الكنداكة صباح والبرهان (البوُّ)!!
عبدالله مكاوي
27 February, 2023
27 February, 2023
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسلامويون بعد انقلابهم المشؤوم احتكروا كل الفرص، ووفروا كل سبل التطوير والتأهيل لكوادرهم حصرا. والاسوأ من ذلك، اظهروا حقدا عجيبا تجاه الطبقة السياسية، وكرها مقيتا وغير مبرر تجاه المجتمع. لدرجة لم يمنعهم معها، افقار الشعب واذلاله ومحاربته في رزقه دون هوادة، بل لم يستثنوا حتي مساحة دردقات الصبية المعدمين في الاسواق! وبذات القدر الذي سمح لهم باستباحة موارد البلاد، وبذلها مجانا للغرباء، ولشراء رضا سادتهم في الخارج. وبعد قيام الثورة وبدل ان يتعظ الاسلامويون ويراجعون انفسهم ويعتذرون عن اخطاءهم ويكفرون عن جرائمهم، ازدادو كرها للشعب وحقدا علي فرصته ورغبته في العيش الكريم كمواطنين احرار في بلادهم ومن حقهم الاستمتاع بثرواتهم. ليعيدو سيرة انقلاباتهم الكارثية، وما يتبعها من ادخال البلاد في نفق اشد اظلام، وواقع اكثر خراب، وتهديدا اكثر مخاطر علي بقاء البلاد وسلامة المجتمع. ليصبح السؤال ليس من اين اتي هؤلاء؟ ولكن كيف امكن وجود هؤلاء؟
ولحسن الحظ، كل هذا التضييق والحرمان والقهر، لم يمنع كثير المواهب من الانفلات من قبضتها، بعد تمسكها بفضيلة العزيمة والجدية ومقاومة اغراءات وتهديدات ازلام النظام، والتزام جادة قيم ومصالح شعبها. لتفرض وجودها في كافة المجالات، وعلي الاخص الاعلام، بوصفه الاكثر عرضة للحصار والتضييق، لارتباطه بحرية التعبير، كاكبر اعداء الانظمة الشمولية (وهي بطبعها ليست اكثر من اكذوبة يراد لها ان تصبح حقيقة).
وفي هذا الاطار تبرز الاستاذة صباح محمد الحسن، كاحد نجوم الاعلام والصحافة علي وجه الخصوص، وهي تثبت اقدامها في بلاط صاحبة الجلالة يوما بعد يوم، حتي وصولها مرحلة ان يصبح عمودها علي صحيفة الجريدة والصحف الالكترونية، واحد من اهم الاعمدة الصحفية. وهذا بالطبع ليس مصادفة، ولكنه نتاج جهود ومثابرة وطموح مشروع، وقبلها التزام لدور الصحافة، كمنبر كشف وتنوير ومسؤولية تجاه المجتمع. وكل ذلك ما وجد تعبيراته في مساحة عمودها، الذي يحتشد بابراز القضايا الجادة والاهتمام بالاولويات والبعد عن الاسفاف والقضايا الانصرافية. وكذلك ازالة الابهام عن المستغلقات من الاحداث، وتقديم تحليلات مستبصرة للمستعقد من الوقائع الملتبسة، والتصريحات المرواغة، بصورة بسيطة وواضحة. لتصبح واحدة من رموز المرحلة المناصرة للتغيير والمدافعة عن الثورة، من موقع الاصالة وليس مجرد التبعية.
واذا كان ما سلف من المشتركات التي تلتقي فيه استاذة صباح مع آخرين لا يقلون عنها صدق واخلاص. فان ما يميز استاذة صباح ويمنحها لقب الكنداكة، هو جسارتها من خلال نبشها عش الدبابير وغوصها في ملفات الفساد المتعلقة بالافراد والمؤسسات، ومجاهرتها بفضح نهبهم وجرائمهم، رغم ما يمتلكونه من نفوذ داخل اجهزة الدولة وتواطؤ اجهزة العدالة، بل اتخاذها كمطية لتصفية الحسابات مع الخصوم! وهو ما يزيد مخاطر الخوض فيها واستقصاء جذورها، في دولة مليشيات ومنظومة همبتة.
