اللغة الإنجليزية … السقوط المريع
الفاضل حسن عوض الله
5 May, 2012
5 May, 2012
fadil awadala [fadilview@yahoo.com]
عمود سطر جديد – السبت17 مارس 2012
كم من القراء المخضرمين يذكر ذلك الخطاب التاريخى باللغة الإنجليزية الذى ألقاه السيد محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء فى أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بإسم الدول العربية عقب هزيمة يونيو 1967 ؟ كنا يومها طلاباً نخطو نحو أولى سنوات المدرسة الثانوية ، ورغم أن حصيلتنا فى اللغة الإنجليزية لم تتطاول الى بهاء كلمات المحجوب ونصاعة لغته الإنجليزية إلا أن إحساساً بالفخر الغامر ملأ أنفسنا ونحن نشاهده بقامته المهيبة وتمكنه الحاذق وإلقائه الساحر فوق منصة الأمم المتحدة . ولم يكن المحجوب فريد زمانه فى هذا التفرد المبدع والإتقان الذى يتطلع للكمال فى اللغة الإنجليزية ، بل كان كل ذاك الجيل من الرعيل الأول للخدمة المدنية على ذات المستوى الرفيع خصوصاً جيل الرواد من الديبلوماسيين السودانيين ... قامات باسقة مثل مبارك زروق ومحمد عثمان يس وخليفة عباس العبيد وجمال محمد أحمد وبشير البكرى ورحمة الله عبد الله وغيرهم من الأفذاذ الذين نقلوا خبراتهم وتفوقهم الى أجيال مجيدة لاحقة من الديبلوماسيين السودانيين . كل هذا المجد طوته السنوات فأضحى هشيما ذرته رياح التمكين والصالح العام فقد حكى واحد من هذا الجيل وكان قد شغل مناصب دستورية رفيعة فى العهد المايوى وشغل مثلها على عهد الإنقاذ ... حكى يقول أنه كان بصدد الإجتماع مع مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية فطلب أن ينضم إليه فى هذا اللقاء واحد من شباب الشئون الخارجية لكتابة محضر الإجتماع ، فجاءوه بأحد شباب التمكين وبعد أن فرغ الإجتماع إلتفت المسؤول نحو الشاب ليراجع المحضر فوجد الورقة فى يد الشاب بيضاء من غير سؤ ، فأستفسره عن السبب وكان الرد : ( سيادتك ... أصلو الوزيرة دى كانت بتتكلم بى سرعة وما قدرت أفهم منها حاجة ) !
وعلى ذات المنوال حدثنى أحد الذين حضروا محاضرة البروفسير بيتر ودورد أستاذ العلوم السياسية بجامعة ريدينغ والتى نظمها مركز مامون بحيرى للدراسات والبحوث بعنوان ( إشكالية الهوية فى السودان ) ... حدثنى عن ذاك الشاب المجتهد المثابر والذى تحدث بعد عدد من الحضور الرفيع الذين صاغوا تعقيبهم بالإنجليزية فأبتدر حديثه باللغة العربية وهو يعتذر ويقول أنه ورغم كونه جامعياً وحائز على درجة الماجستير إلا أنه مضطر للحديث بالعربية لأنه ببساطة لا يستطيع صياغة السؤال بالإنجليزية لبؤس زاده منها ، فدوت القاعة بالتصفيق لشجاعته .
هذا الواقع المحزن اللغة الإنجليزية فى بلادنا تزيده كآبة تلك التصريحات المنسوبة لوزير التعليم العالى والبحث العلمى وهو يقول : ( نحن نرفض التوسع فى تدريس اللغة الإنجليزية .. من أراد تعلم اللغات فعليه الذهاب للمعاهد والبعثات الخاصة ) ، ومن المحزن والمؤسف أن هذا التصريح إن صحّ يأتى من جهة يُفترض فيها الإمساك بملف التعليم العالى والبحث العلمى فى بلادنا .
قبل بضع سنوات إستضاف أحد برامج المسابقات بالإذاعة شاب جامعى وسأله المذيع عن المرادف فى اللغة الإنجليزية لكلمة ( ملكة ) فرد الشاب بأنها ( كنق KING ) فأفهمه المذيع أنه يريد الملكة وليس الملك ، عندها رد الشاب قائلاً : ( كنقا KINGA ) !