ليس غريبا أن يصنع القذافي بشعبه الثائر ما فعل. فالطغاة عبر التاريخ يصنعون مثل صنعه!!. ليس غريبا أن يصف القذافي شعبه بالجرذان والبراغيث والخونة والمهلوسين والكلاب الضالة!! فلقد سبقه للتقليد السادات وغيره من الأفاكين الذين ساموا شعبهم سوء العذاب. الطغاة يهددون شعوبهم بالويل والثبور والسحق والقصف والدمار، ما لم يتخذوهم آلهة، ومن قبل قالها فرعون. كل ذلك وأكثر ليس غريبا لمن يتدبر ويقرأ التاريخ. التاريخ ذاته يحدثنا أن مصائرهم تتشابه بشكل مذهل، لا التاريخ وحده بل الحاضر، وتلك عبرة لمن يعتبر.
الغريب أن الذين صموا آذاننا بالحديث عن الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان لعقود وظلوا يدعون أنهم رسلها وصائنوا حرمتها وسدنتها سقطوا في غير امتحان، وتكشفت سواءتهم في كل حين. قالت وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس في مقال لها في النيويورك تايمز إن الديكتاتورية في مصر كانت تحرص على الاستقرار. فقدت الديموقراطية والاستقرار. ولكن الشاهد أن الديكتاتوريين ليسوا وحدهم، بل الغرب كله كان حريصا على استقرار المنطقة وهي ترزح تحت نير الطغاة لا بل هم من دعم الاستقرار الكاذب، والشعوب كلها تشقى وتئن تحت وطأة الأحذية الثقيلة وآلة الدمار التي أحسنوا تكديسها في مخازنهم، أو اكتشاف إمكاناتها القاتلة على أجساد شعوبهم.
لماذا يصمت الغرب والمذابح تجري أمام عينه؟. لماذا يهمهم العالم (الحر) بكلمات سخيفة من شاكلة (وضع مقلق) ويرسل إدانة باردة؟ من أجل النفط؟ لالا لا لا أصدق هذه الفرية. ببساطة لأن النفط الليبي وإن اعتلى سدة الحكم في ليبيا أي من كان لا يملك إلا أن يسوق بترول ليبيا في أوروبا... أين ستسوق ليبيا بترولها؟. ولماذا سيقطع الثوار البترول عن أوروبا وأمريكا؟ ما مصلحتهم في ذلك؟. إذا كانت إيران صنعت ثورتها العظيمة في سبعينيات القرن الماضي وسط عداء غربي مطلق لم تسطع أن تقطع بترولها عن الغرب، فكيف سيقدر ثوار ليبيا على ذلك؟، المصالح لا تعرف عداوات دائمة وليس لها دين!!. الغرب يفهم تماما أن ليبيا إذا تحررت من القذافي لا يمكن لها أن تمنع نفطها عن الأسواق. إذن لماذا هذا الموقف الغربي المخزي من ثورة الشعب الليبي؟. لا يكاد المرء يفهم أو يصدق.
لاح في ذهني أن هذا الغرب يتحدث عن الديموقراطية كشأن يخصه ولا يخص غيره. ديموقراطية وحرية يستحقها هو لا غيره، لأن الآخرين ليسوا بشرا بل هم كائنات غير جديرة بالتحرر. أو أن الغرب الذي أدمن التعامل من الأنظمة الخانعة الذليلة ليس باستطاعته أن يتعامل مع أنظمة يقودها أحرار ثوار ولاؤهم لأوطانهم ودينهم وملتهم وليس للأجنبي. لا يستطيع الغرب أن يتعامل مع أوطان حرة. فالمستعرون القدامى والجدد يريدون عبيدا لا سادة، ولو في بلدانهم. جاء في ذهني أن الغرب ليس وفيا للقيم التي طالما تشدق وتباهى بها بين العالمين، وظل يخونها في كل منعطف جدي تنهض فيه الشعوب لتحرير إرادتها.
ما يحدث الآن خيانة عظمى لقيم الغرب التي تعلي من الحرية وحقوق الإنسان والديموقراطية وغيرها من القيم التي سوقها الغرب وهي ليست ملكه في العالم، وآمن بها عن حقٍ كثيرون بل وتحررت تحت راياتها شعوب. ولكن الخيانة ليست بلا ثمن، فالقيم العظيمة دائما تنتقم من خائنيها، وسيدفع الغرب ثمن خيانته قريبا. فالشعوب التي تقتل وتذبح في الشوارع لن تنسى ضحاياها، ولن تنسى مواقف الغرب المخزية. فإذا إراد الغرب مصالحه فهي مع الشعوب وليست مع الطغاة الزائلين مهما قمعوا ومهما قتلوا وذبحوا. لن يسنى العرب والمسلمون مواقف الغرب في فلسطين، ولن يسنوا غزة أو العراق وأفغانستان، ولن ينسوا مواقفه من ثوارات الشعوب العربية في شتائها الرائع هذا. فليستعد الغرب لدفع ثمن خياناته الممتدة، فذاكرة التاريخ حاضرة لا تنسى.