وهذا غير وضوحها وجرأتها في التصدي لمخططات واطماع جنرالات المكون العسكري في الاستفراد بالسلطة واستباحة موارد البلاد. وهم في ذلك لا يحتكمون علي اجهزة الدولة ومؤسساتها الباطشة ومواردها فقط، ولكن قبل ذلك ورثوا منصات وكوادر اعلامية كيزانية تاسست علي تلبية طلبات ورغبات هكذا جنرالات! اي دورها الاساس التضليل والتبرير، المدح والتعظيم، وباختصار صنع واقع وهمي موازٍ لواقع النهب والظلم والانتهاكات. وفوق ذلك، التوافر علي ما يسمي خبراء عسكريون، يبدو ان لهم خبرة في كل شئ وقابلية للحديث عن كل شئ، ما عدا ما يتصل بشأن خبرتهم العسكرية المدعاة! وبالطبع هي خبرة من النوعية التي تسئ للثورة وتحرض علي الثوار وتعادي التغيير، وتدافع عن الجنرالات والاسلاميين بطريقة مقززة، فقط كرغبة في استعادة امتيازاتهم التي هددتها الثورة. فكل ذلك يجعل العمل الاعلامي في الداخل شديد التعقيد والمخاطر وخسران حتي الحقوق (المادية والعنوية) البسيطة التي ينالها الصحفيون بشق الانفس. وهذا بدوره يرفع سقف الاحترام والتقدير ليس للاستاذة صباح فقط، ولكن لصحيفة الجريدة كادارة وطاقم صحفيين وكتاب ورئيس تحرير، لتوفيرهم مساحة التعبير وتكبدهم كافة الخسائر والمخاطر. وهو ما يبيح وصف هذه الصحيفة بانها صحيفة الثورة بامتياز، وقبلها كانت صحيفة المصادمة لنظام الانقاذ قبل سقوط مجرم الانقلاب والابادة البشير.
والبرهان كعادته يختبئ خلف الواجهات لتمرير اهدافه واطماعه ورغباته، وهذه المرة اختار جهاز الامن لارهاب وتهديد استاذة صباح، بافتعال تهمة هي قبل اي شئ فضيحة في حق البرهان، اذا كان به ذرة من حياء! لان ما يعقتده البرهان انتقاص من حقه من جراء وصفه بالكذب، علي صفحات الصحف ومن قبل الصحفيين، هو في الحقيقة اكثر ما ارتبط بالبرهان منذ ظهوره كما اللعنة، علي واجهة المشهد العسكري والسلطوي!
فالبرهان الذي ما انفك يكذب ويتحري الكذب، ويحنث بالقسم المرة تلو الاخري، ويخون تعهداته ويغدر بشركائه، هو ما الصق به صفة الشخص غير الموثوق والذي لا يعتد باقواله وتعهداته (اي هو من فصيلة ابن سلول وهجم النمر)! والحال كذلك، ما ذكرته صباح وغيرها الكثيرون، الجميع يعلمه وبما في ذلك راعي الضان في الخلاء وشفع الروضة في حضانتهم، وقبل ذلك تعلمه القوات المسلحة وجهاز الامن، واحتمال يعلمون اكثر من ذلك بكثير! ولكن الفارق ان استاذة صباح تمتلك من الشجاعة، ما يُمكِّنها من التصريح بما علمته، عكس القوات المسلحة بضباطها وامكاناتها واحتكارها لموارد الدولة، ولكنها رغم ذلك اعجز من ان تواجه البرهان بحقيقته، رغم ما احدثه من خسائر في حقها، وجرائم في حق المجتمع والدولة!
فالبرهان هو اكبر من صنع اكذوبة في حق نفسه وصدقها، ليتصور نفسه جنرال كبير وقائد همام ورئيس مؤهل لقيادة البلاد منفردا. وهذه الاكذوبة وتصديقها، هي من حولته لاكبر كاذب في تاريخ السياسة السودانية دون ان يطرف له جفن. لدرجة هو نفسه لا يلقي لاقواله وتعهداته بالا، لنشهد اقوالا وافعالا متناقضة في فترة لا تتعدي اليوم الواحد! اما المأساة الحقيقية، فهي تتعدي تصديقه لاوهامه واكاذيبه، للعمل بمقتضاها! وهو ما اورثنا جريمة اعتصام القيادة والشراكة الضيزي والانقلاب علي الفترة الانتقالية، والاسوأ من ذلك ان اصراره علي البقاء في صدارة المشهد، سيوردنا موارد الهلاك.
لكل ذلك وصف البرهان بالبوُّ (وهو جلد العجل الميت يُحشي بالتبن لخداع امه حتي تدر اللبن) ليس فيه اساءة للبرهان، في حال لم تكن فيه تقليل من اهمية البو! والذي رغم تصميمه الصنمي إلا ان يشتمل علي فوائد كالاستفادة من الجلد وتقليل حزن الام وتسريع نزول اللبن من ضرعها. اما البرهان فكل ما نعلمه عن مسيرته التاريخية انه احد مهندسي الابادة الجماعية في دارفور ومؤسسي الدعم السريع ومصدري المرتزقة لليمن. اما عندما وضعه القدر والاصح سوء القدر في طريق الثورة، واصبح امام فرصة تاريخية لتسجيل اسمه في سجل العظماء، ووضع بلاده في طريق الحرية والتنمية والرخاء. نجده اختار طوعا الاستجابة لانانيته وجهله وخلفيته الاجرامية! ليستبدل فرصة كونه شخصية تاريخية ووطنية، الي واقعة انه اصبح اكبر نكبة مُنيت بها ثورة نبيلة وشعب يستحق كل خير!
