرأة أصبح معاد لها بشكل لافت  أعتمادا على تأويل سطحى للنص الدينى , على يد جماعات الأسلام السياسى من جهة وطبيعة التقاليد الأجتماعية والثقافية التى أكتسبها قطاع من المصريين من هجرتهم المؤقتة الى منطقة الخليج من جهة أخرى   ,وهو التأويل الذى  خاصم معطيات الأزدهار فى الحضارة الأسلامية وأغفل أدوار المرأة المسلمة على عهد الرسول والخلفاء الراشدين  فى التبشير والدعوة ومساندة الجيوش المحاربة  , وأيضا أعلان التمرد السياسى  ولعل قصة عائشة رضى الله عنها فيها الكثير مما يمكن الأستناد اليه  . ولكنى لاأجد نفسى منحازة لفكرة أثبات أهلية وجدارة المرأة فى أكثر من موقع أو مكان سواء على مستوى السرد التاريخى أو الواقع الراهن. ذلك أن قضايا المرأة قد أكتسبت نوعا من التشابك والتعقيد بين الدينى والسياسيى وبين الداخل والخارج .

فمثلا لايمكن الفصل بين هذا التصويت الكاسح للقضاة ضد عمل المرأة قاضية وبين موقف النواب المعارضون فى مجلس الشعب لكوتة المرأة فمستوى المقاومة هنا ضد المرأة  مرتبط بطبيعة السياسات والأجراءات الحكومية فى مجال حقوق المرأة  وتصنيفها فى أطار أنها تخضع الى أملاءت خارجية أو تستخدم لأغراض سياسية  بعيدا عن  كونها  تسعى الى تحقيق شروط المواطنة الصحيحة للمرأة 

ومربط الفرس فى هذه المسألة أن السيدة الأولى فى الدولة منذ عهد الرئيس أنور السادات هى التى تدفع نحو أقرار حقوق المواطنة للمرأة المصرية  فقد نسبت قوانين الأحوال الشخصية على عهده الى السيدة جيهان , كما تسببت طبيعة  أداء المجلس القومى للمرأة منذ عام 2000 وترأس السيدة سوزان مبارك له فى تصويب السهام نحو جهوده بأعتباره مجلسا حكوميا يسعى الى ترتيب مصالح الحزب الحاكم مستغلا قضايا المرأة, وليس فاعلا مخلصا نحو أقرار حقوق المواطنة لها , وربما من هذه الزواية يمكن النظر الى تصويت القضاة فى أحد جوانبه الى أنه  تصويتا عقابيا  خصوصا فى ضوء الصدامات المتتالية بين الحكومة وبين القضاة  .

أما مستوى التشابك  الآخر  أنه لم يعد من الممكن او المقبول تحجيم قضايا المرأة فى ضوء التراشق بين الحكومة والفئات المعارضة لها والتى يتسع نطاقها يوما بعد يوم  وأيضا لايمكن الأستغناء عن الدور الحكومى بأعتباره الفاعل فى أقرار سياسات مطلوبة لتحسين ظروف المرأة التى تعانى من تراجع كبير .

أظن أن الخروج من هذا المأزق يتطلب أن  العمل على خلق أكثر من مسار لأقرار حقوق المواطنة للمرأة المصرية وتقليل مستويات المقاومة الأجتماعية لها  ومن ذلك أن يتم الأستفادة من جهود المجلس القومى للمرأة بأعتباره لوبى ضغط داخل الحكومة نفسها يمارس دورا فى توعية فئات  متعددة فى المحافظات المصرية بجدارة وأهلية المرأة , كما يمارس ضغوطا على الجهاز البيروقراطى للدولة بما يدعم المرأة العاملة بشكل عام .

وطالما أن تجربة المجلس القومى للمرأة  خلال العشر سنوات الماضية أثبتت عدم قدرته   على خلق مسافة بينه وبين الحزب الوطنى تؤهله للتأثير الأجتماعى والثقافى لصالح حقوق المرأة يكون من المطلوب الضغط والسعى الى تكوين أتحاد نسائى مصرى  مستقل   تكون مهامه الرئيسية هى ممارسة الضغط لأنتزاع حقوق المواطنة للمرأة المصرية ضمن عملية الضغط الأوسع  للتحول الديمقراطى العام فى المجتمع المصرى , مع عدم أغفال الطبيعة النوعية لقضايا المرأة وخصوصيتها  وربما يكون فى مقدور هذا الأتحاد  توسيع نطاق الأحتجاج السلمى ضد ذكورة المجتمع المصرى  الذى بدأ على سلالم مجلس الدولة فخبرة المصريات التاريخية تعلمنا اننا لم نحصل على حقوقنا السياسية عام 1956 إلا حينما مارست درية شفيق وزميلاتها أضرابا عن الطعام فى نقابة الصحفيين المصريين  ,  وهذا التراجع فى النظرة الأجتماعية أزاء المرأة يخبرنا أيضا  أننا نحتاج الى هذا المجهود النوعى الى جانب  المجهود العام فى أطار التحول الديمقراطى , وهو مجهود لم تبخل به المواطنة المصرية فى خدمة قضايا بلدها الملحة  فكم أسعدنى أن يكون من ضمن المستقبلين لمحمد البرادعى فتيات وسيدات مصريات من مختلف الأعمار والفئات الأجتماعية أعلنوا أنحيازهم  للضغط  من أجل دستور عادل للمصريين لايحرم القطاعات الأوسع من المنصب الأسمى   مقعد الرئيس .

Amany Altaweel [aaltaweel04@yahoo.co.uk]

 

آراء