الكاتب والباحث محمد عثمان ابراهيم: المعارضة لا تمثل بديلا مناسبا عن الحكومة الحالية
الكاتب والباحث محمد عثمان ابراهيم يتحدث فى مركز دراسات الاهرام عن : قضايا شرق السودان بين الحل السياسى واحتمالات العنف .
- المعارضة لا تمثل بديلا مناسبا عن الحكومة الحالية
- هناك معاناة كبيرة ومناطق امنية مغلقة فى شرق السودان
- الجوار الاريترى يلعب دورا فاعلا وهناك اهتمام غربى متزايد
- ابناء البجا فى السلطة يمثلون الحكومة لدى قبائلهم وليس العكس
القاهرة – اميرة عبدالحليم
استضافت وحدة دراسات السودان وحوض النيل الكاتب والباحث السودانى محمد عثمان ابراهيم فى اطلالة بحثية عن قضايا شرق السودان . وقد قدمه الاستاذ هانئ رسلان قائلا إن محمد عثمان ابراهيم يعد احد ابرز كتاب الراى فى الصحافة السودانية فى الوقت الحالى ، وانه احد اهم كتاب جيله، بل انه نسيج وحده إذ إختط لنفسه اسلوبا خاصا ومنهجا متفردا فهو حريص على العمق فى التحليل والاحاطة والشمول فى التناول بقدر حرصه على المهنية والموضوعية ، كل ذلك فى اسلوب بديع متفرد يبشر ببدء مرحلة جديدة فى المجال الاعلامى السودانى . كما اشار رسلان الى ان محمد عثمان حاصل على الماجستير عن التنمية فى مناطق الصراعات وفى طريقة للحصول على الدكتوراه من جامعة كامبيرا باستراليا ، وهو فى الوقت نفسه ناشط سياسى سابق حيث كان قياديا فى مؤتمر البجا فى مرحلة الصدام والتمرد العسكرى فى شرق السودان حيث نشأ محدثنا ، غير انه غادر العمل السياسى المباشر مرتادا افاقا اوسع وارحب فى العمل الوطنى العام، مفضلا العمل البحثى والكتابة الصحفية .
وقد بدأ محمد عثمان حديثه بالتاكيد على انه يتحدث بصفته كاتبا صحفيا وليس كناشط سياسى ، وقال انه رغم مشاركته السابقة فى احد مراحل الحرب الاهلية السودانية دفاعا عن قناعاته فى ذلك الوقت ، إلا ان هذه المرحلة انتهت بخيرها وشرها ، ولذا فان حديثى لا يرتجى ردا سياسيا من السلطة ، وانما يسعى الى طرح رؤيته عن قضايا شرق السودان ، وان مجرد إثارة الحوار كافية بالنسبة له . وقال عثمان أن التحول من ثائر وناشط سياسى الى كاتب رأى لم يكن سهلا، ففى الحالة الاولى يكون الانسان متطرفا، ولكنه بعد ذلك يتحول الى العقلانية ويكون قادرا على الاخذ والرد مع الحكومة او السلطة الحاكمة . وأضاف أن البعض يطلق علينا " معارضى المعارضة " ، وهذه نغمة سائدة حينما نفارق خط النضال الالكترونى المعروف ، ولكنى احب أن أؤكد فى هذا لسياق أن أوكد أن أداء الحكومة سئ، ولكن ما يجعلنا نحجم عن معارضتها أن المعارضة أسوأ بما في ذلك الأحزاب التقليدية والحركات المسلحة، كما اننى لا اعتقد انها تمثل البديل الأفضل .
وأشار الضيف ألى أنه سبق له ان عمل عن قرب مع قادة المعارضة فى التجمع الديمقراطى فى أسمره، وانه حين التقى الشخصيات الناشطة والاسماء اللامعة فى العمل السياسى لاول مرة فى عام 1998 كان مبهورا بهذه الاسماء ،ولكن هذا الانبهار سقط من الجلسة الاولى، وقال : أدركت تماما أن هذه المجموعة لن تقود السودان الى الافضل وانها لا تشكل بديلا أفضل للحكومة باى حال من الاحوال . وقد وكتبت بعد ذلك عن تآكل التجمع الوطنى الديمقراطى .