وعموما ما يربط بين البرهان والبو هو الحشو. وفي حالة البرهان تحل محل التبن، الاوهام والاكاذيب والاطماع والمخاوف. كما ان كلاهما يستخدم لتنفيذ اجندة واغراض تختص بالمستخدمين. واكثر من يعلم ذلك ويوظفه لمصلحته، هم اعداء الشعب والطامعون في نهب ثروات الوطن.
واكثر هؤلاء خبث وخطورة هم الكيزان. ومن دلائل خبثهم انهم لا يحرضون البرهان مباشرة للاستيلاء علي السلطة من اجل المحافظة علي مصالحهم. ولكنهم يرتبون له الاعراس الجماعية، ويهيئون له المسرح ليخطب فيه كما سلفه البشير الذي يقتدي به. وكذلك يرسلون له الوفود المناطقية (كالمناصير) طلبا منه التدخل لحلها كقائد فرد للبلاد! اي الكيزان يعلمون نقاط ضعف البرهان بوصفهم احد صنائعهم، ومن ثمَّ يديرونه من علي البعد بالريموت كنترول (مغازلة رغباته وإثارة مخاوفه).
والمؤثر الآخر الذي لا يقل خطورة هو الاستخبارات المصرية، التي لا تتحكم في البرهان فقط، ولكن قبله الجنرلات المتواجدين علي ارضها، ويعملون كعقل مدبر للبرهان! وكذلك امتدت سيطرتها علي كبير المراغنة ومكونات عدة من اجنحة الحزب الاتحادي! وبسبب تغلغلها داخل الارض السودانية ومعرفتها كل كبيرة وصغيرة عن اوضاعنا ومكوناتنا الاجتماعية، فقد امتدت سيطرتها وتاثيرها علي الادارات الاهلية وعلي الخصوص مكونات الشرق (نموذج ترك وايلا)، والحركات المسلحة، وشريحة معتبرة من المجتمع المدني والاعلاميين. والحال ان خطورة الاستخبارات المصرية تتخذ منحي مخيف، لاستنادها علي مخططات استراتيجية واطماع وجودية، في مقابل سذاجة وقصر نظر ومصالح ضيقة للنخب العسكرية الانقلابية، التي ظلت علي الدوام تتحكم في مصير الدولة السودانية.
والطرف الثالث، الذي يشمل الحركات المسلحة وبقية مكونات تحالف الموز، هو الاقل تاثير، بل الاصح هو عامل تابع وليس مستقل. ويتمثل دوره فقط في قطع الطريق علي انتصار الثورة، ودفع استحقاقات الدولة المدنية والتحول الديمقراطي. ولذلك يكتفي بالفتات من فَئ البرهان، بعد تقديم كل فروض الولاء والطاعة!
ولكن ذلك لا يمنع ان جبريل ابراهيم بعد اكتشافه مدي غفلة البرهان ولهفته علي البقاء في سدة السلطة باي ثمن. ان يمرر كل اهدافه الخاصة ومخططاته للاستيلاء علي موارد الدولة، وتمكين افراد اسرته وحركته في كل مفاصل الدولة المختصة بالمال والنفوذ، وتحميل البرهان كل اوزار سياسته، وبما فيها تفطيس المواطنين الفقراء بكثرة الجبايات ومضاعفة الضرائب وتردي الخدمات!
ولكن كل هذا جانب، وقدرات جبريل علي تسنم هكذا وظيفة تمثل عصب حركة الدولة واحوال المواطنين جانب آخر. فجبريل وفي هذه المدة التي سطا فيها علي منصب وزير المالية، اظهر فقر معرفي وجهل بمهام وظيفته، اقل ما يقال انه مُخجل! وكذلك ابتعاده نهائيا عن المصطلحات واللغة الاقتصادية! وهو ما يدعو للتشكيك ليس في نيله درجة الدكتوراة، ولكن حتي في وعيه بمبادئ علم الاقتصاد، التي تثبت مروره بمرحلة الدراسة الجامعية! وكل من يعتقد انني اتحامل علي فكي جبريل، فدونه الحلقات المسجلة مع دكتور ابراهيم البدوي في قناة سودان بكرة. فمهما اختلف الشخص مع برامج وسياسة دكتور ابراهيم البدوي، إلا انه يجد نفسه امام كفاءة علمية وخبرة عملية ومواكبة لاساليب عمل ونظم الاقتصاد الدولية، لا يشق لها غبار. وعندها فقط يتاكد ان جبريل ابراهيم ليس اكثر من عنقالي، استفاد من تآمر العسكر علي المدنيين، ليرتقي مرتقا ما كان له ان يرتقيه. اما بقية طفيليات تحالف الموز، فهي احقر من ان تفرد لها نصف كلمة.
