الكوندوم: معركة في غير معترك
بابكر فيصل بابكر
2 June, 2011
2 June, 2011
boulkea@yahoo.com
جاء في أخبار صحف الأسبوع الفائت أنّ نائبا في البرلمان تقدّم بمسألة مستعجلة لوزير الصحة حول موضوع أستخدام الواقي الذكري وقدّم النائب مسألته إلى رئاسة البرلمان مطالباً بإستدعاء الوزير بصورة فورية. وانتقد النائب بشدة إنتشار إستخدام الواقي واتهم وزارة الصحة بتوزيعه في الجامعات.
من الواضح أنّ لمسألة النائب البرلماني المستعجلة جانبان. أحدهما أعتراضه على أستخدام الواقي من حيث المبدأ وثانيهما أتهامه لوزارة الصحة بتوزيعه في الجامعات. و سأحاول في السطور التالية تناول جانبي المسألة التي طالب فيها النائب بالأستدعاء الفوري لوزير الصحة للأستجواب.
بداية يجب التأكيد على أنّ الواقي ليس شرا مستطيرا أو بعبعا مخيفا ولكنه ببساطة وسيلة للسيطرة على الأنجاب ولمحاولة تفادي أنتقال الأمراض الناتجة عن العلاقات الجنسيّة. و من الممكن أستخدامه في أطار العلاقة الزوجيّة المشروعة أو خارجها. وبينما يعترض البعض على أستخدامه خارج أطار الزواج, فأنّ هناك من يرفض اللجوء اليه كلية. وأغلب الاراء الرافضة له تستند الى منطلقات دينية.
أمّا أستخدامه في أطار العلاقة الزوجيّة فهو أمر مباح من الناحية الشرعيّة اذا لم يكن الهدف الغائي منه هو القطع النهائي للنسل. فهو يفيد معنى العزل الجائز الذي قال بخصوصه جابر رضى الله عنه : ( كنا نعزل والقران ينزل ) وزاد عليه مسلم بالقول : ( فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا ) وهو قول يعني أنّ العزل كان يتم في عصر الرسول (ص) وفي زمن نزول القران الكريم.
الذين يعترضون على أستخدام الواقي خارج أطار الزواج يقولون أنّ الترويج له يعتبر دعوة مفتوحة لممارسة الرذيلة وشيوع الزنا والفاحشة ويفضّلون اللجوء للوعظ الأخلاقي والديني الداعي للأمتناع ممارسة الجنس خارج أطار العلاقة الزوجيّة. وهذا الأتجاه الداعي للأمتناع عنAbstinence يمثل الحل الجذري والأمثل لمعالجة قضية الممارسة الجنسية خارج أطار الزواج وما يترتب عليها من عواقب وخيمة ممثلة في الأمراض الخطيرة والحمل المؤدي للأنجاب غير الشرعي.
غير أنّ واقع الحياة لا يتطابق مع هذا الوضع المثالي المنشود فممارسة الجنس خارج أطار الزواج حقيقة ماثلة في كل مجتمعات الدنيا و لا يمكن تجاوزها والقفز عليها كما أنّ عواقبها ( الأمراض والأنجاب) أصبحت تشكل خطرا أقتصاديا وأجتماعيا حقيقيا على دول كثيرة وعلى وجه الخصوص الدول الفقيرة في العالم الثالث. وبالتالي فأنه لا بدّ من أن توجد لها حلول عمليّة تمنع أنتشار الأمراض الخطيرة وتوقف الحمل و الأنجاب غير الشرعي في ذات الوقت الذي تستمر فيه المناداة بالحل الجذري الذي يدعو للأمتناع عن الممارسة الجنسية خارج أطار الزواج.
فيما يلي الأنجاب غير الشرعي في السودان فأنّ الأحصاءات تكشف أرقاماً خطيرة ومخيفة. ففي العام 2000م بلغ عدد الوافدين الجدد إلى دار المايقوما 800 طفل , 304 منهم ذكور بينما بلغ عدد الاناث 496 . وشهد شهر ديسمبر من ذات السنة أكبر دخول للأطفال فاقدي السند حيث بلغ عددهم في ذلك الشهر 79 طفلاً 34 منهم من الذكور و45 من الاناث. وفي العام 2010 م بلغ عدد الأطفال الذين أودعوا إلى الدار1416 طفلاً ,عدد الأناث 463 وعدد الذكور 953 . وشهد شهر اكتوبر من ذات العام دخول 81 طفلاً كأكثر الشهور استقبالاً للأطفال غير الشرعيين بالدار. بينما استقبلت الدار في العام 2011 حتى نهاية شهر أبريل 256 طفلاً سجل شهر أبريل الماضي أعلى نسبة دخول حيث سُجل في ذلك الشهر 97 طفلاً بمعدل 2-3 أطفال في اليوم.
ومن الضروري هنا الأشارة الى أنّ هذه الأرقام محافظة للغاية ولا تعكس الحجم الحقيقي لهذه المأساة الأنسانية فهناك أعداد كبيرة من الأطفال مجهولي الأبوين لا يتم التبليغ عنهم ولا يصلون لدورالرعاية حيث يتم التخلص منهم بطرق مختلفة مثل القتل والدفن والقذف في الأبار ومنهم من يصبح لقمة سائغة للحيوانات وغير ذلك من الأساليب التي تحول دون العثور عليهم وتحويلهم لتلك الدور.