قضايا شرق السودان
عن قضايا منطقة شرق السودان قالمحمد عثمان ابراهيم أنها كانت ساحة للحرب مثل جنوب السودان ومثل ما حدث فى دارفور وما يحدث الآن يحدث الان فى النيل الأزرق . وأشار الى ان قضية البجا قضية قائمة وقديمة ، فالبجا واحدة من الشعوب الأصلية فى السودان . وهم يتناقصون بشكل مريب ، فبعثات الأمم المتحدة وجدوت ظاهرة غريبة تتمثل فى ان أن بعض قرى البجة لا يوجد بها أطفال دون الثامنة . كما ان هناك حصار امنيا على منطقة كبيرة فى جنوب السودان جنوب طوكر ، تتعامل معها الحكومة السودانية باعتبارها منطقة امنية ، وهذه المنطقة لا يمكن ان تدخلها حتى لزيارة اهلك الا باذن من جهاز الامن والمخابرات ، رغم ان هذه المنطقة دار سلام وليست دار حرب، وهى دار اسلام وليست دار كفر ، وهى ايضا داخل السودان ولا تقع فى اراض اجنبية . إذن هناك حالة طوارئ غير معلنة فى شرق السودان . والمبعوث الأمريكى سكوت جريشن كان يريد أن يزورمنطقة البحر الاحمر ولم يحصل على التصريح من وزارة الخارجية الا بصعوبة .
وأشار الكاتب إلى القضية التى تعرف باسم شهداء 26 يناير ، حين حدثت تظاهرة فى قبل سنوات حدثت تظاهرة قبل سنوات وأتت السلطات بقوات خاصة وقتلت الناس . ولم تقم الحكومة بأى عملية التحقيق أومحاسبة الجناة، وإن كانت تقر بفعلتها لأنها قدمت الدايات لأهالى الضحايا . الامر الذى يجعل الملف مفتوحا حتى الآن .
فشل العمل السياسى فى شرق السودان
أوضح محمد عثمان وجهة نظرة حول فشل العمل السياسى فى شرق السودان، قائلا ان ذلك يعود الى ان القبيلة هىى التى تقوم بعمل الحزب السياسى او منظمات المجتمع المدنى، فهى حاضرة فى كل تفاصيل حياة الانسان فى الزواج والطلاق والعمل والمرعى، فهى فاعلة فى كل تفاصيل حياة الانسان الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهذا يؤدى الى فشل العمل السياسى او التنظيمى فى شرق السودان لان القبيلة تقوم عنك بكل شئ، وفى بعض المناطق تجد أن القبيلة هى التى تقوم بدور الحكومة وهى السلطة الحقيقية. ومن ثم فان خلق اطار جديد مدنى لهؤلاء الناس بالمخالفة للنتماء القبلى يعد مسألة صعبة للغاية . وحينما قمنا بمحاولة لتجنيد الناس فى إطار عملنا فى مؤتمر البجا، كانوا الكثير من الناس يرون انهم لم يتضرروا من الحكومة إلا من بعد ان نشط العمل السياسى وظهر العمل المسلح .
وقال محمد عثمان ان مؤتمر البجا لم ينجح، وان فوزه فى الانتخابات لم يكن حقيقيا، فحزب الشعب الديمقراطى قاطع الانتخابات آنذاك وأعضاء حزب الشعب المنتمين إلى قبائلهم فى السودان لم يجدوا طريق لدخول البرلمان إلا عن طريق مؤتمر البجه لذلك صوتوا لصالح هذا المؤتمر ، وفعليا لم يحقق مؤتمر البجة أى نجاح .
وحتى حينما أعلن فمؤتمر البجا الكفاح المسلح ضد السلطة فى عام 1994 ، كان الإعلان من الناحية العملية اريتريا وكان التنفيذ أيضا اريتريا، تحت دعوى أن اريتريا ترد بعض الدين لشعب شرق السودان الذى ساندهم وقت الثورة الاريترية . لكن الكفاح المسلح والأهداف التى رفعت لم تتحقق، وتم توقيع اتفاقية شرق السودان بواسطة الاريتريين، وتم تسريح أفراد الجيش الخاص بالبجا، ولم يتم استعاب سوى 50 فردا منهم فى القوات المسلحة او الاجهزة الامنية، رغم ان خبرتهم تقتصر على الحرب والأعمال العسكرية ، وقد قدمت التعويضات لبعضهم وتم اعتقال البعض الاخر، وهذا جزء من مشكلات شرق السودان الكامنه ، فاى اطار تنظيمى يتم انشاؤه سوف يجد فى هؤلاء المسرحين مقاتلين جاهزين، كما ان قوات الشيخ محمد عمر طاهر مازالت كامنه وان كانت لا تستطيع الافصاح عن نفسها او القيام باى عمل ما لم تجد عمقا فى الجوار ، وكما نلاحظ فان استقرار العلاقات السودانية الارترية يرتبط بطبيعة وتطور العلاقات مع اثيوبيا، واذا تدهورت العلاقات فانه يمكن استنهاض العنف الكامن .