واما البرهان فامره عجبا، ليس بعامل الصدفة السيئة او التآمر علي الثورة الذي جعله يتصدر مشهدها، ولكن في الاساس لعدم قدرته رغم محاولاته المستميتة والفرص المجانية التي اتيحت له، ان ينجح مرة واحدة في اختبار منصب القيادة. فبداية تسنمه المنصب استهله بكفر، وهو تحية السيسي والوقف له انتباه، وجلوسه ومن خلفه خريطة مصر وهي تضم الاجزاء المحتلة من بلده! ليعقبها بلقاء نتنياهو منفردا او الاصح متسللا كاللصوص! لتستمر مؤامراته علي حكومة هو علي سدتها، وبما في ذلك قفل الطريق القومي الذي ينقل قوت البلاد وتمر عبره صادراتها! ولينتهي به المطاف للقيام بانقلاب فاشل، عجز ليس عن تسويقه ولكن حتي الخروج من ورطته باقل الخسائر! وياتي الكيزان اخيرا لتوريطه في مهزلة الاعراس الجماعية، التي لا تليق بقائد دولة محترم تشغله امهات القضايا! ووسط كل هذه الفوضي والاخطاء والجرائم، لا يني البرهان يشنف اسماعنا المرة تلو الاخري، عن المشاكل والمصاعب والمخاطر التي تحيط بالبلاد، والاوضاع السيئة التي يعيشها العباد! وكأنه ضيف طارئ علي هذه الدولة المنكودة، وليس المسؤول الاول عن ما الم بها من كوارث!
ولسوء حظ البرهان، انه فقد فرصته التاريخية، بعد ان فقد مصداقيته، وخرج من قلوب وعقول كل من يرجو لهذه البلاد خيرا، او يعي شرو نقير عن متطلبات القيادة واحتياجات الراهن. والاسوأ من ذلك ان مصير البلاد وحياة العباد ارتبطت بقرارات يتخذها البرهان، اذا ما ظلت الاوضاع علي ما هي عليه، دون حدوث مفاجآت يصعب توقعها. وهي عموما قرارات تتارجح بين خيارين، اما قراره بالخروج من المشهد نهائيا، مصطحبا معه بقية ضباط المكون العسكري، شركاؤه في الجرائم. وهو ما يعني رد العافية لمشروع الانتقال وخلاص البلد وشعبها. وهو للاسف يبدو قرار بعيدا المنال (اضغاث احلام)، بناء علي تجربة وممارسات وجرائم واطماع البرهان ومكونه العسكري. واما ان يقرر الكنكشة في السلطة علي دارج عهد الجنرالات العسكريين، ومن ثمَّ يراهن علي التلاعب والمماطلة حتي يستطيع احكام سيطرته علي السلطة، وهو السيناريو الاقرب للحدوث، وهو بدوره يحمل مؤشرات خراب مالطا وذهاب ريحها.
واخيرا
الثورات العربية يبدو انها تاخرت كثيرا، بعد ان وصلت تعقيدات القضايا المشاكل لمرحلة تستعصي علي العلاج. وبلغة القُدرة يبدو ان قوة دفع الثورات اقل من قدرتها علي حل الاستعصاءات. لاننا والحال هذه، لسنا حيال دول معطوبة يمكن اصلاحها، ولكننا بالاحري حيال دول منهوبة لكل ما له قيمة او منفعة، اي شئ اقرب لخيال المآتة. وما زاد الطين بلة، ان الثورات تاتي في ظروف معادية واحيانا غير مكترثة بالثورات وتضحياتها ورغبة شعوبها في الانعتاق والتحرر. وهذا غير فقدان النموذج الديمقراطي لكثير من بريقه، تحت ضربات الشعبوية واستنزاف المصالح الراسمالية. وليُفتح بعدها الباب عريضا لهجمة مرتدة من القوي الرجعية والفلول ومصالح متعهدي الدولة العميقة. لتُنكب الثورات بعودة حكم الجنرالات الارهابي الدموي، مجسد في نموذج السيسي والبرهان/حميدتي/المكون العسكري وحفتر والحوثي وبن تبون. اما النموذج الاكثر مهزلة للردة الثورية، فهو بالتاكيد النموذج (الموميائي التونسي للدكتاتورية) الذي يجسده قيس سعيد. الذي يبدو انه يعيش في مقبرته الخاصة، ومن ثمَّ يجر تجربة تونس الاكثر تاهيل لنجاح وتطبيق نموذج الدولة المدنية والتحول الديمقراطي، الي تلك المقبرة التي يسكنها وتسكنه. اما من