أمّا الأمراض المنتقلة بواسطة الجنس وأخطرها الأيدز فهى في تزايد مضطرد. وبحسب أحصاءات برنامج الأمم المتحدة للأيدز فأنّ عدد المصابين بهذا المرض في السودان يتراوح بين 210 – 330 ألف مصاب. وهذه الأحصائية كذلك لا تعكس الأرقام الحقيقية لأعداد المصابين بمرض الأيدز لأنّ هناك مجموعات كبيرة منهم لا يتم الوصول اليها بسبب ضعف الموارد و الأمكانات الطبية أضافة للموانع الثقافية والأجتماعية التي تقف حائلا دون أن يكشف المرضى عن أصابتهم بذلك المرض.
في مواجهة هذه الحقائق المخيفة فأنّه لا بد من أعمال كل الأساليب والوسائل المتاحة لتجنب المخاطر الناتجة عن ممارسة الجنس خارج أطار الزواج. وأكثر هذه الوسائل فعالية حتى الان هو الكوندوم.
فبحسب برنامج الأمم المتحدة للأيدز فأنّ الواقي الذكري يعتبر الوسيلة الوحيدة الفعّالة المتوفرة لتقليل خطر أنتقال الأيدز والأمراض الأخرى التي تنتقل بواسطة الأتصال الجنسي وأنه في حال أستخدام الواقي الذكري بأستمرار و بطريقة سليمة فأنّ خطر أنتقال مرض الأيدز يقل بنسبة تتراوح بين 80 – 95 %. أمّا وكالة الأغذية والدواء الأميركية فقد أجازت أستخدام الواقي الأنثوي بنسبة فعالية تتراوح بين 94 – 97 % في تقليل خطر الأصابة بمرض الأيدز.
وفيما يخص موضوع الحمل فأنّ أحصاءات جمعية الحمل الأميركية تفيد بأنّ نسبة نجاح الواقي الذكري في منع حدوثه قد تصل الى 98 % اذا تم أستخدام الواقي بصورة مستمّرة و بطريقة سليمة.
بجانب المشاكل الثقافية والأجتماعية التي تحول دون أستعمال الواقي بصورة واسعة فأنّ مشكلة الأسعار المرتفعة لهذه الوسيلة لا تجعلها في متناول قطاعات كبيرة من المواطنين الذين يعانون أصلا من الفقر. ولذا توّجب على وزارة الصحة والجهات المختصة في المجال أن تقوم بتوفير الواقي مجانا بحيث يكون في متناول الفئات المحتاجة. وهذا ما يجيب على الشق الثاني من المسألة المستعجلة التي طالب فيها النائب البرلماني بأستدعاء وزير الصحة بعد اتهامه للوزارة بتوزيع الواقي في الجامعات.
الرؤية الدينية المستنيرة يجب أن تؤيد أستخدام الواقي لتجنب الحمل والأنجاب غير الشرعي دون أن يعني ذلك الترويج للفاحشة أستنادا الى القاعدة الفقهية التي تنادي بدرء المفاسد الكبرى بالمفاسد الصغرى. فالذي يزني يرتكب مفسدة واحدة يتحمل وزرها ويعاقب عليها, أمّا الذي يزني وينجب طفلا غير شرعي فهو يرتكب مفسدة أكبر (مفسدتين) تعود أحداهما بالضرر على المجتمع ككل.
انّ الحفاظ على النفس هو أحد أهم المقاصد الكلية للتشريع الأسلامي. وبالتالي فأنّ في ضمان حفظ النفس مصلحة وفي أهدار الحفاظ عليها مفسدة يجب دفعها. وما دام الغرض من أستخدام الواقي هو الحفاظ على النفس بتجنيبها التعرّض للأمراض المهلكة فأنّ في ذلك مصلحة يجب عدم تفويتها.
غير أنّ الأمر المحيّر حقا في المسألة المستعجلة التي تقدم بها النائب البرلماني هو تجاهل ذلك النائب لمشاكل أكثر خطرا ولأخفاقات أكبر أثرا لوزارة الصحة. فقد كان مؤملا أن يستعجل النائب أستجواب وزير الصحة في أمور مثل تحسين شروط خدمة الأطباء التي أضطرتهم لتنفيذ أضرابات متواصلة أو النظر في الأوضاع المتردية للمستشفيات الحكومية أو الرقابة على مستوصفات الخمسة نجوم الخاصة أو كيفية تخفيض تكلفة العلاج الباهظة أو النظر في الأخطاء الطبية التي أنتشرت بصورة غير مسبوقة في تاريخ السودان وغير ذلك من الموضوعات التي يتأثر بها ملايين المواطنين.
انّ أستخدام الواقي لا يتعارض أو يتناقض مع الدعوة للأمتناع عن ممارسة الجنس خارج أطار الزواج بل هو مكمّل لها. ولذا فأنّه يتوجب ترك الوزارة والجهات ذات الصلة تقوم بدورها في هذا الصدد بينما تقوم البقيّة بدورها في الوعظ والأرشاد. وعندما تتكامل الجهود سنحرز تقدما في هذا المضمار مثل الذي أحدثته دولة يوغندا التي أستطاعت أن تقلل عدد المصابين بمرض الأيدز بصورة كبيرة بأعتماد خطة شاملة تستند الى الأمتناع والأخلاص في الزواج وأستخدام الكوندوم.
ختاما نقول : على النوّاب البرلمانيين أن يلعبوا دورهم الدستوري المنوط بهم بمسئولية وطنية وأخلاقية تراعي هموم الشعب وأولوياته ودون أهدار للوقت والموارد في نقاش موضوعات يكون القصد من وراء التداول حولها هو مجرّد الأثارة والفرقعة الأعلامية واللعب على عواطف الناس.