فشل القيادات البجاوية
وحاليا فان وأكبر نجاح لمؤتمر البجا هو منصب مساعد رئيس الجمهورية الذى يشغله موسى محمد أحمد ، وهو ليس متعلم ، ويعتبر ممثل البجة فى السلطة. ورغم موقعه لا يعتد به الولاه فلا يستقبلونه عند زيارته للشرق ، حتى أهله لا يكنون له التقدير فوجوده فى القصر الرئاسى مثل عدمه . اما وزير الداخلية الحالى فهو من أبناء شرق السودان ورغم انه شخص محترم، إلا ان التاريخ سيكتب أن اهله فى البحر الاحمر محاصرون وكل ما فعله أنه أعد قافلة وأرسلها تحت دعوى أن هذه منطقة أمنية وهى قابلة للالتهاب والسلطة تضعها تحت الطوارئ .
واستطرد محمد عثمان قائلا ان القيادات البجاوية فشلت فى الدفاع عن مصالح أهلها لأسباب مختلفة ، والآلية التى يتم بها استيعاب الناس فى السلطات ضمن حكومة الإنقاذ أنه لابد أن تبطش بأهلك . وأغلبية أبناء البجا المستوعبون فى السلطة ايتصفون بالفساد أو يسعون إليه . وهؤلاء يعملون بحيث يكونون ممثلين لحكومة الخرطوم عند أهليهم وليس العكس . كما ان العديدين من أبناء البجا الذين تعلموا واقاموا فى المدن يرفضون العودة إلى مناطقهم، حيث سوف يفتقدون البنيات التحتية ووسائل الحياة الحديثة . وهم ما يعرف بخيانة المثقف لأهله، فهو منعزل عنهم ولكنه يصر على تمثيلهم . وأشار إلى أن أبناء البجا فى الخارج يحاولون الان انشاء هيئة تتحدث عن مناطقهم، مع عدم الادعاء بتمثيلهم، بمعنى انهم يحاولون بث الوعى حول القضايا والطرق الانسب لحلها، دون الاشتغال المباشر بالعمل السياسى ، وهذا ربما كان قريبا من المنطق الذى كان يتبعه المفكر والكاتب المصرى الراحل احمد لطفى السيد ، اى التاثير ليس فى الناس مباشرة وانما فيمن يؤثرون فى الناس .
التحذير من عودة العنف
وقد اكد محمد عثمان فى ختام حديثه ان عنوان حديثه ليس تحذير الحكومة السودانية من عودة الحرب فى شرق السودان وانما التبصير والقاء الضوء حول امكانية قيام حرب فى هذه المنطقة .
وشدد على أن الوضع فى شرق السودان سئ جدا وان المنظمات والمراكز الغربية تهتم بهذا الجزء من السودان، وضرب مثلا بمركز هادسون فى الولايات المتحدة الى يقيم ندوات منتظمة حول اوضاع وقضايا البجا فى شرق السودان ، كما أشار الى وجود فريق من المنظمات التبشيرية التى تسعى للقيام بعمل تبشيرى فى هذه المنطقة رغم ان اهلها بالكامل مسلمون، وقال ان هناك موقع عنوانه البجا دوت كوم مخصص لهذه المنظمات وبه الكثير من التفاصيل وان المنظمات التبشيرية ترى أن وضعهم سئ جدا وربما يتجهون إلى تغيير دينهم لتحسين أوضاعهم . فى الوقت الذى تتعامل فيه الحكومة تتعامل مع شرق السودان بعدم تقدير حقيقى لمطالبهم، وانتقد سلوك الحكومة قائلا ان خلال المؤتمر الذى انعقد فى الكويت لتنمية شرق السودان ذهب لحضورة وفد حكومى من 200 شخص متسائلا عن طبيعة مهمة هؤلاء وما فائدتهم ، وسرد كثيرا من التفاصيل فى هذا الخصوص.
وشدد محمد عثمان على انه اذا كان البجا قد استسلموا لاوضاعهم فان هذا قد لايستمر طويلا ، واذا قام البجا بالثورة فانهم سوف يتضررون كما سوف تتضرر السلطة القائمة، واكد انه ككاتب لا يسعى لذلك ولا يدعو اليه ، ولكنه يأمل ان يكون جزء من ضمير السلطة مازال حيا وان تكون هناك بقعة ضوء من اجل الاصلاح .
وقد أثارت مقولات الكاتب الكثير من النقاشات والاتفاق والاختلاف وحظيت بتعقيبات رصينه من الدكتوره اجلال رافت اساتاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة التى قالت ان الكاتب مازال يعول على نظام ثبت بالتجربة عدم قدرته على الاستجابة ، وكذلك عقب عدد من الناشطين السودانيين على راسهم حمور زيادة وعبدة حماد وحماد صابون. كما حضر الندوة المستشار الاعلامى لسفارة اريتريا بالقاهرة الذى التزم الصمت ولم يشارك فى التعقيب .