يدعم قيس سعيد نكاية في الاسلاموين! فهو يضحي بضياع النموذج الديمقراطي، الذي يضمن نجاحه، تجفيف مصادر ومسوغات وبيئة انتاج الاسلامويين، الذين يستثمرون في خطاب المظلومية والبديل الاسلاموي عن الدكتاتوريات! والاسوا من ذلك انه يجعل خطاب ومبررات دعم النماذج الديمقراطية اكثر هشاشة بافتقارها للاتساق والمبدئية. اي كمن يجدع انفه لينتقم من وجهه كما يقال. ودمتم في رعاية الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسلامويون بعد انقلابهم المشؤوم احتكروا كل الفرص، ووفروا كل سبل التطوير والتأهيل لكوادرهم حصرا. والاسوأ من ذلك، اظهروا حقدا عجيبا تجاه الطبقة السياسية، وكرها مقيتا وغير مبرر تجاه المجتمع. لدرجة لم يمنعهم معها، افقار الشعب واذلاله ومحاربته في رزقه دون هوادة، بل لم يستثنوا حتي مساحة دردقات الصبية المعدمين في الاسواق! وبذات القدر الذي سمح لهم باستباحة موارد البلاد، وبذلها مجانا للغرباء، ولشراء رضا سادتهم في الخارج. وبعد قيام الثورة وبدل ان يتعظ الاسلامويون ويراجعون انفسهم ويعتذرون عن اخطاءهم ويكفرون عن جرائمهم، ازدادو كرها للشعب وحقدا علي فرصته ورغبته في العيش الكريم كمواطنين احرار في بلادهم ومن حقهم الاستمتاع بثرواتهم. ليعيدو سيرة انقلاباتهم الكارثية، وما يتبعها من ادخال البلاد في نفق اشد اظلام، وواقع اكثر خراب، وتهديدا اكثر مخاطر علي بقاء البلاد وسلامة المجتمع. ليصبح السؤال ليس من اين اتي هؤلاء؟ ولكن كيف امكن وجود هؤلاء؟
ولحسن الحظ، كل هذا التضييق والحرمان والقهر، لم يمنع كثير المواهب من الانفلات من قبضتها، بعد تمسكها بفضيلة العزيمة والجدية ومقاومة اغراءات وتهديدات ازلام النظام، والتزام جادة قيم ومصالح شعبها. لتفرض وجودها في كافة المجالات، وعلي الاخص الاعلام، بوصفه الاكثر عرضة للحصار والتضييق، لارتباطه بحرية التعبير، كاكبر اعداء الانظمة الشمولية (وهي بطبعها ليست اكثر من اكذوبة يراد لها ان تصبح حقيقة).
وفي هذا الاطار تبرز الاستاذة صباح محمد الحسن، كاحد نجوم الاعلام والصحافة علي وجه الخصوص، وهي تثبت اقدامها في بلاط صاحبة الجلالة يوما بعد يوم، حتي وصولها مرحلة ان يصبح عمودها علي صحيفة الجريدة والصحف الالكترونية، واحد من اهم الاعمدة الصحفية. وهذا بالطبع ليس مصادفة، ولكنه نتاج جهود ومثابرة وطموح مشروع، وقبلها التزام لدور الصحافة، كمنبر كشف وتنوير ومسؤولية تجاه المجتمع. وكل ذلك ما وجد تعبيراته في مساحة عمودها، الذي يحتشد بابراز القضايا الجادة والاهتمام بالاولويات والبعد عن الاسفاف والقضايا الانصرافية. وكذلك ازالة الابهام عن المستغلقات من الاحداث، وتقديم تحليلات مستبصرة للمستعقد من الوقائع الملتبسة، والتصريحات المرواغة، بصورة بسيطة وواضحة. لتصبح واحدة من رموز المرحلة المناصرة للتغيير والمدافعة عن الثورة، من موقع الاصالة وليس مجرد التبعية.
واذا كان ما سلف من المشتركات التي تلتقي فيه استاذة صباح مع آخرين لا يقلون عنها صدق واخلاص. فان ما يميز استاذة صباح ويمنحها لقب الكنداكة، هو جسارتها من خلال نبشها عش الدبابير وغوصها في ملفات الفساد المتعلقة بالافراد والمؤسسات، ومجاهرتها بفضح نهبهم وجرائمهم، رغم ما يمتلكونه من نفوذ داخل اجهزة الدولة وتواطؤ اجهزة العدالة، بل اتخاذها كمطية لتصفية الحسابات مع الخصوم! وهو ما يزيد مخاطر الخوض فيها واستقصاء جذورها، في دولة مليشيات ومنظومة همبتة.
وهذا غير وضوحها وجرأتها في التصدي لمخططات واطماع جنرالات المكون العسكري في الاستفراد بالسلطة واستباحة موارد البلاد. وهم في ذلك لا يحتكمون علي اجهزة الدولة ومؤسساتها الباطشة ومواردها فقط، ولكن قبل ذلك ورثوا منصات وكوادر اعلامية كيزانية تاسست علي تلبية طلبات ورغبات هكذا جنرالات! اي دورها الاساس التضليل والتبرير، المدح والتعظيم، وباختصار صنع واقع وهمي موازٍ لواقع النهب والظلم والانتهاكات. وفوق ذلك، التوافر علي ما يسمي خبراء عسكريون، يبدو ان لهم خبرة في كل شئ وقابلية للحديث عن كل شئ، ما عدا ما يتصل بشأن خبرتهم العسكرية المدعاة! وبالطبع هي خبرة من النوعية التي تسئ للثورة وتحرض علي الثوار وتعادي التغيير، وتدافع عن الجنرالات والاسلاميين بطريقة مقززة، فقط كرغبة في استعادة امتيازاتهم التي هددتها الثورة. فكل ذلك يجعل العمل الاعلامي في الداخل شديد التعقيد والمخاطر وخسران حتي الحقوق (المادية والعنوية) البسيطة التي ينالها الصحفيون بشق الانفس. وهذا بدوره يرفع سقف الاحترام والتقدير ليس للاستاذة صباح فقط، ولكن لصحيفة الجريدة كادارة وطاقم صحفيين وكتاب ورئيس تحرير، لتوفيرهم مساحة التعبير وتكبدهم كافة الخسائر والمخاطر. وهو ما يبيح وصف هذه الصحيفة بانها صحيفة الثورة بامتياز، وقبلها كانت صحيفة المصادمة لنظام الانقاذ قبل سقوط مجرم الانقلاب والابادة البشير.
والبرهان كعادته يختبئ خلف الواجهات لتمرير اهدافه واطماعه ورغباته، وهذه المرة اختار جهاز الامن لارهاب وتهديد استاذة صباح، بافتعال تهمة هي قبل اي شئ فضيحة في حق البرهان، اذا كان به ذرة من حياء! لان ما يعقتده البرهان انتقاص من حقه من جراء وصفه بالكذب، علي صفحات الصحف ومن قبل الصحفيين، هو في الحقيقة اكثر ما ارتبط بالبرهان منذ ظهوره كما اللعنة، علي واجهة المشهد العسكري والسلطوي!
فالبرهان الذي ما انفك يكذب ويتحري الكذب، ويحنث بالقسم المرة تلو الاخري، ويخون تعهداته ويغدر بشركائه، هو ما الصق به صفة الشخص غير الموثوق والذي لا يعتد باقواله وتعهداته (اي هو من فصيلة ابن سلول وهجم النمر)! والحال كذلك، ما ذكرته صباح وغيرها الكثيرون، الجميع يعلمه وبما في ذلك راعي الضان في الخلاء وشفع الروضة في حضانتهم، وقبل ذلك تعلمه القوات المسلحة وجهاز الامن، واحتمال يعلمون اكثر من ذلك بكثير! ولكن الفارق ان استاذة صباح تمتلك من الشجاعة، ما يُمكِّنها من التصريح بما علمته، عكس القوات المسلحة بضباطها وامكاناتها واحتكارها لموارد الدولة، ولكنها رغم ذلك اعجز من ان تواجه البرهان بحقيقته، رغم ما احدثه من خسائر في حقها، وجرائم في حق المجتمع والدولة!
فالبرهان هو اكبر من صنع اكذوبة في حق نفسه وصدقها، ليتصور نفسه جنرال كبير وقائد همام ورئيس مؤهل لقيادة البلاد منفردا. وهذه الاكذوبة وتصديقها، هي من حولته لاكبر كاذب في تاريخ السياسة السودانية دون ان يطرف له جفن. لدرجة هو نفسه لا يلقي لاقواله وتعهداته بالا، لنشهد اقوالا وافعالا متناقضة في فترة لا تتعدي اليوم الواحد! اما المأساة الحقيقية، فهي تتعدي تصديقه لاوهامه واكاذيبه، للعمل بمقتضاها! وهو ما اورثنا جريمة اعتصام القيادة والشراكة الضيزي والانقلاب علي الفترة الانتقالية، والاسوأ من ذلك ان اصراره علي البقاء في صدارة المشهد، سيوردنا موارد الهلاك.
لكل ذلك وصف البرهان بالبوُّ (وهو جلد العجل الميت يُحشي بالتبن لخداع امه حتي تدر اللبن) ليس فيه اساءة للبرهان، في حال لم تكن فيه تقليل من اهمية البو! والذي رغم تصميمه الصنمي إلا ان يشتمل علي فوائد كالاستفادة من الجلد وتقليل حزن الام وتسريع نزول اللبن من ضرعها. اما البرهان فكل ما نعلمه عن مسيرته التاريخية انه احد مهندسي الابادة الجماعية في دارفور ومؤسسي الدعم السريع ومصدري المرتزقة لليمن. اما عندما وضعه القدر والاصح سوء القدر في طريق الثورة، واصبح امام فرصة تاريخية لتسجيل اسمه في سجل العظماء، ووضع بلاده في طريق الحرية والتنمية والرخاء. نجده اختار طوعا الاستجابة لانانيته وجهله وخلفيته الاجرامية! ليستبدل فرصة كونه شخصية تاريخية ووطنية، الي واقعة انه اصبح اكبر نكبة مُنيت بها ثورة نبيلة وشعب يستحق كل خير!
وعموما ما يربط بين البرهان والبو هو الحشو. وفي حالة البرهان تحل محل التبن، الاوهام والاكاذيب والاطماع والمخاوف. كما ان كلاهما يستخدم لتنفيذ اجندة واغراض تختص بالمستخدمين. واكثر من يعلم ذلك ويوظفه لمصلحته، هم اعداء الشعب والطامعون في نهب ثروات الوطن.
واكثر هؤلاء خبث وخطورة هم الكيزان. ومن دلائل خبثهم انهم لا يحرضون البرهان مباشرة للاستيلاء علي السلطة من اجل المحافظة علي مصالحهم. ولكنهم يرتبون له الاعراس الجماعية، ويهيئون له المسرح ليخطب فيه كما سلفه البشير الذي يقتدي به. وكذلك يرسلون له الوفود المناطقية (كالمناصير) طلبا منه التدخل لحلها كقائد فرد للبلاد! اي الكيزان يعلمون نقاط ضعف البرهان بوصفهم احد صنائعهم، ومن ثمَّ يديرونه من علي البعد بالريموت كنترول (مغازلة رغباته وإثارة مخاوفه).
والمؤثر الآخر الذي لا يقل خطورة هو الاستخبارات المصرية، التي لا تتحكم في البرهان فقط، ولكن قبله الجنرلات المتواجدين علي ارضها، ويعملون كعقل مدبر للبرهان! وكذلك امتدت سيطرتها علي كبير المراغنة ومكونات عدة من اجنحة الحزب الاتحادي! وبسبب تغلغلها داخل الارض السودانية ومعرفتها كل كبيرة وصغيرة عن اوضاعنا ومكوناتنا الاجتماعية، فقد امتدت سيطرتها وتاثيرها علي الادارات الاهلية وعلي الخصوص مكونات الشرق (نموذج ترك وايلا)، والحركات المسلحة، وشريحة معتبرة من المجتمع المدني والاعلاميين. والحال ان خطورة الاستخبارات المصرية تتخذ منحي مخيف، لاستنادها علي مخططات استراتيجية واطماع وجودية، في مقابل سذاجة وقصر نظر ومصالح ضيقة للنخب العسكرية الانقلابية، التي ظلت علي الدوام تتحكم في مصير الدولة السودانية.
والطرف الثالث، الذي يشمل الحركات المسلحة وبقية مكونات تحالف الموز، هو الاقل تاثير، بل الاصح هو عامل تابع وليس مستقل. ويتمثل دوره فقط في قطع الطريق علي انتصار الثورة، ودفع استحقاقات الدولة المدنية والتحول الديمقراطي. ولذلك يكتفي بالفتات من فَئ البرهان، بعد تقديم كل فروض الولاء والطاعة!
ولكن ذلك لا يمنع ان جبريل ابراهيم بعد اكتشافه مدي غفلة البرهان ولهفته علي البقاء في سدة السلطة باي ثمن. ان يمرر كل اهدافه الخاصة ومخططاته للاستيلاء علي موارد الدولة، وتمكين افراد اسرته وحركته في كل مفاصل الدولة المختصة بالمال والنفوذ، وتحميل البرهان كل اوزار سياسته، وبما فيها تفطيس المواطنين الفقراء بكثرة الجبايات ومضاعفة الضرائب وتردي الخدمات!
ولكن كل هذا جانب، وقدرات جبريل علي تسنم هكذا وظيفة تمثل عصب حركة الدولة واحوال المواطنين جانب آخر. فجبريل وفي هذه المدة التي سطا فيها علي منصب وزير المالية، اظهر فقر معرفي وجهل بمهام وظيفته، اقل ما يقال انه مُخجل! وكذلك ابتعاده نهائيا عن المصطلحات واللغة الاقتصادية! وهو ما يدعو للتشكيك ليس في نيله درجة الدكتوراة، ولكن حتي في وعيه بمبادئ علم الاقتصاد، التي تثبت مروره بمرحلة الدراسة الجامعية! وكل من يعتقد انني اتحامل علي فكي جبريل، فدونه الحلقات المسجلة مع دكتور ابراهيم البدوي في قناة سودان بكرة. فمهما اختلف الشخص مع برامج وسياسة دكتور ابراهيم البدوي، إلا انه يجد نفسه امام كفاءة علمية وخبرة عملية ومواكبة لاساليب عمل ونظم الاقتصاد الدولية، لا يشق لها غبار. وعندها فقط يتاكد ان جبريل ابراهيم ليس اكثر من عنقالي، استفاد من تآمر العسكر علي المدنيين، ليرتقي مرتقا ما كان له ان يرتقيه. اما بقية طفيليات تحالف الموز، فهي احقر من ان تفرد لها نصف كلمة.
واما البرهان فامره عجبا، ليس بعامل الصدفة السيئة او التآمر علي الثورة الذي جعله يتصدر مشهدها، ولكن في الاساس لعدم قدرته رغم محاولاته المستميتة والفرص المجانية التي اتيحت له، ان ينجح مرة واحدة في اختبار منصب القيادة. فبداية تسنمه المنصب استهله بكفر، وهو تحية السيسي والوقف له انتباه، وجلوسه ومن خلفه خريطة مصر وهي تضم الاجزاء المحتلة من بلده! ليعقبها بلقاء نتنياهو منفردا او الاصح متسللا كاللصوص! لتستمر مؤامراته علي حكومة هو علي سدتها، وبما في ذلك قفل الطريق القومي الذي ينقل قوت البلاد وتمر عبره صادراتها! ولينتهي به المطاف للقيام بانقلاب فاشل، عجز ليس عن تسويقه ولكن حتي الخروج من ورطته باقل الخسائر! وياتي الكيزان اخيرا لتوريطه في مهزلة الاعراس الجماعية، التي لا تليق بقائد دولة محترم تشغله امهات القضايا! ووسط كل هذه الفوضي والاخطاء والجرائم، لا يني البرهان يشنف اسماعنا المرة تلو الاخري، عن المشاكل والمصاعب والمخاطر التي تحيط بالبلاد، والاوضاع السيئة التي يعيشها العباد! وكأنه ضيف طارئ علي هذه الدولة المنكودة، وليس المسؤول الاول عن ما الم بها من كوارث!
ولسوء حظ البرهان، انه فقد فرصته التاريخية، بعد ان فقد مصداقيته، وخرج من قلوب وعقول كل من يرجو لهذه البلاد خيرا، او يعي شرو نقير عن متطلبات القيادة واحتياجات الراهن. والاسوأ من ذلك ان مصير البلاد وحياة العباد ارتبطت بقرارات يتخذها البرهان، اذا ما ظلت الاوضاع علي ما هي عليه، دون حدوث مفاجآت يصعب توقعها. وهي عموما قرارات تتارجح بين خيارين، اما قراره بالخروج من المشهد نهائيا، مصطحبا معه بقية ضباط المكون العسكري، شركاؤه في الجرائم. وهو ما يعني رد العافية لمشروع الانتقال وخلاص البلد وشعبها. وهو للاسف يبدو قرار بعيدا المنال (اضغاث احلام)، بناء علي تجربة وممارسات وجرائم واطماع البرهان ومكونه العسكري. واما ان يقرر الكنكشة في السلطة علي دارج عهد الجنرالات العسكريين، ومن ثمَّ يراهن علي التلاعب والمماطلة حتي يستطيع احكام سيطرته علي السلطة، وهو السيناريو الاقرب للحدوث، وهو بدوره يحمل مؤشرات خراب مالطا وذهاب ريحها.
واخيرا
الثورات العربية يبدو انها تاخرت كثيرا، بعد ان وصلت تعقيدات القضايا المشاكل لمرحلة تستعصي علي العلاج. وبلغة القُدرة يبدو ان قوة دفع الثورات اقل من قدرتها علي حل الاستعصاءات. لاننا والحال هذه، لسنا حيال دول معطوبة يمكن اصلاحها، ولكننا بالاحري حيال دول منهوبة لكل ما له قيمة او منفعة، اي شئ اقرب لخيال المآتة. وما زاد الطين بلة، ان الثورات تاتي في ظروف معادية واحيانا غير مكترثة بالثورات وتضحياتها ورغبة شعوبها في الانعتاق والتحرر. وهذا غير فقدان النموذج الديمقراطي لكثير من بريقه، تحت ضربات الشعبوية واستنزاف المصالح الراسمالية. وليُفتح بعدها الباب عريضا لهجمة مرتدة من القوي الرجعية والفلول ومصالح متعهدي الدولة العميقة. لتُنكب الثورات بعودة حكم الجنرالات الارهابي الدموي، مجسد في نموذج السيسي والبرهان/حميدتي/المكون العسكري وحفتر والحوثي وبن تبون. اما النموذج الاكثر مهزلة للردة الثورية، فهو بالتاكيد النموذج (الموميائي التونسي للدكتاتورية) الذي يجسده قيس سعيد. الذي يبدو انه يعيش في مقبرته الخاصة، ومن ثمَّ يجر تجربة تونس الاكثر تاهيل لنجاح وتطبيق نموذج الدولة المدنية والتحول الديمقراطي، الي تلك المقبرة التي يسكنها وتسكنه. اما من يدعم قيس سعيد نكاية في الاسلاموين! فهو يضحي بضياع النموذج الديمقراطي، الذي يضمن نجاحه، تجفيف مصادر ومسوغات وبيئة انتاج الاسلامويين، الذين يستثمرون في خطاب المظلومية والبديل الاسلاموي عن الدكتاتوريات! والاسوا من ذلك انه يجعل خطاب ومبررات دعم النماذج الديمقراطية اكثر هشاشة بافتقارها للاتساق والمبدئية. اي كمن يجدع انفه لينتقم من وجهه كما يقال. ودمتم في رعاية الله.